اعتمد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي المرحلة الثانية من مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي والتي تشكل جزءاً مهماً من ذاكرتها وتاريخها الحديث، بهدف المحافظة على هوية الإمارة وموروثها الحضاري والعمراني.

وأكد سموه أن المشروع يجسّد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في ترسيخ مكانة دبي وجهةً ثقافيّةً عالميةًّ، والحفاظ على موروثنا التاريخي والثقافي، وإبراز قيم الهوية الوطنية والأبعاد الحضارية والإنسانية التي اتسم بها أهل الإمارات على مر السنين.

وأشار سمو ولي عهد دبي إلى أن تطوير المناطق والمواقع والأبنية التراثية في دبي عملية متواصلة تعكس مدى الحرص على التمسك بالجذور الأصيلة، وتترجم مفهوم الاستمرارية الحضارية، وتبرز خصوصية العلاقة بين الإنسان والمكان، ومدى تفاعل أهل دبي مع العالم الخارجي، تأثيراً وتأثّراً.

وقال سموه: “اعتمدنا المرحلة الثانية من المشروع وتتضمن 35 من مناطق ومواقع وأبنية دبي التي تشكل جانباً مهماً من تراثها العمراني الحديث.. هدفنا أن تحتفظ مواقعنا ذات القيمة التاريخية بمكانتها وروحها ودلالاتها في تجربتنا الوطنية ومسيرتنا الحضارية.. تراثنا العمراني شاهد حي على إبداع آبائنا وأجدادنا وقدرتهم على كتابة قصة ملهمة في العمران والاجتماع والاقتصاد.. أحياء دبي القديمة والتراث المعماري الحديث متحف وطني إنساني، وكتاب مفتوح في فن الحياة وفلسفة البناء الحقيقي”.

وأضاف سموه: “واجبنا حماية تاريخنا وكنوزنا المعمارية لأبنائنا وأحفادنا في المستقبل.. الإرث العمراني يختزن ذاكرة عقود من العمل ويؤرخ لبدايات نهضة دبي.. المناطق التراثية معالم رئيسية في قلب دبي وعنوان لزمنها القادم وهكذا ستبقى.. دبي مدينة يلتقي فيها الماضي والحاضر والمستقبل”.

وقد وجّه سمو ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي بتعزيز مكانة المناطق التراثية ومباني التراث المعماري الحديث على المستويين الثقافي والسياحي والترويج لها بأسلوب يضمن التعريف بها على النحو الأمثل سواء داخلياً أو خارجياً، انطلاقاً من الحرص على الحفاظ على الشواهد التراثية وترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز مكانة دبي على الخارطة السياحية، والثقافية، والاقتصادية عالمياً.

وباعتماد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم للمرحلة الثانية من المشروع، يصل عدد مواقع وأبنية التراث الحديث والمناطق والمباني ذات القيمة التاريخية التي يشملها المشروع في مرحلتيه الأولى والثانية إلى 807 مواقع ومناطق ومبانٍ، حيث شهدت المرحلة الأولى من المشروع حماية 17 موقعاً و14 منطقة و741 مبنى تراثياً.

وتعكس مباني التراث المعماري الحديث التي تعود إلى الفترة الممتدة من بداية الستينيات وحتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فكر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وترتبط بذاكرة مجتمع دبي خلال أهم فترات نمو وتطور الإمارة، حيث تشكل هذه المباني عنصراً من عناصر الهوية الثقافية لإمارة دبي وجزءاً من تراثها الثقافي.

وتوثّق المباني المحفوظة في ذاكرة دبي، الإنجازات الملهمة والتطورات الكبيرة التي شهدتها المدينة، حيث تعتبر جزءاً أصيلاً من التراث المادي والثقافي لأهل دبي، وهي معالم ثقافية نشأت نتيجة التفاعل بين التراث والبيئة والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، كما تعكس هذه الصروح إرث المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ حققت دبي تحت قيادته طفرة تنموية شاملة في جميع النواحي لتصبح مدينة حديثة، عززت موقعها كمركز تجاري بين الشرق والغرب.

