ملتقى السرد العربى يحتفى بأربعة كتاب من كبار المبدعين والروائيين
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
على مدار يومين متتاليين عقد ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربى فعالياته، والذى نظمته الجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية برئاسة عصام عزت رئيس مجلس الإدارة وحمدان القاضى المدير التنفيذى للجمعية بالتعاون مع مركز الحرية للإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية بالإسكندرية، بحضور عدد كبير من رموز ومثقفى وأدباء المجتمع السكندرى وطلاب الجامعة.
واحتضنت قاعة المسرح بمركز الحرية للإبداع الفنى فعاليات الملتقى التى احتفت بإبداعات كبار كتاب الرواية والسرد، واستعرضت أربعة نماذج من هؤلاء المبدعين وهم الكتاب الروائيون محمد جبريل وإبراهيم عبد المجيد ويوسف القعيد ومصطفى نصر وسمير الفيل وشريف عابدين.
بدأت وقائع الملتقى بكلمة للشاعر جابر بسيونى مقرراللجنة الثقافية تلتها كلمة عصام عزت رئيس الجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية ألقاها نيابة عنه حمدان القاضى المدير التنفيذى للجمعية الذى رحب فيها برموز الإبداع السكندرى والحضور واستعرض فكرة ونشأة الجمعية وأهم أنشطتها، ثم ألقى الدكتور فتحى أبوعيانة رئيس مجلس إدارة الجمعية السابق كلمة مشيدًا بجهود الجمعية وتنظيم الملتقى والجهود المخلصة التى بذلت من أجل نجاح هذه الفعالية الكبيرة.
بدأت الجلسة الأولى تحت عنوان«محمد جبريل..رؤية نقدية» للناقد الكبير حسين حمودة أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة القاهرة ورئيس تحرير مجلة فصول الأدبية ومقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، الذى أشاد بالملتقى الذى يدور حول تجارب عدد من مبدعين كبار من الإسكندرية، وقال د. «حمودة» إن تجربة محمد جبريل الإبداعية والروائية متسعة جدًا ومترامية الأطراف فى وجهات متنوعة استكشف خلالها عوالم متعددة منها عالم السكندرية، وكتب فى أنواع متنوعة فى القصة والرواية والأدب، واستعرض أستاذ الأدب العربى الحديث نقطة مهمة فى تجربة محمد جبريل، مشيرًا إلى أنها تتحقق خلال روايتين من رواياته وهما لم تنالا ما تستحقان من اهتمام، وهما روايتا «رجال فى الظل» والرواية الثانية«قلعة الجبل»، مع الاحتفاء برصد ثنائية القلعة والمدينة. وأدار الجلسة الدكتور على اليمانى رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية جامعة الإسكندرية.
وألقى الشاعر والروائى الكبير أحمد فضل شبلول كلمة نيابة عن الروائى محمد جبريل.
وتناولت الجلسة الثانية الرؤية النقدية لإبداعات يوسف القعيد للناقدة الدكتورة سحر شريف أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداب جامعة الإسكندرية ومقررة الملتقى، حيث قالت: إن الظروف التى حدثت فى الواقع الاجتماعى المصرى بعد ثورة يوليو 1952 خقلت جيلًا من المثقفين والأدباء ذوى سمات خاصة، يطلق عليه جيل الستينيات، ذلك الجيل الذى ينتمى إليه يوسف القعيد وغيره من كتاب السرد النابهين مثل جمال الغيطانى ويحيى الطاهر عبدالله، ومجيد طوبيا، وصنع الله إبراهيم، وأحمد الشيخ، وإبراهيم أصلان وغيرهم، ولقد عايش أبناء هذا الجيل ثورة يوليو بآثارها الإيجابية والسلبية، فعلى مستوى الإيجابيات امتلأت نفوسهم بالزهو تجاه التحرر من الاستعمار وتوفير قدرٍ كبير من العدالة الاجتماعية، حيث مجانية التعليم والإصلاح الزراعى والسعى لتضييق الفوارق الطبقية بين المواطنين، وعلى مستوى السلبيات فقد امتلأت نفوسهم بالانكسار والإحساس بالاغتراب والتشرذم نتيجة تداعيات حدثت بعد الثورة من قمع للحريات وانتكاسات أدت إلى هزيمة 1967، هنا رأى جيل