الصحافة الكويتية: عُمان تؤسس شراكاتها الاقتصادية المهمة دون ضجيج
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
العُمانية: أفردت وكالة الأنباء ووسائل الإعلام والصحف الكويتية الصادرة اليوم مساحات واسعة في افتتاحياتها وعناوينها لتؤكد على حجم الترحيب الكبير بزيارة الـ«دولة»، التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى دولة الكويت الشقيقة.
وجاءت عناوين الصحف وافتتاحياتها لتؤكد على المواقف التاريخية لسلطنة عُمان خلال العقود الثلاثة الماضية والعلاقات الأخوية الثنائية بين حكومتي وشعبي البلدين الشقيقين التي ترتكز على جذور راسخة من المحبة المتبادلة والمصير والأهداف الاستراتيجية المشتركة تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح - حفظهما الله ورعاهما.
وفي هذا السياق ومن خلال تقرير إخباري نقلته الصحف وأعدته وكالة الأنباء الكويتية أكدت فيه على أنه «بعد الزيارة التاريخية لحضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت إلى سلطنة عُمان في السادس من فبراير الماضي تأتي زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم إلى دولة الكويت تأكيدًا على حرص قيادتي البلدين الشقيقين على تعزيز علاقاتهما التاريخية وترسيخ أواصرها، لافتة إلى أن زيارة سمو أمير دولة الكويت إلى مسقط دشنت مرحلة جديدة من العلاقات الوثيقة بين البلدين الشقيقين حيث عقد محادثات مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سادها جو ودي عكس روح الأخوة والرغبة المشتركة في المزيد من التعاون والتنسيق على كل الصعد».
وتطرق التقرير إلى المحادثات بين البلدين الشقيقين ومسيرة العلاقات الأخوية الوثيقة التي تربطهما ومختلف جوانب التعاون الثنائي بما يدعم ويعزز تلك العلاقات ويحقق مزيدًا من تطلعاتهما المشتركة نحو الازدهار والتطور والرخاء، إضافة إلى السعي نحو مزيد من الشراكة لتوسعة أطر العمل لدعم وتعزيز مسيرة الأشقّاء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأكد على الاحتفاء الرسمي والشعبي بزيارة سمو الشيخ أمير دولة الكويت وما جسّده من استقبال جلالة السلطان المعظم أخاه الذي قلّد سموه «وسام آل سعيد» وهو من أرفع الأوسمة العُمانية تقديرًا واعتزازًا بعمق أواصر الأخوة والصداقة المتينة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.
كما قلّد حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم قلادة «مبارك الكبير» تقديرًا لجلالته وما يبذله من إنجازات وجهود.
ويرتبط تاريخ العلاقات الكويتية - العُمانية بتاريخ وجود الشعبين الشقيقين قبل قرون عديدة كل في أرضه ودياره ولا سيما ما يتصل بالعلاقات التجارية البحرية التي جمعت بين تجار البلدين طوال القرون الماضية.
وأضاف: إن تلك العلاقات التاريخية أسست لعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية، وتشهد تطورًا مستمرًّا بفضل توجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين.
وبيّن أن مواقف سلطنة عُمان المبدئية والمشرّفة تجلّت تجاه قضايا الكويت بأعلى صورها إبّان محنتها عام 1990 خلال غزو النظام العراقي حينما وقفت سلطنة عُمان مع الحقّ الكويتي وأسهمت في تحرير الكويت في فبراير 1991 واستضافت عددًا كبيرًا من مواطنيها أثناء فترة الاحتلال وقدمت لهم كل التسهيلات.
وعلى الصعيد السياسي، تطرق إلى ما شهدته العقود الثلاثة الماضية من تطور مطرد في العلاقات الثنائية وتعزيز للصلات التاريخية القديمة والتعاون المشترك في القضايا الإقليمية والعالمية وتوّجت ذلك كله الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين؛ حيث زار الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح سلطنة عُمان في 18 سبتمبر عام 1991، والتقى خلالها السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراهما- حيث قدّم شكر الكويت لسلطنة عُمان على مواقفها المؤيدة للحق الكويتي خلال محنة الغزو العراقي، وفي 23 ديسمبر عام 1991 زار السلطان قابوس بن سعيد الكويت للمشاركة في القمة الخليجية الـ12 لدول مجلس التعاون الخليجي والتقى خلالها الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وفي 20 مايو عام 2002 زار السلطان قابوس بن سعيد الكويت والتقى الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح للاطمئنان عليه وعلى صحته بعد أن منّ الله تعالى عليه بالشفاء وعودته سالمًا معافى إلى الكويت.
وجاءت صحيفة السياسة الكويتية في افتتاحيتها بعنوان «مرحبًا بسلطان المستقبل العُماني الزاهر» للكاتب أحمد الجار الله قال فيها: لعُمان في وجدان الكويتيين الكثير من الودّ؛ لأن العلاقات قامت منذ القدم على كل معاني الأخوة الصادقة، ولهذا فإن زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد أمير دولة الكويت، تأتي ضمن تاريخ طويل من العلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين، فإذا كانت الكويت بلد الإنسانية التي فتحت قلبها قبل ذراعيها للجميع، فإن عُمان دولة الإخاء التي تحفظ بكل أمانة وعرفان التعاضد ومعاني الأخوة الصادقة.
وأضاف: «لقد أثبتت مسقط خلال العقود الماضية قدرتها في التغلب على المصاعب كافة من أجل حجز موقع لها في مصاف الدول المتقدمة، وأنها قادرة على النهضة وفق رؤية مدروسة، كان عمادها ما رسمه الراحل الكبير السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه-، والتي سار عليها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، فخلال الأعوام الأربعة الماضية من حكمه عمل بفكره النيّر على وضع الأسس الحديثة للدولة».
وأكد أن (كل هذا لم يكن ممكنًا لولا السمات الشخصية التي يتمتع بها سلطانها المثقف صاحب التجربة الرفيعة في العمل العام، المتبحر في العلوم الإنسانية، القادر على المواءمة بين الحديث والتراث لصقل تجربة فريدة من نوعها في الإقليم، كما أنه لا يمكن لدولة أن تنهض من دون استلهام التاريخ والبناء عليه، لهذا فإن سلطنة عمان اليوم مستمرة في مواكبة متطلبات العصر، وتحافظ في الوقت نفسه على قيمها، وتعمل على بنية أساسية تضاهي الدول المتقدمة، بل وأكثر منها، فيما ارتكزت على نظام تعليمي متقدم يحض الفرد على خدمة وطنه من أي موقع كان ضمن «رؤية عُمان 2040» التي وضع أسسها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، لتكون استكمالًا لنهضة ممتدة منذ عام 1970 حتى اليوم، ومنذ تولي جلالته زمام الحكم في عام 2020 تسير بلاده في طريق التقدم والرخاء، وتنعم بالكثير من المشروعات التنموية، وكذلك تعمل على تأسيس شراكات اقتصادية مهمة في الإقليم والعالم أساسها العمل من دون ضجيج، وتأمين فرص العمل للعُمانيين الذين انخرطوا في كل المجالات، ومن دون تكلف، لأنهم يعملون على بناء دولتهم بسواعدهم ويعتمدون على أنفسهم، تماشيًا مع الخطط التنموية ضمن الرؤية التي أطلقها السلطان هيثم بن طارق في عام 2021، ولهذا فإن عُمان اليوم تعد أرضًا واعدة للاستثمار، ومثالًا على ما يمكن أن تعمل عليه الدول النامية من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي).
وفي صحيفة النهار الكويتية وتحت عنوان «حللتم أهلًا.. ونزلتم سهلًا» للكاتب جواد أبو خمسين وقال فيه: يحلّ اليوم ضيفًا على حضرة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله ورعاه - حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه -، في زيارة «دولة» تأتي ترسيخًا لعلاقات الأخوة وأواصر التعاون الممتدة بين الكويت ومسقط على الصعيدين الرسمي والشعبي والمؤكد أن جلالة السلطان المعظم عندما يصل إلى الكويت يكون قد انتقل من بلده إلى بلده ومن وطنه إلى وطنه، فليست الكويت إلا امتداد لعُمان، وليست عُمان إلا امتداد للكويت أما الشعبان الشقيقان فلهما القدر ذاته من العراقة والتاريخ المجيد، إضافة إلى النظرة المتطابقة للوقائع والأحداث في المنطقة والعالم.
