سودانايل:
2024-11-05@14:50:14 GMT

لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان

تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد
في نبرات مشبعة بالقلق عند البعض، وبالخوف عند البعض الآخر، يتساءل السودانيون هل من موعد قريب لتوقف هذه الحرب اللعينة ويعود الناس إلى ديارهم التي تركوها مكرهين مغمومين. الخوف مصدره الوضع الكارثي المتفاقم من دمار وتقتيل وتوحش وسيطرة كل ما هو مناف للإنسانية، والذي ينبي بأسوأ الاحتمالات غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث.


أما القلق فيأتي من مصدرين، الأول التلكؤ في التئام منبر جدة علما بأن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، السيد توم بيرييليو، كان قد دعا لاستئنافه بنهاية شهر رمضان المنصرم، وكأن لسان الحال يقول لعل المنبر ينجح هذه المرة في تخطي فشل المرات السابقة ويتقدم خطوة نحو وقف القتال، خاصة وأن السيد برييليو، في ختام جولة شملت كل من كينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي، ومصر، والسعودية، وسكرتارية الإيغاد، أشار، حسب تقارير صحافية، إلى توقّع حدوث تدخلات دولية من أجل وقف الحرب والضغط من أجل توقيع اتفاق سلام، إنفاذاً لرغبة هذه الدول التي زارها. والمصدر الثاني للقلق هو خيبة الأمل الشديدة في القوى المدنية السودانية التي لاتزال منغمسة في أجواء الاستقطاب السياسي ورفض الآخر وتمارس السياسة وكأنها لا تعي واقع البلاد المشبع بالدمار وسفك الدماء وممارسة الانتهاكات في أبشع صورها، وكأنها غير معنية باحتمال تفتت وحدة البلاد الذي صار قريبا.
محادثات جدة السابقة، وكذلك مبادرات المؤسسات الإقليمية والدولية، وما صدر عنها من قرارات واتفاقات للتنفيذ، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، كلها ظلت حبيسة أضابير هذه المبادرات بدون أي خطوة عملية لتنفيذها. وكما أشرنا من قبل، إذا قبلنا تفسير ذلك بغياب الإرادة والجدية المطلوبة عند طرفي القتال، فمن الصعب جدا قبول تفسير هذه الظاهرة بحجة العجز وقلة الحيلة عند قادة وخبراء الدول والمؤسسات الأممية والإقليمية وبما يتمتعون به من علم وخبرة عملية، مثلما من الصعب الرفض المطلق لفرضية أن بعض الأطراف الخارجية ربما لا ترغب في وقف حرب السودان سريعا وتريد استمرارها لبعض الوقت، وقد ناقشنا ذلك بالتفصيل في مقال سابق. لكن، وحسب التطورات الراهنة، هناك عددا من العوامل التي قد تفرض على الوسطاء الدوليين والإقليميين مضاعفة الضغوط على الطرفين لإحداث إختراق في جولة المفاوضات المنتظرة، منها:
التداعيات الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، حيال الكارثة الإنسانية المتمثلة في أكثر من 15 ألف قتيل وحوالي 9 ملايين مشرد و25 مليون محاصر بالجوع.

إن منبر جدة، وأي منبر آخر، سيظل عاجزا عن تحقيق هدفه الرئيسي في وقف العدائيات، ما لم يستصحب الآليات المتاحة والمعروفة والمجربة للضغط على طرفي القتال بشأن وقف دائم للأعمال العدائية

الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان وما يمكن أن يعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يسأل عنها قادة الطرفين، إضافة إلى رفع عصا الملاحقة القانونية في وجه الطرفين بسبب العديد من الجرائم السابقة والتي من ضمنها جريمة مذبحة فض اعتصام يونيو/حزيران 2019. *الغضب حيال دور أطراف الحرب في قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي عقب ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018.
*تزايد المخاوف الدولية أيضا من تداعيات الحرب على الأمن العالمي والإقليمي، ويشمل ذلك أمن البحر الأحمر أهم رابط بحري لأوروبا مع آسيا والمحيط الهادئ، وإمكانية أن يصبح السودان مرتعا خصبا للمجموعات الإرهابية وبابًا دوارًا للاتجار بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين منطقة الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
لكن، ورغم هذه الضغوط وغيرها، فإن منبر جدة، وأي منبر آخر، سيظل عاجزا عن تحقيق هدفه الرئيسي في وقف العدائيات، ما لم يستصحب الآليات المتاحة والمعروفة والمجربة للضغط على طرفي القتال بشأن وقف دائم للأعمال العدائية، أو على الأقل لخلق مناطق منزوعة السلاح لتحقيق انسياب المساعدات الإنسانية. فالطرفان لم يلتزما بما وقعا عليه في اتفاقات الهدن العديدة من الامتناع عن إطلاق النار، أو تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين عبر ممرات آمنة، أو الانسحاب من المستشفيات والعيادات الطبية، أو حتى السماح بدفن الموتى باحترام..الخ.
إن إنقاذ المدنيين ودرء الكارثة عن السودان يتطلب تدخلا مباشرا من المجتمع الدولي والإقليمي، وحسب الشرعية الدولية، لفرض وقف الاقتتال بالقوة وإقامة ممرات أمنة تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المحاصرين في مناطق العمليات، وبتدفق المدخلات التي يمكن أن تساعد في بدء دوران عجلة الإنتاج في المناطق والولايات البعيدة من مسارح العمليات العسكرية، وذلك في ظل ما سببته الحرب من خلل في أداء البنوك وشح السيولة النقدية وانعدام المرتبات وغياب المؤسسات المعنية وضرب القطاع الخاص…الخ. أما آليات الضغط المتاحة والمجربة فتشمل: منع تدفق الأسلحة والذخيرة إلى الطرفين، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، فرض العقوبات الرادعة على المؤسسات والأفراد من الطرفين، وصولا، إذا إقتضى الحال، إلى فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة بإرسال قوات الطوارئ الأفريقية بقرار من الاتحاد الأفريقي وبدعم من المجتمع الدولي، لإقامة مناطق خضراء، أو منزوعة السلاح، في البلاد. نشير إلى أن قوات الطوارئ الأفريقية كونها الاتحاد الأفريقي لمنع انتشار الاقتتال والنزاعات المسلحة داخل الدول الأفريقية، والسودان عضو في لجنة التنسيق الخاصة بها. صحيح هنالك صعوبة في تنفيذ هذا الأمر، ولكنه ليس مستحيلا، خاصة عندما نتذكر نجاح عمليات إجلاء رعايا الدول الغربية إثر إندلاع القتال، وهي في نظري عمليات عسكرية كاملة الدسم، نفذتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما أن هنالك حزما مشابهة تم تنفيذها في عدد من البلدان التي اندلعت فيها المعارك. وبالتأكيد لابد أن نأخذ في الاعتبار تجربة قوات الأمم المتحدة، (يوناميس ويوناميد) في جنوب السودان ودارفور.
إن وقف القتال وشل الأيادي التي ترتكب الانتهاكات، إضافة إلى ضمان تدفق المساعدات الإنسانية وتأمين حياة السودانيين المحاصرين في البلاد، هو الأولوية القصوى الواجب بحثها في منبر التفاوض قبل الشروع في أي عملية سياسية أو بحث أي تدابير انتقالية.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة

إقرأ أيضاً:

السودان حرب الوطنيين والكومبرادور

أن الحرب في السودان قد كشفت بوضوح أبعاد المأمرة على السودان، و هي ليست متعلقة بحرب بين الجيش و الميليشيا بسبب صراع سياسي داخلي، أنما هي حرب بين أجندة خارجية تديرها أمريكا و بريطانيا و توظف فيها دول في الإقليم بقيادة الأمارات التي يقع عيها عبء الصرف على الحرب و إحتياجاتها، و توظيف عناصر سودانية لكي تعطي انطباع أن الحرب هي خلافات سياسية داخلية أدت إلي الحرب.. و كما جاء في خطاب قائد الميليشيا الأخير أن الحرب سببها "الاتفاق الإطاري" و معلوم أن "الاتفاق الإطاري" هو فكرة أمريكية جاءت بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكية " مولي في".. و كانت تشرف عليه ما كانت تسمى ب " الرباعية" التي تديرها " أمريكا و بريطانيا و السعودية و الأمارات" التي راهنت على قوى بعينها التي كانت تردد مقولة " لا للإغراق السياسي" أي عدم فتح " الإتفاق الإطاري" للقوةى السياسية الأخرى..
أن الذين يحاولون أن يبرروا مواقفهم بشعارات واهية أنهم مع " لا للحرب" هو تبرير هروبي.. لآن الشعار نفسه لا يحمل أي فكرة لإنهاء الحرب، هو شعار هلامي مفرغ المضامين.. و الذين جاءوا بهذا الشعار يريدون أن يغطوا على أفعالهم و مواقفهم السابقة.. هل هؤلاء لا يدركون أن الحروب تندلع بسبب المصالح؟ و لا تتوقف إلا بخيارين إما أن تتحقق هذه المصالح أو تخسرها كليا.. و أي مواقف أوسطى تعيد الحرب مرة أخرى أشرس مما كانت عليه.. و لا يعتقد أن هناك مواطنا سودانيا واحدا لا يرغب أن تنتهي الحرب، كل السودانيين يريدون وقفها و لكن كيف في ظل فرض الأجندة الخارجية.. و تنتهي الحرب لكي لا تعود مرة أخرى.. و أهم عامل لإقاف الحرب ابتعاد تدخل الخارج خاصة أمريكا و بريطانيا و أداتهم الأمارات.. هذا أهم عامل لإقاف الحرب.. فالذين يرفعون شعار " لا للحرب" عليهم أقناع هذه الدول بعدم التدخل في الشأن السياسي السوداني.. لكن الشعار نفسه هو يستخدم تغطية لمواقف سياسية سالبة.. و هي مشكلة النخب السياسية في السودان التي درجت على البحث عن شماعات تعلق فيها أخطائها، بدلا أن تقدم نقدا لأخطائها لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت لها..
أن الحرب التي اندلعت في السودان في 15 إبريل 2023م، ليست حرب أسبابها سياسية، أو هو صراعا بين القوى السياسية فيما بينها، أنما هي حرب أجندة خارجية أصطدمت بالقوى الوطنية التي تستطيع أن تفرق بين الصراع السياسي من أجل السلطة، و بين صراع يحاول السيطرة على البلاد و ثرواتها لمصالح خارجية.. و استطاع تجمع ما يسمى " رجال الأعمال السودانيين" أن يكون هو المدخل الأساسي لرعاية المصالح الخارجية " كومبرادور" هؤلاء الذين توظفهم الماسونية العالمية و جعلتهم حلفاءو خدم لرأس المال الأجنبي، و هؤلاء هم الذين استطاعوا أن يختاروا القيادات السياسية التي تخدم هذا المشروع.. و كشفت الحرب أن بعض النخب السياسية و الذين يؤيدونهم يريدون أن يغطوا وجوههم بأصبع واحد و يجادلون بشعار هم أنفسهم عاجزين عن تسويغه لتسويقه.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • لجنة البيئة والرياضة الأولمبية تبحث آليات تفعيل المشاريع المستدامة
  • مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟
  • خاصة الطلاب.. السيسي يوجه بإزالة العقبات التي تواجه السودانيين في مصر
  • الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
  • البرهان: نفخر بالنهضة التي حققتها مصر في جميع الخدمات الإنسانية
  • حقيقة الحرب !
  • حرب السودان كأداة للهيمنة عليه
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف آليات العدو الإسرائيلي التي تحاول اقتحام مدخل بلدة قباطية بمدينة جنين بزخات كثيفة من الرصاص وتحقق فيها إصابات مؤكدة
  • السودان حرب الوطنيين والكومبرادور
  • أدانت الهجوم الإرهابي في تشاد.. المملكة تحث الأطراف السودانية على وقف القتال