الكل يتجسس على الكل.. ماذا وراء تعديل قانون المخابرات السودانية؟
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
فجّرت تعديلات أجرتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، موجة من الجدل وسط السياسيين والناشطين والخبراء العسكريين، خاصة أن "التعديلات أعادت إلى الجهاز صلاحيات سُحبت عنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير"، بحسب قانونيين سودانيين.
ونقلت وكالة السودان للأنباء عن وزير العدل المكلف، معاوية عثمان، قوله إن "التعديلات على قانون المخابرات العامة جرى نشرها بالجريدة الرسمية"، مشيرا إلى أن "وزارة العدل تراعي في صياغة القوانين عدم تداخل أو تعارض المواد مع قوانين أخرى".
ويشير الخبير القانوني، معز حضرة، إلى أن "التعديلات الحالية منحت جهاز المخابرات العامة صلاحيات أكبر من التي كانت ممنوحة له في عهد البشير".
وقال حضرة لموقع الحرة إن "أبرز التعديلات تمثلت في منح جهاز الأمن صلاحيات للقبض والتفتيش والاعتقال، كما أنها أقرت كذلك تجديد حجز المعتقلين لمدد متعددة".
ولفت الخبير القانوني إلى أن "التعديلات أعطت المكلفين بتنفيذ تلك الصلاحيات والمهام حصانة كاملة، بحيث أصبح من المستحيل محاكمتهم، لا مدنيا ولا جنائيا، إلا بموافقة من مدير جهاز المخابرات".
وأضاف قائلا "وحتى إذا صدر حكم بالإعدام على أحد أفراد جهاز المخابرات، فلن يتم تنفيذ الحكم إلا بموافقة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان".
وفي عام 2019 أصدر البرهان مرسوما دستوريا بتغيير اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى جهاز المخابرات العامة.
وبناء على الوثيقة الدستورية التي جرى توقيعها عقب سقوط نظام البشير، سُحبت بعض الصلاحيات من الجهاز، ليصبح مختصا بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى السلطات المختصة.
وفي المقابل يرى الخبير الأمني، اللواء أمين إسماعيل، أن "التعديلات تأتي في سياق الحالة الأمنية المضطربة التي يعيشها السودان، وأنها تدبير استباقي للارتدادات الأمنية المتوقعة خلال الحرب وبعد توقفها".
وقال إسماعيل لموقع الحرة إن "الارتدادات الأمنية تحتاج إلى جهاز أمن ومخابرات قوي، يملك صلاحيات تساعد في إدارة الحالة الأمنية والاقتصادية، خاصة في ظل الوضع السوداني الحالي".
ولفت إلى أن "التعديلات ترتبت على متغيرات أمنية واقتصادية، إذ تزايدت عمليات الاتجار والمضاربة في النقد الأجنبي، مما أفقد العملة السودانية كثيرا من قميتها، بجانب ارتفاع معدلات الجريمة والنشاط الإجرامي".
وأشار الخبير الأمني إلى أن "الصلاحيات التي أضيفت لجهاز المخابرات كانت موجودة في السابق، وأُزيلت بالوثيقة الدستورية، والآن هناك حاجة لمواجهة التحديات التي تحدث في البلاد".
بدورها، ترى القيادية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، رشا عوض، أن "التعديلات تقيّد الحريات العامة وتكرس لملاحقة الناشطين في العمل الطوعي، والداعين لإيقاف الحرب".
وقالت عوض لموقع الحرة، إن "التعديلات تأتي في اتجاه التضييق على القوى السياسية المدنية لأن الحرب اندلعت أصلا لتصفية ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير، ولذلك نلاحظ أن هجوم منسوبيه على القوى المدنية أكثر شراسة من هجومهم على قوات الدعم السريع".
ولفتت عوض إلى أن "السلطة الحالية أعادت أولا هيئة العمليات، الذارع العسكرية لجهاز المخابرات التي جرى حلها بالوثيقة الدستورية، والآن تمت إعادة الصلاحيات كاملة لجهاز المخابرات ليكون ذراعا سياسيا لفلول النظام السابق للتضييق على القوى المدنية الديمقراطية".
