لم يقتصر دعم الحراك المناهض للاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة على الجهات العربية والإسلامية المعروفة تقليديا وعقائديا بدعمها للقضية الفلسطينية، بل امتد ليشمل منظمات يهودية مناهضة للفكر الصهيوني وتوجهات الحكومة الحالية.

وتزامن ذلك مع حملة تحريض واسعة وقمع ضد هذه المنظمات والجهات، بحجة معاداة السامية أو الصهيونية، ودعم "الإرهاب والتطرف".



وتعد منظمتا الصوت اليهودي من أجل السلام، وحركة "ناطوري كارتا" من أكثر الجهات اليهودية التي دعمت الحراك الداعم لفلسطين وتعرضت للهجوم جراء ذلك.

 الصوت اليهودي من أجل السلام
مجموعة تهدف إلى "تعزيز السلام والعدالة والمساواة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين"، ورغم أنها لا تعارض بشكل صريح وجود "إسرائيل"، لكنها تعارض احتلال الأراضي الفلسطينية وتدعو إلى حل عادل ودائم يحترم حقوق وكرامة جميع الناس في المنطقة.

وتأسست المجموعة عام 1996 في سان فرانسيسكو على يد نشطاء مناهضين للاحتلال، بما في ذلك توني كوشنر ونعوم تشومسكي، وهي حركة وطنية تضم نشطاء طلابيين في الجامعات.

وبحسب موقعها الرسمي، تعتمد المجموعة على التمويل الذاتي والتبرعات، وتبلغ ميزانيتها الإجمالية حوالي 3 ملايين دولار، تستخدم هذه الموارد لتعزيز رؤيتها وأهدافها المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة.

We’re proud anti-Zionists at JVP. But what is Zionism and why are we opposed to it? pic.twitter.com/sCby1roSUq — Jewish Voice for Peace (@jvplive) November 28, 2023
وتقدم المجموعة نفسها على أنها "تتصور قطع خرسانة جدار الفصل العنصري منهارة على الأرض الفلسطينية الحرة، والسجون والمعتقلات الإسرائيلية فارغة ومفككة، ونتصور عودة اللاجئين الفلسطينيين ولم شملهم مع عائلاتهم ومجتمعاتهم، ونتصور الفلسطينيين، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وهم يعيشون مع احترام حقوقهم غير القابلة للتصرف، ويبنون المدارس والمستشفيات ويزرعون بساتين الزيتون بالموارد التي يحتاجون إليها".

وينشط ما يقرب من 12 فرعا لها في حرم الجامعات، ويعمل الأعضاء مع فروع أخرى من المجموعات الطلابية المختلفة المناهضة لـ "إسرائيل".

وبعد بدء الحرب الحالية على غزة، دعت المجموعة الحكومة الأمريكية لـ "اتخاذ خطوات فورية لسحب التمويل العسكري لإسرائيل ومحاسبة الحكومة الإسرائيلية على انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين".

ومن جهته، يقول موقع "كاكليست" الإسرائيلي، عن حراك الجامعات الأمريكية والمنظمات الداعمة لفلسطين: "يبدو أن الجهة التي تجاوزت الخط الأحمر وتسببت في أكبر قدر من الغضب هي منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، التي لا توجه أي انتقاد تقريبا للفظائع التي ارتكبت في السابع من أكتوبر".

All Eyes on Rafah.

Israeli tanks are opening fire on Palestinian in Rafah, and the Israeli military has sealed off all crossings into Gaza. Palestinians are completely cut off from aid or fuel. Over 600,000 children in Rafah are at risk of starvation. Drinking water could run… pic.twitter.com/IsdNB4zOc1 — Jewish Voice for Peace (@jvplive) May 10, 2024
وأضاف الموقع أن مجموعة الصوت اليهودي تنشط بشكل رئيسي في الجامعات الكبرى على السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة، وتتمتع بتبرعات من بعض أكبر المؤسسات، وتدعم حركة المقاطعة (BDS) وتشجع السياسيين الذين لديهم مواقف معادية ومناهضة لـ "إسرائيل".

وبهذا، أفادت صحيفة "بوليتيكو" بأن العديد من أكبر المانحين للرئيس الأمريكي جو بايدن، يقدمون الدعم المالي لبعض المنظمين للمظاهرات المؤيدة لفلسطين، ومن بين هؤلاء الرعاة للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، هناك عائلات ذات نفوذ قوي جدا في أوساط الحزب الديمقراطي الأمريكي، ولا سيما عائلة سوروس، وروكفلر، وبريتزكر.

وأكدت الصحيفة أنه تقف خلف الاحتجاجات في حرم جامعة كولومبيا والجامعات الأمريكية الأخرى، منظمات الصوت اليهودي من أجل السلام" وIfNotNow التي تمولها مؤسسة Tides التي أسسها جورج سوروس وتتلقى أموالا من بيل وميليندا غيتس. 

