عربي21:
2025-03-04@14:33:40 GMT

كيف غدت الصهيونية لطخة في اليسار الأمريكي؟

تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT

كيف غدت الصهيونية لطخة في اليسار الأمريكي؟

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأحد، مقالا للكاتب جوناثان غاير، تحدث فيه عن الصهيونية المرتبطة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، والرفض الواسع لها من قبل أطياف من اليهود، لا سيما في الولايات المتحدة.

وتحدث غاير في مقاله عن "الإهانة" التي باتت مرتبطة بهذه الكلمة بالنسبة لليسار الأمريكي، لا سيما بعد الاحتجاجات الطلابية الواسعة في الجامعات، والمتضامنة مع الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.



وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
لطالما أعلن جو بايدن بفخر على مدى عقود عن أنه صهيوني، ولقد كرر ذلك الزعم منذ هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر. ولكن بالنسبة للاحتجاجات الطلابية التي تنتشر في أرجاء الولايات المتحدة ضد الحرب، غدت كلمات مثل صهيوني والصهيونية نعوت ازدراء ترمز إلى سياسات الدولة العنيفة التي تحرك الحرب على غزة. 

في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والطرقات، لم يعد النقاد يطلقون على مؤيدي دولة إسرائيل صفة "أنصار إسرائيل"، بل يسمونهم صهاينة، حتى أن بعض مخيمات الاعتصام داخل الجامعات رفعت يافطات كتب عليها "يمنع دخول الصهاينة". 

يقول الطلاب المحتجون إن انتقاداتهم للصهيونية تنطق من كون دولة إسرائيل تمارس التطهير العرقي ضد الفلسطينيين وتحتل ديارهم. يرد عليهم النشطاء من أنصار إسرائيل بالدفاع عن المصطلح. ومؤخراً كتب أكثر من خمسمائة طالب من طلاب جامعة كولومبيا خطاباً يقولون فيه: "إذا كنا قد تعلمنا شيئاً مما يجري داخل الحرم الجامعي خلال الشهور الستة الأخيرة، فهو أن نسبة كبيرة ومعتبرة من طلاب جامعة كولومبيا لا يفهمون ماذا تعني كلمة الصهيونية. إننا نفتخر بأننا صهاينة".
 
في الأجواء العاطفية التي أثارتها الحرب، فإن الأيديولوجيا التي تعود جذورها إلى أواخر القرن التاسع عشر، والتي قامت دولة إسرائيل بناء عليها، باتت تحظى من الاهتمام بقدر ما تحظى به الدولة نفسها. ولكن لا يوجد للمصطلح معنى يتفق الجميع عليه. 

نظم الصحفي النمساوي تيودور هيرتزل أول مؤتمر صهيوني في عام 1897. وكان مشروعه لإقامة وطن جديد لليهود، يتمتعون داخله بالسيادة والاستقلال، قد جاء كرد فعل على معاداة السامية المستشرية والعنيفة في أوروبا، والتي كانت إفرازاً للأفكار السياسية السائدة حينذاك. غدا هيرتزل ملتزماً بدولة يهودية في فلسطين، والتي وصفها باعتبارها "موقعاً متقدماً للحضارة في مواجهة الهمجية." ولكن لم تقم دولة إسرائيل إلا في عام 1948، بعد مرور عدة عقود على وفاته. 
وها نحن نشهد اليوم جيلاً من الطلاب الذين يؤكدون على أن ما يرونه من أحداث ما هو إلا نتاج الرؤية الاستيطانية الاستعمارية لهيرتزل. 