تناغم بين الأصالة والحداثة

وقال سعادة المهندس داوود الهاجري، مدير عام بلدية دبي: “إن مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي يسهم في الحفاظ على الموروث الحضاري الذي يمثل ركيزة أساسية لصون ذاكرتنا وترسيخ هويتنا الوطنية، وانتمائنا للمكان بأبعاده الثقافية والإنسانية، بما يعزز تواصل الأجيال الجديدة مع الموروث التي تركه لنا الآباء والأجداد ويؤكد إلمامهم بأنماط وأسلوب حياتهم”.

وأكد سعادته حرص بلدية دبي على الحفاظ على المباني والمواقع ذات القيمة التاريخية التي تزخر بها دبي، لافتاً إلى أن مواقع ومباني المرحلة الثانية من المشروع تعتبر شواهد حية على مرحلة مهمة في تاريخ دبي الحديث، حيث تقدم هذه المباني لوحة جمالية تعكس التناغم الفريد بين الحداثة وأصالة الهوية الوطنية.

وأضاف مدير عام بلدية دبي: “المرحلة الثانية تضم شواهد عمرانية مهمة تروي التغيرات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها دبي منذ بداية نهضتها الحديثة على يد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حيث تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تراث دبي المادي وهويتها الثقافية، وتعد نموذجاً للتخطيط العمراني المتميز الذي شهدته الإمارة منذ أكثر من 50 عاماً.”

وتشمل المرحلة الثانية من مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي: برج الساعة، وبرج راشد، ومبنى دبي للبترول، ومبنى رقم 1 في مطار دبي الدولي، والمبنى الرئيسي لبلدية دبي، ومبنى تلفزيون دبي، وقصر الشيخ راشد بن سعيد – زعبيل، وقصر الضيافة، وقصر الشيخ راشد بن سعيد – حتّا، ومدرسة الشيخ راشد بن سعيد – حتّا، ومدرسة ثانوية زعبيل، ومكتبة الراس، ومبنى دائرة الأراضي والأملاك، ودوار السمكة، ومبنى محاكم دبي، ومبنى الديوان، ومركز شرطة نايف، ونصب الشعلة، ومبنى بريد الإمارات – الكرامة، وخزان حديقة الخزان، ومبنى حديقة الصفا، والنصر ليجر لاند، وحديقة الحيوان في جميرا، ونادي غولف الإمارات، ومبنى نادي خور دبي للجولف، ومسجد جميرا، ومسجد الراشدية الكبير، ومسجد الفهيدي، ومسجد هيئة الصحة، ومسجد عمر بن حيدر، ومستشفى آل مكتوم، ومستشفى دبي، ومستشفى البراحة، ومستشفى راشد، ومستشفى لطيفة (الوصل).

ويعتبر برج الساعة في منطقة ديرة، الذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1963، أحد أبرز المعالم الهندسية والمعمارية في إمارة دبي، وقد أعيد ترميمه في العام 1972 مع الحفاظ على تصميمه الأصلي، وللبرج رمزيته الخاصة التي تنطلق من مكانته كأول معبر بري بين ديرة وبر دبي عبر جسر آل مكتوم.

وقد اُختير البرج ضمن الأجمل على مستوى العالم، إذ صنفته صحيفة تلغراف البريطانية في أغسطس 2014 ضمن أجمل 17 برجاً للساعات على مستوى العالم، وفي سبتمبر من العام نفسه صنّفه موقع «ترافل بلَس» الإنجليزي ضمن أجمل الأبراج على مستوى العالم.

ويؤرّخ برج راشد أو برج “المركز التجاري”، لنهضة دبي العمرانية، حيث تم إنجازه عام 1979، وصممه المعماري البريطاني جون هاريس، وتمت تسميته بهذا الاسم تيمّناً باسم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. ويترجم البرج الرؤية المستقبلية للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد الذي ارتأى ضرورة توفير مبانٍ عصرية لاستقطاب الشركات الإقليمية والعالمية، وإطلاق التوسع العمراني في المدينة بالاعتماد على تخطيط متكامل سابق لعصره.

وتفرّد برج راشد وقت إنشائه بطوابقه التسعة والثلاثين، وتحوّل خلال فترة وجيزة إلى مَعْلم رئيس بارز، ومحور مركزي للشركات العالمية الراغبة في تأسيس فروعها في إمارة دبي الغنية بالفرص الواعدة.

ويعكس تصميم المبنى الرئيسي لـ “بلدية دبي” في منطقة ديرة، والذي انتقلت إليه البلدية في عام 1979، قصة تحول وتطور الإمارة، حيث يسرد المبنى قصة النهضة المعمارية التي شهدتها دبي والتي شكلت هويتها الحضرية، التي تمزج بين التراث الإماراتي الأصيل والتطلعات إلى مستقبل مزدهر.

ويعتبر دوار السمكة في ديرة معلماً بارزاً يحمل بصمة فنية تظهر ما كان للبحر من أهمية في حياة أهل دبي باعتباره رمزاً لمصدر رزقهم، وقد تم تصميمه بشكل مميز وهو عبارة عن مجسم لسمكتين متشابكتين مصنوعتين من الإسمنت المسلح ومكسوتين بقطع من الموازييك الملون تتوسطان حوضاً مائياً، تحيطه أشجار جوز الهند.

ويقع “نصب الشعلة”، الذي شُيّد في العام 1969، في حديقة الاتحاد، وهو رمز للبدء في تصدير النفط من قبل شركة نفط دبي من حقل الفاتح، وأقيم على قاعدة مثمنة الشكل تتكون من أربعة أعمدة بارتفاع عشرة أمتار تتداخل لتكون أقواساً على النمط الإسلامي، وتنطلق من تحته شعلة موضوعة على عمود من رخام يرمز لحقل النفط. وقد تم ترميمه في عام 1976 ضمن خطة تطوير منطقة دوار الشعلة، وتمت إزالة الدوار في عام 1998 ونقل النصب إلى موقعه الحالي.

ويعتبر نادي الإمارات للغولف، الملقب بـ “معجزة الصحراء” من أقدم وأعرق نوادي الغولف على مستوى الشرق الأوسط، حيث استقطب خلال مسيرته التي انطلقت في عام 1988، وحتى الآن عددا كبيراً من البطولات المحلية والعالمية ومن أشهرها بطولتا “أوميغا دبي ديزرت كلاسيك” و”أوميغا دبي ليدز ماسترز”. ويتألّف النادي الذي يتميز بموقعه الأيقوني والساحر، من ثلاثة مضامير رائعة هي مضمار “المجلس” و”فالدو” ومضمار أكاديمية “بار 3” ويقدّم لرواده مجموعةً متنوعة من المساحات التي تُناسب كافّة مستويات المهارة.

ويتميز نادي خور دبي للجولف واليخوت الذي افتتح في عام 1993 بتصميمه الساحر على خور دبي، حيث جاء على شكل شراع مركب “الداو”، الأمر الذي منحه الكثير من الفخامة الممزوجة بالأصالة، وتتمثل أهمية هذا التصميم كونه يعكس أحد المعالم التاريخية بالإمارات، فضلاً عن الجمع بين العراقة والحداثة. كما يعدّ نادي خور دبي للجولف واليخوت وجهة عالمية تضم مجتمعاً من الأعضاء الناشطين في هذه الرياضة، ويشتهر النادي بمضمار يشكّل تحدياً شيّقاً للمتمرسين في رياضة الجولف، ويُعتبر الوجهة المفضلة للاعبين المحترفين وهواة هذه الرياضة، وقد اختارته مجلة “جولف وورلد” من بين أفضل 100 ملعب للجولف في العالم.

ويتميز مسجد الراشدية الكبير الذي اكتمل بناؤه في العام 1976، على نفقة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، بكونه أحد أكبر المساجد اتساعاً للمصلين في دبي، فضلاً عن تصميمه الفريد إذ يعد تحفة معمارية جمعت بين جمال فنون العمارة المغرقة في القدم، وبين النهضة العمرانية التي شهدتها دبي في مرحلة مبكرة.

ويُعد مستشفى راشد شاهداً على بداية النهضة العمرانية التي أطلقتها دبي خلال فترة السبعينات، والتي أسست لطفرتها العقارية التي مازالت متواصلة لتبهر العالم بما تقدمه في هذا المجال، ويضم المستشفى حالياً (762) سريراً تخدم كافة التخصصات.

ويجسد مبنى مستشفى دبي الذي افتتح في عام 1983، حالة التطورات الكبيرة التي شهدتها دبي على مستوى فنون العمارة التي تمزج بين الأصالة والحداثة. ويضم المستشفى (610) أسرة منها (424) سريراً داخلياً و(186) سريراً لعلاجات حالات اليوم الواحد، ليخدم أكثر من (26) تخصصاً.

 

قيمة تاريخية

يُذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع حماية مواقع وأبنية التراث الحديث في إمارة دبي، يأتي بعد مرحلته الأولى التي ضمت معالم وأبنية ذات قيمة تاريخية تقع فيما يعرف في مدينة دبي القديمة التي تتميز بكثافة نسيجها العمراني الذي يعكس الطابع العربي للمدينة العريقة التي اشتهرت بضيق شوارعها و”سكيكها” ونشاطها التجاري.

وتعود المواقع الأثرية والمناطق والمباني التاريخية التي شملتها المرحلة الأولى من المشروع إلى فترة مبكرة من تاريخ دبي، وتقع في حي الشندغة التاريخي وحي الفهيدي التاريخي والسوق الكبير – الراس، وديرة (المرر، والبطين، ونايف، والمرقبات، والمطينة، والضغاية، والرقة) وحتّا المنطقة التاريخية.

وتضم قائمة المباني التي شملها المشروع في مرحلته الأولى: المربعات التاريخية والأبراج (مربعة أم الريول، ومربعة البراحة، ومربعة الشيخ عبيد، ومربعة الشندغة، وبرج نهار، والبرج الجنوبي، والبرج الشمالي)، كما تضم قائمة المباني التاريخية عدداً من المتاحف تشمل متاحف الشندغة (متحف الطفل، ومتحف المأكولات الشعبية، ومتحف العطور، ومتحف آل مكتوم، ومتحف الشعر، ومتحف الطب الشعبي) ومتحف ساروق الحديد، ومتحف بلدية دبي.

وتشمل قائمة المباني التاريخية أيضاً، منطقة السوق الكبير (محلات تجارية، ومساجد، ومباني متعددة الاستخدامات “حكومية وخاصة “)، وحصن الفهيدي، ومجلس أم الشيف – جميرا، كما تضم القائمة عدداً من المساجد (مسجد المر بن الحريز – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن زايد – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن حارب – حي الشندغة التاريخي، ومسجد الملا – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن لوتاه – السوق الكبير- الراس)، فضلاً عن مركز الوثائق التاريخية وحصن حتّا.

وتعبِّر هذه المباني ذات القيمة التاريخية بشكل واضح عن المظاهر الحياتية المزدهرة والحالة الفريدة من الرقي الذي تميزت به مفردات العمارة التراثية في دبي على مر السنين، حيث تشتهر بمبانيها ذات الهندسة الرائعة، بعد أن تحولت إلى منارات ثقافية وشواهد على تراث دبي الأصيل الذي يربط الأجيال الجديدة بتاريخهم وثقافتهم الأصيلة.