مآلات القرارالتعديلات التي أُدخلت على قانون المخابرات العامة تزامنت مع اشتداد المعارك بين الجيش والدعم السريع، ومع صعود الدعوات التي تنادي بإيقاف الحرب والبدء في عملية سياسية تحدد ملامح الفترة الانقالية، فما الهدف منها؟
يقول حضرة إن "البرهان والمجموعة المساندة له يهدفون إلى تكريس سلطة القمع ومصادرة الحريات، حتى يستمروا في حكم السودان".
وأضاف أن "القمع والاعتقال وعمليات التعذيب التي تجري حاليا، أسوأ مما كان يحدث في عهد البشير، وأخطر ما فيها أنها تهدد التماسك المجتمعي".
ولفت إلى أن "التعديلات أقرت مصطلح المتعاونين، وهو مصطلح لم يكن موجودا في قانون جهاز المخابرات السابق"، مشيرا إلى أن "المتعاون شخص لا ينتسب رسميا إلى الجهاز، وهو مواطن عادي يقدم المعلومات إلى الجهاز بمقابل مالي".
وتابع قائلا "هذه التعديلات تجعل الكل يشكك في الكل، والجميع يتجسس على الجميع، وهذا من شأنه أن يهدد التماسك المجتمعي، خاصة أن بعض المتعاونين يمكن أن يقدموا معلومات ضد غيرهم من منطلق خلاف شخصي".
من جانبها تشير عوض إلى أن التعديلات تنذر بأن "القادم سيكون أسوأ"، وتقول إن الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية كانت تضيّق على الذين يدعون لإيقاف الحرب، وتعتقل كثيرا منهم بحجة أنهم يساندون الدعم السريع، لدرجة أن بعضهم مات تحت التعذيب".
وأضافت قائلة "الآن كل تلك الممارسات السيئة ستصبح تحت مظلة قانونية بسبب التعديلات الجديدة، مما يعني زيادة حالات الاعتقال والتعذيب وملاحقة الناشطين".
وكان حزب المؤتمر السوداني اتهم، الأسبوع الماضي، الاستخبارات العسكرية باعتقال رئيس فرعيته في منطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، وقتله تحت التعذيب. في حين لم يصدر تعليق رسمي من الجيش عن الحادثة.
لكن الخبير الأمني أمين إسماعيل يرى أن "وجود وكيل النيابة المختص بأمن الدولة سيمنع عمليات استغلال التعديلات الجديدة لملاحقة واعتقال الناشطين".
ويلفت إلى أن "المادة 50 من القانون تحظر القيام بأي عمليات احتجاز أو اعتقال دون أخذ الإذن من وكيل نيابة أمن الدولة، وتشدد على ضرورة تحويل المعتقلين إلى المحاكمة".
وأضاف "كل تلك العوامل يمكن أن تلعب دورا في حماية المدنيين، وتمنع استخدام تلك التعديلات بحقهم، كما أن تلك التعديلات يمكن أن تلغى عند كتابة دستور جديد، بعد توقف الحرب التي أملت هذه التعديلات".
وتتهم منظمات حقوقية سودانية، ودولية، جهاز الأمن في عهد البشير بالتورط في انتهاكات ضد الناشطين، بما في ذلك الاحتجاز والإخفاء القسري والتعذيب والقتل.
وبعد سقوط نظام البشير جرت محاكمة عدد من منسوبي جهاز الأمن بتهم قتل المتظاهرين، بينهم 11 ضابط وجندي بتهمة قتل طالب الطب محجوب التاج، على خليفة تظاهرة طلابية.
وفي ديسمبر 2020 قضت محكمة أم درمان بإعدام 29 من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات بتهمة اعتقال وتعذيب المعلم أحمد الخير، في منطقة خشم القربة بشرق السودان، مما أدى لوفاته.
وجرى اعتقال الخير لمساندته الاحتجاجات التي كان يشهدها السودان ضد نظام البشير في 2019.