الستينيات نت الأدباء و«القعيد» واحد منهم نماذج تتحطم وأصنامًا تسقط فأخذوا على عاتقهم مهمة التغيير والتجديد فى الأدب، واستطاعوا أن ينتجوا أدبًا معجونًا بمعاناة الشعب وتراوحوا بين تأييد النظام السياسى من ناحية ورفضه من ناحية أخرى، ولقد عبر أدب يوسف القعيد فى مجمله عن توجه أيديولوجى خاص يعكس دور الأدب فى المجتمع وعلاقتاه بالسياسة فى قالب بسيط قريب إلى القراء من الشعب الذى أتى من صفوفه صاحبنا يوسف القعيد، يقول»القعيد» إن أعمالى الأولى، الحداد66 وأخبار عزبة المنيسى 71 وأيام الجفاف 74والبيات الشتوى 74، مكتوبة بوعى الستينيات ووجدانهم، حيث لا يوجد صدام مع السلطة يؤدى إلى رفضها، وإنما كان موقفى الاتفاق على الاستراتيجيات والإجراءات، فمأخذى على النظام فى الستينيات كانت فى شموليته، من هنا يطرح «القعيد» أدبًا يشعر الناس بوجود أخطاء فى مجتمعهم، ففى روايته «يحدث فى مصر الآن» و»الحرب فى بر مصر» و»شكاوى المصرى الفصيح» ترسيخ عميق لدور السياسة فى الأدب، حيث أصبح الهم الاجتماعى ذا وجه سياسى يتمثل فى رفض التبعية للنموذج الغربى الأمريكى والتحيز المطلق لفقراء مصر وإدانة الطبقات التى أثرت على حساب الشعب فى حقبة ما من تارخنا السياسي، بذخ فى الطبقة المترفة فى مقابل شظف العيش فى طبقة الكادحين، أدارت الجلسة الدكتورة رانيا يحيى عميد المعهد العالى للنقد الفنى.
وأدار الجلسة الثالثة الأديب منير عتيبة مؤسس ورئيس مختبر السرد بالإسكندرية بعنوان»رؤية نقدية للآديب والروائى الكبير إبراهيم عبد المجيد» بحضوره، حيث تحدثت الدكتورة وداد نوفل أستاذ البلاغة والنقد بكلية التربية بالمنصورة قائلة: إن من يقرأ إبراهيم عبد المجيد يجد أنه حالة وربما هو حالة غير اعتيادية من الكتابة فى عالمنا الأدبى المصري، والعربى أيضًا، فهو لا يعد كاتبًا نمطيًا يشعل بإبداعه الفنى عمن سواه، لكنه يدهش القارئ بقدراته، وإمكاناته التى كونتها البيئة الاجتماعية والثقافية والجغرافية والمعرفية التى عمل إنمائها وتطويرها بقراءاته المختلفة فى الآداب والفلسفة والسينما والموسيقى والترجمة، ومن ثم كانت هذه الجوائز التى استحقها وكانت المكانة التى تبوأها عن جدارة.
وأشارت إلى أن «عبدالمجيد» فى رأيها هو هذه الحالة من الوعى والوهج التى تميزه منذ الصغر، وأضافت «نوفل» أن حياة «عبدالمجيد» حفلت بكثير من الأحداث والخبرات والأسفار والأشخاص والأماكن التى ميزت هذا الجانب بالثراء، لكن إبراهيم عبد المجيد لم يتوقف عند ذلك، فقد فطن جيدًا إلى الوسائل التى تساعد فى انتهاج الطريق إلى فن الرواية والوسائل التى تؤدى إلى اكتناز المعرفة الضرورية التى من شأنها أن تنهض بهذا الفن، وتجعل منه أعمالًا فنية تنبض بالحياة، وأكدت أستاذ البلاغة والنقد أن الكاتب إبراهيم عبد المجيد هو نموذج مبهر على امتلاك قدرات عقلية بمقوماتها المختلفة فى الكتابة الإبداعية السردية التى تندرج تحت مفهوم غاية فى الأهمية هو مفهوم الوعى. كما تحدث الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد عن رحلته مع الإبداع والرواية منذ صباه حتى أصبح من من مشاهير الكتاب.
واختتم اليوم الأول بجلسة بعنوان"شريف عابدين رؤية نقدية" للناقد دكتور بهاء حسب الله أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة حلوان وأدارت الجلسة دكتورة ندى يسرى مدرس الأدب العبرى الحديث والمقارن بآداب الإسكندرية.
وبدأت وقائع اليوم الثانى بلقاء الكاتب الروائى السكندرى مصطفى نصر، تحدث فيها د. محمد عبد الحميد خليفة رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية بالمنصورة والأديب محمد عباس على وأدار الجلسة د. نور عابدين أستاذ النقد والبلاغة المساعد بآداب الإسكندرية.