 

أسس علمية

وتشكل المباني والمواقع التاريخية في دبي مكاناً يختزن ذاكرة الإمارة، لذلك تعمل الجهات المختصة في الإمارة قبل الشروع في ترميم أي مبنى تراثي، على إعداد دراسة تبين طبيعة الاستخدامات التي سيشهدها المكان وتحديد احتياجاته.

وتتبع إمارة دبي في عملية الترميم استراتيجية واضحة تقوم على أسس علمية، تبدأ من حصر المباني التاريخية وتحليل حالتها الإنشائية، ومن ثم وضع الرسومات المعمارية والهندسية الدقيقة، وتحليل المواد القديمة للمباني، وبعد ذلك تقوم الجهات المختصة بوضع خطة واضحة للترميم يكون الهدف الرئيس الحفاظ على المادة التاريخية لهذه المباني وإبراز قيمتها وأصالتها.

وتحرص الجهات المختصة على استخدام نفس المواد المستخدمة في بناء الشواهد التاريخية مع العمل على معالجة المشاكل الإنشائية المختلفة إن وجدت والقيام بالاختبارات اللازمة لهذه المواد للتأكد من مناسبتها للمبنى وتهيئة المحيط العمراني بشكل يناسب قيمة هذه المباني، وذلك في إطار الأهمية الكبيرة التي توليها دبي لعملية الحفاظ على المباني التاريخية وإعادة تأهيلها بهدف إعادة ألق الماضي إليها، الأمر الذي يحول هذه المباني إلى مزارات سياحية تجذب المواطنين والمقيمين وزوار دبي.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

خبراء يدعون إلى ترميم المواقع التراثية في سوريا

بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، يوجّه الخبراء اهتمامهم إلى المواقع التراثية التي مزقتها الحرب في سوريا، على أمل استعادة هذه الكنوز، وإحياء السياحة التي يمكن أن توفر دفعة اقتصادية تشتد الحاجة إليها.

اعلان

لا تزال معالم سوريا الشهيرة، مثل مدينة تدمر الأثرية وقلعة الحصن التي تعود إلى القرون الوسطى، تحمل آثار ما يقارب 14 عاماً من الحرب.

ومع ذلك، فإن القائمين على حفظ على هذه المعالم متفائلون، ويعتقدون أن أهميتها التاريخية والثقافية ستجذب الزوار من الخارج في نهاية المطاف، ما قد يساعد على تنشيط البلاد اقتصاديا. ويقولون إن السياحة المحلية بدأت تنشط بالفعل.

تدمر: عروس الصحراء

كانت مدينة تدمر مزدهرة في يوم من الأيام، عندما كانت مركزا رئيسيا على طريق الحرير القديم، حيث كانت تربط الإمبراطوريتين الرومانية والبارثية بآسيا، وهي أحد المواقع الستة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في سوريا.

يقع هذا الموقع في الصحراء السورية، وهو موطن لآثار رائعة تعود إلى العصر الروماني قبل 2000 عام. وتظهر آثار الدمار الآن على الأبنية التاريخية فيها، حيث الأعمدة المحطمة والمعابد المتضررة.

كانت تدمر الوجهة السياحية الأولى في سوريا قبل الحرب التي بدأت في 2011، حيث كانت تستقطب حوالي 150.000 زائر شهرياً.

منظر من زاوية عالية يظهر مدينة تدمر القديمة في سورياKhalil Hamra/AP

وقال أيمن نابو، الباحث والخبير في الآثار القديمة لوكالة أسوشيتد برس، إن تدمر أنعشت البادية وكانت نقطة جذب سياحية عالمية، موضحاً أن الموقع كان يُعرف باسم "عروس الصحراء".

كانت تدمر عاصمة دولة عربية تتبع للإمبراطورية الرومانية، وتحظى المدينة بأهمية خاصة باعتبارها الموقع الذي اشتهرت فيه الملكة زنّوبيا التي قادت تمرداً قصير الأمد في القرن الثالث عندما أسست مملكتها الخاصة.

