الجامعات مراكز وعي ومشاعل تنوير
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة اعتنق بعض الأكاديميين في الجامعات الغربية نصرة القضية الفلسطينية دون أي تفكير في قائمة الخسارات (وإن كانت كبيرة وصلت حدّ الفصل أو الإيقاف عن التدريس في بعض الأحيان) هذه القناعة كانت قناعة فردية بدأت بالنمو تدريجيا لتبلغ كثيرا من منتسبي الجامعات الذين تأثروا بمراقبة ما تقوم به إسرائيل مدعومة من حكوماتهم بكل السبل مما أسس لمرحلة جديدة من الوعي السردي التاريخي تجاه قضية فلسطين، والموال الإسرائيلي المتحايل الذي كان يربط بين إسرائيل كدولة مفترضة ورواية اضطهاد اليهود وضرورة إنصافهم بمنحهم هذه الدولة الطارئة، يريدون لها البقاء على سردياتهم المصطنعة كما أن ظهورها ونشأتها كانا على السرديات ذاتها التي تحاول التشبث بعنق الديانة وإن كانت بريئة منها، وهذا هو ما أدركه كثير من مفكري العالم الغربي ومحاضريهم في الجامعات الغربية فضلا عن جماهير المتلقين الذين وصلهم من العالم الرقمي المفتوح ما يكفي لتبديل السردية التاريخية للمظلمة الإسرائيلية تماما كتبديل آرائهم حول قضية فلسطين وسياسة بلدانهم في الشرق الأوسط.
كان وعيا تراكميا بُني عبر مراحل من الانفتاح على الآخر والتثبت من حقيقة جرائم إسرائيل وحلفائها تجاه الإنسانية وحق الناس في أوطان آمنة وحريات وحقوق محفوظة.
هذا الوعي التراكمي دفع الكثير من متلقيه ومعتنقيه إلى التحليل والربط وصولا إلى مسؤولية الجميع في تغيير مسار الأحداث ومسارات الوعي والتفكير لدى طلبة الجامعات تحديدا، فلماذا يمكن أن يمثل الطلبة أهمية في سياق كهذا؟ لطالما كانت الجامعات - تاريخيا - مراكز تنوير وتحولات في الوعي، وتبدل في مسار الأحداث سياسيا واقتصاديا واجتماعيا عبر مراحل من التأثر المعرفي والتأثير المجتمعي، وهو ما جعل محيط الجامعات بكافة منتسبيه هدفا رئيسا للساسة وصنّاع القرار الذين أدركوا خطورة وأهمية هذا القطاع الحيوي من حاضنات العلم ومراكز المعرفة، منها عبرَ كثير من البرلمانيين ورؤساء الأحزاب والساسة وفيها تشكلت كثير أهم التحولات الثورية في تاريخ الدول والشعوب. المظاهرات الطلابية الداعمة لغزة تعيد إلى الأذهان مقارنات كثيرة كمشاهد إخلاء الشرطة الطلاب المعتصمين في جامعة كولومبيا الشهيرة في نيويورك منذ أيام، التي دعت لاستذكار ما جرى في المظاهرات المناهضة لحرب فيتنام عام 1968 في نفس الجامعة.
ولأنها بيئة مؤثرة استفزت حكومة إسرائيل ليصرخ نتانياهو قائلا «ما يحدث في حرم الجامعات الأمريكية أمر مروع. استولت حشود معادية للسامية على الجامعات الرائدة، إنهم يدعون إلى إبادة إسرائيل، ويهاجمون الطلاب اليهود، ويهاجمون أعضاء هيئة التدريس اليهود، وهذا يذكرنا بما حدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات»
أسطوانة مشروخة كذّبها الكثير من الأكاديميين من اليهود أنفسهم ومن بينهم بروفيسور الصحافة بجامعة جنوب كاليفورنيا، أفوا هيرش التي قالت: «أنا حقا مستاءة من المقارنة؛ عاش جدي في ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين عندما كان شابًا يهوديًا، وأصبح هو والعديد من معاصريه مناصرين للسياسة التقدمية طوال حياتهم، وكانوا ضد القومية العرقية، وضد استخدام العنف بسبب ما مروا به، تعكس هذه المعتقدات بالضبط ما يدعو إليه هؤلاء الطلاب» وأضافت: «أود أن أقول لشخص مثل نتنياهو، كيف يبدو الاحتجاج ضد حرب إسرائيل في غزة الذي لا يكون معاديًا للسامية؟ لأنه يسارع إلى استخدام «معاداة السامية» كسلاح لإغلاق التدقيق المشروع والمساءلة عن تصرفات إسرائيل»
هذا الخطاب الواعي لم يكن متداولا أو مألوفا لكنه اليوم يسري سريان النار في الهشيم بوتيرة متسارعة مدهشة تفوق ما حاولناه كعرب أعواما طويلة.المظاهرات الجامعية التضامنية مع الفلسطينيين وحقهم في أوطانهم وفي عدالة العالم لم تكن مجرد مظاهرات حماسية انفعالية فقد استمرت تصاعديا إلى أن وصلت حد المطالبات الصريحة بوقف التعاون مع حكومة إسرائيل وقد نجح بعضهم في ذلك فعليا متابعين قائمة طلباتهم عبر تشكيل جبهة ضغط واعية تدرك أهدافها ومنطلقاتها، وتؤمن بثوابت إنسانية لا تقبل الازدواجية.
عدوى الوعي الإنساني والتضامن العالمي مع الحق الفلسطيني انتقلت من جامعات أمريكية إلى جامعات أخرى في دول العالم تضامنا مع الطلبة والمحاضرين المعتقلين دفاعا عن قناعاتهم وتأكيدا لصحة هذه المعتقدات إنسانيا، ولذلك تأثيره على المجتمع وحتى السياسات القادمة وهو ما صرّح به السيناتور الأمريكي عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز خلال مقابلة أجراها مع مذيعة شبكة CNN، كريستيان أمانبور إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو «يهين ذكاء الشعب الأمريكي»، مضيفًا أن «ما فعله (نتنياهو) هو صرف الانتباه، وقد وقعت وسائل الإعلام الأمريكية عمومًا في فخ القول بأن أي احتجاج ضد إسرائيل هو معادٍ للسامية»والحقيقة أن أي محاولات لقمع هذه المظاهرات سيكون مؤثرا لا على الانتخابات الأمريكية وحدها، بل على الانتخابات الأوروبية القادمة كذلك.
ختاما: ما زلنا نعوّل على وعي الشعوب متمثلا في حصيلة هذا الصراع الذي استغرق أكثر من نصف قرن واستنزف كثيرا من الأرواح والموارد، وها هو التاريخ يأتي بخلاصة مفادها أن العبرة في الخواتيم، وأن كل ما تم تأليفه وترويجه -من أكاذيب ومغالطات في السرديات الإسرائيلية التي تحاول الالتصاق بتلابيب الديانة اليهودية لإثبات مشروعيتها وتوسيع رقعة مظلوميتها وتبرير مظالمها – تهاوى عبر هذه المرحلة التي غربلت كل ذلك، وانتصرت لحق الضحايا في الدعم والتأييد بعدما كانوا يموتون حاملين آلامهم وخذلانهم في أوطانهم وفي إنسان هذا الكون، ولو لم يكن لغزة وشهدائها وتضحياتها من نصر إلا هذا الوعي العالمي لكفاها.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الخارجية: سورية تطالب جميع دول العالم بالقيام بواجبها الإنساني واتخاذها موقفاً حازماً لإيقاف المجازر المتسلسلة التي يرتكبها كيان الاحتلال في المنطقة ومحاسبة قادته على جرائمهم وعدوانهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب
2024-11-20naghamسابق الخارجية : ارتهان مجلس الأمن لقرار دولة واحدة يفقد هذا المجلس مصداقيته في حفظ السلم والأمن الدوليين انظر ايضاًالخارجية : ارتهان مجلس الأمن لقرار دولة واحدة يفقد هذا المجلس مصداقيته في حفظ السلم والأمن الدوليين
آخر الأخبار 2024-11-20جلسات حوار لمناقشة تعديل القوانين الناظمة لعمل وزارة التجارة الداخلية بطرطوس ودرعا 2024-11-20استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال غرب جنين 2024-11-20ترميز السلع والمنتجات لتنظيم عمل الأسواق خلال اجتماع في وزارة التجارة الداخلية 2024-11-20فيتو أميركي يعرقل مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة 2024-11-20انطلاق الجلسات الحوارية في غرفة تجارة حماة لتعديل قانون حماية المستهلك 2024-11-20الشيخ قاسم: العدو لن يخرج إلا بالمقاومة وسنبقى في الميدان نقاتله مهما ارتفعت الكلفة 2024-11-20قانون اتحاد الصحفيين… ندوة حوارية في دار البعث 2024-11-20ارتقاء 36 شهيداً وجرح العشرات جراء عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية في تدمر 2024-11-20بمناسبة اليوم العالمي لمرضى السكري… فعالية توعوية طبية في طرطوس 2024-11-20محور الأورام في رابع أيام مؤتمر أيام صحة دمشق 2024 العلمية
مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18 الجيش يدمر 15 طائرة مسيرة للإرهابيين في أرياف حلب واللاذقية وإدلب 2024-11-18صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18 المسافة صفر.. مخرز في خاصرة الاحتلال – بقلم : جمال ظريفة 2024-11-16حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل 2024-11-1919 تشرين الثاني 1954 – بدء بث «تلفزيون مونتي كارلو» وهي أقدم قناة تلفزيونية خاصة في أوروبا 2024-11-1717 تشرين الثاني 1969 -مفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحد من عدد الأسلحة الإستراتيجية على كلا الجانبين 2024-11-1616 تشرين الثاني 1970- قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد 2024-11-1515 تشرين الثاني 1920-عقد أول اجتماع لعصبة الأمم في جنيف 2024-11-1414 تشرين الأول 1908- عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين يعلن عن نظرية كمية الضوء
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |