لجريدة عمان:
2024-11-28@23:03:24 GMT

دور الفساد الإداري في تحجيم الاقتصاد

تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT

الفساد الإداري هو ظاهرة تنتشر في مختلف المجتمعات والقطاعات، وتتمثل في سوء استخدام المناصب العامة أو الخاصة لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية، بطرق غير قانونية وغير أخلاقية. ويمكن تعريف الفساد الإداري على أنه سلوك يمارسه أفراد يتولون مسؤوليات في الحكومة أو الشركات أو أي مؤسسة أخرى، ويهدفون من خلاله إلى تحقيق مكاسب شخصية لأنفسهم أو لأقربائهم، وذلك عبر استغلال السلطة الممنوحة لهم.

التعريفات المختلفة للفساد تشير إلى أنه يمكن أن يكون له أشكال متعددة ومتنوعة، ولكن التوجه الشائع والأكثر انتشارًا يصف الفساد على أنه استغلال غير قانوني للسلطة من قبل شخص يشغل منصبًا عامًا، بهدف تحقيق مصلحة شخصية أو جماعية، وتحقيق مكاسب غير مشروعة. يمكن أن يكون هذا الشخص سياسيًا أو موظفًا حكوميًا، وقد يتمثل الفساد في تلقي رشاوى أو انتهاك القوانين أو تلاعب في العمليات المالية أو إساءة استغلال الموارد العامة. وتهدف مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الفساد إلى تعزيز الجهود الدولية في مكافحة الفساد الإداري، وقد قام بتعريف الفساد الإداري على أنه القيام بأعمال تمثل أداءً غير سليم للواجب، أو استغلالا للموقع أو السلطة، بما في ذلك الأفعال التي تُعد تلاعبًا بالتوقيعات للحصول على ميزة شخصية أو تعرضًا للحصول على مكاسب غير قانونية، سواء كان ذلك من خلال تلقي مزايا غير مشروعة أو بحثًا عنها، أو بطلبها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو من خلال قبول مزايا تمنح سواء للشخص نفسه أو لصالح شخص آخر.

ويتسبب الفساد الإداري في مجموعة من الآثار السلبية التي تنتشر في المجتمع وتؤثر بشكل سلبي على التنمية والنمو الاقتصادي. أحد هذه الآثار هو الإضرار بمصداقية الدولة ومؤسساتها المختلفة. فعندما ينتشر الفساد الإداري والمالي، يتضرر النظام الرسمي للعمل وتتلاشى القواعد واللوائح التي تهدف إلى تحقيق أهداف الدولة. هذا يؤدي إلى فقدان الثقة في الأجهزة الإدارية وتراجع الاعتماد عليها من قبل المواطنين والمتعاملين معها. بالإضافة إلى ذلك، اتساع دائرة الفساد يضعف الهياكل الإدارية والنظام الإداري في الدولة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل النظام الإداري بأكمله. تأثير آخر سلبي للفساد الإداري هو عرقلة عملية التنمية وضعف النمو الاقتصادي. ويؤدي انتشار الفساد إلى تعطيل جهود التنمية وعرقلة التقدم في المجتمع. وفي تقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي عام 1997، تم التأكيد على أن الفساد الإداري والمالي هو أكبر عائق أمام التنمية. إذ أن الفساد هو سلوك يضر بالاستقرار ويخل بالتوازن. وهناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن الفساد الإداري يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي. فمثلًا، يتسبب الفساد في تقليل معدلات الاستثمار وبالتالي يقلل من حجم الطلب الكلي، ونتيجة لذلك ينخفض معدل النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، يعتبر الرشوة التي ترافق الفساد الإداري نوعًا من الضرائب على رجال الأعمال، مما يدفعهم إلى تقليص استثماراتهم في الدول التي يعاني فيها الفساد.