هذا التحول في الآراء إزاء الصهيونية يثير البلبلة بين كثير من اليهود الأمريكيين بشكل خاص. فعلى الرغم من أن 58 بالمائة من الأمريكيين اليهود يصفون أنفسهم بالصهاينة، وذلك طبقاً لمسح أجرته الباحثة في العلوم السياسية بجامعة كارلتون ميرا سوخاروف، إلا أن المصطلح يعني أموراً مختلفة لمختلف الناس. ترى الأغلبية أن الصهيونية ترمز إلى الارتباط بدولة إسرائيل (حوالي 70 بالمائة من المستطلعة آراؤهم)، وترى شريحة بنفس النسبة تقريباً أن الصهيونية تعنى الاعتقاد بأن إسرائيل يهودية وبأنها دولة ديمقراطية (72 بالمائة من المستطلعة آراؤهم)، بينما تصف أقلية صغيرة أنها تعني "تمتع اليهود بحقوق يتميزون بها عن غير اليهود داخل إسرائيل" (حوالي 10 بالمائة من المستطلعة آراؤهم). أما بالنسبة للأمريكان بشكل عام، فيظهر من استطلاعات رأي أجريت مؤخراً أن الكثيرين منهم لا معرفة لهم بالمصطلح. 

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن الفكرة القائلة بوجود نسخة من الصهيونية بإمكان الفلسطينيين العيش في كنفها بكرامة لأمر ينقضه التاريخ، لأن الصهيونية هي الأساس الذي تقوم عليه السياسات التي هجرتهم بشكل جماعي من ديارهم، التي أصبحت إسرائيل في عام 1948، والتي لم تزل تهجرهم منذ ذلك الوقت. يقول ساري مقدسي، أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيليس (يو سي إل إيه): "عندما يفكر الناس بالصهيونية الآن فإنهم ينظرون إلى ما يجري في غزة. هذا هو معنى الصهيونية: أنك تسعى من أجل إقامة دولة تقتصر على عرقية واحدة بعينها. إنها صورة قبيحة".

هناك من يرى أن الرؤية الفلسطينية للصهيونية بدأت، وللمرة الأولى، تحتل الصدارة في خطاب التيار العام. تقول سيمون زيمرمان، مديرة الإعلام في ائتلاف الشتات، وهي المنظمة الدولية التي تركز على مكافحة معاداة السامية وتحويلها إلى سلاح: "أعداد متزايدة من الشباب، بما في ذلك الشباب اليهود، يستمعون إلى أصدقائهم وزملائهم الفلسطينيين في الدراسة، الذين يقولون إن هذا هو ما تعنيه لنا الصهيونية." وهذا هو الذي يفسر كيف غدت مصطلحات مثل "الدولة العرقية" و "التفوق اليهودي" و "الاستيطان الاستعماري" عبارات مركزية في الاحتجاجات والمظاهرات. 

بعد المحرقة (الهولوكوست)، غدت الصهيونية مبدأ أساسياً تقوم عليها منظمات المؤسسة اليهودية في الولايات المتحدة. وتعمقت ارتباطات اليهود الأمريكيين بإسرائيل بعد حربي عام 1967 وعام 1973. في تلك الحقبة، كان الأمريكيون اليهود يرون في إسرائيل معقلاً للقيم الليبرالية، وكان المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة يبذل جهوداً مكثفة في جمع التبرعات دعماً لإسرائيل. وكانت معظم البرامج التعليمية اليهودية، سواء داخل المعابد اليهودية أو في أوساط المجتمع اليهودي، تدرس الصهيونية باعتبارها لا تنفصل من حيث الجوهر عن اليهودية. 

مؤخراً كتب بريت ستيفنز، أحد كتاب الأعمدة في صحيفة نيويورك تايمز، يقول: "أنا صهيوني، لأنني أرى أن إسرائيل تمثل بوليصة التأمين لكل عائلة من العائلات اليهودية، بما في ذلك عائلتي أنا، والتي عانت من الاضطهاد في المهجر في الماضي، وتدرك أننا قد لا ننعم بتاتاً بالأمن والأمان، وإلى الأبد، في البلدان المضيفة لنا".
 


ولكن لطالما وجدت مجتمعات يهودية كانت ترفض الصهيونية – من الشيوعيين العلمانيين إلى أنماط من اليهود المتدينين (الأرثوذكس). أما اليوم فقد غدا الطلاب اليهود المعارضون للصهيونية أكثر وضوحاً إذ يقومون اليوم بدور بارز في الاحتجاجات التي تنظم ضد حرب إسرائيل على غزة. 

