بعد هيمنة المحافظين على البرلمان.. هل تتأثر سياسة إيران الخارجية؟
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
طهران- بعد يوم انتخابي اتسم بالبرود، أغلقت إيران ملف الانتخابات النيابية 2024 أمس السبت، معلنة إكمال نصاب مجلس الشورى وتحديد مصير المقاعد الـ45 المتبقية، حيث تنافس يوم الجمعة الماضي 90 مترشحا في نحو 20 دائرة انتخابية.
ورغم تمديد مهلة الاقتراع في جولة الإعادة 4 ساعات إضافية، إلا أن نسبة المشاركة المتدنية بقيت تلاحق الاستحقاق الانتخابي على غرار الجولة الأولى التي شهدتها الجمهورية مطلع مارس/آذار الماضي، وسجلت حينها أدنى نسبة مشاركة منذ قيام الثورة عام 1979.
فبعد أن سجلت نسبة المشاركة بالجولة السابقة 41% في عموم البلاد و22% في طهران، أفادت الصحافة المحلية بتراجع نسبة المشاركة هذه المرة إلى نحو 7% بالعاصمة، مما أثار ردود فعل لدى الأوساط الإيرانية التي انتقدت الإشادة الرسمية رغم تسجيلها أكبر نسبة امتناع عن التصويت في تاريخ البلاد.
نسبة مشاركة أدنى
رسميا، قال وزير الداخلية أحمد وحيدي -في مؤتمر صحفي عقده أمس- إن "المشاركة في دورة الإعادة تكون تقليديا أقل من المشاركة في الجولة الأولى" دون أن يذكر عدد المشاركين في الانتخابات التكميلية.
لكن وكالة أنباء "آفتاب نيوز" الناطقة بالفارسية، أفادت باحتساب نحو 552 ألف صوت صحيح -وفق إحصاءات الداخلية- في طهران التي يبلغ عدد ناخبيها حوالي 7 ملايين و775 ألف نسمة، مؤكدة أن الفائز الأول بالانتخابات التكميلية من دائرة العاصمة حجز مقعده بالبرلمان المقبل بحصوله على 271 ألف صوت أي أنه نال ثقة 3.5% ممن يحق لهم التصويت في طهران.
وأظهرت النتائج الرسمية، لجولة الإعادة من الانتخابات النيابية، فوز نحو 6 من المرشحين المستقلين و7 من الإصلاحيين، إلى جانب 32 مرشحا من التيار المحافظ، وبذلك فقد عزز المحافظون قبضتهم على البرلمان المقبل بتربع نحو 245 من نوابهم على مقاعده الـ290.
وخلافا للبرلمان المحافظ السابق الذي عرف بانسجام أعضائه، بدأت الأوساط الإيرانية بتصنيف المكونات المحافظة في البرلمان الجديد تحت مسميات جديدة، منها المحافظون والمتطرفون والمتشددون والأكثر تشددا، وأوضحت أن التنافس بينها قد بدأ للاستحواذ على رئاسة البرلمان.
وعلى غرار نسبة المشاركة التي تراجعت خلال الدورات السابقة، فإن عدد المرشحات اللواتي تمكّن من شق طريقهن إلى البرلمان رقم 12 بلغ 14 امرأة، وذلك بعد أن سجل البرلمان السابق فوز 16 منهن في المعترك الانتخابي، كما سبق أن فازت 17 نائبة في البرلمان العاشر.
ومع إعادة انتخاب 115 نائبا أغلبهم من التيار المحافظ، فإن المراقبين في إيران يرون أن تركيبة البرلمان الجديد الذي سيتولى مهامه في 27 مايو/أيار الجاري، جاءت كما كان متوقعا، ذلك أن التنافس بين مرشحي البيت المحافظ لا يمكن أن يفضي إلى برلمان من لون آخر، في ظل إبعاد مجلس صيانة الدستور غالبية المرشحين الإصلاحيين والمستقلين.
السياسة الداخلية والخارجية
من ناحيته، يقول الباحث السياسي مصدق مصدق بور أن تراجع المشاركة الشعبية في جولة الإعادة كان متوقعا بسبب تدهور الوضع المعيشي الناتج عن العقوبات والضغوط الاقتصادية، وكذلك مقاطعة التيار الإصلاحي، مستدركا أنه تفاجأ بما تداولته الصحافة المحلية عن إحجام نسبة كبيرة جدا من الناخبين عن التصويت.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح مصدق بور أن نتائج جولة الإعادة من انتخابات 2024 عززت سيطرة التيار المحافظ على السلطة التشريعية، إلى جانب الحكومة المحافظة، والسيطرة التقليدية لهذا التيار السياسي على السلطة القضائية.