وأضاف: إن سلطنة عُمان مثلها مثل الكويت، حققت بنهجها القويم وبسياستها الهادئة نجاحات هائلة داخليًّا وخارجيًّا، ففي الداخل نهضة كبرى، وعمران يفوق الخيال، وإنجازات متعددة تبعث في النفوس الثقة بالحاضر والثقة بالمستقبل، من منطلق أن الإنسان العُماني الذي تحدّى الصعاب، وقهر العقبات ووصل ببلاده إلى ما وصلت إليه من عزٍّ ورفعة وتقدّم قادر على مواصلة الطريق، والاستمرار في البناء، والإضافة إلى ما هو كائن وموجود.
أما على المستوى الخارجي فمكانة سلطنة عمان ومنزلة السلطان واضحتان لكل ذي عينين وكلمتها مسموعة، ورايتها مرفوعة في كل المؤسسات والهيئات الدولية، وجهودها ساطعة وبارزة في التقريب بين الفرقاء، وفي إنهاء الأزمات والخلافات لا على المستوى العربي بل على المستوى العالمي.
وبيّن الكاتب أنه لما بين الكويت وعُمان من الاتفاقات ومذكرات التفاهم بين البلدين وحدهما تشمل كل الأوجه، وتتناول جميع الميادين، إيمانًا منهما بأن التكامل يصنع النجاح، ويفتح آفاقًا جديدة لمزيد من الرفاهية والرخاء.
وغير بعيد عن ذلك كله، أخذت العلاقات الكويتية-العمانية مزيدًا من الزخم بعد المباحثات المثمرة التي جمعت بين حضرة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم خلال الزيارة التي قام بها صاحب السمو مطلع فبراير الماضي إلى العاصمة مسقط في ثاني زيارة خارجية لسموه منذ أن تولى مقاليد الحكم.
وإذا ذهبنا إلى لغة الإحصاءات والأرقام فستكون الرؤية أكثر وضوحًا وأشد نصاعة، وهو ما يعكس التطور الكبير في العلاقات بين البلدين عمومًا، وفي العلاقات الاقتصادية على وجه الخصوص، وتكفي الإشارة إلى أن حجم الاستثمارات الكويتية في سلطنة عمان يتزايد سنويًّا حتى بلغ قرابة المليار ريال عماني، فيما تضاعف حجم التبادل التجاري 300% خلال السنوات الأخيرة.
واختتم الكاتب بالقول «إن الكويتيين والعمانيين على حد سواء ينظرون إلى اللقاءات المتبادلة بين صاحب السمو وجلالة السلطان على أنها توطئة للمزيد من التعاون الخليجي والعربي عامة وليس بين الكويت وعُمان وحدهما، فالكبار وحدهم هم الذين يصنعون التاريخ ويكتبون سطوره، ويحدّدون مساره بما منّ الله به عليهم من الحكمة والنظرة الثاقبة والرأي الرشيد فتحيّة واجبة إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق، وتحيّة واجبة إلى شعبه العظيم في عموم أرجاء سلطنة عُمان وأهلًا وسهلًا بكل عُماني بين أهله الكويتيين.
من جانبه قالت الكاتبة والأديبة عواطف أحمد الحوطي في مقالها بجريدة الجريدة تحت عنوان «عُمان... سلطنة النور وسليلة الدُّر»: مرحبًا بصاحب الرفعة جلالة سلطان عُمان المفدى هيثم بن طارق. مرحبًا بمن تقلّد إرث تاريخ سلطنة عُمان الحديث الذي رسمه جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-. مرحبًا بمن حمل قناديل الوطن المتّقدة للعمل على إتمام الأمانة، وبمن حمل الصحائف البيضاء المضيئة لحنايا الوطن، والتي تركها وديعة للصون والإنجاز. تلك الوديعة التي نشأت عليها الأجيال، وديعة ذات بصمات راسخة على جبين الجبال والصخور والقِفار وموجات البحر وأشرعة السفن العملاقة التي رفرفت عبر التاريخ، وترفرف بين دفّات الرياح.
وتؤكد الكاتبة على أنّ التاريخ لَيُحفر في أعماق الشعوب بأيدي الكرماء وشرف مواقفهم وإخلاص جهودهم. مرحبًا بك صاحب الرفعة جلالة السلطان هيثم بن طارق، يا منْ سرتَ على نهج سلفك، حافظًا الذكرى، مكمّلًا البشرى لهذا الشعب الأصيل، لتبقى سلطنة عُمان ذات حاضرٍ مشرقٍ في مصافّ شعوب الأرض كما أرادها، وكما عمل عليها في سنين عهده الممتد خمسين عامًا أمضاها كالشمس تضيء العتمة لإتمام الأمانة فيُقلّدها أعناق الشرفاء. مرحبًا بحامل الإرث القديم الضارب في التاريخ.
وتعبّر الكاتبة عن ترحيبها بجلالة السلطان هيثم بن طارق في بلده الثاني الكويت، شامخًا بتاريخك وأهلك وما تركه السلطان قابوس -طيّب الله ثراه-. وهنيئًا لإرثه معك، حيث الأبناء رجالًا والأطفال رجالًا، والفتيات أنجمًا متلألئات.
دمت عتادًا للفخر... ولك ملء الكون من الدعوات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ مشعل الأحمد الجابر الصباح البلدین الشقیقین أمیر دولة الکویت حفظه الله ورعاه بین البلدین البلدین ا ع مان ا على أن مرحب ا
إقرأ أيضاً:
هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
في واشنطن وبروكسل والعواصم العالمية، لم يصدق الناس ما شاهدوه على شاشات الأخبار المتواصلة من شرق البحر المتوسط، إذ بمئات ثم آلاف المتظاهرين يحتجون ضد سطة حماس، للمرة الأولى منذ حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وربما المرة الأولى منذ تولي الحركة الحكم في القطاع.
ورغم قصف إسرائيل المتواصل لأهداف داخل القطاع منذ خريف 2023 لكن المحللين والمراقبين يتوقفون على أسئلة ثقيلة ومنها، من يقف وراء الاحتجاجات، هل تقف جهة إقليمية أو دولية أو فريق فلسطيني؟ هل إسرائيل دبرت المسألة؟ أم أن المجتمع الغزاوي هو الذي أفرز تلك الظاهرة؟ وبعدها تأتي موجة ثانية من الأسئلة، هل ستتحول التظاهرات إلى شبه انتفاضة؟ هل تتوسع؟ هل ستطول؟ هل ستنهار أم ستنتصر؟ إن كان ذلك حاصلاً فما السيناريوهات ومستقبل غزة في خضم التطورات الإقليمية والحروب والعلاقات الدولية. ولعلها معادلة مترابطة بين إيران وميليشياتها، و"السابع من أكتوبر" وحملة إسرائيل رداً عليها، وعامي حرب، وثورة في غزة على حكامها. فلنحاول في هذا المقال أن "نقشر" الحال المعقدة الدموية في القطاع ونفهم ما يجري أو في الأقل ما نراه.
هل هنالك معارضة لحماس في غزة؟بالطبع داخل كل مجتمع قوة مسيطرة وقوة تعارضها، حتى تحت الاحتلال. وهذا كان الوضع في الأراضي الفلسطينية منذ انتهاء الحرب الباردة، منظمة التحرير في الصدارة والحركات الإسلامية تنخر من تحت. ومع وفاة القائد التاريخي ياسر عرفات عام 2004، بدأت الحركة الإسلامية الفلسطينية في تمددها ولا سيما داخل غزة، معقل "الإخوان" التاريخي. ومع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، بدأ صراع وسباق على السلطة، مر بمواجهة دموية انتهت بانقلاب عسكري قامت به حماس ضد فتح، عام 2007 لتسيطر على القطاع لعقدين ونيف، ودخلت فتح وآخرون صف المعارضة. لكن مع مرور الزمن خرجت من داخل المجتمع الفلسطيني مجموعات اجتماعية شبيهة باليسار الليبرالي، ومشاركة في عهد الإنترنت منذ ظهوره. وكانت حماس المسيطرة على القطاع منذ صيف عام 2007 بنت قوة خارقة بعد الانقلاب على فتح، جمعت في مساحتها الدعمين الإخواني والإيراني ما وضع "المعارضة الفتحية" ومعارضة المجموعات الليبرالية في موقف مستحيل، قبل حرب السابع من أكتوبر.
