على وقع تفاقم أعداد القتلى والمصابين، جراء العدوان الإسرائيلي، المستمر لليوم الـ219، على قطاع غزة، ووصول حصيلة من قضوا إلى 35 ألفا، وتجاوز أرقام المصابين حاجز الـ78 ألف شخص، منذ السابع من أكتوبر الماضي، كشف المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، طاهر النونو لـ«الأسبوع» عن آخر تطورات عملية التفاوض، غير المباشرة، بين الحركة وإسرائيل، برعاية مصرية أمريكية قطرية.

تطرق «النونو» خلال تصريحاته «الخاصة» للصحيفة، إلى ملابسات انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات، على نحو يوحي بتطورات درامية، موضحًا: لماذا تباينت المواقف تجاه ما هو مطروح من «مقترحات مصرية»؟ وهل حقا إسرائيل «معنية» بالتوصل إلى اتفاق هدنة؟ ولماذا لم يحدث اختراق واضح، يحسم ملف الرهائن، الذي يشكل أحد البنود الشائكة بين الحركة والاحتلال؟

شدد «النونو» على أن «هناك 4 مفاتيح أساسية للوصول لأى اتفاق مع الاحتلال: أولها، وقف اطلاق النار الدائم، ثانيا، الانسحاب من قطاع غزة، ثالثا، إنهاء الحصار وإعادة إعمار غزة وإعادة النازحين لأماكن سكنهم، ورابعا، حسم ملف تبادل الأسرى، عبر صفقة مشرفة».

سلط «النونو» خلال تصريحات لـ«الأسبوع» الضوء على الأجواء التي انتهت فيها جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل بالقاهرة، موضحا أنه «قبل هذه الجولة الأخيرة، كانت الحركة قد أبلغت الوسطاء موافقتها الواضحة والصريحة والمباشرة على العرض، الذي قُدم حول وقف اطلاق النار. كان هذا في إطار المرونة، التى أبدتها الحركة خلال الأيام والمراحل الأخيرة من هذه الحرب».

لكن (والكلام للنونو) «بعد ذلك قام الاحتلال باجتياح مدينة رفح ومعبر رفح وأعلن رفضه مقترح الوسطاء، عبر ما وضعه الاحتلال من تعديلات، تعيد الأمور إلى المربع الأول، وبالتالى انتهت جولة المفاوضات الأولى، دون الوصول لوقف لإطلاق النار. ما نشهده، حاليا، من الاحتلال عبر مواصلة القتال بهذه الشراسة، وبهذه الضراوة، تأكيد أنه غير معنى بالوصول لأى اتفاق. هم يخشون الوصول لأى اتفاق».

نقاط خلافية

بخصوص النقاط الخلافية غير المحسومة، قال «النونو» بالنسبة «لحركة حماس عندما وافقنا على ورقة الوسطاء، ومقترحاتها كان يجب على الاحتلال أن يوافق أو يرفض، لكن دخول قوات الاحتلال معبر رفح - من الجانب الفلسطيني- ثم طرح ملاحظات أخرى، كأننا أمام مفاوضات جديدة أمر غير مقبول بالنسبة لنا، لأنه يفتح النقاش، بطريقة توحي كأننا لا نزال في المرحلة الأولى».

يشير «النونو» إلى أن «أهم نقطة خلاف، رفضنا العودة إلى المربع الأول، عبر إعادة النقاش والتفاوض حول الورقة المطروحة من الوسطاء، لاسيما أنها ليست ورقة حماس. نحن جئنا إلى القاهرة لبحث الخطوة التالية لما بعد الموافقة، وليس لإعادة النقاش».

فيما يتعلق بتفسير «النونو» لمضي قوات الاحتلال في خططها المتعلقة بمحافظة رفح الفلسطينية، بالتزامن مع المفاوضات، قال، «هي عملية خداع، يحاول أن يمررها الاحتلال، لكنها لن تمرر علينا. هناك مقترح، وعليهم أن يعلنوا موقفا واضحا منه. جولة المفاوضات انتهت، وبالتالى لن نأمل في المربع الذي يريده الاحتلال».

وحول ماذا إذا نفذ نتنياهو قراراته واجتاح رفح بريًا، يرى «النونو» أن «نتنياهو، حاليا، يجتاح رفح وموجود ونحن سنواصل المقاومة وسنواصل الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومهما فعل نتنياهو على الأرض ومن عدوان على رفح هو في النهاية سيصل لنفس النقطة من عجزه وفشله عن تحقيق أهدافه باستئصال المقاومة أو القضاء على حركة حماس أو بالحصول على الأسرى إلا بالثمن الذي تحدده المقاومة».

