الفاشر.. برميل بارود إذا انفجر ستصل شظاياه إلى خارج السودان
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا حول التطورات العسكرية والإنسانية في السودان، سلطت فيه الضوء على الأوضاع الإنسانية المأساوية في مدينة الفاشر الواقعة في شمال دارفور، والتي تتعرض لحصار من قوات الدعم السريع، سبب معاناة شديدة للمواطنين وبات ينذر بتفجر حلقة جديدة من العنف الإثني في الإقليم، في ظل غياب أفق الحل السياسي للحرب.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن الخناق يضيق على مدينة الفاشر، حيث يقول عمر محمد آدم، الذي يعيش في معسكر للنازحين في شمال المدينة: "نحن نعيش مثل أسرى ننتظر الإعدام في أي لحظة".
وبعد سيطرتها على أربع من مجمل خمس ولايات في إقليم دارفور خلال الاثنا عشر شهرا الماضية، تواصل قوات الدعم السريع تحت قيادة الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي حشد قواتها حول الفاشر، التي تمثل آخر معقل في المنطقة للجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان.
وتشير الصحيفة إلى أن السيطرة على هذه المدينة الإستراتيجية ستمنح قوات حميدتي سيطرة شبه كاملة على مساحة تناهز دولة فرنسا. وفي وقت تتركز فيه أعمال القتال من جهة شمال غربي المدينة، يؤكد مسؤول معسكر النازحين أبو شوك في اتصال عبر الهاتف أن المواجهات تقترب، والقذائف تسقط من حين لآخر بشكل عشوائي وتقتل المدنيين. وقد سقط أكثر من 60 ضحية خلال تبادل إطلاق النار والقصف خلال الأسابيع الأربع الأخيرة.
وتشير الصحيفة إلى الكثافة السكانية العالية في مدينة الفاشر؛ حيث تؤوي منذ 2003 مئات الآلاف من الفارين من جحيم النزاع، الذي تسبب بمقتل أكثر من 300 ألف شخص إبان حكم عمر البشير الذي أطلق حملة تطهير عرقي في هذا الإقليم المتمرد. ومنذ 15 نيسان/ أبريل الماضي أضيف عشرات الآلاف من المدنيين إلى أكثر من مليون ساكن موجودين داخل المدينة قبل الحرب الدائرة حاليا.
وحول الأوضاع المعيشية في المدينة، يقول عمر محمد آدم للمجلة: "إن قوات الدعم السريع منذ سيطرتها على محلية مليط في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، قطعت المحاور الرئيسية المؤدية للفاشر وفرضت حصارا على سكانها، ولم تعد القوافل التجارية تدخل المدينة من شمال السودان ولا من ليبيا أو تشاد. لقد بتنا معزولين عن العالم".
ويضيف عبد الله حسن، وهو ساكن آخر للمدينة: "لقد خلت الأسواق من السلع، وانقطع التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب، كما نعاني من شح الأدوية، والأسعار ارتفعت بشكل حاد. إذا وجدنا الإفطار لا نتعشى، وإذا وجدنا العشاء لا نفطر. نحن نتعرض للموت البطيء".
ويخشى السكان من أنه في حال إطلاق الدعم السريع هجومه على المدينة، ستتحول الحرب إلى تطاحن إثني في إقليم لم تندمل بعد جروحه التي سببتها حرب 2003. حيث يحذر أيمن، وهو أحد موظفي الإغاثة الإنسانية، من تكرار سيناريو مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، التي شهدت حملة تطهير عرقي ضد قبيلة المساليت غير العربية، شنتها قوات حميدتي والمليشيات العربية المتحالفة معها، تسببت بسقوط 15 ألف ضحية، في جريمة اعتبرها تقرير خبراء الأمم المتحدة إبادة جماعية محتملة.