مع اندلاع المواجهة العسكرية بين القوات الإسرائيلية و"المقاومة الإسلامية" في غزة منذ الثامن من أكتوبر، بدأت رحلة الـ18 شهراً من الحرب المدمرة التي تخطت غزة إلى إسرائيل فلبنان، وسوريا، والعراق، واليمن إلى الداخل الإيراني. وهذه الحرب لم تكن كسابقاتها ولم تعد العودة إلى الستاتيكو هي الهدف عند الإسرائيليين.
كسر هيبة حماس والمحورإن تدمير الآلة العسكرية لحماس ومن بعدها حزب الله في لبنان، وتصفية قيادات القوتين الميليشياوية في القطاع ولبنان هزت تدريجاً هيبة حماس، والميليشيات الأخرى داخل المنطقة. فلا إسرائيل تراجعت ولا الدول العربية "انتحرت" في سبيل إنقاذ الجيش الحمساوي. وامتدت الضربات الإسرائيلية إلى حزب الله الحليف الشمالي لحماس، وأقعدته استراتيجياً. واخترقت أسراب من المقاتلات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية وضربت الدفاعات الجوية للنظام وقلمت أظافره، فتقلصت قدرة "الجمهورية الإسلامية" على حماية قطاع غزة، وأدركت القيادة الحمساوية أن "النجدة الخمينية والإخوانية" لن تصل، لا لغزة ولا حتى أطراف الدولة العبرية. ومن وسط الأنقاض والبيوت المدمرة بدأ الناس يتكلمون عن ضرورة وقف الحرب، ليتمكن فلسطينيو القطاع أن "يعيشوا" كبشر. ووصلت الحرب المدمرة إلى حدود انهيار الصبر لدى المجتمع المدني، فسقطت قدسية "المقاومة العسكرية" ضد إسرائيل وبدأت مشروعية "المقاومة السلمية" ضد حماس.
معارضة حماس من أين؟سيتم تجميع الوثائق ومعرفة جذور معارضة حماس خاصة منذ 2007، لكن انتشار مسيرات الغزاويين ضد السلطة الحاكمة في القطاع بات يسلط الضوء على بعض الظواهر الكامنة وراء التحركات الشعبية المتلاحقة. وأهم معارضي حماس وأولهم كانوا ولا يزالون أعضاء وأنصار حركة فتح، ومؤيدي السلطة الفلسطينية، الذين ذاقوا الأمرين من حماس، لا سيما إبان انقلاب عام 2007 وبعده. وبعد "السابع من أكتوبر" بنحو شهرين بدأ على الـ"سوشيال ميديا" ظهور لمجموعات من اللاجئين الخارجين من غزة باتجاه مصر وهم ينددون بتهور حماس، ومسؤوليتها عن الدمار والخسائر الفادحة للأهالي، إلا أن الجو العام للإعلام كان يعكس تأييداً لسلطة حماس، رغم المآسي على الأرض.
لكن ظاهرة أخرى بدأت تهز ثقة الناس في حكامهم، وهي الفيديوهات التي ظهرت عن تعذيب الميليشيات لفتيان داخل غزة متهمين بـ"السرقة"، بما فيه الطعام والخبز، وسربت تقارير عن تصفيات لمن عدتهم الحركة "جواسيس" بينما هم مجرد معارضين للحركة، ولهذه الحرب. وهنا تذمرت جماعات أكبر من المواطنين داخل القطاع من قمع حماس بحقهم. المعترضون حافظوا على امتعاضهم من إسرائيل بسبب القصف لكنهم بدأوا ينتقدون نظامهم، لا سيما أن حماس تنسق حربها مع النظام الإيراني.
انهيار الجسرومع انسحاب جماعة حزب الله، وبعدها سقوط نظام الأسد كلياً، أدركت المعارضة الغزاوية لحماس أن هذه الأخيرة لن تكسب المعركة، وأن إطالة الحرب باتت كارثة. وبحسب بعض المعلومات فإن التحضيرات للتظاهرات بدأت منذ أشهر، وإن هنالك هيئات تنسيق في الداخل تقف وراء المسيرات. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير إعلان الرئيس الأمريكي عن مشروع لنقل أهالي غزة إلى دول أخرى، بينما تُصلح المؤسسات ويُعاد الإعمار. وكان لهذه التصريحات أثر عميق خوفاً من ترك الأرض، بينما حماس تستمر في جهادها ولا تأبه بجهاد الناس الحياتي، فانفجرت الاحتجاجات وتوسعت.