أغلقت أبوابها بأمر التطوير، لكنها ظلت محتفظة بملامحها المعمارية الأثرية وصارت رمزاً شهيراً لشارع التمبكشية، الواقع فى حى الجمالية، مجرد أن تطأ قدماك جنبات الشارع الأثرى لن يكلفك الأمر كثيرا إذا أفصحت عن رغبتك فى الوصول إلى «وكالة بازرعة»، حيث يتسارع المارة فى الإرشاد عن المبنى الضخم المغلق، ورغم الأقفال الحديدية لكنها لم تسقط من ذاكرة المحيطين بها، تحديداً أصحاب المحال الصغيرة المقابلة للوكالة، الذين تناقلت بينهم الحكايات المتوارثة عن الوكالة التاريخية التى صارت مزاراً سياحياً شاهداً على ما مضى، منتظراً مستقبلاً يتشوق سكان المنطقة والزوار لرؤيته من جديد.

«محمد»: لعبت داخل ساحتها فى طفولتى

على مقربة من مسجد «جمال الدين الاستادار» الملاصق للوكالة، اعتاد الشقيقان عادل ومحمد عبدالرحمن الجلوس على عتباته فى جلسة لم تخلُ من الحديث عن ذكرياتهما بين أحياء الجمالية، الشاهدة على مولدهما حتى خطَّ الشيب رأسيهما، لكنهما يحتفظان بالقليل من المعلومات عن وكالة بازرعة، وحسب تعريفهما هى المكان المخصص لعرض بضائع تجار الشام الذين اتخذوا مصر قبلة للبيع والشراء.

واستكملا حديثهما لـ«الوطن» بالقول إن الوكالة تعود لملكية شخص يدعى «سعيد بازرعة»، لكن الحظ لم يمنحهما فرصة التعرف على هويته، ومن ثم توارثها الأبناء والأحفاد حتى صارت ملكاً لوزارة الآثار، مثل بقية الوكالات التاريخية الكثيرة بشوارع القاهرة الإسلامية: «بازرعة هى أشهرهم.. لكن هتلاقى وكالات كتير موجودة هنا جنبنا».

شهدت تصوير مشاهد من فيلم «حين ميسرة» ومسلسل «الفتوة»

وعلى مدار سنوات عديدة ظلت الوكالة تفتح أبوابها للزوار، وكان للشقيقين حظ فى زيارتها عدة مرات: «طبعاً كنا بندخلها.. وبنشوفها من جوة ونتفرج عليها، وهى مليانة محلات للتجار ومخازن وأماكن للسكن»، لكن هذا الحال لم تستمر عليه الوكالة بعدما امتلأت بمكاتب مفتشى وزارة الآثار، بحسب حديث الشقيقين، اللذين استطردا فى حكايتهما عن تصوير مشاهد من فيلم «حين ميسرة» داخل الوكالة: «كانوا بيصوروا فيها أفلام.. وبيتعمل فيها حفلات للتنورة»، حتى تم إغلاقها قبل فترة، ليقع الشقيقان فى حيرة عن مصيرها: «سمعنا إنها هتتحول لفندق سياحى».

«على»: مصممة كأنها مول تجارى

وفى رواية أخرى لم تختلف تفاصيلها كثيراً، ذكرها محمد على الشيخ، صاحب محل «رفا للملابس»، المقابل للوكالة المغلقة منذ قرابة العامين، حسب ما يتذكره الرجل الستينى قائلاً: «مقفولة للترميم»، ليفصح عما توارثه من معلومات عن حكاية «بازرعة» التى آوت بين جدرانها قرابة 400 شخص من أهالى الجمالية، بعدما كانت أشبه بالسوق التجارية: «كان زمان التجار بييجوا يعرضوا بضاعتهم.. لكن بعد كده بقت سكن للناس قعدوا فيها فترة واتنقلوا لأماكن تانية».

«الشيخ»: «شكلها حلو من جوه ولسه محتفظة بكل ملامحها وتحس إنك ماشى فى مول تجارى»

تحولات كثيرة شهدتها وكالة «بازرعة» لكن يبقى أهمها حين كانت مزاراً سياحياً توافد عليها الزوار من كل حدب وصوب، وكان «محمد» واحداً من بينهم، فهو ابن المنطقة التى تقع فيها الوكالة، وتابع: «دخلتها كتير جداً.. وهى شكلها حلو من جوة ولسه محتفظة بكل ملامحها هتحس إنك ماشى فى مول تجارى».

ذكريات عديدة ربطت الرجل الستينى بالوكالة التى كانت ساحة تصوير مسلسل «الفتوة» للفنان ياسر جلال، الذى عرض فى الموسم الرمضانى 2020: «المسلسل اتصور منه مشاهد فى الوكالة.. وكنا فرحانين إنهم بيخلوا الناس يشوفوا جمال الوكالة». ومن السوق التجارية إلى «بيع البن» هذا ما يتذكره محمد السيد، صاحب أحد المحلات المقابلة للوكالة، وحسب رواية متوارثة عن الأجداد: «الوكالة دى كانت بتاعة تاجر بن.. ودلوقتى مقفولة للترميم»، ورغم ما يمتلكه الرجل الخمسينى من معلومات قليلة، فإنه يتذكر الوكالة عن ظهر قلب، فهى ساحته المفضلة للعب فى الطفولة.

وأضاف: «كنت بادخلها دايماً وأنا صغير ألعب فيها، وهى أشبه بالمتاهة، فلا بد أن تكون على دراية كافية بتفاصيلها المعمارية، وهى كبيرة جداً وعبارة عن ثلاثة أدوار ومليانة غرف لو محدش عارفها كويس ممكن تدخل وماتعرفش تخرج منها».

ما ذكره السكان المحيطون بوكالة بازرعة هو ما أكده بالفعل الدكتور رأفت عبدالرحمن، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب - جامعة طنطا، حيث إن الوكالة يرجع أصلها إلى العصر العثمانى، إذ سكنها تاجر يمنى يدعى «بازرعة» أتى من اليمن إلى مصر متخصصاً فى بيع البن.

وكعادة تصميم الوكالات التجارية فى هذه العصور لم يختلف تصميم وكالة بازرعة، حسب «عبدالرحمن»، فجاء متشابهاً مع غيرها من الوكالات، حيث تم تشييدها من ثلاثة طوابق، فالطابق الأول يحتوى على الدكاكين الصغيرة المطلة على الشارع، والحواصل المخصصة لتخزين البضاعة، بالإضافة إلى وجود إسطبلات مخصصة للجمال، أما الطابق الثانى فهو المخصص للبضائع الكبرى، والطابق الثالث هو أشبه بفندق يسكن فيه التجار، واختتم «عبدالرحمن» حديثه بأن وكالة بازرعة أغلقت أمام الزائرين منذ فترة قريبة، وتخضع لعمليات ترميم.

وأوضح الدكتور أبوبكر أحمد عبدالله، القائم بتسيير أعمال رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن إغلاق وكالة بازرعة جاء منذ عام، وهى تخضع للترميم؛ لإعادة توظيفها مرة أخرى مثل ما حدث مع وكالة الغورى التى أعيد استخدامها مرة أخرى لإقامة الأنشطة والفعاليات الثقافية فى الصحن، فيما تستخدم الحواصل كمرسم للفنانين فى إطار بروتوكول بين المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة.

وأضاف «عبدالله» أنه توجد عدة وكالات تخضع لإعادة التوظيف مرة أخرى، مثل تحويل وكالة قايتباى فى شارع الجمالية إلى فندق تراثى، بالإضافة إلى العديد من المقترحات الخاصة بترميم وإعادة توظيف الوكالات بما يتناسب مع طبيعة وموقع كل وكالة وما حولها من خدمات وجارٍ استكمال الدراسات والأبحاث الخاصة بالمشروع لإعادة توظيفها من جديد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الفن التراث التاريخ

إقرأ أيضاً:

مطالبات “إسرائيلية” بتابوت النبي موسى من مصر.. “دفن تحت الأهرامات”

#سواليف

بثّت وسائل إعلام إسرائيلية، في تقرير مثير للجدل نشره موقع “واللا”، مزاعم غير مدعومة بأي دليل علمي أو تاريخي، تدّعي وجود #تابوت عهد #النبي_موسى وقبر السيد المسيح أسفل #الهرم الأكبر في منطقة الجيزة.

واستند التقرير إلى تصريحات منسوبة لعالم أنثروبولوجيا بريطاني يُدعى بول وارنر، دون إرفاق أي وثائق أو قرائن يمكن التحقق منها علمياً.