هذه القوات غير النظامية التي جاءت من كافة أنحاء دارفور، جندت الآلاف من المقاتلين في محيط مدينة الفاشر. ومنذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، شرعت قوات الدعم السريع، التي تأسست في 2013 على أنقاض ميليشيات الجنجويد التي زرعت الرعب في دارفور إبان حكم البشير، في حملات تجنيد مكثفة للمقاتلين من صفوف بعض القبائل العربية، التي ترى في الحرب بين الجنرالين في السودان فرصة لمواصلة استراتيجية انتزاع الأراضي كما حصل منذ 2003.
الولاء القبلي
ووفق الصحيفة؛ يضيف أيمن: "في محيط مدينة الفاشر هنالك بالفعل العديد من المؤشرات التي تنبئ بالخطر، حيث أن الدعم السريع والميليشيات التابعة له استهدفوا بشكل انتقائي بعض القرى بناء على الانتماء الإثني، وخاصة تلك التي تقطنها قبيلة الزغاوة".
في الجهة المقابلة، يركز الجيش السوداني على العمليات الجوية لإيصال الإمدادات إلى قواته في الفاشر وللكثير من المدنيين الذين تم تجنيدهم حديثا. كما يعول الجيش على دعم الكثير من حركات التمرد سابقا، مثل حركة العدل والمساواة التي يقودها وزير الاقتصاد جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي الحاكم السابق لدارفور.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه المجموعات المسلحة، التي تنتمي في معظمها لقبيلة الزغاوة غير العربية والتي تتحرك بين السودان وتشاد، التزمت في البداية موقف الحياد، ولكن أمام الاعتداءات المتكررة من قبل قوات حميدتي، والتي كان أخطرها في مدينة الجنينة، قررت الوقوف في صف الجيش.
واليوم ينبه أيمن، موظف الإغاثة إلى أن "الفاشر باتت مثل برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة. في حال الهجوم على المدينة هنالك احتمال كبير أن تمتد دوامة العنف خارج إقليم دارفور وتتجاوز السودان نحو تشاد، خاصة مع العلاقات القبلية المتشعبة على جانبي الحدود بين البلدين".
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه في الأثناء تعمل بعض القيادات المحلية في المنطقة على تجنب السيناريو الكارثي، حيث تم عقد اتفاقات مهادنة خلال الأشهر الأخيرة بين القيادات التقليدية لبعض القبائل. ولكن كما هو الحال في التجارب السابقة، فإن هذه المحاولات لحقن الدماء لا تصمد غالبا أمام خطاب الكراهية ودعاية الحرب في الجانبين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السودان الفاشر الدعم السريع الحرب السودان حرب الدعم السريع الفاشر صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع مدینة الفاشر
إقرأ أيضاً:
ماذا تعني سيطرة الجيش على أكبر قواعد الدعم السريع بدارفور؟
الخرطوم- تضاربت التصريحات بين القوة المشتركة للحركات المسلحة وقوات الدعم السريع اليوم الأحد بشأن السيطرة على قاعدة "الزرق" الإستراتيجية في ولاية شمال دارفور غربي السودان، في حين يرى خبراء عسكريون أن دخول القوة المشتركة إلى المنطقة واستيلاءها على عتاد عسكري ضخم يعدان انتصارا عسكريا ومعنويا.
وتقع منطقة "الزرق" قرب مثلث الحدود السودانية التشادية الليبية، مما جعل موقعها إستراتيجيا، خاصة فيما يتعلق بالإمداد العسكري لولاية شمال دارفور التي تشهد عاصمتها الفاشر قتالا شرسا بين الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى منذ 10 مايو/أيار الماضي.
منطقة إستراتيجيةبدأ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" منذ عام 2017 بإنشاء مشاريع بنى تحتية في المنطقة شملت مدارس ومستشفيات ومحطات وقود ومعسكرات ضخمة لقواته ومستودعات للأسلحة والذخائر، كما شرع في إنشاء مطار بالبلدة التي صارت مقرا لعوائل من عشيرته، وعيّن عمه جمعة دقلو زعيما قبليا في المنطقة.
وفي عام 2017 أيضا نفذ نظام الرئيس المعزول عمر البشير حملة لجمع السلاح في دارفور بقيادة حسبو محمد عبد الرحمن نائب الرئيس السابق، إذ دفع الجيش حينها بدبابات ومصفحات إلى الزرق للمشاركة في الحملة، وهي التي نقلها حميدتي إلى الخرطوم قبل أسابيع من اندلاع الحرب الأخيرة في 15 أبريل/نيسان 2023.
إعلانوبعد تفجر الأزمة كانت الزرق من القواعد الرئيسية التي تستقبل إمدادات الدعم السريع الآتية عبر تشاد وليبيا، وباتت مستودعا للأجهزة والمعدات العسكرية ومركزا لوجستيا للقوات، ونقل إليها المقربون من حميدتي عوائلهم باعتبارها من المناطق الآمنة، لكن الجيش السوداني قصفها بالطيران مرات عدة لتدمير العتاد العسكري.
وتقع الزرق في محلية "أمبرو" التي تشكل مع محليتي الطينة وكرنوي "دار زغاوة" في دارفور، ويقول رموز القبيلة التي ينحدر منها أغلب قيادات وعناصر القوة المشتركة إن قيادة الدعم السريع استولت على المنطقة التابعة لهم تاريخيا، واستبدلوا اسمها من "هاء مي" إلى الزرق بعد طرد سكانها الأصليين وتوطين رحّل يدينون لهم بالولاء.
إستهداف أطفال في الفاشر وزمزم ومجازر بشرية في ابوزريقة ، تردها القوة المشتركة بالردود القوية طُهرت بها المناطق المغتصبة منذ ٢٠١٧، القوة المشتركة لا ترد إلا علي صدور المقاتلين مغتصبي النساء وقتلة الأطفال ، فالحق ينتصر .
— Mini Minawi | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) December 21, 2024
"نصر كبير"أعلن الجيش السوداني في بيان له مساء أمس السبت أن القوة المشتركة التي تقاتل إلى جانبه سيطرت على قاعدة "الزرق" العسكرية وانتزعتها من أيدي قوات الدعم السريع بعد أن قتلت العشرات منها واستولت على عدد من المركبات القتالية.
وفي بيان آخر، قال المتحدث باسم القوة المشتركة أحمد حسين مصطفى اليوم الأحد إن القوة المشتركة والجيش والمقاومة الشعبية "تمكنت من تحقيق نصر إستراتيجي كبير بتحرير منطقة وادي هور بالكامل، بما في ذلك قاعدة الزرق العسكرية ومطارها الحربي".
وأفاد مصطفى بأنهم سيطروا على مطارين و5 مواقع عسكرية هي بئر مرقي، وبئر شلة، ودونكي مجور، وبئر جبريل، ودونكي وخائم.
كما ذكر المتحدث أن قوات الدعم السريع هربت تاركة 700 عنصر بين قتيل وجريح، وجرى أسر عناصر آخرين، علاوة على تدمير أكثر من 122 آلية عسكرية والسيطرة على عدد كبير من الآليات السليمة والمتنوعة بالتسليح والإنتاج.
إعلانولاحقا، نفى المكتب الإعلامي للقوة المشتركة في بيان جديد ما جاء في إعلان قوات الدعم السريع استعادة قاعدة الزرق، ووصفها بأنها "مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة، وهي محاولات فاشلة افتعلتها المليشيات بغرض التغطية على هزيمتها النكراء"، كما نفى استهداف قواتهم المدنيين في المنطقة.
من جانبه، قال مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور المشرف على القوة المشتركة إن قوات الدعم السريع فقدت خط إمداد رئيسي يربطها بدولة ليبيا.
وأشار مناوي إلى أن منطقة الزرق "اغتصبتها" قوات الدعم السريع عام 2017 بدعم من نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقال في تغريدة على منصة "إكس" إن "القوة المشتركة ردت بقوة على هؤلاء المغتصبين ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية".