خذ على سبيل المثال مدينة الخيام التي أقامها الطلاب داخل حرم جامعة ويسليان في ولاية كونكتيكات، حيث ينظمون حلقات تدريس حول تاريخ الصهيونية، ويسلطون الضوء على سرديات لم يسمع بها كثير من الطلاب اليهود المشاركين في المخيم أثناء تلقيهم للتعليم اليهودي الرسمي. 

وهم بذلك يرددون ما تقوله منظمات قاعدية لم تزل تتبنى الجهود المعادية للصهيونية من أجل تخليص اليهودية واستنقاذها من الارتباط بدولة إسرائيل، كما يقولون. ومن هذه المنظمات "صوت يهودي من أجل السلام"، وهي المجموعة التي وقفت بقوة خلف الاحتجاجات التي أخرت في شهر مارس (آذار) خطاب بايدن حول حال الأمة ثم قاطعته في المناسبات التي ظهر فيها في مانهاتن. يشير جيه سابر، أحد المنظمين النشطين ضمن "صوت يهودي من أجل السلام"، إلى أن الحركة تعمل كذلك على بناء "مجتمع يهودي معاد للصهيونية، مجتمع يهودي متجاوز للصهيونية".

تمثل هذه الآراء شريحة صغيرة نسبياً ضمن الرأي العام في الولايات المتحدة، إلا أن المشاركين في الاحتجاجات نجحوا في فرض نقاش جديد حول علاقة الأمريكيين اليهود بدولة إسرائيل. 

كما أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ساهم في نقل النقاش أكثر فأكثر باتجاه اليسار، والذي يرى أصحابه الصهيونية، بشكل متزايد، باعتبارها مادة تفسيرية أساسية إذا ما أريد فهم الصراع العربي الإسرائيلي، ويرون أن الحرب على غزة نتيجة منطقية للصهيونية. 

كان ثمة إجماع في السابق حول ضرورة تقسيم الأرض بين دولتين – إسرائيل وفلسطين، وكان يُنظر إلى ذلك باعتباره سبيلاً للحفاظ على وجود دولة يهودية لا تبقى إلى الأبد مهيمنة على الفلسطينيين وحاكمة لهم. ولكن المحادثات التي استمرت لعقدين من الزمن، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية حول مبدأ الأرض مقابل السلام، انهارت في عهد إدارة أوباما، ولم تُستأنف منذ ذلك الوقت. 


إن فشل العملية السلمية في إنتاج دولة فلسطينية مستقلة، مع التوسيع المستمر في الاستيطان على الأرض الفلسطينية، غدا دليلاً يقنع كثيراً من المراقبين بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تكن يوماً من الأيام جادة في المفاوضات. 

الإسرائيليون والفلسطينيون، وخاصة الشباب منهم دون سن الخامسة والثلاثين، أقل ميلاً الآن لتأييد حل الدولتين. ومعظم الباحثين المتخصصين في قضايا الشرق الأوسط، بحسب استطلاع للرأي أجري في عام 2023، لا يرون أن قيام الدولة الفلسطينية بات وارداً. 

كما أن انهيار العملية التي كان من المفروض أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية جاء بينما وثقت الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان، الفلسطينية والإسرائيلية والدولية منها، ما خلصوا إلى أنه سياسات فصل عنصرية (أبارتيد) تترسخ بشكل متزايد داخل المناطق المحتلة، الأمر الذي يقوض فكرة أن إسرائيل دولة ديمقراطية. 