ويرى الباحث الإيراني أن توحيد السلطات وسيطرة تيار سياسي موحد على مفاصل الدولة، قد يرفع مستوى التنسيق بين السلطات والمؤسسات الرسمية على صعيد السياسة الداخلية، بما يبشر بحلحلة المشكلات الداخلية والتعاون الجاد من أجل تلبية تطلعات الشعب.
كما قد ينعكس توحيد السلطات إيجابا على صعيد السياسة الخارجية، بحسب المتحدث نفسه، حيث سيدعم البرلمان مواقف الحكومة وسياساتها الخارجية بما يحث الأطراف الخارجية على التعامل البناء مع تلك الحكومة، كونها تحظي بدعم ممثلي الشعب، مضيفا أن وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف قد عانى الأمرين بسبب عرقلة البرلمان المحافظ لخططه بالملف النووي.
في المقابل، يعتقد مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري أن سيطرة التيار المتشدد على البرلمان ستزيد من وتيرة مصادقته على قوانين متطرفة، علی غرار قانون الحجاب وتقييد الإنترنت وشتى أنواع الضرائب، بما يرفع الاحتقان الشعبي ویزيد من إمكانية إثارة احتجاجات اجتماعية ومعيشية سبق وشهدتها البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر زواري أن البرلمان المحافظ الحالي سبق وصادق عام 2020 على "قانون الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء الحظر الأميركي" الذي حال لاحقا دون إنقاذ الاتفاق النووي في عهد الحكومة السابقة، مضيفا أن إصرار التيار المحافظ على عدم المصادقة على قوانين مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) قد كلف اقتصاد البلاد ثمنا غاليا.
رئاسة البرلمان
وتوقع زواري استمرار سياسة طهران الخارجية في ظل هيمنة المحافظين على البرلمان، مستدركا أن تداعيات سيطرة التيارين المحافظ و"المتطرف" على البرلمان قد ظهرت مبكرا في التنافس بينهما حول رئاسة البرلمان، قبل أن تترجم على السياستين الداخلية والخارجية.
ويرى الباحث الإيراني أن حظوظ رئيس البرلمان الحالي السياسي المحافظ محمد باقر قاليباف قد تراجعت في التربع مرة أخرى على كرسي رئاسة السلطة التشريعية، في ظل الانشقاقات بالبيت المحافظ واستبسال قوائم محافظة أخرى للسيطرة على رئاسة المجلس.
وخلص إلى أن رحى التنافس بين التكتلات المحافظة قد بدأت بالفعل بالدوران قبل أن يبدأ البرلمان مهامه بعد، بما ينذر باتساع الشرخ بين المحافظين والمحافظين الجدد.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: التیار المحافظ نسبة المشارکة على البرلمان التنافس بین
إقرأ أيضاً:
تصريحات ترامب العنترية قد تؤدي إلى نسف هيمنة الدولار
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا تناول فيه تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتهديداته بفرض عقوبات مالية صارمة على كولومبيا، بما في ذلك تجميد الأصول وقطعها عن النظام المالي الأمريكي.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن الأسبوع الماضي كاد أن يشهد اندلاع حرب بين كولومبيا والولايات المتحدة. ففي مواجهة رفض كولومبيا قبول الرحلات العسكرية الأمريكية التي تحمل معتقلين مكبلي اليدين، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد على وسائل التواصل الاجتماعي هجومًا حادًا مليئًا بالتهديدات، بما في ذلك فرض تعريفات بنسبة 25 بالمائة على جميع صادرات كولومبيا، والتي تم رفعها لاحقًا إلى 50 بالمائة بعد تبادل آخر حاد مع الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو.
وأضاف، أن هناك بندًا واحدًا نصّ على "فرض عقوبات مالية وتدابير اقتصادية بموجب قانون القوى الاقتصادية الطارئة الدولية من قبل وزارة الخزانة، بما في ذلك على البنوك والمالية".
واعتبرت المجلة أن الآثار المترتبة على هذه القرارات قد تُغفل بسهولة، فقد تركز الاهتمام على التعريفات الجمركية على الصادرات الكولومبية مثل البن والزهور، بينما التهديدات بتقييد تأشيرات الدخول وإجراءات التفتيش الصارمة للمواطنين الكولومبيين تستهدف عادة خصمًا قديمًا مثل الصين، وليس شريكًا اقتصاديًا وعسكريًا مثل كولومبيا.
غير أن العقوبات المصرفية المقترحة ذهبت خطوة كبيرة إلى الأمام، حيث تلاعبت بما يُسمى في السياسة الاقتصادية "الخيار النووي"، كما أشارت المجلة إلى أن التفاصيل كانت غامضة، ولكن اللغة تشير إلى خطوات قد تعتبر كولومبيا دولة عدوة، مثل تجميد أصولها وقطعها عن النظام المالي الأمريكي والمعاملات بالدولار.
وأوضحت المجلة أن هذه التدابير تُفرض عادة على دول مثل كوريا الشمالية وإيران أو تنظيم القاعدة. وحتى بعد غزو بوتين لأوكرانيا، تردد المسؤولون الأمريكيون في فرض عقوبات قاسية على روسيا خوفًا من اعتبارها عملاً من أعمال الحرب، رغم أنهم نفذوا العقوبات في النهاية.
وأرجعت المجلة أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأمريكيين يترددون في حالة روسيا إلى المخاوف من التأثيرات التي قد تحدثها قطع العلاقات بشكل مفاجئ على البنوك والشركات الأمريكية. ومع ذلك، يكمن القلق الأعمق في دور أمريكا كوصي موثوق لأكبر الأسواق المالية في العالم والعملات الاحتياطية.
وتعتمد فعالية العقوبات الأمريكية على اعتقاد الدول والمستثمرين بأنها استثناء في نظام يعتمد على القواعد. فمعظم الدول تعتقد أن العقوبات لن تطالها، لكن مع كولومبيا أو كندا أو الدنمارك، قد يحدث ذلك لأي دولة غدًا بناءً على نزوة ترامب.
وقالت المجلة إن معظم الدول تحتفظ باحتياطيات من الدولار الأمريكي لأن الولايات المتحدة تمتلك أكبر الأسواق المالية وأكثرها سيولة، مما يسهل حركة الأموال.
كما أن اقتصادها الضخم يضمن طلبًا دائمًا على الدولار لشراء السلع والخدمات. وفي أوقات عدم اليقين الاقتصادي، مثل جائحة كوفيد-19، يلجأ المستثمرون إلى سندات الخزانة الأمريكية كملاذ آمن.
وتساءلت المجلة عما إذا تحول الملاذ الآمن إلى تهديد، مبينة أن هذا التهديد كان، في السابق، موجهًا للدول المارقة، وكعقاب على الأعمال المتطرفة مثل غزو دولة ذات سيادة. لكن الآن قد يشمل أي شخص يصطدم مع ترامب، وقد يبدأ حاملو الدولار في البحث عن بدائل رغم التكاليف، مثل التغيرات الكارثية، قد يحدث ذلك تدريجيًا ثم فجأة.
وأوضحت المجلة أن هيمنة الدولار لا تحمل فائدة خالصة للاقتصاد الأمريكي، فرغبة العديد من الدول الأجنبية في الاحتفاظ بالدولار كاحتياطي تسهم بشكل كبير في العجز التجاري الأمريكي المستمر.
وتابعت، أن "التفكيك السريع غير المجدول" (إذا استخدمنا التعبير الملطف لـ"الانفجار" الذي استخدمته شركة سبيس إكس) للدولار لن يكون أمرًا جيدًا أيضًا. وسيؤدي ذلك إلى ألم مالي ومستوى معيشة أقل بشكل كبير لملايين الأمريكيين.
إما أن ينخفض الدولار، مما يجعل الواردات اليومية أكثر تكلفة، أو سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، مما يدفع الاقتصاد إلى الركود. ومن المرجح أن يعني حدوث أزمة حقيقية للدولار كلاً من الأمرين.
ويبدو أن المواجهة الأخيرة انتهت بسرعة كما تصاعدت. ويزعم ترامب أن كولومبيا تراجعت، رغم أنه قد لا يتضح أي من البلدين تنازل عن ماذا حتى تستأنف الرحلات، وفي الواقع، كان لدى كلا البلدين حافز قوي لتجاوز خلافاتهما و"الاتفاق على الاختلاف"، إذا فقط للابتعاد عن حافة الهاوية، بحسب المجلة.
واختتمت المجلة تقريرها مبينة أنه إذا اعتُبر ترامب منتصرًا، فسيكون مغريًا بشدة لتكرار مثل هذه التهديدات. وهناك نزاعات مشابهة ضد دول أخرى، مثل مع الدنمارك بشأن غرينلاند، والاتحاد الأوروبي بشأن تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، وكندا بسبب إصراره الغريب على أن تصبح الولاية 51 في الولايات المتحدة. وإذا أصبحت تهديدات العقوبات المصرفية "النووية" هي الخيار الأساسي للرئيس، مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، فستكون واشنطن تلعب لعبة خطيرة للغاية.