تلاعب ومماطلة

عن ملف الرهائن، الذي يظل إحدى أهم نقاط الخلاف، التى تعوق التوصل لاتفاق تهدئة، يقول «النونو» إن «التوتر المرتبط بهذا الملف، مرجعه إصرار الاحتلال على محاولة تجنب وقف اطلاق النار الدائم، كونهم يعتبرونه فشلا لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي يقود الحرب والعدوان على قطاع غزة، ومن ثم يحاول التلاعب بالألفاظ والكلمات، وتعمد المماطلة».

وعن تقييمه للدور المصري في عملية التفاوض، قال «النونو»: «نحن نثمن جهود الأخوة الوسطاء في مصر وقطر، الذين يبذلون جهودا معنا في هذه الوساطة، ونأمل أن تكلل بالنجاح».

عن مدى نزاهة الولايات المتحدة الأمريكية في التفاوض، قال«النونو»: «لم تكن الولايات المتحدة في أى وقت وسيطا، في هذه الحرب. دائما، كانت منحازة للاحتلال. تمده بالسلاح، وتوفر له الغطاء السياسي، وكل مقومات العدوان على غزة، وبالتالي لم نقل في لحظة من اللحظات إن الولايات المتحدة وسيطا. من أين جاء هذا الظن؟!».

الانقسام مستمر

حول وجود علاقات تشاورية بين حماس والسلطة الفلسطينية، من عدمها، قال «النونو» إن «السلطة، أعلنت أنها تقف على الحياد فيما يخص القضية المتعلقة بشعبها، ونحن لا نريد أن نضيف أكثر من ذلك في هذه اللحظة التاريخية»

وعن دور حركة فتح في هذه المرحلة من التفاوض والحرب، أشار إلى أن «حركة فتح، عزلت نفسها بنفسها عن الحرب، وعن التفاوض. أعلنت أنه لا علاقة لها بما يجري في قطاع غزة، ولا أريد أن أضيف في هذا الحديث سلبا أو إيجابا».

عن حدود التنسيق مع أطراف إقليمية في المنطقة، كحزب الله في لبنان، نبه «النونو» إلى أن «هناك تنسيقا بيننا وبين العديد من القوى المقاومة في المنطقة. عمليات التشاور مستمرة. الأخوة في حزب الله قدموا شهداء في هذه الحرب في اطار إسناد المقاومة الفلسطينية، والتضامن معها في قطاع غزة وكذلك أنصار الله -الحوثيون- في اليمن، ولدينا اتصال وتواصل دائم مع المقاومة العراقية، وقوات فجر في لبنان. لنا تواصل مع إيران، نقوم بعملية التنسيق معهم، وتربطنا علاقات قوية».

تحدث «النونو» عن استراتيجية حماس وفصائل المقاومة، قائلا: «استراتيجية الحركة، هي ما تقوم به، حاليا، في عملية إدارة الصراع مع الاحتلال» و«نحن نتمسك بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، والعمل على تحقيق رؤية الشعب الفلسطيني والمقاومة بخصوص إنهاء الحصار وإعادة إعمار غزة، مع إعادة النازحين».

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أبطال المقاومة الفلسطينية أمريكا المقاومة الفلسطينية امريكا جيش الاحتلال حركة حماس حماس رفح الفلسطنية طاهر النونو مصر وقطر قطاع غزة فی هذه

إقرأ أيضاً:

إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب

الكتاب: إيران وحماس، من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى ما لم يرو من القصة
الكاتب: فاطمة الصمادي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات ط1،  الدوحة - قطر 2024
عدد الصفحات:  386.


ـ 1 ـ

عقدت الثورة الإيرانية الصلة بالفصائل الفلسطينية منذ كانت تحشد أنصارها وتجهز نفسها للاستيلاء على الحكم. فمن بريد الإمام الخميني تعرض الباحثة فاطمة الصمادي رسائل له تبادلها مع ياسر عرفات. وأبرز ما نتوقف عنده طلب الإمام الخميني من الزعيم الفلسطيني "التضامن مع شعبه المظلوم وأن يكون صوتاً لهم وأن يسخر وسائل إعلامه لإيصال صوتهم إلى العالم". ومن تورد أخرى وردت عليه من أبو جهاد عبر له فيها عن تضامن حركة فتح مع نضال الشعب الإيراني وعرض عليه وضع إمكانات منظمة التحرير تحت تصرفه وتصرّف معارضي الشاه.

وتذكر أنّ الخميني تفاعل إيجابا مع الرسالة. فعين ممثلا له لدى حركة فتح. ولاحقا عقدت بعض شخصيات الثورة الإيرانية المؤثرة علاقات مع المجموعات الفلسطينية المقاتلة في لبنان خوّل لها أن تفيد من خبراتها القتالية لتدريب العناصر التي أخذت على عاتقها بناء الحرس الثوري بعد أن استقام لها أمر الحكم. وهذا ما كان شاه إيران قد اشتكى منه. فقد قال في مقابلة مع مجلة "الحوادث" اللبنانية "لقد وقفنا، وما زلنا، إلى جانب الفلسطينيين، رغم أن بعض مجموعات المقاومة دربت مخربين إيرانيين على اقتحام أراضينا وقتل الناس وتفجير منشآت مختلفة. نحن نعرف كيف نميز بين عدالة قضية فلسطين والظلم الذي يوجه ضدنا من قبل بعض الفلسطينيين. ما أخشاه هو أن يسمح الفلسطينيون للظروف الدولية بجعل قضيتهم أداة لإستراتيجية سوفيتية أو إستراتيجية دولية أخرى على مصر والسعودية، وسوريا، والدول العربية الأخرى مساعدة الفلسطينيين على تجنب مثل هذه المآزق".

ـ 2 ـ

من الذين أسهموا في تدعيم العلاقات بين الثورة الإيرانية والفصائل الفلسطينية المقاومة أنيس النقاش عضو حركة فتح. فقد كان أول من أطلق تشكيلات المقاومة في جنوب لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1978. وكان هاجسه، فيما تنقل الباحثة عنه، كيفيةَ الاستفادة الروح الثورية في إيران لتفعيل الروح الإسلامية في جنوب لبنان. وبالفعل فقد أثمرت خططه شكلا من أشكال العودة إلى التدين في الكتيبة الطلابية، فبدأت عناصرها وضباطها يترددون على المساجد والحسينيات. وأمكن له استقطاب بعض المتطوعين الإيرانيين الرّاغبين في قتال الإسرائيليين في جنوب لبنان. فقد وكانوا جزءا من الثورة الإيرانية لكن بعد انتصارها حوّلوا وجهتهم إلى القتال في سبيل فلسطين. وبانتصار الثورة شكّلت إيران "وحدة المستضعفين وحركات التحرر". وأرادتها  الجمهورية الإسلامية أداة لتصديرها. وكان من بين العقول الدافعة نحو تركيزها، كل من محمد منتظري الشخصية ومهدي هاشمي (الذي أعدم في عهد هاشمي رفسنجاني بتهم كثيرة على صلة بمناهضة النظام والتحريض على الفتنة). فالرّجلان آمنا بأن قدر الثورة أن تكون عابرة للحدود وأن تتبنى القيم الثورية العالمية المشتركة، وحثا على عقد علاقات خارجية متشعبة تجاوزت المنظمات الإسلامية المعارضة في الخليج والعراق إلى المنظمات الثورية في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وأميركا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني.

ـ 3 ـ

مثل فيلق القدس صياغة جديدة لفكرة "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" ولكن بصورة مؤسسية أكثر. فقد أنيطت بعهدته مهمة تشكيل شبكة من الحلفاء بالخارج لتمثل"جبهة مقاومة قوية في مواجهة الصهيونية وأميركا في المنطقة من البحر المتوسط إلى شرقي آسیا" ولتجعل هدفها تحقيق مبدإ "وقف العدو خارج الحدود". وسيكون الدفاع عن إيديولوجيا الثورة الإيرانية موجهها الرئيسي بدل فكرة التحرّر مطلقا التي كانت تحكم "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" بحيث تكون إيران المركز الذي تخاض الحروب في الخارج حماية له.

شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.يشرح وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقاني سبب تسمية فيلق القدس بهذا الاسم. فيجعلها ترجمة ميدانية لمبدإ "طريق القدس يمر من كربلاء" وتجسيما لفلسفة خامنئي رئيس المجلس الأعلى للدفاع في إيران وقتها وللعقيدة الحربية الإيرانية برمتها التي تتبنى فكرة "الدفاع الفسيفسائي". والمراد بالعبارة خوض أتباع إيران المرتبطين بها عقائديا واقتصاديا وإستراتيجيا معارك صغيرة في بقاع متفرقة يستقل بعضها عن بعض. فإيران وفق خامنئي "لا تريد الآن الدخول بحرب هناك" (واسم الإشارة يعود على جنوب لبنان الذي هاجمته إسرائيل) فطريق القدس يمر من كربلاء. وهكذا يمكن للسلطة المركزية الإيرانية ممارسة الدبلوماسية في المنطقة من دون حضور ميداني عملياتي مباشر . ولكن عند حدوث هجوم أميركي أو إسرائيلي عليها، فبإمكانها أن تخوض حربا فسيفسائية عبر أتباعها وأن تجعل القواعد الأميركية والإسرائيلية في مرمى صواريخها.