على الرغم من أن نسبة صغيرة من الأمريكيين اليهود يرون في الصهيونية "منظومة تخص اليهود بامتيازات وحقوق يحرم منها غير اليهود داخل إسرائيل"، إلا أن الفلسطينيين، بما في ذلك من هم مواطنون في إسرائيل، يعيشون واقعاً مختلفاً تماماً. وهذا الأمر وضع الصهاينة الليبراليين في الولايات المتحدة في موقف هش. ففي ظل حكومات إسرائيلية تزداد تطرفاً نحو اليمين المرة تلو الأخرى، وصلت التوترات الساخنة بين الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية إلى نقطة الغليان. ولقد كتب بيتر بينارت في عام 2020 يقول: "إن الحقيقة المؤلمة هي أن المشروع الذي كرس الصهاينة الليبراليون من أمثالي أنفسهم له على مدى عقود – دولة للفلسطينيين منفصلة عن دولة لليهود – قد أخفق، وحان الوقت لأن يتخلى الصهاينة الليبراليون عن فكرة الفصل بين اليهود والفلسطينيين وأن يتبنوا فكرة تحقيق المساوة بين اليهود والفلسطينيين".

يصف بينارت نفسه الآن بالصهيوني الثقافي، وذلك قياساً على النقاشات التي كانت تجري في أربعينيات القرن الماضي، والتي كانت ترى إمكانية قيام دولة ذات قوميتين، من شأنها كذلك أن تدعم نمو الثقافة اليهودية والعبرية في فلسطين كما كانت أيام الانتداب. ولكن نموذجاً من الصهيونية لا يؤثر المصالح اليهودية لم يتحقق بعد في الواقع العملي، وليس واضحاً ما هو الشكل الذي سيكون عليه لو كتب له أن يتحقق. 


هل يمكن لإسرائيل أن تنفصل عن الصهيونية؟ يقول مقدسي، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيليس: "من حيث المبدأ، لا يوجد هناك من يعترض على أن يكون للشعب اليهودي دولته. تكمن المشكلة في أين يختارون لها أن توجد؟ وتحت أي ظروف سوف توجد، ومن الذي يتوقع منه أن يدفع ثمن وجودها؟".

ويمضي قائلاً: "لا يوجد للشعب اليهودي حقوق تسبق حقوق الشعب الفلسطيني". 

لربما كانت اللغة الشائعة في أوساط اليسار اليوم هي جزء من تحول كبير باتجاه التحرير الفلسطيني.

فمرادفات "المقاومة" تتصدر اللغة المستخدمة في الاحتجاجات المناهضة للحرب، مقارنة بما كان عليه الحال من قبل من اللجوء إلى لغة تؤكد على التعايش بين الإسرائيليين، اليهود منهم والفلسطينيون. 

كثير من المحتجين يعتقدون بأن الدولة ثنائية القومية، حيث ينعم الفلسطينيون بحقوق متساوية، هي السبيل الوحيد نحو الأمام. يقول أليي ريافي، وهو طالب في كلية القانون بجامعة هارفارد يشارك في معسكر الاحتجاج داخل حرم الجامعة: "خلص الناس إلى الاستنتاج بأن الإصلاح لم يجد نفعاً وأن الفعل الراديكالي هو الحل من أجل إحداث تغيير لصالح عالم ينعم بالعدالة والسلام".

كثير من اليهود الأمريكيين يشعرون أنهم يتعرضون للهجوم بسبب ما تحظى به الصهيونية من اهتمام حالياً. وقد تجدهم يتعارفون من خلال سلسلة من النماذج – الصهيونية العلمانية، الصهيونية الدينية، الصهيونية العمالية، الصهيونية الليبرالية، أو غير من ذلك من أشكال القومية اليهودية – كلها اختزلت حالياً في كلمة ساخرة وحيدة. 

ولكن الباحثين الفلسطينيين يقولون إن الصهيونية التي وضعتها الحركة الاحتجاجية في المركز إنما هي بكل بساطة الأيديولوجية المعلنة لإسرائيل، والتي تؤكد على هيمنة اليهود على كل الأرض. يقول مقدسي: "إن الصهيونية المطبقة عملياً ليست أمراً تجريدياً، بل هي تطبق واقعياً في أرض فلسطين، ولقد حدثت، وما تزال تحدث، على حساب الشعب الفلسطيني".

في مخيم جامعة هارفارد، في كامبريدج ماساشوستس، تقول فيوليت بارون، الطالبة في السنة الجامعية الثانية، إنها في سبيل فهم هذه المسائل المعقدة ترجع إلى زملائها وزميلاتها الفلسطينيين. وتضيف: "مشاهدة حجم الدمار الذي حل بغزة جعلني أفهم ما الذي يمكن أن يبرره الاعتقاد بالصهيونية".

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الصهيونية الاحتلال الفلسطينيين بايدن الهولوكوست امريكا فلسطين الاحتلال بايدن الصهيونية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الولایات المتحدة فی الاحتجاجات دولة إسرائیل بالمائة من من الیهود التی کان کثیر من من أجل فی عام

إقرأ أيضاً:

أيهما يهدد الآخر العرب أم إسرائيل؟

منذ النشأة اعتمدت العصابات الصهيونية في فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي على ترويع الناس بارتكاب المجازر (باعتراف من ارتكبوها ويفخرون بها) لإجبار الفلسطينيين على الرحيل، ثم تدمير قراهم لطمس وجودها كدير ياسين، وقبية، وكفر قاسم، والبروة مسقط رأس محمود درويش، على سبيل المثال لا الحصر، واحتلالها بمباركة القوات البريطانية. الصهاينة لم يخفوا مبتغاهم وأهدافهم في بناء دولة تمتد عميقا في أراضي العرب فعلمهم يرمز إليها بصراحة ووضوح (نجمة داوود بين النهرين.

الفرات في منتصف العراق، والنيل في منتصف مصر) وكذلك الخرائط التي ينشرونها والتي تشير إلى مساحات تتعدى النيل والفرات لتصل إلى منتصف الجزيرة العربية، وربما أكثر من ذلك، ويضاف إليها كل تصريحات القادة والزعماء الذين جاؤوا من كل فج عميق من معتزلات أوروبا. وقد اعتمدوا على مجموعة من المقولات تروج إعلاميا في أوروبا وأمريكا لاستدراج العطف من ناحية، وتشويه صورة العربي من ناحية أخرى (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والعرب المتوحشون يريدون رمي اليهود في البحر، وإسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في شرق أوسط لا يعرف سوى الديكتاتوريات التي يريدون أن يدمروها) وقد نجحت إلى حد كبير في إقناع عقول الأوروبيين والأمريكيين باستخدام الإعلام والسيطرة عليه وعبر أفلام هوليوود وسواها من ناحية، وغياب أي خطاب عربي مقنع يواجه أكاذيب الخطاب الصهيوني.

الخطر الداهم: اليوم وبعد أكثر من قرن من الزمان، شنت خلاله إسرائيل حروبا واعتداءات، لا تعد ولا تحصى، على أكثر من بلد عربي، واستطاعت السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي العربية في فلسطين، ولبنان، وسوريا،(نص قرار التقسيم الاممي رقم 181 بأن 55 بالمئة تمنح لإسرائيل والباقي للدولة الفلسطينية، اليوم لم يتبق للفلسطينيين سوى 13 في المئة من المساحة الكلية البالغة حوالي 27000كم2، أي حوالي 3155كم2 وحتى هذه المساحة تريد ضمها، وتحتل من الجولان 1167كم2، وتحتل 25 كم2 من لبنان في مزارع شبعا) ودمرت مدنا بأكملها، ومئات المساجد والكنائس، واحتلت عاصمة عربية (بيروت) وقتلت عشرات الآلاف من الشعوب العربية التي واجهتها وكلها تحت عنوان: «أمن إسرائيل» ضد العرب «الإرهابيين» وحاصرت غزة وجعلتها سجنا مفتوحا لحوالي عقدين من الزمان. بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفي عدوانها على لبنان دمرت عدة قرى لبنانية واحتلت خمسة مواقع في الجنوب، وقامت بتدمير كل المواقع العسكرية في سوريا بمعداتها، واسطولها الجوي والبحري، واحتلت مناطق جديدة في الجولان وجبل الشيخ. وطالب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو “بتجريد كامل لجنوب سوريا من قوات النظام الجديد”.
كل قرارات الجامعة العربية بخصوص القضية الفلسطينية، والأمن العربي تم التخلي عنها
وحسب صحيفة يديعوت أحرنوت فإن حكومة دولة الاحتلال وضعت خطة تتضمن ثلاث منظومات دفاعية في حدود غزة ولبنان وسوريا وعلى أراضيها التي احتلتها مؤخرا. وتتصاعد الدعوات اليمينية المتطرفة في دولة الاحتلال للاستيطان وسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، دانييلا فايس رئيسة حركة «ناشالا» الإسرائيلية طالبت بالاستيطان في غزة ولبنان وسوريا، مؤكدةً أنّه تم عرض خطّة واسعة لذلك، وفي مقابلة مع القناة «الـ 14» الإسرائيلية قالت فايس: إنّ الاستيطان هو أساس الصهيونية، ويجب التوسع في الجليل ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) والجولان.