هجوم الحركات المرتزقة(حركة مناوي وجبريل ابراهيم ) الغرض منه التطهير العرقي والدوافع العنصرية وتنفيذا" لأجندة جلاديهم والدولة القديمة لضرب النسيج الإجتماعي بدارفور والإنتهاكات التي إرتكبتها هذه الحركات المرتزقة الإرهابية من قتل للأطفال والنساء وكبار السن وحرق السوق والمستشفى… pic.twitter.com/mi7PdtTDpC
— الباشا طبيق (@Elbashatbaeq) December 22, 2024
تهديد بالانتقامفي المقابل، قال الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع إن "الزرق ليست قاعدة عسكرية كما يزعم مناوي، بل مدينة يسكنها مدنيون".
واعتبر طبيق هجوم القوة المشتركة على المنطقة "عملية انتحارية"، واتهمها بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
وتوعد طبيق عبر حسابه على منصة "إكس" القوة المشتركة، وقال "سوف تدفع ثمنا غاليا، وستكون بداية النهاية لها، وحينها لا ينفع صراخ مناوي ومناجاته الأمم المتحدة"، حسب تعبيره.
كما أعلنت قوات الدعم السريع أنها تمكنت من استعادة السيطرة على منطقة الزرق في ولاية شمال دارفور، وذلك بعد فترة قصيرة من إعلان القوة المشتركة لحركات دارفور سيطرتها على المنطقة.
إعلانوفي بيان رسمي، اتهم الناطق باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي عناصر القوة المشتركة بارتكاب "انتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل" في منطقة الزرق شملت قتل عدد من الأطفال والنساء وكبار السن، بالإضافة إلى حرق وتدمير آبار المياه والأسواق ومنازل المدنيين، فضلا عن تدمير المركز الصحي والمدارس والمرافق العامة والخاصة.
وفي موقف آخر، ذكر بيان باسم أعيان ومواطني منطقة الزرق أن القوة التي هاجمت المنطقة كانت بقيادة عبد الله بندة المطلوب دوليا بتهمتي إبادة جماعية وتطهير عرقي في دارفور.
واتهم البيان القوة المهاجمة بارتكاب "مذبحة راح ضحيتها 39 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال"، وأنها نهبت ممتلكات الأهالي وذبحت المئات من الإبل والمواشي.
عملية استخباريةوفي تعليقه على ما حدث، يرى الخبير الأمني والعسكري أبو بكر عبد الرحيم أن هجوم القوة المشتركة على القاعدة يعد "نصرا عسكريا ومعنويا في عملية خاطفة ومباغتة، مما يشير إلى أنها عملية تكتيكية لعب فيها الجانب الاستخباري والأمني دورا كبيرا لتوجيه رسائل عدة"، ويرجح أن الهدف الأساسي منها لم يكن الاستحواذ على الأرض.
وأوضح عبد الرحيم في حديثه للجزيرة نت أن الزرق من أكبر المراكز اللوجستية لقوات الدعم السريع، إذ تضم معدات متقدمة تشمل أجهزة التشويش التي تستخدم لتعطيل الطيران والاتصالات وتمنح المليشيات تفوقا تكتيكيا في العمليات العسكرية، لأن هذه الأجهزة تعطل التنسيق بين القوات النظامية وتعيق عمليات الاستطلاع الجوي والهجمات الدقيقة.
كما تضم القاعدة مخازن للطائرات المسيّرة ومهبطا للطائرات يستخدم لاستقبال عناصر أجنبية تشرف على تشغيل أجهزة التشويش والمسيّرات.
ويعكس استيلاء القوة المشتركة على عشرات المركبات -منها نحو 30 سيارة مصفحة- وجود عدد كبير من القادة الكبار والشخصيات المهمة في المنطقة، وفقا للخبير الأمني.
إعلان