وبحسب المزاعم التي أوردها وارنر، فإنه اكتشف ما وصفه بـ”السر الأعظم في التاريخ” داخل نفق تحت الأرض في محيط الأهرامات، مدّعياً أن السلطات المصرية تتعمد التعتيم على ما سماه بـ”الحقيقة الثورية”.

مقالات ذات صلة “حفريات القرآن الكريم”.. اقتراح بتأسيس علم جديد في مصر 2025/04/26

غير أن هذه الادعاءات تتعارض بشكل صارخ مع الحقائق التاريخية الراسخة، إذ يعود بناء الهرم الأكبر إلى ما يقرب من 4500 عام، أي إلى حقبة تسبق ظهور اليهودية والمسيحية بقرون طويلة.

ووفقاً للتقرير، فقد زعم وارنر أنه قدم صوراً ومسوحات ضوئية للسلطات المصرية، إلا أن أياً من هذه المواد لم يُنشر في دوريات علمية محكمة أو يُعرض على هيئات أكاديمية مستقلة، وهو ما يُفقدها المصداقية العلمية.
واتهم الباحث البريطاني السلطات المصرية، وعلى رأسها عالم الآثار الشهير زاهي حواس، بعرقلة ما أسماه بـ”التقدم المعرفي”، بينما تؤكد وزارة الآثار المصرية على التزامها بالتعاون مع البعثات الأجنبية ضمن أطر منهجية وقانونية معتمدة دولياً.

وتبرز تناقضات كبيرة في هذه الادعاءات، حيث أشار التقرير ذاته إلى أن بناء الهرم اكتمل قرابة العام 2560 قبل الميلاد، في حين يُعتقد أن تابوت العهد – وفق الرواية اليهودية – صُنع في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ما يعني أنه يعود إلى ما بعد تشييد الهرم بأكثر من 1200 عام.

أما في ما يخص السيد المسيح، فإن الرواية المسيحية تُجمع على أن موقع دفنه في القدس، لا في مصر.

وتُعد هذه المزاعم امتداداً لسلسلة من النظريات غير المثبتة التي تحاول الربط بين الآثار المصرية القديمة وبعض الروايات الدينية، رغم غياب أي أدلة موثوقة تدعمها.

وقد أكدت الجهات الأثرية المصرية مراراً بطلان هذه الادعاءات، مشيرة إلى أن الأهرامات خضعت لدراسات دولية مكثفة، لم تسفر عن أي اكتشافات مشابهة.
وفي سياق متصل، يذكر أنه في حزيران/ يونيو 2019، أعادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إثارة الجدل حول تابوت العهد، الذي يُعتقد – وفق الموروث اليهودي – أنه يحتوي على الألواح التي أنزلها الله على النبي موسى متضمنة الوصايا العشر.
ونقلت الصحيفة عن بروفيسور إسرائيلي عاد من جولة في إثيوبيا قوله إن “إسرائيل” ينبغي أن تطالب السلطات الإثيوبية بالحصول على نسخة من الصندوق الموجود في كنيسة السيدة مريم بمدينة أكسوم.
ووفقاً للتقاليد المحلية، فإن التابوت محفوظ تحت حراسة مشددة داخل مبنى مغلق أسفل الكنيسة، ولا يُسمح لأي شخص برؤيته، كما أنه يتم تغيير الحارس المسؤول عنه دورياً، نظراً لما يُشاع عن وقوع وفيات غامضة بين من يتولون هذه المهمة.

مقالات مشابهة

  • باحث يمني: صمت رسمي يهدد آثار لحج بالاندثار
  • خبراء الوكالة الذرية في طهران لمناقشة القضايا الفنية مع اقتراب جولة جديدة من المحادثات
  • فريق من الوكالة الذرية بطهران وشمخاني يرد على تهديدات نتنياهو
  • الاحتلال يقصف مبنى بالضاحية.. واستشهاد لبناني باستهداف جنوب لبنان (شاهد)
  • سياحة في مواجع حسين بازرعة !
  • 27 أبريل.. تاريخ يمني خطفه الانقلابيون ومزقته مشاريع الخارج
  • حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟
  • علماء الآثار في بيرو يعثرون على رفات سيدة من طبقة النبلاء عاشت قبل 5000 عام
  • مطالبات “إسرائيلية” بتابوت النبي موسى من مصر.. “دفن تحت الأهرامات”
  • قصة بطل في زمن الحرب.. سيارة فورد 1924 شاهد صامت على تاريخ الغردقة