من جهته، جدد الوزير الإسرائيلي المستقيل وزعيم حزب «القوة اليهودية» المتطرف إيتمار بن غفير، دعوته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والاستيطان اليهودي فيه، وبدعم من الولايات المتحدة حيث قالها الرئيس الأمريكي صراحة: إن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب أن تتوسع، وشبه حجم إسرائيل أمام الصحافيين في البيت الأبيض بقلم مقارنة بالطاولة التي يجلس عليها. وتشير بعض المعلومات إلى أن هناك خريطة أولية للتمدد الصهيوني في المنطقة العربية لإنشاء ما يسمى بممر داوود يبدأ من مناطق الجنوب السوري في منطقة جبل الدورز وينتهي في المنطقة الشمالية التي تحتلها قوات سوريا الديمقراطية الكردية قسد، وقد حذر الحكومة السورية مؤخرا بعد أحداث منطقة جرمانا ذات الأكثرية الدرزية بحجة أن إسرائيل تحمي دروز وأكراد سوريا. وهذا ما يلمح إليه نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط عبر زج أمريكا خلال ولاية ترامب بحرب مدمرة مع إيران تستغلها إسرائيل لتنفيذ مخططها في سوريا ولبنان. ويقول بروفسور الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا الأشهر في أمريكا: «إن نتنياهو خطر على العالم لقد أدخل أمريكا لحد الآن في خمس حروب مدمرة وهو يحاول أن يدخلنا في السادسة في إيران».