وفي فبراير 2021 أيدت المحكمة السودانية العليا قرار محكمة أم درمان. ولكن لم يُنفذ الحكم حيث فرّ آلاف المدانين والمسجونين من السجون السودانية بعد حرب 15 أبريل، بينما تبادل الجيش والدعم الاتهامات بالتورط في فتح أبواب السجون.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم إلى مناطق داخل وخارج السودان.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في أنحاء البلاد.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المخابرات العامة جهاز المخابرات الدعم السریع نظام البشیر جهاز الأمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
إشعال حمى الحروبات لتعقبها حمى الإنفصالات
بقلم / عمر الحويج
1- إشعال حمى الحرب :
بعد الجهد الجهيد ، في التآمر تلو التآمر ، وبالتكتيك الشرير ، تلو التكتيك الأشر ، للإجهاض العاجل ، ليس بالتفكير العاقل ، إنما المتعجل للقضاء على ثورة الشعب الديسمبرية القرنعالمية المجيدة ، لذلك عجزوا في مسعاهم ، ولكنهم لازالوا يعافرون ، فقد قررت قوى الثورة المضادة ، تقودها قيادات النظام البائد " الإسلاموية"وعضويتها المؤدلجة داعشية اليد واللسان دون عقل عند بعضها ، وبعضها الآخر "المُّسَّلِكة" لامورها ومصالحها وأنصبتها من الشفشفة لهوامل المال العام السايب البعلم السرقة ، وأخذ ما فيه النصيب ، يردفون خلفهم ومعهم كل منتفع "رَمّْام" نمام زميم ، من مرتزقتهم المنتفعين ، أعلاهم إعلاميّ الحناجر المتفجرة وأقلام المأجورين المنمقة ، ونهازةً آخرون بمخزون سلاحهم بائعون " من دول شوية ومن دوك شوية" ، عبر ثلاثينيتهم بزيادة الستة الدموية ، المكملة لدمويتهم بسوابقها وخبراتها المكتسبة ، حيث أوصلوا الدماء فيها ، هذه المرة ، حتى سالت أنهاراً تحت الركب ،كما كانوا يهددون أيام حكمهم وتحكمهم ، وفعَلُوها هذه المرة وفعَّلُّوها ، على مرآى ومسمع العالم أجمع ، وفي سبيل عودة السلطة التي فقدوها إلى بارئها ، ولم يرعووا بل عزة بالأثم لم يسلموا ويستسلموا لأمر شعبهم وأمر ربهم ، الذي يدَّعون خلافته في الأرض ، حين يبصرهم بيؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، فأنجبت دمويتهم الفايتة الحدود في دمويتها ، إشعال حربهم الكارثية في 15 أبريل ، حين دعوا لها صورة وصوتاً ، في شهر رمضان والناس قيام ، ونفذوها في ذات شهر رمضان والناس صيام ، حرب أكلت ولازالت وما شبعت من أخضر السودان ويابسه . من بعد أن دعمت طموحاتها باستخدام أقصى قوة للسلاح يمتلكونها ، هم وأطرافهم التي أنجبوها من أرحامهم الملوثة بجرثومة القتل ، خارج القوانين الوضعية والدينية ، وحتي المعتقدات الوثنية ، والمبادئ الإنسانية ، تشكلت حربهم الإجرامية ، من أطرافها المرئية : جيش مختطف ، ومليشيا تفرخت منها مليشيات ، بعد أن كانت مقتصرة على الدعم السريع "الجنجويد" عند المنشأ والميلاد ، وما خفي خلف الدانات والمسيرات والطائرات وبراميل المتفجرات ، من أولئك المساهمين خلف ستار أعظم .
بهذه وبتلك وما في الدنيا وما فيها من شرور ، تم إغلاق الباب نهائياّ ، على أية عشم ينتظره شعب السودان المنكوب ، أن تقف حرب الطرفين العبثية ، أنتظروا توهماً سرابياً ، أن يمارس بعض جيش السودان الوطني ، وهو قي عرفهم لا يزال ، إنحيازاً ولو شكلياً ، لإنقاذ ذاته من الإفناء ، إذا لم يكن في بالهم إنقاذ شعب السودان من الإختفاء ، حتى يعيدوا الحياة ، لطبيعتها السلمية ومدنيتها السائرة يومياتها بعقلانية ، حتى يتمكن هذا الشعب ، المنكوب وصابر ، من مواصلة الحياة بمعاناتها ونكباتها ، من الصفر المنعدم حيث نقطته العدم ، وحتى هذه لم تتوفر لهم ، وماتت أحلامهم في وقف الحرب اللعينة ، وإنتظروا ودعوا ربهم طويلاً حتى تلاشت دعواتهم وتمنياتهم هباء ، ولازالوا يمدون حبل الصبر ، فهو سبيلهم ولا خيار ، فلم يتوقف عشمهم في أطراف الجريمة ، من أمل يحقق لهم وقف الحرب ، رأفة بحالهم فيما تبقى لهم من نَفّس ، وزفير وشهيق ، في رئاتهم المعطوبة بالدخان المرسل إليهم ، من آلات الحرب المدمرة ، ووقفها حتى ولو بالتفاوض آخر الكروت ، ولكنه المرفوض والمبعد من مخططاتهم السرية ، فلاسميع ولامجيب ، سداً لآذان صماء ، دي بي طينة ودي
بعجينة !! . أو أملاً في وقفها حتى ولو بإنتصار أحدهما على الأخر ، أيهم لا يهم ، فكلهم في القهر والإزلال القادم سواء ، وأيهما يأتي ويحكم فيهم ، فهم في العنف سواء ، وبرغم علم هذا الشعب المغوار ، الناهض في حينه وتوقيته ، أن مرارة كامل الإنتصار هو الإنهيار ، والفوضى والتلاشي ، ورغم ضياع أملهم وفشل سعيهم في الزمن السراب ، سكتوا عن الحلم والأمل المباح ، لكنهم يعلمون غداً ستتوقف الحرب بغير إرادة القتلة المجرمين ، والشعوب لا تفنى ، وسيأتي بعدها يوم القصاص من الغاصبين المغتصبين .
