“وغداً نعود”: أضغاث ليلة جنوسايد (2-2)
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
قيل إن مرتكب الـ "جينوسايد" منظّر بارد الذهن في المقام الأول وبربري في المقام الثاني. ولم يقع لنا في خطاب الحرب بعد بحث الفكرة من وراء بربرية "الدعم السريع" في شكوى المتأثرين بعدوانه عليهم في الخرطوم وولاية الجزيرة وغيرهما. فلم نزد في خطاب الحرب من وصفها حرباً بين جنرالين نشوى بالسلطة، أو أنها حال ارتزاق غالبة على "الدعم السريع"، أو أنها فتنة كيزان أو فلول يريدون استعادة دولة الإنقاذ، أو مجرد حال عبثية لا اعتبار لمثيريها على المدنيين ولا شفقة.
ولربما طرأ لك أن ما يرتكبه "الدعم السريع" بحق المدنيين في الخرطوم والجزيرة، وما ينتظر ولايتي النيل والشمالية، "جينوسايد" متى ما استمعت لتسجيلات من هم أسفل سلمه العسكري ومن حولهم. فتجدهم لم يسببوا لانتهاكاتهم في هذه التسجيلات بل عينوا الجماعة موضوع استهدافهم وغبنهم التاريخي. وهي المجموعة التي عرفت عبر تاريخها بأسماء مختلفة مثل "الشماليون" لوقوعهم في شمال البلاد، أو "الجلابة" التي هي صفة التجارة فيهم منذ أجيالهم الباكرة، أو"الشايقية" و"الجعليين" و"الدناقلة"، بأسماء قبائلهم على النيل الأوسط، أو بأسماء عواصمهم مثل "شندي" و"عطبرة" و"مروي" وتدخل الخرطوم ومدني في ذلك.
وسترى من خطاب "الدعم السريع" على مستواه التحت أن تهجيرهم لأهل الخرطوم ومدني، وهو التهجير الذي يلوحون به لمدن لم يطالوها بعد وهي شندي وعطبرة، بمثابة الحل النهائي لمشكلتهم التاريخية مع "الجلابة". وهو تهجير سيرمي بهم خارج حدود السودان ويخلص لهم به. ومعروف أن عبارة "الحل النهائي" من مصطلح الـ "هولوكوست" التي أراد به النازيون قطع دابر الوجود اليهودي بينهم وللأبد، فإلى عينات من خطاب "الدعم السريع" عن مشروعهم من وراء انتهاكاتهم للمدنيين في الشمال:
* قال محمد عيسى عليو، من صفوة غرب السودان مركز نشاط الدعم السريع التاريخي، لحشد اجتمع حوله أن يدعو الله ليهدي ناس الخرطوم، قولوا آمين..
آمين...
والعن منهم الشيطان...
آمين.
*وقال أحدهم إنهم ليسوا ميليشيات كما يصفهم الجيش والفلول الإسلاميون. وإن ما يأخذونه من مال في الخرطوم والجزيرة هو ما سبق للشماليين أخذه من بترول الغرب. وعين أربع قبائل يخيم عليها الخطر وهي الدناقلة والشايقية والجعليين (نسي الرابعة)، فهذه القبائل جاءت إلى الغرب على حميرهم يجلبون البضائع وأهل الغرب لا يعرفونهم. فالأرض (السودان) أرضهم هم رضي الجلابة أم لم يرضوا، وإن لم يرضوا هلكوا. وخاطب أهل القبائل الأربع أنه متى قدمنا إليكم سلموا فلن نميز بين الشايقي والجعلي والدنقلاوي، فقد كنا نحن من حماكم منذ عهد الإنجليز وقتلنا أكبر رموز الاستعمار في مقرن النيلين (غردون باشا على يد الثورة المهدية في 1885) وقاتله هو ود أب جوفلو وهو من المسيرية (شعب من البقارة) منطقة بابنوسة. فالأرض أرضنا ووثائق تمليكنا موجودة ببريطانيا، ولكنكم زورتم الورق وتملكتموها، والوثائق الأصلية موجودة عندنا في رهيد البردي (بلدة). لا نعرف في هذه الأرض سوى شعب الفور والدينكا وآخر غير واضح.
*ونقل أحد مجندي الدعم السريع عن قائد متحركهم لمدينة عطبرة قوله إنه متى بلغها سينتزع الطفل من حجر أمه ويخبطه على الأرض ويدوس عليه بالتاتشر بلا رحمة. فنحن من المسيرية والرزيقات وكل العطاوة (من شعب البقارة) نقاتل ولن تحكموا البلد ثانياً إلا أن نهلك نحن في القتال. ولكن طالما كنا على وجه البسيطة فلا حكم لكم مرة ثانية. ونحن نتعقبكم في كل اتجاه من عطبرة وبورتسودان. ولا تنتظروا نصراً من عبدالفتاح البرهان أو من الناظر ترك والشايب ضرار. ونحن قادمون لأدبتكم وسننظف السودان نظافة تخلي أيديكم من الحكم مرة واحدة، نحن دولة السودان ونحن الشعب السوداني، لقد طلبتم النزال فكونوا قدره، سنقضي عليكم ولن نترك سودانياً على ظهر السودان، وسنأتي بشعب جديد كان من عربان النيجر أو عربان تشاد ونوطنهم في السودان هنا، وبيوتكم التي أنتم بها معجبون إلا كان ترونها على شاشة التلفزيون بعد.