وهذه المؤسسة منحت ما يقرب من 500 ألف دولار لمجموعة الصوت اليهودي من أجل السلام على مدى السنوات الخمس الماضية، وفقا للإقرارات الضريبية.

وأوضح موقع "كاكليست" أن "التظاهرات التي شارك فيها نشطاء المجموعة والمقابلات التي أجروها منذ 7 أكتوبر، تكشف عن خط لا يحمل الكثير من الفهم أو التعاطف مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والعكس صحيح، وسهام انتقادات المنظمة تكاد تكون دائما موجهة نحو إسرائيل وردها العسكري في قطاع غزة".

وذكر أنه في بيان المجموعة الأولي اعترفت بـ "سلسلة الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب، لكنها رفضت إدانة حماس بشكل واضح لا لبس فيه، وشرعت على الفور في الهجوم قائلة: إن جذر العنف هو القمع والفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال وتواطؤ الولايات المتحدة فيه، هذا هو مصدر كل هذا العنف". 

ونتيجة التحريض المستمر، أعلنت جامعة كولومبيا تعليق عمل المجموعة اليهودية مع منظمة طلابية أخرى، بزعم انتهاك لوائح الجامعة فيما يتعلق بإقامة الفعاليات في الحرم الجامعي، وأنهما تستخدمان خطاب "الترهيب والتهديد". 

"ناطوري كارتا" 
وتعني "حارس المدينة"، وهي حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، وتضم مجموعة من النشطاء الذين يمثلون العديد من الذين يدافعون عن اليهودية الحقيقية ويروجون لليهودية التقليدية في معارضة الفلسفة الصهيونية. 

وتعارض الحركة وجود دولة "إسرائيل"، وتدين الاحتلال الصهيوني لفلسطين، إلى جانب إدانة الفظائع المستمرة المرتكبة ضد شعبها، وتؤكد أن الحركة الصهيونية تشكلت من قبل يهود غير ملتزمين بهدف تحويل اليهودية من دين إلى قومية، واستبدال الوفاء بالتوراة بالولاء لحركة سياسية باعتبارها الصفة المميزة لليهودي. 

وتقول الحركة إنه "من أساسيات اليهودية أننا شعب منفي بأمر إلهي، وكان مطلوبا أن نكون مواطنين مخلصين، وليس متمردين أو يشنون حروبا، وكان نفينا من الأرض المقدسة مرسوما إلهيا وسينتهي بأعجوبة في الوقت الذي تتحد فيه البشرية جمعاء في الخدمة الأخوية للخالق، ولذلك فإن أيديولوجية الصهيونية، وهي ابتكار حديث، تسعى إلى إنهاء المنفى بالقوة، تتعارض مع العقيدة اليهودية وآلاف السنين من التقاليد اليهودية المقبولة جيدا".

Should Jews celebrate so called Israeli independence date ?https://t.co/9OsbU75xzc pic.twitter.com/0YNL1MCnYy — Neturei Karta (@NetureiKarta) May 13, 2024
ويشارك أعضاء ناطوري كارتا بنشاط في الأحداث والمظاهرات إلى جانب الفلسطينيين، ويدعوون إلى حل سلمي للصراع وإنهاء السياسات الصهيونية عبر "التفكيك السلمي لدولة إسرائيل".

وجاء في تقرير لموقع "فورورد" المعروف بدعمه لـ "إسرائيل"، أنه "غالبا ما تظهر صور المسيرات المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب مجموعة من الرجال اليهود الأرثوذكس، يرتدون المعاطف السوداء الطويلة وقبعات الفرو الخاصة بالحريديم، مع وجود علامات كبيرة على أجسادهم، ويعد اليهود الحريديم مشهدا نادرا في الاحتجاجات من أي نوع، لكن المجموعة ظهرت في الاحتجاجات في بوسطن، وجيرسي سيتي، ومونتريال، وواشنطن العاصمة، ومانهاتن وبروكلين".

وأضاف التقرير أنهم "ليسوا متظاهرين مضادين؛ وبداً من ذلك، تنتقد إشاراتهم إسرائيل بأقسى العبارات، وتلقي باللوم عليها في كل أعمال العنف التي شهدتها الحرب وتشجع على القضاء التام على الدولة اليهودية، وهي مواقف ترتبط عموما فقط بالجماعات اليسارية المتطرفة - ولا تكاد تكون أبدا مع الجماعات الأرثوذكسية، التي تتماشى مع إسرائيل".

Rabbi Yisroel Dovid Weiss for Neturei Karta International speaking today at a press conference outside the United Nations headquarters in NYC in support of the proposed resolution to recognize Palestine as a full UN member. pic.twitter.com/hbiOXOkmIF — Neturei Karta (@NetureiKarta) May 10, 2024
واعتبر أن "معاداة ناطوري كارتا للصهيونية متطرفة، لدرجة أن معظم الجماعات الأرثوذكسية، تبرأت منها، في حين أن معظم الطوائف الحريدية تقبل دولة إسرائيل العلمانية، حتى وإن لم تؤيدها، تعمل ناطوري كارتا بنشاط على تقويضها والدعوة إلى تفكيكها، وقد تحالفت مع أعداء إسرائيل، بما في ذلك أولئك الذين عبروا عن معاداة السامية بشكل علني، مثل إيران وحزب الله".



وجاءت في اللافتات، التي حملها أعضاء الحركة في التظاهرات المناهضة للحرب: "التوراة تطالب بإعادة كل فلسطين إلى السيادة الفلسطينية، ويهود التوراة الحقيقيون يعارضون العدوان على الأقصى واحتلال كل فلسطين، وأن دولة إسرائيل لا تمثل يهود العالم".

وقد ركزت تصريحات الحركة في المسيرات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الفرق بين اليهودية والصهيونية، والمقارنات بين محنة الفلسطينيين في غزة واليهود خلال المحرقة؛ ويشيرون إلى قيام "إسرائيل" بالمصطلح العربي الفلسطيني النكبة.

وركزت التصريحات أيضا على المعدلات المتزايدة الأخيرة لمعاداة السامية حول الحرب، مؤكدة أن "إسرائيل" هي أصل العنف المتزايد تجاه اليهود. وقال يسرائيل دوفيد فايس، وهو أحد قيادات الحركة خلال تجمع في جيرسي سيتي: “إن دولة إسرائيل باحتلالها شعب فلسطين، تعمل على تفاقم معاداة السامية.. تراجعوا وفكروا في سبب معاداة السامية هذه".

واعتبر التقرير أنه "نظرا لتكتيكات ناطوري كارتا المتطرفة في الماضي، فإن العديد من اليهود، حتى أولئك المناهضين للصهيونية بحماس، يشعرون بالقلق من التحالف مع المجموعة المتهمة "بيع إخوانهم اليهود" من خلال التحالف مع الجماعات المعادية للسامية، فضلا عن استخدام مظهرهم كعملة لتقديم أنفسهم كمتحدثين باسم اليهود".

On Tuesday, May 7, 2024, as Rafah came under attack, an emergency 'Hands Off Rafah' protest was called at the student encampment at McGill University in Montreal at 6 PM, a delegation of Jews attended and expressed their solidarity with the people of Gaza pic.twitter.com/X9cuGvVodO — Neturei Karta (@NetureiKarta) May 8, 2024
وأضاف "تشير العديد من المقالات الأكاديمية إلى أساليبهم في الظهور في الأحداث الكبرى التي يحضرها الصحفيون، معتمدين على ملابسهم الأرثوذكسية لجذب الانتباه إلى قضيتهم".

وبهذا الشأن، تقول رابطة مكافحة التشهير "ADL": إن "اليهود من جميع الأصناف يتبرؤون من المجموعة على نطاق واسع، لكن خطاباتهم المنتظمة في المظاهرات من المحتمل أن تقنع المارة بأن موقفهم ضد إسرائيل منتشر على نطاق واسع بين اليهود المتدينين".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الإسرائيلي ناطوري كارتا الولايات المتحدة إسرائيل الولايات المتحدة حرب غزة ناطوري كارتا الصوت اليهودي من اجل السلام المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاداة السامیة ناطوری کارتا دولة إسرائیل العدید من pic twitter com

إقرأ أيضاً:

هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا

لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.

آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.

لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.

الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.

وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.

فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.

ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.

وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.

مبادرتان استباقيتان

في هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.

صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".

وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.

أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".

والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.

كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".

العامل الأميركي

لم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.

فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.

ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.

وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.

على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.

أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.

وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.

هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لجنة المعلمين السودانيين ترفض السياسة «الفاشلة» لوزارة المالية بخصوص الرواتب
  • إسرائيل تشهد أكبر هجرة منذ عقود.. هل بدأ انهيار الحلم الصهيوني؟
  • بريطانيا ترفض المساواة بين إسرائيل وحماس بعد قرار الجنائية.. وكوربين يوجه رسالة
  • «الجنائية الدولية» ترفض طعنين قدمتهما إسرائيل بشأن صلاحيات المحكمة وولايتها
  • الجنائية الدولية ترفض طعنين قدمتهما إسرائيل بشأن صلاحيات المحكمة وولايتها
  • الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
  • والعالم يحتفل بيوم الطفل .. أطفال اليمن وغزة ولبنان نموذج لأبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا والعدو الصهيوني في ظل صمت دولي (تفاصيل)
  • هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
  • أخنوش: بلادنا تشهد صحوة صناعية و تتعرض لحملات بئيسة
  • حماس تستنكر العقوبات التي فرضتها أمريكا بحق قادة الحركة