وبالإضافة إلى ذلك، ارتبط الموقع في التاريخ الحديث بأحداث أخرى أكثر قسوة. إذ كانت المدينة موطناً لسجن تدمر، وهو مركز اعتقال سيء السمعة، حيث قيل أن إلاف السجناء السياسيين بمن فيهم معارضو نظام الأسد، تعرضوا للتعذيب.

وعندما استولى تنظيم داعش على المدينة، هدم السجن، ثم دمر المعالم الأثرية الشهيرة في تدمر لاحقا، بما في ذلك معبدي "بل" و"بعل شمين"، وكذلك قوس النصر، معتبراً إياها رموزاً لعبادة الأصنام. كما قام مسلحو التنظيم بقطع رأس خالد الأسعد، وهو عالم آثار مسن قضى حياته في الإشراف على آثار تدمر القديمة.

صورة جوية تظهر أجزاء من الأعمدة في مدينة تدمر القديمة في سورياKhalil Hamra/AP

كانت السيطرة على تدمر بين عامي 2015 و2017، تتبدل بين أيدي تنظيم داعش أحيانا، والجيش السوري أحيانا أخرى، إلى أن استعادتها القوات الموالية لبشار الأسد بدعم من روسيا وإيران.

وتضررت المناطق المحيطة بها بشدة، وتم استخدام العديد من المواقع التاريخية لأغراض عسكرية، بما في ذلك قلعة فخر الدين المعني التي تعود للقرن السادس عشر. فعلى سبيل المثال، استُخدمت القلعة كثكنة للقوات الروسية.

كان الباحث والخبير أيمن نابو من أوائل زوار تدمر بعد سقوط نظام الأسد. ويقول إنه رأى حينها "حفريات ضخمة داخل المقابر". وأضاف أن متحف تدمر كان في حالة يرثى لها، حيث كانت الوثائق والقطع الأثرية مفقودة من أماكنها، وأنه "لا فكرة لديه عما حدث لها".

Relatedعمرها 166 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام ديناصورات في أوكسفوردشاير البريطانيةآثار نادرة تسرق من المتحف الوطني في السودان والجماعات المسلحة في دائرة الاتهامخبراء آثار يكشفون عن كنوز مفقودة.. 250 سفينة غارقة في المياه البرتغالية بحاجة إلى حماية عاجلة

أما عن عمليات السرقة التي حدثت في الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش على المدينة، فأشار نابو إلى وجود العديد من عمليات الحفر غير القانونية التي كشفت عن منحوتات في المسرح (التيترابيلون)، وعن آثار أخرى على طول الشارع الرئيسي ذي الأعمدة، بالإضافة إلى سرقة وتهريب المنحوتات المتعلقة بالجنائز والمقابر.

وبالرغم من أنه تم استرداد سبعة من المنحوتات المسروقة وإرسالها إلى متحف في إدلب، إلا أنه تم تهريب 22 منحوتة أخرى إلى خارج سوريا، ومن المرجح أن ينتهي بها المطاف في أسواق سرية أو ضمن مجموعات خاصة.

أغنام تمر من جانب الدبابات التي كانت تابعة لحكومة الأسد والتي كانت متوقفة أمام مبنى مدمر في تدمر بسورياKhalil Hamra/AP

كما توجد آيات قرآنية مكتوبة على جدران المدافن الموجودة تحت الأرض في المدينة، بينما يغطي الجص الآن اللوحات الجدارية القديمة، التي يتميز العديد منها بمشاهد أسطورية، تعكس ارتباط تدمر الثقافي العميق بالعالم اليوناني الروماني.

اعلان

قال نابو إن سوريا تمتلك كنزاً من الآثار، مؤكداً الحاجة إلى بذل جهود عاجلة للحفاظ على الإرث الثقافي الغني للبلاد. وأشار إلى أن الإدارة السورية المؤقتة، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، قررت الانتظار إلى ما بعد الانتقال السياسي لوضع خطة استراتيجية من أجل ترميم المواقع التراثية في البلاد.

وتدعم اليونسكو حماية التراث الثقافي السوري عن بُعد منذ عام 2015 من خلال القيام بالتوثيق، وتحليلات الأقمار الصناعية. واعترف ماتيو لامار، ممثل اليونسكو، بمحدودية وجود المنظمة على الأرض، مشيراً إلى أن المنظمة قدمت تقارير وتوصيات للخبراء المحليين، دون تنفيذ أي أعمال ترميم في الموقع.

صورة جوية تظهر جزءًا من مدينة تدمر القديمة في سورياKhalil Hamra/APقلعة الحصن

تعرضت قلعة الحصن التي تقع على تلة للقصف الشديد خلال الحرب، وهي تبعد مسافة 183 كيلومترا تقريبا عن تدمر.

إنها قلعة من القرون الوسطى بناها الرومان ثم وسّعها الصليبيون لاحقا، وتسمى أيضا بالفرنسية "كراك دي شوفالييه" (Crac des Chevaliers).

اعلان

وأشار حازم حنا، رئيس قسم الآثار في قلعة الحصن، إلى الأضرار التي لحقت بها جراء غارات النظام السوري الجوية في عام 2014، والتي دمرت الساحة المركزية للقلعة والأعمدة المزخرفة.

صورة جوية تظهر غروب الشمس على قلعة الحصن على مشارف مدينة حمص في سورياKhalil Hamra/AP

وقال إن سوريا ستشهد انتعاشاً سياحياً كبيراًعندما تصبح زيارة السياح ممكنة لها، كما يأمل ويتوقع. وأرجع ذلك إلى "الخلفية الثقافية للمواقع التاريخية في البلاد، وأهميتها الأثرية والتاريخية لعشاق الآثار في جميع أنحاء العالم".

ويتفق حنا ونابو على أن ترميم المواقع التراثية في سوريا سيكون مشروعًا طويل الأمد، يتطلب خبرة فنية وتخطيطًا دقيقًا.

فبالرغم من ترميم أجزاء من قلعة الحصن بعد الغارات الجوية والزلزال المميت الذي ضربها عام 2023 بقوة 7.8 درجة، إلا أن جزءاً كبيراً من القلعة ما يزال مدمراً.

اعلانالمدن الميتة

يوجد أكثر من 700 مستوطنة بيزنطية مهجورة في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، تُعرف مجتمعةً باسم المدن الميتة.

تضم هذه الآثار التي تعرضت للعوامل الجوية بقايا المنازل الحجرية والبازيليكا والشوارع ذات الأعمدة. وعلى الرغم من أن العديد من الهياكل انهارت جزئيا، إلا أن المنحوتات الدقيقة وواجهات الكنائس الشاهقة ما تزال قائمة، وسط أشجار الزيتون العريقة.

وعلى الرغم من الدمار الذي لحق بالمدن الميتة -التي يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي- إلا أن بعضها يؤوي الآن النازحين السوريين. وبينما أعيد استخدام بعض هذه الآثار لتحويلها إلى مساكن وحظائر، وقعت بعض الآثار الأخرى فريسة للنهب، حيث سُرقت القطع الأثرية الثمينة وهُرّبت.

رجل يرعى الأغنام حول موقع المدن الميتة الأثري على مشارف إدلب في سوريا Khalil Hamra/AP

استرجع مصطفى القدور ذكريات طفولته فيها، وهو أحد السكان الذين عادوا إلى المدن الميتة بعد ثماني سنوات. وقال بعد أن رجع أخيرًا إلى منزله إن "مشاعره لا توصف".

اعلان

وقال نابو إن المدن الميتة وضعت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2011 بوصفها متحفا مكشوفا. وأضاف أن محافظة إدلب وحدها تحتضن "أكثر من 1000 موقع تراثي من فترات زمنية مختلفة، ما يشكل حوالي ثلث إجمالي الآثار السورية".

وأوضح أنه بالإضافة إلى التفجيرات والغارات الجوية، ألحقت أعمال النهب والتنقيب غير القانونية أضراراً كبيرة بالآثار، وأشار إلى أن البناء الحديث بالقرب منها، لم يتم التخطيط له بشكل جيد ويشكل تهديداً لعملية الحفاظ عليها.

وأضاف الخبير أن "عشرات الآلاف" من القطع الأثرية المنهوبة لا تزال غير موثّقة. أما القطع التي تم الإبلاغ عنها، فتعمل السلطات مع مديرية الآثار والمتاحف على جمع ملفات القضايا المتعلقة بها لتوزيعها دولياً، بهدف تحديد مواقعها واستعادتها.

رجل يقود دراجة نارية بجوار بقايا موقع المدن الميتة الأثري على مشارف إدلب في سورياKhalil Hamra/AP

وفي الشهر الماضي، اجتمع ممثلون عن منظمات دولية وأكاديميون في العاصمة الإيطالية روما، لمناقشة استراتيجيات الحفاظ على التراث الثقافي السوري.**

اعلان

المصادر الإضافية • أ ب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "زنوبيا" تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيالية؟ طائرة من دون طيار تظهر صورا جوية لآثار تدمر لا أضرار لحقت بآثار تدمر الواقعة تحت سيطرة داعش تدمرداعشسياحةسقوط الأسدالحرب في سورياعلم الآثاراعلاناخترنا لكيعرض الآنNext الكرملين: بوتين مستعد للحوار مع زيلينسكي يعرض الآنNext البيت الأبيض: ماسك لا يتمتع بسلطة اتخاذ قرارات حكومية يعرض الآنNext اجتماع الرياض.. لافروف وروبيو يرسمان ملامح التعاون المستقبلي بين موسكو وواشنطن يعرض الآنNext مصر تضع اللمسات الأخيرة على مقترح مضاد لخطة ترامب بشأن غزة.. ما تفاصيله؟ يعرض الآنNext دمار واسع في القرى الحدودية بعد الانسحاب الجزئي للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان اعلانالاكثر قراءة هتافات ودموع من أجل الزعيم... كيم جونغ أون يدشن مشروع بناء 50 ألف شقة جديدة في ذكرى ميلاد والده إعلام عبري: إصابة شخصين بإطلاق نار في تل أبيب إيطاليا والجدل حول قمة باريس: ميلوني تعترض على استبعاد بعض الدول من المفاوضات بشأن أوكرانيا حب وجنس في فيلم" لوف" زيارة مفاجئة إلى العالم الخارجي.. أحد السكان الأصليين في الأمازون قاده فضوله خارج قبيلته فماذا وجد؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبإسرائيلروسياجنوب لبنانحزب اللهفلاديمير بوتينالصينالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أوروباسياسة الهجرةفولوديمير زيلينسكيالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد: دبي تواصل ريادتها للقطاع البحري
  • حمدان بن محمد يطّلع على أحدث التقنيات الدفاعية خلال زيارته معرض آيدكس 2025
  • محمد بن راشد يشهد سباق الإسطبلات الخاصة للقدرة ويتفقد القرية التراثية
  • خبراء يدعون إلى ترميم المواقع التراثية في سوريا
  • رئيس الهيئة العربية للتصنيع يستقبل الشيخ حمدان بن محمد بن راشد في أبو ظبي
  • مكتوم بن محمد: نواصل ترسيخ مكانة دبي مدينة مالية عالمية تقود المستقبل
  • إطلاق المرحلة الثانية من مشروع صفا الفرسان بالرياض.. فيديو
  • حمدان بن محمد ورئيس تتارستان يبحثان سبل تطوير أوجه التعاون
  • اكتمال الاستعدادات لانطلاق مهرجان محمد بن راشد آل مكتوم للقدرة
  • بي.بي تبدأ إنتاج المرحلة الثانية من مشروع ريڤن للغاز في مصر