تشكل التجربة البرلمانية والمشاركة السياسية لمجلس الأمة في دولة الكويت حالة فريدة بين أقرانها خليجياً وعربياً. ولطالما حظيت التجربة باهتمام السياسيين والأكاديميين أمثالنا، وحتى في المجتمع السياسي والأكاديمي الغربي، بتساؤلاته عن أسباب استثنائية تجربة الانتخابات والمشاركة السياسية الكويتية، وارتفاع سقف الحريات والمواجهات الدائمة والمحتدمة بين السلطتين، بالحكومة من جهة ومجلس الأمة من جهة ثانية، الذي يبدو متحديا ومشاكسا.



ولطالما تفاخر وتغنى الكويتيون بالاحتكام إلى الدستور كمرجعية رئيسية ناظمة للعلاقة بين السلطتين. ويعود ذلك لخصوصية العلاقة بين الشعب والأسرة الحاكمة الممتدة لحوالي ثلاثة قرون، والمرتكزة على مبدأيّ الشورى والإجماع وبهامش واسع للحريات، يصل لاستجواب وطرح النواب الثقة بوزراء، منهم قياديون في الأسرة الحاكمة بمن فيهم رؤساء وزراء وأبناء وأحفاد الأمراء وحتى إلى دفع الحكومات للاستقالة في ممارسة وظاهرة استثنائية، في الأنظمة العربية القريبة والبعيدة.. لذلك لا نستغرب في الكويت تعاقب 45 حكومة منذ عام 1961 و18 برلمانا 12 منهم إما أبطلوا أو واجهوا حلا دستوريا وغير دستوري في مخاض تجربة برلمانية متفردة!

تتميز التجربة ونموذج المجتمع والدولة والنظام السياسي الكويتي، صاحبة أول دستور مكتوب بصلاحيات وتوزيع السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في المنطقة، لمجتمع ريعي يوفر الرعاية للمواطنين في شتى المجالات من المهد إلى اللحد، بما فيه التوظيف والرعاية الصحية والتعليم
من الولادة حتى الوفاة، دون تحمل المواطنين أي أعباء ودفع أي ضرائب!

يتعجب الزملاء الأكاديميون الغربيون والأمريكيون من نموذج الكويت الاستثنائي، لكونها عكس المفهوم الراسخ في العقلية الجمعية الغربية «لا للضرائب ـ دون تمثيل برلماني» كما ردد الأمريكيون في حفلة شاي بوسطن عام 1774 ـ بعد أن فرض البريطانيون ضرائب على استهلاك الشاي-ما فجر شرارة حرب وثورة تحرير الولايات الأمريكية الثلاث عشرة وقاد للتحرير وإعلان استقلال الولايات الأمريكية عام 1776! بالمقابل نشهد في الكويت «تمثيلا برلمانيا دون تسديد المواطنين للضرائب». ما يميز تجربة المشاركة السياسية والحياة البرلمانية الكويتية عن أقرانها. ويجعل منها تجربة رائدة ومميزة تستحق المتابعة والدراسة- وكُتبت دراسات وكتب وأطروحات ماجستير ودكتوراه في تخصص السياسة المقارنة لسبر غور أبعادها وتفردها لأنها تجربة تستحق الدراسة.

تشكل التجربة البرلمانية والمشاركة السياسية لمجلس الأمة في دولة الكويت حالة فريدة بين أقرانها خليجياً وعربياً. ولطالما حظيت التجربة باهتمام السياسيين والأكاديميين واجهت الديمقراطيات والمشاركة السياسية على مر العصور مخاض مد وجزر وصعودا وهبوطا وتعثرا، وواجهت الملكية والكنيسة وحتى حروب أهلية في أوروبا والولايات المتحدة، كما شهدنا في الولايات المتحدة مراحل تقدم وتطور المشاركة السياسية- من هيمنة وحصر المشاركة بالانتخابات بالرجل الأبيض مالك المزارع والعبيد، واستبعاد النساء والعبيد من حق المشاركة السياسية بالاقتراع والترشح. ولم تحصل المرأة الأمريكية على حقوقها بالمشاركة السياسية إلا بعد التعديل التاسع عشر للدستور عام 1920. وحتى يومناـ بعد حوالي250 عاماً من المشاركة السياسية لم تصل المرأة لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

وشهدت تجارب المشاركة السياسية في الدول النامية مخاضات التعثر وبطء التقدم، كون عملية المشاركة السياسية والانتخابات أشبه بعلمية بناء تراكمي تمر بمراحل المد والجزر والتعثر والتقدم. وتحتاج لرعاية وتدرج وثقافة لمجتمع واع وقيادة متفهمة ومتعاونة تتعايش مع المتغيرات لمواجهة التحديات وحتى التهديدات الداخلية والخارجية والتحولات الدولية. لذلك طبيعي أن نشهد تقدم وتراجع تجارب المشاركة السياسية حتى يقوى ويشتد عودها …ولم تختلف تجربة المشاركة السياسية والانتخابات في المجتمع والنظام السياسي الكويتي عن ذلك المخاض الثابت في العمل السياسي.

وكانت وتبقى التجربة والنموذج الكويتي في المشاركة السياسية رائداً ومتقدماً وحتى ملهماً لكونه ابن بيئته في منطقة الخليج العربي برصيد وخبرة تراكمية بالمشاركة السياسية لأكثر من 100 عام. انتخابات مجالس الشورى 1921- والتشريعي 1938 والبلدية والمعارف منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وصولاً لانتخابات المجلس التأسيسي واعتماد أول دستور مكتوب في المنطقة عام 1962وانتخاب أول مجلس أمة عام 1963. والنموذج الأول لمجتمع ريعي بمزايا وخدمات من المهد إلى اللحد. لذلك يستحق نموذج المشاركة السياسية في الكويت الدراسة والتمحيص.

كما تناقض التجربة الكويتية ما يروج له البعض عن حالة استعصاء الديمقراطيات في الدول والمجتمعات العربية. حسب تفسير وما يذهب إليه البعض، وبعضهم للأسف أكاديميون، في نقد الديمقراطية والمشاركة السياسية الكويتية. بينما ما نشهده في الحالة الكويتية والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو ليس حالة استعصاء بل حالة نمو بمراحل طبيعية.

حل مجلس الأمة الأخير وتعطيل بعض مواد الدستور لم تكن الحالة الأولى. بل للمرة الثالثة شهدت التجربة البرلمانية الكويتية الرائدة خليجيا وعربيا إبطال المحكمة الدستورية ثلاثة مجالس أمة، وحل أحد عشر مجلسا منتخبا ـ آخرهم يوم 10 مايو الجاري. كان الحل غير الدستوري الأول وتعليق مواد دستورية عام 1976 امتد حتى عام 1981.

والحل الثاني عام 1986 حتى 1992وعادت الحياة البرلمانية بعد التحرير من الاحتلال العراقي.
والحل الثالث وتعليق المواد 56 الفقرة 3 و 107 و 174 و181 أمس 10/5/2024 ـ ولمدة لا تتجاوز 4 سنوات.. لكن ذلك ليس مدعاة للاحباط لأن الديمقراطيات كما ثبت في تجارب الدول التي باتت مستقرة ومتقدمة والدول النامية مرت بالتجربة التي نعيشها تتطور وتتقدم وتتراجع وتتعثر. وفي الكويت شهدنا مراحل وفترات جزر ومد المشاركة البرلمانية.. حتى اشتدّت وقوي عودها..

لذلك وبناء على ما تقدم علينا ألا نخشى أو نُحبط من مد وجزر ديمقراطيتنا، وعلى حاضرها ومستقبلها ولا هامش الحريات لأنها متجذرة في حياتنا ويعكسها النقاش الحيوي بسقفه المرتفع بممارساتنا اليومية بدعم وبالنقد الذاتي البناء لقرارات الحكومة بنجاحها وتقصيرها. وكل ذلك متجذر في حمض الكويتيين النووي DNA.. أما المحبطون- ومن لم يمارسوا الانتخابات والمشاركة السياسية وباتخاذ القرار ومساءلة حكوماتهم، فلا نعتب عليهم ولا نجاري تشاؤمهم لأنهم بالحقيقة يهرفون بما لا يفقهون!


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الكويت الخليج الخليج تركيا السعودية الكويت سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة والمشارکة السیاسیة المشارکة السیاسیة فی الکویت

إقرأ أيضاً:

الكويت تدين وتستنكر توسيع الاحتلال الإسرائيلي نطاق عملياته الاستيطانية في الضفة الغربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أدانت وزارة الخارجية الكويتية بشدة التوسع في الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأعربت عن استنكارها لهذه الخطوات، وفقًا لبيان صادر اليوم السبت.

أكدت الخارجية الكويتية رفض دولة الكويت القاطع لأي عمليات استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرة إياها خرقًا صارخًا للمواثيق الدولية وتحطيمًا متعمدًا للجهود الدولية المبذولة لتحقيق السلام.

كما شددت على ضرورة أن يلتزم المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالمسؤوليات المناطة بهم تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وأن يلتزم بما تقرره الإرادة الدولية في هذا الصدد.

في خطوات أخرى، وافقت حكومة الكابينت الإسرائيلية يوم أمس على قانوننة خمس مستوطنات في الضفة الغربية وتوسيع البناء في المستوطنات، بما في ذلك المناطق المصنفة (ب) التي تقع تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • صقر غباش: التجربة البرلمانية الإماراتية ثرية ومتميزة
  • الكويت تدين وتستنكر توسيع الاحتلال الإسرائيلي نطاق عملياته الاستيطانية في الضفة الغربية
  • الكويت.. حريق محدود في مصفاة الزور دون أي تأثير على الإنتاج
  • الكويت.. السيطرة على حريق محدود داخل إحدى مناطق التخزين بمصفاة الزور
  • مشاهد من حريق مصفاة الزور بالكويت.. الدخان الأسود يغطي السماء (فيديو)
  • اندلاع حريق في مصفاة الزور بالكويت (فيديو)
  • الكويت.. حريق محدود في مصفاة الزور دون خسائر في الأرواح
  • الكويت تحصل على المركز الأول عالميا في مؤشر تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات
  • أمي كانت شاكة.. فيديو مؤثر عن رفاق السوء يثير تفاعلا في الكويت
  • وسط نفي جنوبي.. كوريا الشمالية تزعم إجراء تجربة صاروخية ناجحة