ويقرّ علي خامنئي بفضل من أسماهم بـ"ـمدافعي الحرم". فيقول عن عائلاتهم "هذه العائلات لها دين في عنق الإيرانيين جميعًا، فقد قاتل أبناؤها دفاعا عن حريم آل البيت في سوريا والعراق وواجهوا أعداء إيران في الخارج، وبدون هذه المواجهة كان يمكن لهؤلاء الأعداء أن يدخلوا إيران، ولو لم يقفوا في وجههم فإن إيران كانت مجبرة على محاربتهم في كرمنشاه وهمدان وبقية المدن الإيرانية ".

ـ 4 ـ

ولم تغرق الباحثة في التفاصيل الكثيرة إلا لتوفر لنا قاعدة بيانات تخوّل لنا أن نفهم العلاقة بين إيران وحماس التي ستظهر على الساحة في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. وسيُحدث ميلادها تحولا كبيرا في جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فتنتقل من حركة اجتماعية تربوية إلى قوة سياسية عسكرية تزاحم القوى العلمانية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

تعرف حركة حماس نفسها ضمن المادة الثانية من الباب الأول من ميثاقها "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة. في التصور والاعتقاد في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع في القضاء والحكم. في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة". وسيكون لخلفيتها الإيديولوجية وقع كبير على علاقتها مع إيران مدّا وجزرا. فبين هذين المكونين من مكونات الإسلام السياسي من نقاط الالتقاء التي تقرّب بقدر ما بينهما من نقاط الاختلاف التي تباعد. فتتشابه مرتكزاتهما الفكرية في عدة جوانب، أبرزها النظر إلى الإسلام باعتباره أساسا لفلسفة  السياسية ومكانة الشريعة في الحكم وضرورة تطبيقها والموقف من الديمقراطية ومن منزلة المرأة في الأسرة والمجتمع ودورها في السياسية  والموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويختلفان جوهريا فيما يتعلق بالأهداف والأساليب والتفاعل مع السياقات السياسية المحيطة.

ـ 5 ـ

انتصر عرفات إلى صدام حسين عند غزوه للكويت ما جعله يخسر التعاطف الخليجي. ولعلّ موقفه غير الحكيم ما جعله يقود منظمة التحرير الفلسطينية في مسار تسوية أعرج. وبالمقابل، شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.

جعلت هذه التّحولات إيران تناقش صلتها الممكنة بحماس في أعلى دوائر صنع القرار.. ولمّا بدأت الاتصال بها رسميا كان بين قيادات الحركة من يعارض إقامة مثل هذه العلاقات. وتقدّر أنّ إيران تريد عبرها شيئا من القبول في الأوساط السنّية. وكانت  بعض القيادات الإيرانية تعارض بدورها هذه الخطوة. وكانت ظلال" الصراع الشيعي السني كثيفة. ثمّ عقد اجتماع بينهما في أحد فنادق الإمارات العربية المتحدة عام 1990 نقل خلاله الطرف الإيراني رغبته الصريحة في بناء علاقة مع الحركة.

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".ورغم التقارب طلبت حماس تأجيل تفعيل الصلة إلى ما بعد عقد مثلها مع السعودية والعراق. ورفضت مقترح الدعم المالي. ثم زار المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) طهران لأول مرة في سبتمبر1992. فأسست الزيارة تفاهما سياسيا شاملا بشأن القضية الفلسطينية. وفتحت قنوات مختلفة للتعاون في العمل المقاوم. ومثّل إبعاد إسرائيل 415 قياديا فلسطينيا من حماس والجهاد الإسلامي في أواخر 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوبَ لبنان، المنعطف الثاني في حياة العلاقة بين الطّرفين. فقد استغلت إيران الفرصة للتواصل مع نخب من حماس وتوفير الدعم لها.