* وقال آخر:"باكر نعود" (عبارة من أغنية سودانية شهيرة يكثر تردادها هذه الأيام في الحنين إلى الدور المحتلة بواسطة "الدعم السريع") إلا أن تعودوا بالسلاح أو تغنوا لها غناء، تظلوا نازحين هاربين تغنون للخرطوم غناء، تغنوا للنيل لكن لن ترشفوا منه قطرة ثانية.
وتنعقد محاكمة هذه الجماعة السودانية التي خرجت منها الصفوة التي سادت حكم السودان منذ استقلاله عام 1956، لا على كسب صفوتها بل عليها إجمالاً مع أنها هي الجماعة نفسها التي أخضعت صفوتها للمحاكمة ثلاث مرات بعد خلعها لهم في ثورات 1964 و1985 و2019، بل كان "الدعم السريع" من أحبط بانقلاب الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يداً بيد مع الجيش، محاكمة رموز نظام الإنقاذ بقانون تفكيك دولتها بعد الثورة عام 2019.
وبمحاكمة "جماعة الجلابة" عن بكرة أبيها بجريرة صفوة منها لم تعد في قول آموس قولدبيرغ ، أستاذ الهولوكوست بالجامعة العبرية،كياناً إنسانياً ثقافياً مختلفة سياساته ونزاعاته وأحلافه. وهو الذي قال إن تجريد جماعة من الناس من استحقاقها كبشر متعدد المشارب ومحاكمتها ككتلة صماء هو العتبة الأولى في الـ "جينوسايد" الذي قد يستأصل مع ذلك جزءاً منها لا كلها. وقال إن هذا ما يحدث في غزة بواقع التصريحات المتواترة بمحوها من ظهر البسيطة بواسطة مسؤولين كبار فيها والنبرة الاستئصالية في الخطاب الإسرائيلي العام.
بدا أننا متفقون نوعاً ما أن من "الجلابة"، لو شئت، من انتهكت "الدعم السريع" حقوقهم كمدنيين وشردتهم في الآفاق أو تتوعد بانتهاكها. ويزكي اعتبار ما يقع عليهم "جينوسايد" بينة مستوى تحتي من خطاب "الدعم السريع" يريد الحل النهائي منهم، وما يحول دون مثل أخذ هذا الاعتبار جدياً أن فكرنا السياسي أسلم نفسه مختاراً لنظرية "حرب الجنرالين"، أو أن الحرب في عقيدة "تقدم" تطأ بثقالها من تطأ ولا حل إلا بوقفها، فعلمها في وقفها.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
“أسوشيتد برس” تكشف حقيقة الوعكة التي أصابت كلينتون
واشنطن – أفادت وكالة “أسوشيتد برس”، بأن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، خرج من المستشفى في واشنطن ليقضي عيد الميلاد في منزله، بعدما دخلها إثر إصابته بالحمى.
وقال نائب مدير موظفي كلينتون أنجيل أورينا، في بيان بشأن خروجه من المستشفى، إن الرئيس الأسبق يتلقى العلاج من الإنفلونزا، وتابع: “كلينتون وعائلته ممتنون للرعاية الممتازة التي قدمها له فريق الرعاية الطبية في مستشفى جامعة (ميد ستار جورج تاون)، وتأثروا بالرسائل الرقيقة والتمنيات الطيبة التي تلقاها”.
وأضاف أورينا، أن “كلينتون يرسل أطيب تمنياته بموسم عطلات سعيد وصحي للجميع”.
وكان الرئيس الديمقراطي (78 عاما) قد نقل إلى المستشفى بعد ظهر أمس الاثنين لإجراء فحوصات والخضوع للمراقبة الطبية.
وسبق أن ألقى كلينتون خطاباً في المؤتمر السنوي للحزب الديمقراطي في شيكاغو الصيف الماضي، وشارك في حملة الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر لدعم الحملة الرئاسية لكامالا هاريس نائب الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن.
يذكر أن بيل كلينتون مر بعدد من المشاكل الصحية، منذ أن غادر البيت الأبيض 2091. ففي عام 2004، خضع لعملية جراحية في القلب (تحويل مسار شرايين القلب)، بعد أن عانى من آلام في الصدر وضيق في التنفس، ثم عاد في 2005 لإجراء جراحة بسبب إنهيار جزئي في الرئة، وفي 2010 تم تركيب زوج من الدعامات في شريانه التاجي.
المصدر: أ. ب