كان للفساد الإداري على الدوام تأثير كبير على الاستقرار السياسي في المجتمع. فعندما ينتشر الفساد، يتعرض الاستقرار السياسي للخطر، وينخفض مستوى الدخل وتتصاعد الصراعات داخل النخبة الحاكمة. الفساد يؤدي أيضًا إلى تدهور الوضع على كل الجبهات، بما في ذلك فساد الإدارة وتوسع نفوذها وتأثيرها. في هذا السياق، تظهر طبقة تسعى إلى نشر الفساد لتحقيق مصالحها الشخصية، وتتلاشى هوية الجهاز الإداري وتصبح الأنظمة الفاسدة هي المهيمنة داخله. يعمل المستفيدون من الفساد على نشره في أكبر عدد ممكن من الأجهزة والمؤسسات الحكومية، ويتم دعمهم في ذلك بفعل عدم المحاسبة والمساءلة القانونية.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الفساد الإداري والمالي إلى تراجع مستوى الخدمات والأنشطة التي تقدمها الحكومة للمواطنين. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة ميدانية في إحدى المدن العربية حالة المستشفيات، أن الأجور المدفوعة للأطباء كانت أقل من المستوى المناسب. هذا يعد أحد الأسباب الرئيسية لتراجع مستوى الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات بشكل عام. وأخيرًا، يؤثر الفساد الإداري بشكل سلبي على توزيع الموارد والعدالة الاجتماعية في المجتمع. عندما يتسبب الفساد في تقويض الاقتصاد، يتزايد التفاوت في توزيع الثروة والفرص بين الأفراد والمجتمعات. يتم تحويل الموارد والفرص لصالح الأقل قدرة والمتورطين في الفساد، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر ولعدم المساواة الاجتماعية. بهذه الطريقة، يتسبب الفساد الإداري في إضعاف الاستقرار السياسي وتدهور الخدمات العامة وتوزيع غير عادل للموارد في المجتمع. ومن ثم يعتبر الفساد عقبة كبيرة تعوق التقدم وتؤثر سلبًا على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وهناك جهود مضنية تبذل محليًا ودوليًا لمكافحة ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وذلك نظرًا لزيادة الأضرار التي يسببها الفساد في البلدان الصناعية الكبرى والبلدان النامية على حد سواء. ومع زيادة الوعي بتأثيرات الفساد الاقتصادية والاجتماعية، تعددت الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الفساد وقد قامت بها المنظمات الدولية. ففي اجتماع قمة باريس عام 1989، قررت الدول الصناعية تشكيل مجموعة عمل لاتخاذ إجراءات مالية لمكافحة الفساد والقضاء عليه. وقد وصلت المجموعة إلى 40 إجراءً لمكافحة الفساد والقضاء عليه. وقد تمت مضاعفة الجهود الدولية في مجال مكافحة الفساد وتطوير الهيئات والمؤسسات ذات الصلة ومكافحة الفساد بكافة أشكاله، بالإضافة إلى تطوير آليات مختلفة ودعمها لتحقيق نتائج فعالة في اجتثاث الفساد من جذوره. وبإمكان الدول المختلفة أن تستفيد من الدعم المباشر للمنظمات الدولية أو من خبراتها في مجال مكافحة الفساد الإداري والمالي. وفي بداية عام 1996، عملت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد على تعزيز الالتزامات السياسية لمكافحة الفساد. وقد قامت هذه الاتفاقيات بتوسيع المعايير والممارسات الدولية الأساسية لمعالجة ظاهرة الفساد وتقليص انتشاره من خلال تعزيز الشفافية اللازمة للقضاء عليه. إذ يعلم الجميع أن الفساد الإداري يتزايد عندما يكون هناك نقص في الشفافية، حيث يستفيد الفساد من الغموض وعدم الوضوح، وخاصةً عندما يكون هناك غياب للمساءلة وعدم وجود رقابة فعالة وقوية تدعمها الأنظمة والصلاحيات؛ والتي تهدف لحماية المال العام ومحاسبة المسؤولين عن الفساد.

كما تستمر الجهود المبذولة على نطاق الدول والمنظمات لمكافحة ظاهرة الفساد وتقليص تأثيراتها السلبية. وبهدف تحقيق ذلك، تم إصدار العديد من التشريعات والمبادرات التي تهدف إلى مكافحة الفساد وتقييد نشاطه. كما تُوجه الجهود التربوية والإعلامية لزيادة الوعي في المجتمعات حول الأضرار الجسيمة التي يسببها الفساد.

تُعكِف الدول والمنظمات على وضع تشريعات قوية تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد في مختلف القطاعات، سواء كانت الحكومية أو الخاصة. تتضمن هذه التشريعات إجراءات مشددة لمحاربة الرشوة وتجنب التعارضات المصالح، وتعزيز آليات فعالة لكشف ومعاقبة المسؤولين عن الفساد.

بالإضافة إلى التشريعات، تُنفَّذ مبادرات عديدة تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية في القطاعات المختلفة. تشمل هذه المبادرات تطوير أنظمة إدارة فعالة، وتعزيز المراقبة والرقابة، وتعزيز دور المجتمع المدني والوسائل الإعلامية في رصد وتوثيق حالات الفساد. تُكثَّف الجهود التربوية والإعلامية لرفع مستوى الوعي العام بأضرار الفساد وتبعاته السلبية على المجتمعات. يتم تنفيذ حملات توعوية لتعزيز قيم النزاهة والأخلاق وتعزيز الوعي بأهمية الشفافية والمساءلة في المؤسسات والمجتمعات. كما يتم تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن حالات الفساد وتقديم الدعم اللازم للشهود والمُبَلِّغين عن الفساد.