واختتمت فعاليات الملتقى بجلسة مهمة عن الأديب سمير الفيل.. رؤية نقدية تحدث فيها الأديب الروائى والشاعر الكبير أحمد فضل شبلول تحت عنوان «ملامح عرفانية فى أعمال سمير الفيل القصصية» قائلا: إن الأدب العرفانى هو الأدب القائم على المعرفة الباطنية، أو الصوفية، والزهد، والبعد عن الملذَّات الجسدية، أو الترفُّع عن عالم الجسد. و«الكتابة العرفانية تستحضر العلاقة بالماضي، لأن قراءة الماضى يجب أن تصدر عن حضور كامل حيث هو فتح لإمكانية المستقبل الكامن فى كلِّ ماضٍ».
ويسعى الأدب العرفانى إلى إحياء التراث الصوفى وتسليط الضوء على خفايا روحية فى الدين الإسلامي، وبذلك تحرره من النظرة الأحادية وتفتح تراثه على التأويل والاعتبار والأفكار التى تسمو بالفرد من عالم الملذات الضيق إلى عالم التأمل الفسيح فى الكون، والجمال القلبى القائم على المعرفة الروحية.
وبالنظر إلى أعمال الكاتب سمير الفيل القصصية، وخاصة مجموعته «دمى حزينة»، نجد أن الدمية للطفلة شيء غال عزيز المنال، لكنها بمجرد أن تكبر – تلك الطفلة–وتصير ولودًا للأطفال «يبرد» حب الدمية القديم فى قلبها، حسب تعبير أبوالمجد سنائى الغزنوى (أفغانستان 1080 – 1131) فى كتابه «حديقة الحقيقة» التى تُعد أول منظومة صوفية.
فى قصة «تلك الحواجز» نجد من يقول: «لو وصلتَ سالمًا فسوف يُسمح لك بالعيش فى واحة خضراء مع تسع من حور العين» (ص 9). وتتكرر عند الصوفية كلمات: الوصل والوصول والواصلون. يقول العامة «فلان ده واصل». والوصول – عند الصوفية–يبدأ عادة بخرق العادة، ثم الجذبة، ثم المناظر الجذبية التى يسمونها: الكشف، وقد يصل بعضهم إلى الجذبة بدون المرور بخرق العادة.
كما نجد – فى القصة–عبارة «وخفافيـش ظلَّـت تطير فـوق رأسى مبـاشرةً لترتطـم بشـعرى المهـوش، وتعـاود الارتفـاع حتـى ذابـت فى الظلمة».
وفى قصة «المعاطف الرمادية»–بالمجموعة التى سميت على اسم تلك القصة، واحتوت على 14 قصة قصيرة–نجد الضابط الذى «صعد السلم بخفّة قرد، تحت جنح الظلام حيث لا عيون تراه سوى أعين الخفافيش التى كانت تطير فى الحوش».
وأدار الجلسة الأديب السكندرى رشاد بلال، وأوصى الملتقى فى ختام جلساته بتكرار الحدث سنويًا وزيادة عدد الجلسات وأيام الحدث لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المشاركين وتخصيص جلسة لتقديم شهادات المبدعين على العصر وتكريم الأدباء والمبدعين فى حياتهم وطرح إحدى قضايا الإبداع السردى فى الملتقي، وفى ختام كل جلسة تم تكريم رموز الأدب والإبداع المشاركين فى الملتقى وفى مقدمتهم المحتفى بهم من أدباء الإسكندرية.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب
فاطمة عطفة
يحتل التراث الشعري العربي مكانة أصيلة في وجدان مجتمعنا وذاكرتنا الجمعية، لما له من أثر في بناء مخزوننا اللغوي وموروثنا الثقافي والأدبي، وهو لا ينفصل عن مساقاتنا المعرفية التي تصب كروافد في نهر الحضارة الإنسانية الكبرى، كونه يسهم، تأليفاً ونشراً وترجمة في ازدهار نهضتها واستدامتها. ويظل التراث الشعري العربي حاضراً حضوراً مؤثراً في الذاكرة عبر مئات الأسماء والأعمال التي تعكس ثراءه وتأثيره على الأجيال الشعرية المتتالية، كما يستمر الجدل المتواصل ما بين أهمية التراث الشعري والارتباط به وبين الاستفادة منه مع تجاوزه إلى الحداثة، ومع تعدد الأساليب الفنية والسردية والشعرية الحديثة، يحضر سؤال حول تعاطي الجيل الجديد من المبدعين الشباب مع هذا التراث الشعري الزاخر بعطاءات شعرية خالدة.
يقول الشاعر علوش السويط، معد برنامج مختبر الشعر ومقدمه: منذ أن كُتب البيت الأول في القصيدة العربية، وللشعر نقّاد ومتذوقون ومحبون ومبغضون، وكلهم على اختلاف مشاربهم يجتمعون على حاجة ملحّة في فهم معنى القصيدة، والذي بدوره أبرز لنا محمد بن سلام الجمحي المتوفى سنة 232 هـ، فيما ينظر له كأول دراسة للتراث الشعري في كتابه «طبقات الشعراء». ثم تبعه ابن قتيبة والآمدي وغيرهما. وبفضل هؤلاء ومن سبقهم ولحقهم، تطوّر قرض العرب للشعر، وكوّن جيل الشباب من أبي تمام وتلاه البحتري مذهباً تميّز في شعر العمود العربي، وأطلق لغة شاعرية جديدة وصوراً بيانية ساحرة لم يعهدها أحد من الأدباء في ذلك الزمن. ثم جاء من بعدهما المتنبي ليمازج بينهما حتى يبلغ شعره مرحلة من الجلوّ لم يسبقها مثيل.
ويتابع الشاعر السويط: لمّا كان الشعر ديوان العرب، انتبه رواد الدراسات الاجتماعية والإنسانية إلى دوره المحوري في قراءة حال من سبقنا، وانكبوا على دراسته لاستخراج الفنون المتنوعة حتى يتحدى جيل الشباب رعيل السابقين، ويرقى في «الكلمة» العربية كما هو الحال في شعر العباسيين الذي نافسه شعر الأندلسيين برقته وانسيابه وسهولته فأنشده القاصي والداني.
ويرى الشاعر علوش السويط أن قصور ذائقة شعراء الشباب في عصرنا يعزى في المقام الأول إلى التساهل في تعلم ضوابط اللغة العربية وقواعدها، والركون إلى ما يتداوله العامّة، والأجدر أن يبذل الشاعر الشاب مزيداً من الوقت في مطالعة شعر العرب، ولا يكتفي بالشعر أو الرواية المترجمة، وأن يطلع على فنون عربية أشمل، مثل المقامات والخطب، وأن ينشر عبر حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي ما يكون قدوة يحتذى بها، لا نقلاً أعمى لما يجهله. وإذا ما سعينا نحن الشعراء الشباب إلى تطوير مدرسة شعرية جديدة في عصرنا على غرار شعر المهجر أو التفعيلة، فلا بد لنا من استلهام المفردة من عصرنا، ومن ثم تطويعها ضمن جماليات اللغة العربية، دون النسخ من القديم أو التساهل في الجديد. وهذا ما يصنع الشاعر المجيد، كما ذكر الشاعر معروف الرصافي في قوله:
وأجود الشعر ما يكسوه قائله
بِوَشْي ذا العصر لا الخالي من العُصُر
لا يَحسُن الشعر إلا وهو مبتكَر
وأيّ حسن لشعر غير مبتكر
ويختم الشاعر علوش السويط قائلاً: لا ريب أن ضعف موهبة بعض الشعراء الشباب في عصرنا شبيهة بتلك التي أعقبت حكم المماليك في مصر، وتصدى لهذه الفجوة محمود سامي البارودي بمدرسة إحياء التراث، وهو أمر ربما يتكرر في عصرنا هذا باهتمام بالغ من المؤسسات الثقافية وجامعاتها العلمية في دراسة التراث الشعري وتقديم الشعراء الشباب لحمل بردة الشعر.
مكانة أصيلة
من جانبه، يؤكد الشاعر سامح كعوش على كون التراث الشعري العربي يحتل مكانة أصيلة في وجدان مجتمعنا وذاكرتنا الجمعية، موضحاً أن ما نشهده اليوم من تراجع في جودة المحتوى الإبداعي والأدبي، إنما هو عائد في أحد أبرز أسبابه، إلى ضآلة معارف بعض الشعراء الشباب والكتّاب الناشئين، وخاصة في مجال الشعر الموروث قديمه وحديثه، بدءاً من المعلقات في العصر الجاهلي، وصولاً إلى روائع ما جادت به قرائح شعراء المهجر والأندلس قبلها.
ويضيف كعوش: يعلل ذلك الضعف إلى أن بعض الشعراء الشباب لا يجدون الوقت الكافي لديهم لاستعادة واستيعاب وهضم الموروث الثقافي عامة، والشعري خاصة، كما أنهم لا ينشغلون بدراسات مستفيضة لجماليات هذا الموروث ومحاولة محاكاتها ومجاراتها والكتابة على نسقها. وهنا نحن لا نشير إلى ضعف موهبة، فحتى الموهبة الضعيفة تنمّى بالتدريب والصقل والممارسة، بل هو قصور ثقافي لدى البعض وعدم معرفة بأنماط التأثير الإبداعي والفني الخلاق، والمجانب لسلبيات التواصل الاجتماعي والمحاذر لمخاطر التسرّع والتسطيح فيها.
وفي هذا السياق، تقول الفنانة التشكيلية والشاعرة موزة عيد مبارك المنصوري: الشعر ليس مجرد كلمات تقال، بل هو امتداد للروح والهوية. حين يعود الشاعر الشاب إلى تراثنا الشعري، فإنه لا يقرأ فقط، بل يعيش تلك التجارب، يشعر بنبض الكلمات، ويفهم كيف كانت اللغة مرآةً للإنسان في كل زمان. دراسة الشعر الجاهلي أو الأندلسي أو المهجري تمنح الشاعر أدوات تعبيرية أعمق، وتفتح له أبواب الخيال والتجديد، دون أن يفقد أصالته. فكل بيت قديم يحمل في طياته قصة، وكل قصيدة هي تجربة إنسانية يمكن أن يجد فيها الشاعر صوته الخاص. لماذا يهمل بعض الشعراء بعض المدارس الشعرية؟ قد يكون السبب في هذا الإهمال هو تسارع إيقاع الحياة، حيث أصبحت القراءة العميقة أقل حضوراً، وحلت محلها النصوص السريعة التي تناسب عصر التواصل الاجتماعي. كما أن بعض الشعراء يجدون صعوبة في فهم السياقات التاريخية للشعر الأندلسي أو المهجري، فيرونه بعيداً عن واقعهم. لكن الحقيقة أن هذه القصائد لم تكن مجرد وصف لزمانها، بل كانت انعكاساً لمشاعر إنسانية خالدة: الحنين، الحب، الغربة، والأمل. ربما لا يكون الأمر ضعف موهبة بقدر ما هو حاجة إلى إعادة التواصل مع هذا التراث، ليس كعبء ثقافي، بل كنافذة تطلّ منها أرواحنا على تجارب من سبقونا، فنضيف إليها أصواتنا وقصصنا الجديدة.
قاعدة صلبة
تقول الشاعرة مريم الزرعوني: التعرف إلى التراث الشعري العربي يشكل قاعدة صلبة ترفع بنية الشعر وتدعم صوت الشاعر، فالأهمية تتأتى من عوامل عدة، أولها تكوين الملكة الشعرية الأصيلة، وتمنحه القدرة على التعبير الدقيق والجميل؛ لأن شعر الأسلاف كنز يزخر بالتجارب والأفكار والصور الشعرية التي لا غنى للشاعر الشاب عنها في رحلته لتطوير أدواته الإبداعية، وليست التجارب إلا معين يمده بخبرات جاهزة، مما يختصر عليه الكثير من الجهد، ويسهم في في تشكيل ذائقته، وتمكينه من التمييز بين الغث والسمين في الأدب.
وتضيف الشاعرة الزرعوني أن التراث يساعد الشاعر على اكتشاف صوته الخاص، وتحديد الأساليب والاتجاهات التي تعبر عنه أصدق تعبير. وفي المقابل، يثار بين الفينة والأخرى تساؤل عن سبب ما يراه البعض ضعفاً عند بعض الشباب في الشعر العربي المعاصر، مقارنة بشعر المهجر أو الأندلس، ويرى هؤلاء أن الشعر المعاصر يفتقر إلى الأصالة، ويسير في ركب التقليد والمحاكاة، بينما يرى آخرون أن الشعر المعاصر قطع صلته بالتراث، ولم يستفد من كنوزه الثمينة، ويتهم البعض اللغة الشعرية المعاصرة بالضعف والعجز عن التعبير عن الأفكار والمشاعر بصدق وجمال. ومع ذلك، لا يمكننا أن ننكر وجود أصوات شعرية معاصرة واعدة تبشر بمستقبل مشرق للشعر العربي، وتجمع بين أصالة الماضي وإبداع الحاضر.