الاستراتيجية العربية: لم تتمكن الأنظمة العربية من بناء استراتيجية طويلة الأمد، فكل قرارات الجامعة العربية بخصوص القضية الفلسطينية، والأمن العربي تم التخلي عنها ،بدءًا من لاءات قمة الخرطوم 1967(لا تفاوض، لا سلام، لا اعتراف،) فلم يجف حبر البيان الختامي حتى اعترفت مصر بمشروع روجرز وقرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يتضمن اعترافا ضمنيا بإسرائيل، وبعد عقد من الزمن فقط تم الاعتراف بإسرائيل من قبل أكبر دولة عربية وتطبيع العلاقات معها، ورفرف علم إسرائيل (من الفرات إلى النيل) في القاهرة، وعلم مصر في تل أبيب. ثم التخلي عن المقاطعة العربية شيئا فشيئا مقابل لا شيء. العام 1994 كان عام التطبيع المزدوج بين الأردن وفلسطين مع إسرائيل، التطبيع الأردني مقابل لا شيء، والتطبيع الفلسطيني مقابل اتفاق أوسلو «غزة أريحا أولا» ومع أول منعطف مفصلي تخلت إسرائيل عن اتفاق أوسلو واليوم تريد تهجير فلسطينيي غزة والضفة وضمهما، وحتى اتفاقية وادي عربة مع الأردن، واتفاقية كامب ديفيد مع مصر أصبحتا هشتين بعد عزم إسرائيل على تهجير الفلسطينيين إليهما. أما في سورية فقد ضربت إسرائيل عرض الحائط باتفاقية فصل القوات في الجولان واحتلت عدة مواقع فيه، وفي جبل الشيخ وتستمر في التوغل في الأراضي الواقعة بين درعا والقنيطرة. كما تجاهلت إسرائيل مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود «الأرض مقابل السلام» في العام 2002 التي أعطى ضمانا لإسرائيل بتطبيع العلاقات معها من قبل كل الدول العربية، لأن العقيدة الإسرائيلية لا تقبل بقرار عربي موحد، بل تريد أن تتعامل مع كل دولة على حدة، ولا يهمها إجماع عربي على ضمان أمنها، فالدول العربية هي التي تحتاج ضمانا لأمنها وليس العكس، لأن أمريكا هي الضامنة لهذا الأمن بكل قوتها، وأسلحتها، وأموالها، وهذا ما أثبتته الحرب في غزة حيث زودت أمريكا إسرائيل بكل ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر ومعلومات استخباراتية، وأموال، وحشدت أسطولا بحريا من حاملات طائرات وسفن حربية لحمايتها، وكذلك الأمر بالنسبة لأكثر من دولة أوروبية.

وخلال الفترة الأولى من حكم دونالد ترامب تم تنفيذ اتفاقيات إبراهيم فقامت أربع دول بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، دولتان خليجيتان (الإمارات والبحرين) والسودان والمغرب، وكان تطبيعا في صالح إسرائيل أكثر مما هو لصالح هذه الدول. وبالخلاصة نرى اليوم أن دولا عربية مهددة ،هي التي تحتاج الحماية من الهجمة الصهيونيةـ أمريكية الجديدة وخاصة في الضفة الغربية وغزة التي ترغب إسرائيل بضمها، وترامب يدفع نحو غزوها ليحولها إلى منتجع سياحي يشبه الريفييرا الفرنسية بعد القيام بعملية تطهير عرقي، وهذا ما دعا إليه صراحة وأظهره في فيديو على محرك البحث الذي يمتلكه وأثار سخطا كبيرا حتى من بعض مؤيديه في الحزب الجمهوري ،ذلك أن الصور في هذا الفيديو تظهره مستمتعا مع نتنياهو بحمام شمس على شاطئ غزة، وتظهر الملياردير إيلون ماسك وهي يلتهم الطعام أمام راقصات، ونرى في النهاية تمثالا ذهبيا لدونالد ترامب تم نصبه في غزة يذكر بتماثيل الديكتاتور حافظ الأسد التي كانت منتشرة في كل مكان في سوريا، وتماثيل ديكتاتور كوريا الشمالية كيم إيل سونغ. والنتيجة الحتمية اليوم هي أن على الأنظمة العربية أن تنظر إلى أبعد من أنفها قبل أن تدخل الفأس في الرأس.

المصدر: القدس العربي

مقالات مشابهة

  • أيهما يهدد الآخر العرب أم إسرائيل؟
  • وزير الدفاع الأمريكي لنظيره الإسرائيلي: واشنطن ملتزمة بالكامل بأمن إسرائيل
  • أعداء السامية الإسلامية لا سامية اليهود
  • أرودغان: إسرائيل لن تجد السلام بدون إقامة دولة فلسطينية
  • حماس: إسرائيل تُعرقل تنفيذ اتفاق غزة وتختبئ وراء الموقف الأمريكي
  • “النقل” تُعلن فرض عقوبات وغرامات مالية للشاحنات الأجنبية المخالفة التي تُمارس نقل البضائع داخل المملكة
  • قطر تدين قرار إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • حماس تعلق على المقترح الأمريكي لتهدئة مؤقتة بغزة: تنصل من الاتفاق الموقع مع إسرائيل