تتطلب مكافحة الفساد جهودًا مستمرة ومتعددة الأبعاد، تشمل التشريعات القوية، والتوعية الشاملة، والرقابة الفعالة، وتعاون الدول والمنظمات الدولية. من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن الحد من ظاهرة الفساد وتعزيز النزاهة والمساءلة في مجتمعاتنا.

عـاطـف بن محمد الزدجالي باحث دكتوراه في العلوم الاقتصادية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الفساد الإداری والمالی لمکافحة الفساد مکافحة الفساد بالإضافة إلى ظاهرة الفساد الإداری فی فی المجتمع أن الفساد الفساد فی الفساد ا تهدف إلى من خلال على أن التی ت

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يعلن عزمه استئناف قرار الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه

أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، عزمه استئناف قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بإصدار أوامر اعتقال بحقه ووزير حربه دفاع السابق يوآف غالانت، مع طلبه تأجيل مذكرات الاعتقال.

وقال نتنياهو، في بيان صادر عن مكتبه، "لا تعترف دولة إسرائيل بسلطة المحكمة الجنائية الدولية وشرعية مذكرات الاعتقال الصادرة بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق".

وأضاف البيان أن "نتنياهو التقى  اليوم (الأربعاء) بالسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، في مكتبه بالقدس"، مشيرا إلى أن الأخير "أطلع رئيس الوزراء على سلسلة التحركات التي يروج لها في الكونغرس الأمريكي ضد المحكمة الجنائية الدولية وضد الدول التي تتعاون معها".


ولفت مكتب رئيس وزراء الاحتلال إلى أنه "بالتزامن مع التحركات في الكونغرس، قدمت إسرائيل اليوم إلى المحكمة الجنائية الدولية إخطارا بنيتها الاستئناف أمام المحكمة مع طلب تأجيل تنفيذ مذكرات الاعتقال".

وزعم البيان أن مذكرة الاستئناف الإسرائيلية "تكشف بالتفصيل إلى أي مدى كان قرار إصدار مذكرات الاعتقال غير صحيح ويفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني"، مضيفا أن "بقدر ما ترفض المحكمة الاستئناف، فإن ذلك سيوضح أكثر لأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة والعالم مدى انحياز المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة إسرائيل"، على حد زعمه.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، قالت في وقت سابق الأربعاء، إنه "سيتعين على نتنياهو أن يقرر خلال الساعات المقبلة ما إذا كانت إسرائيل ستبلغ المحكمة الجنائية الدولية بنيتها تقديم استئناف ضد مذكرات الاعتقال، أم أنها ستتجاهل وتنتظر العقوبات التي ستفرضها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عقوبات على المحكمة".

والأسبوع الماضي، أعلنت الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تشمل استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية إسرائيلية متواصلة للعام الثاني على التوالي.

وفي حين أعربت دول عربية وغربية عن ضرورة احترام قرار الجنائية الدولية الذي يأتي على وقع استمرار العدوان على قطاع غزة، رفض الاحتلال الإسرائيلي بشدة هذا القرار، واعتبره "معاديا للسامية".


أما الرئيس الأمريكي، فقد قال في بيان إنه "من المشين أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين"، مشددا على أن بلاده "ستقف دوما إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي يتعرّض لها أمنها".

ولليوم الـ418 على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر المروعة في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.

وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ44 ألف شهيد، وأكثر من 104 آلاف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

مقالات مشابهة

  • كمال ماضي: اتهامات الفساد والرشوة تطارد نتنياهو بعد مذكرة «الجنائية الدولية»
  • كمال ماضي: الفساد والرشوة اتهامات جديدة تطارد نتنياهو بعد قرار الجنائية الدولية
  • البرلمان العربي يرحب بوقف إطلاق النار في لبنان ويدعو إلى تضافر الجهود الدولية لوقف العدوان على غزة
  • نتنياهو يعلن عزمه استئناف قرار الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه
  • السعودية: نرحب بوقف إطلاق النار في لبنان ونثمن جميع الجهود الدولية المبذولة
  • ‏الأردن: وقف إطلاق النار في لبنان يجب أن يدفع إلى بذل المزيد من الجهود الدولية لإنهاء الحرب في غزة
  • رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: شمال غزة يتعرض لعملية تطهير عرقية
  • عاجل - السيسي لرؤساء كبرى الشركات الدولية: نبذل كل الجهود لتحفيز القطاع الصناعي
  • الصحة: مصر تُنسق الجهود الدولية لمكافحة فيروس سي وترسيخ شراكة صحية مستدامة
  • الخارجية اللبنانية: الاستهدافات الإسرائيلية تقوض الجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار