راية الحق سترفرف فوق الأراضي الفلسطينية
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
يوم الاثنين الماضي السادس من مايو 2024، شدّني عنوانُ جريدة عُمان الرئيسي في الصفحة الأولى بالخط العريض: «سلطنة عُمان: راية الحقّ سترفرف في سماء فلسطين المستقلة»، وأسرعتُ لقراءة التفاصيل، فإذا بي أمام كلمة سلطنة عمان، التي ألقاها معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية أمام الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عُقدت في العاصمة الجامبية بنجول، تلك الكلمة التي أوضحت - أمام قادة العالم الإسلامي - الموقف العُماني المشرِّف تجاه القضية الفلسطينية وتجاه ما تتعرّض له غزة من تدمير وإبادة.
ما قاله معاليه هو حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ فالعدالة الإلهية لن تخذل هذا الشعب الصامد، ولن تذهب تضحياته هباء، ودماءُ الأبرياء الشرفاء من أبناء فلسطين لن تذهب سدى، فهي أريقت من أجل تحرير فلسطين، حتى ترفرف رايةُ الحقّ في سماء تلك البقعة، ولا يمكن أن يقال إنّ هذا كلام الحالمين؛ فأهلُ غزة أدرى الناس بهذه الحقيقة - رغم خذلان الأشقاء لهم - وكم من كلمة قيلت قبل فترة عن زوال الكيان الصهيوني وعن بداية التحرر الفلسطيني من الكيان، ونظر البعض إلى ذلك الكلام كأنه من «أحلام اليقظة». ويحضرني الآن ما قاله الداعية الأردني د. أحمد نوفل في خطبة عام 2020 قبل انطلاق «طوفان الأقصى» بثلاث سنين، بأنه يرى انتصار المقاومة على إسرائيل خلال الثلاث سنوات المقبلة، وأنّ المعركة ستنطلق من غزة «والأيام بيننا»، وقال إنّ «الأمور تكذّب هذا الكلام، ولكن غزة المُحَاربَة من إخوانها العرب ستنتصر على إسرائيل، وأنّ اليهود أنفسهم موقنون بزوال كيانهم»، وبما أني من محبي البشائر وأؤمن بها، فقد ناقشتُ الصديق د. عصام بن علي الرواس عن توقع الداعية أحمد نوفل هذا، فقال لي إنّ مثل هؤلاء الناس لديهم من الخبرة والحكمة والفهم ما يؤهلهم أن يروا ما لا يراه غيرُهم، واللهُ سبحانه وتعالى يعطي بعض عباده شيئًا من الإلهام، وقال لي: «إنه شاهد هذا المقطع، ودار في خلده أنّ هذا شيءٌ مستحيل، خاصةً مع تطبيع البعض مع الكيان الصهيوني، ممّا أدّى إلى تراجع القضية الفلسطينية تراجعًا غير عادي في تاريخها، من الحكومات العربية، ومن الشعوب وحتى من الفلسطينيين أنفسهم، ولكن عندما يقول د. نوفل هذا الكلام ويتحقق في 2023، فهذا يدلّ على أنّ القضية لن تكون كما كانت قبل السابع من أكتوبر، فهذه بداية مرحلة جديدة، والكيانُ الصهيوني لا يعيش الآن على قوة الردع، وإنما يعيش على قوة الغرب فقط، وعلى المُطبِّعين العرب».
ظلّ د. أحمد نوفل يحذّر من الكيان الصهيوني سنين عدة، وسبق أن كتب مقالًا في العشرين من فبراير 2010، متسائلًا: هل في الأفق معركة؟ وأجاب عن سؤاله: «لئن لم تكن في الأفق معركة، فأن نكون مستعدين خير من أن تفاجئنا الأحداث، هذا العدو مأزوم، وهو اعتاد أن يرحّل أزماته وينقلها إلى الآخرين، وهو يسابق الأيام، قبل أن تستكمل الأمة صحوتَها ونهضتَها، وتستعيد قوتَها، وهو يرى أنّ كلّ يوم يمر يزيد الأمة قوة ويزيده هو تراجعًا، فأن يخوض حربًا بالنسبة له مشكلة، وألا يخوض حربًا كذلك مشكلة، ولكنا نرجِّح - ولو من باب الحيطة - أنّ المعركة واقعة. ويشجعه على عدوانه وتماديه فيه، تواطؤ عالمي وأمريكي بالذات، وسلبية عربية لا تقل عن التواطؤ، وحصار خانق على قطاع غزة جعل العدو يظن أنه أنهك الناس وأوصلهم إلى حافة الاستيئاس».
إيمانُ عُمان العميق بعدالة القضية الفلسطينية ثابت، وهو ما تناوله الصحفي الإيراني محمد جواد أرويلي، في مقال نشره في موقع «رأي اليوم» الإلكتروني يوم الخميس التاسع من مايو 2024، تحت عنوان: «عُمان وحركة حماس: عندما تترجم الأقوال إلى أفعال»، ذكر فيه أنّ المتابع لمواقف سلطنة عُمان منذ 7 من أكتوبر2023 يدرك جيدًا أنّ الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، يُعدّ خطوة مفصلية في دعم سلطنة عمان الرسمي للقضية الفلسطينية، «ويظهر الاتصال أنّ مسقط لا تتردّد من الدخول على خط الملفات الساخنة، بما يتفق مع رؤيتها للأمن والسلام في المنطقة، وإيمانها بأنّ وقف إطلاق النار يمثل ضرورة إنسانية وإستراتيجية عاجلة، كما يترجم هذا التواصلُ الدبلوماسي موقف السلطنة المتمثل في اعتبار حركة حماس ضمن حركات التحرر الوطني على أرض الواقع، وهي غير آبهة بالتصنيفات الغربية لهذه الحركة». ويرى أرويلي أنّ «التجارب والعينات المتعددة من الدبلوماسية العمانية المتميزة دائمًا تظهر أنّ مسقط لا تهمش ولا تستغفل أحدًا من الواقع؛ فهي ترى المشهد كما هو، ولا تفسر الواقع كما يحلو لها، وهي تدرك جيدًا أنّ الواقع في غزة يشمل بقوة حركة المقاومة الإسلامية حماس، كما لا يمكنها أن تتخيّل استمرار الجرائم في قطاع غزة، دون توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى الكيان الإسرائيلي».
وإذا كانت عُمان ترى المشهد كما هو، وتُترجمُ الأقوال إلى أفعال، وتقف مع الحقّ الفلسطيني - كما كتب أرويلي - وهي في الواقع حقيقة، فإنّ ذلك يعني الكثير أمام المتغيرات العربية، من دعم عربي شبه معلن للكيان، وانحياز بعض الأنظمة له، ممّا يعني أننا أمام تحديات جديدة لم تكن في الحسبان، ممّا يطرح تساؤلًا عن الثمن الذي ستدفعه سلطنة عُمان إزاء مواقفها المشرّفة تلك، فالملحوظ أنّ الذباب الإلكتروني نشط نشاطًا غير عادي في الأشهر الأخيرة للنيل من هذه المواقف المشرِّفة، كما نشط بعض الإعلاميين المأجورين للتركيز على هذه المواقف، ما أعادنا إلى أجواء الحرب الإلكترونية حامية الوطيس ضد عُمان عامي 2018 و2019، وإذا كانت الأمور جرت على ما يرام عقب تلك السنتين، فإنّ المتغيرات الجديدة تفرض التركيز على الملفات الداخلية؛ فالعمانيون فخورون بمواقف حكومتهم المشرّفة تجاه أشقائهم الفلسطينيين، وهم يؤمنون بأنّ راية الحقّ سترفرف يوما ما فوق فلسطين المستقلة، ولكن الاهتمام بالوضع الداخلي ليس أقل شأنًا من نجاح السياسة الخارجية.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة ع
إقرأ أيضاً:
الجهاد عُدَّةٌ وزاد والحكمة اليمانية تجرفُ الفساد
مما لا ريب فيه أن من لزم الجدَّ أدرك المجد، ومن صدق في مقاله جَلَّ قدره، وتم أمره، وحسُنَ ذكره، وشهِدَ فعله على صدق مقاله وجليل أعماله.
فأحسن الكلام ما قل ودل وصدقه العمل، فأعرب عنه الضمير، واستغنى عن التفسير، وأبلغ الكلام ما دل أوله على آخره، وعُرِفَ باطنه من ظاهره فزانه التمام، وعرفه الخاص والعام، وقد كان ذلك لرسول رب العالمين خاتم المرسلين وإمام المتقين محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، الذي بلّغ شريعة الله، وأعلم الإنس والجان (الإيمان يمان والحكمة يمانية).
والحكمة في لغة العرب: تعني الحلم والعلم، وكلّ ما يمنع من الجهل، ومنها: كُـلّ كلام يوافق الحق، ومنها: وضع الشيء في موضعه، ومنها: صواب الأمر وسداده، ومنها: الجهاد؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله، ورفع الظلم عن عباده.
فلا ينال الناس العزة والكرامة، ورفع الظلم دون جهاد واجتهاد.
ولا يمكن رد عدوان المعتدي دون جهاد، ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه: (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)، فلم ينل داود تلك المكانة حتى أخذ حظًا من الجهاد، وقاتل وقتل جالوت.
وهذا اليمن بلد الإيمان والحكمة تعلن الجهاد بقيادة أنصار الله؛ فتوجّـه ضربة لمن جاءوا بأساطيلهم ليشعلوا نار الفتنة والفساد في البلاد، وذلك من الحكمة التي تفرد بها اليمن في هذا الوقت العصيب بصد هجمات المفسدين وإضعاف قدراتهم، بمهاجمة سفنهم وحاملة طائراتهم أبراهام.
فلعل من إشارة النبي وبشاراته (وإنِّي لأجدُ نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن) أن يكون لليمن الحظ الوفير في نصرة الإسلام والمسلمين وصد هجمات المعتدين، ونصرة غزة وفلسطين.
إنها الحكمة اليمانية التي تمثلت في ضرب قوى الباطل والاستكبار الشيطانية.
فالباطل لا يُقهر ولا يذوب ويضمحل من تلقاء نفسه إلا إذَا صُدم بقوة الحق الصاروخية والعسكرية، فقوة أنصار الله وحزب الله، وصولة المجاهدين هي الماحقة لطغيان المعتدين.
فقوة الحق تكون مادية ومعنوية وفكرية، ولهذا يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
وقد اعد أنصار الله في يمن الإيمان، وحزب الله في جنوب لبنان، وحماس في فلسطين، القوة القاهرة التي تمحق الباطل وتقضي عليه.
فالغلبة في آخر الأمر للحق لا محالة (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض).
إن الإصلاح الذي أراده الله لا يقوم في هذه الأُمَّــة إلا بالجهاد، أما من أعرض واستغنى بماله، معتقداً أن في ذلك صلاح بعض أحواله فقد أخطأ التقدير، وقد يستغني الله عنه إن لم يستجب لندائه.
فكم من غني يستغنى عنه، وكم من فقير يمده الله بنصره وقوته، فيفتقر الناس إليه؛ فالحق ظاهر سبيله، واضح دليله، وقد أخذ به المصلحون في هذه الأُمَّــة اقتدَاء بهدي سيد المرسلين.
فمن لم يؤكّـد قديمَه بحديثه شانَ سلفه، وخان خلفه، ويوشك أن يدركه العذاب فيعظم المصاب، إن لم يستدرك بالمتاب، (انْفِرُوا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ)، (إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شيئًا وَاللَّهُ عَلى كُـلّ شيءٍ قَدِيرٌ).
الشكر والتقدير لمن رفع علم الجهاد من أبناء اليمن ولبنان وفلسطين (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.