2- إشعال حمى الإنفصال :
وبعد كل هذه المرارات التي عاشوها ، قتلاً ونهباً وأغتصاباً وتهجيراً تطل عليهم قيادات الطرفين بالأمّر من سابقاتها حزمة مرارات .
أولها : ممثلهم البرهان يعلنها داوية ، على لسان الإسلام السياسي ( الكيزان ومرفقاتهم الإرهابية والنفعية] وليس على لسان جيشنا الوطني المختطف ، ليعلن أن اللعبة إنتهت ، وأنهم عائدون إلى حكمهم المباد ، حتى ولو على نصف دويلة !! . فالغى لهم البرهان ما كان قائماً من نفحات ، عليها رائحة نسمات من حياة كانت . بثتها رياح ديسمبر في أوردة القوانين التي شرعتها ، تمهيداً لبناء عهد وسودان جديد ، وقيامه بتجريد حملة يحسبها في متاهته وفاقية ، يتبعها بخطب. عصماء وبندقية ، ويمزق بنودها بأحبار دم الشعب الأحمر المسال كل ماخطته الثورة ، ويمسح بإستيكة الديكتاتور المستبد ، كل ما شرعته الثورة من قوانين ومواثيق . رغم ماشاب هذه المواثيق في وقتها ، من عيوب ونواقص ، فهي كانت جسر العبور ، على الأقل لمقولات دكتور عبدالله حمدوك ومنقذته من مغبة التوهان .
ثانيها : ترتيبات قيادات الدعم السريع " الجنجوكوز" بتشكيل حكومتهم الموازية ، غض النظر عن خطر خطط الإنفصالات ، الجارية مساراتها على قدم وساق ، التي فجرتها هذه القرارات العشوائية الأحادية النزعة ، في مجملها من قبل الطرفين ، مع ترحيبهما برغبة كل منهما ، بإقتسام كيكة السلطة ، دون وازع من وطنية ، مرحبين من وراء إدعاءات كاذبة بالتقسيم ، الإسلاموكوز يسابقهم الجنجوكوز ، في توزيع كعكة السلطة مناصفة "فالمال تلتو ولا كتلتو "، ويادار قد دخلك الشر من كافة نواصيه ، وهم يخوضون حرب نهايات التقسيم ، بكل طرق شرورهم المتوافرة ، وأخطرها كان خطاب الكراهية المتبادل ، الذي إنتشر كالهشيم في النار ، تمهيداً مقصوداً لحرب الدمار الشامل ، التي أهلكت الزرع والضرع ، ودمرت الأخضر واليابس ، وأغتالت الشجر والحجر وإن شبعت من هذه ، لكنها لم تشبع بعد من تكملة إغتيال البشر ، وهاهما الطرفان ، باليد اليمنى يقبضان على الزناد لمواصلة حربهما العبثية اللعينة ، وباليد اليسرى ، يقدمان فروض الولاء والطاعة لبقايا الإقتسام المنتظر ، لسلطة قادمة وقد دانت بنيرانها لهم ، ولكل منهما نصفها المحتضر . لاتريثاً بل ليأخذ كل منهما نصيبه ال- يقطر دماً وينطلق .
omeralhiwaig441@gmail.com