ـ 6 ـ

تحقّق التواصل في مرج الزهور في ظل الحاجز المذهبي العميق بين حماس وإيران. فيذكر مجتبى ابطحي  أنّ عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يترأس اللجنة الإعلامية في مخيم المبعدين بادره قائلا: "ابق مكانك ولا تقترب أكثر" ويضيف: "أذكر تحفظهم، كانوا يعتقدون أننا كفار ومشركون ويظنون أننا نعبد الإمام علي، حتى إن بعضهم لم يكن يرغب بمد يده للسلام عليّ.. لكن لاحقا عقدنا رابطة أخوة".  فقد كان الاتفاق على عدم التطرق إلى الموضوع الفكري والطائفي في معسكرات التدريب. وكان طلب حماس أن تبقى فلسطين موحدة على مذهب واحد، لتكون قادرة على مقاومة الاحتلال، فلن يفيد فلسطين أن يصبح لديها مئة شيعي. وكان جواب الإيرانيين أنّ الجمهورية الإسلامية لا تسعى وراء تشييع فلسطين. وهذا ما ساعد على تفاهمات حول التدريب والتسليح وعقد الصلة بحزب الله. ولكن العلاقة تطوّرت أكثر بانتقال ملف حماس إلى مؤسسة الحرس الثوري. وتحقّق ذلك على مراحل ليصبح بإشراف هذا الجهاز كليّا عقب فوز حماس في الانتخابات، عام 2006. فقد مهّد وصول حماس للسلطة لمرحلة جديدة من الدعم الإستراتيجي العسكري والمالي. وكان على حماس تحمّل اتهامها بالتغاضي عما يصفه منتقدوها بـ "المشروع التخريبي الإيراني" في المنطقة.

ـ 7 ـ

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".

تفسّر الباحثة هذا الارتباك في التعامل الإيراني مع هجوم حماس بعوامل عديدة. فالمشهد السياسي محكوم بانقسام حاد بين المعسكر الأصولي والمعسكر المحافظ. ولا حاجة له بقضايا خلافية جديدة. وطهران تدرك جيّدا أنها غير قادرة على حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينات. ولا يمكنها الرهان على فشل إسرائيل أمام هجوم حماس حتى تغيّر إستراتيجيتها الناجحة تجاهها. وطبيعة علاقتها بحماس تمنعها من الذّهاب بعيدا في دعمها. فالحركة ليست في مقام تلقي الأوامر كما هو الشأن بالنسبة إلى وكلائها ممن يشتركون معها في خلفيتها العقائدية، ولا يمكنها أن تكون يوما من "مدافعي الحرم" أو طرفا في فلسفة "الدفاع الفسيفسائي". ومبادئها معلنة: أن يكون عملها داخل الأراضي المحتلة، وأن يوجه بشكل مباشر ضد إسرائيل، وعليه فهي ملتزمة بألاّ تمارس أيّ عمل عسكري ضد أي دولة أخرى.

ولا ينفصل المستوى السياسي عن منظومة النضال ضد الاحتلال. فهو يتكامل مع فعل المقاومة المسلحة وقاعدة المصالح التي تنبني عليها التحالفات السياسية يجب أن تستند دائما إلى مصالح الشعب الفلسطيني أولا. أما استقلالية قرارها فخط أحمر يحصنها من كل تبعية للخارج.

ـ 8 ـ

تفسّر كل هذه العوامل تحول العلاقة بين الطرفين الإيراني والحمساوي من التجاذب في وسط الثمانينات إلى الودّ الذي ظل يتدعّم من بداية التسعينات إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023 إلى ما يصنّف سُنيا بالخذلان بعد طوفان الأقصى.

مقالات مشابهة

  • حرب الإبادة في غزة ومآلات الحل كما تراها إسرائيل
  • استنفار إسرائيلي بعد صواريخ حماس وأوامر إخلاء جديدة في غزة
  • صفارات الإنذار تدوي| حماس تقصف تل أبيب بـ 10 صواريخ
  • حماس: لا خيار سوى الانتفاض بوجه الاحتلال رفضا للعدوان على غزة
  • الاحتلال يتذرع بالأنفاق لاستمرار احتلال محور فيلادلفيا في رفح
  • الاحتلال يقطع أوصال القطاع لـ 4 مناطق منفصلة تتضمن «جزرًا سكانية».. مقترح مصري جديد لوقف «تمزيق غزة»
  • الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة
  • “حماس”: جرائم العدو الصهيوني ضدّ أطفالنا لا تسقط بالتقادم
  • إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب
  • التفاهمات السرية بين إيران وأمريكا: صفقة في الظل أم صراع بقاء