الموروث الإسلامي «5»|ميت أم باق إلى يوم القيامة.. «الخضر» في عيون العوام والخواص
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اختلف العالم و غير العالم في شأن حياة أو انتقال سيدنا الخضر عليه السلام، كما اختلفوا في نبوته أو مجرد ولايته، فمن قال بنبوته ركن لحديث ورد فيه أن كليم الله موسى ناداه بلفظ نبي الله، ولدلالة قوله تعالى على لسانه «و ما فعلته عن أمري»، أما من قال بولايته فاستند إلى مراجعة سيدنا موسى له، فلو كان نبيًا لكان ما آتاه عن وحي يُوحى يأمره لا يعقب عليه و لا ينكر، و لما راجعه موسى في أفعاله الثلاثة الخرق و القتل والبناء.
يرى بعض العلماء، أن من قال بوفاته احتج بآية «وَ مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون»، وبالحديث المتفق عليه «لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، و قد يظن القارئ أن الأية والحديث نصًا في الحكم بيد أن ثمة جمع غفير من أعيان علماء الأمة قالوا بحياة «الخضر»، مما يثير في القلوب وجوب التروي و التثبت و عدم الحكم على الأمر بمجرد سماع الأية و الحديث الشريف، فمن قالوا بحياته يعلمون الأية جيدًا و يعلمون الحديث أكثر من العامة.
أخرج أبو نُعيم في الحلية بسند صحيح، عن رباح بن عبيدة، قال: «خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ يتوكأ على يده فقلت في نفسي إن هذا الشيخ جاف، فلما صلى ودخل لحقته فقلت: أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ قال يا رباح رأيته ؟ قلت : نعم ، قال: ما أحسبك إلاّ رجلًا صالحًا، ذاك أخي «الخضر» أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها».
أورد الإمام ابن حجر العسقلاني، شيخ الإسلام، وعبدالله ابن أبي جمرة المفسر، والإمام النووي، الفقيه، أن أكثر العلماء أجمعوا على أن الخضر حي موجود بين أظهرنا، إضافةً إلى ابن الصلاح وهو من هو من علماء القرن السادس والسابع وعين أعيان علماء الحديث شيخ الدار الأشرفية بالشام صاحب مقدمة ابن الصلاح المرجع العمدة في علم الحديث قد أفتى بأن «الخضر» حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة .
وقال بدر الدين ابومحمد محمود بن أحمد العينى، صاحب المصنفات من كبار علماء القرن التاسع صاحب شرح عمدة القاري على صحيح البخاري و شارح سنن أبي داود فى شرحه على البخاري في «عمدة القارى»: إن مذهب الجمهور على أن «الخضر» باقٍ إلى يوم القيامة، و قال بذلك أبو الفضل الكرماني الحنفي، مفتي خراسان من علماء القرن الخامس الهجري فى «الكواكب الدرارى»، و رأي الجمهور على حياته وموجود بين أظهرنا .
سأل جماعةٌ من الفقهاء الشيخ الإمام العز بن عبد السلام، قاضى قضاة مصر قالوا له: ما تقول في الخضر أحي هو؟، قال: ما تقولون لو أخبركم ابن دقيق العيد «الإمام المجدد الفقيه المحدث المجمع على فضله»، إنه رآه بعينه أكنتم تصدقونه أم تكذبونه ؟ فقالوا: بل نصدقه، فقال: والله لقد أخبر سبعون صديقًا أنهم رأوه بأعينهم كل واحد منهم أفضل من ابن دقيق العيد .
كذلك سراج الدين أبو حفص عمر بن علي، المشهور بابن الملقِّن وهو من علماء القرن الثامن، ومن كبار علماء الحديث والفقه الشافعي، وقد تولى قضاء الشافعية، والإفتاء حيث ذكر فى كتاب «التلخيص»، عن «الخضر»: أن حياته ثابتة عند الجمهور وأخبر بانعقاد الإجماع على حياته ووجوده .
عند تناول ابن تيمية هذه المسألة في فتاويه بين الرأيين كتب في المجلد الرابع من كتاب الفتاوي، وقد سئل عن «الخضر» فكان مما قال: و أما حياته فهو حي، ورد على الحديث الموضوع: «رحم الله أخي الخضر لو كان حي لزارني»، قائلًا: إنه لا أصل له ولا يعرف له إسناد بل المروي في مسند الشافعي وغيره أنه التقى بالنبي .
من أقوال ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم العطائية: واعلم أن بقاء «الخضر» قد أجمع عليه هذه الطائفة، وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه، واشتهر ذلك إلى أن بلغ الأمر إلى حد التواتر الذي لا يمكن جحده، والحكايات في ذلك كثيرة.
يقول أبو العباس المرسي: وأما «الخضر» فهو حي، وقد صافحته بكفي هذا، فلو جاءني الآن ألف فقيه يجادلونني في ذلك، ويقولون بموت الخضر ما رجعت إليهم ".
ويروى عن الإمام أبي الحسن الشاذلي أنه قال: رأيت «الخضر» عليه السلام في برية «صحراء» عيذاب، فقال لي: يا أبا الحسن، أصحبك الله اللطف الجميل، وكان لك صاحبًا في الإقامة والرحيل، وأخبر أن سبابته والوسطى سواء .
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سيدنا الخضر الموروث الاسلامي علماء القرن من قال
إقرأ أيضاً:
خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (لماذا تجلى الله على جبل الطور وكلَّم عليه سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إن اختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات كما جعل له فضائل متعددة.
وأضاف أن جبل الطور من جبال الجنة، وهو حرز يحترز به عباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وهو كذلك من البقاع التي حرَّمها الله على الدجال، وقد تواضع جبل الطور لله فرفعه واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي وقع عليه تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام.
وتابعت: جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.
وقد خصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾(الأعراف~144) الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك، ولم يقل على الخَلْق؛ لأنَّ من هذا الاصطفاء أنه كلَّمه، وقد كلَّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره، فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.
أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ [الطور:1] الطور اسم الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".
ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، أنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".
وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: «لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ».
وجاء في بعض الآثار أنَّ الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".
وأوضحت أن هذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبرى المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].