«كحلا».. بدأت بـ«الصابون النابلسي» وانتهت بمجمع للحرف التراثية
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
ربما تشابهت معالمها الأثرية مع سائر الوكالات، لكن الفارق يبدو فى رائحة الماضى التى ما زالت تفوح بين أرجاء «وكالة كحلا»، الواقعة فى شارع الجمالية، فمجرد أن تخطو خطواتك الأولى داخلها.
«أسطوات القاهرة القديمة»: «اتربينا حواليها.. ونصنع بداخلها التحف الفنية»تأسرك حالة الانسجام التى فرضت نفسها بقوة على أمهر «أسطوات» القاهرة القديمة، بعد أن أصبحت مركزاً يضم أصحاب الحرف التراثية، فالكل سارح فى ملكوته ينسجون بأناملهم تحفاً فنية تسكن القلوب ليحافظوا على أسرار مهن توارثوها من الأجداد ويتناقلون فيما بينهم حكاياتها التاريخية.
منذ قرابة العامين اهتدى «رفعت أبوالنجا»، فى طريقه إلى وكالة كحلا ليصبح واحداً ضمن صنايعية ورشة «الأسطى عادل جمعة»، التى تقبع بالطابق الثالث من الوكالة، وتميز أصحابها فى صناعة التحف النحاسية، تشرَّب «رفعت» أصول المهنة وبدأ أولى خطواته فى الإمساك بالبرجل لينقش به على المعدن رموزاً فنية مستوحاة من الحضارات الإسلامية، ويواصل زملاؤه المهنة من بعده ويُخرجون من تحت أيديهم تحفاً تضاهى جمال القطع الأصلية التى تزين المتاحف: «شغلتنا مراحلها كتير.. ولكل واحد دور فيها».
لم يكن الأسطى «رفعت» من مواليد الحى العتيق، لكن عمله داخل وكالة «كحلا» جعل آذانه تنجذب للحديث عن حكاياتها التاريخية: «عرفت إنها مكان أثرى»، لكن الرواية الدقيقة حول أصلها التاريخى ما زالت تائهة عن ذهنه: «سمعت أنها ما بين وكالة لصناعة الصابون.. وما بين إنها غرف الناس عاشت فيها» وما بين الروايات المتداولة، ما زال قلب الأسطى الخمسينى يهفو كلما أتى إلى عمله فى الصباح الباكر، ليفتخر بأنه يصنع بين أرجاء مكان أثرى تحفاً فنية: «أياً كان إيه أصلها.. أنا فرحان إنى بشتغل هنا».
«الوردانى»: «المنطقة هنا كانت مليانة بالوكالات.. وكل وكالة مشهورة بتجارة معينة»المعلومات القليلة التى تحدَّث بها الأسطى «رفعت» عن حكاية وكالة كحلا جعلته ينصح باستكمال الحديث مع الأسطى نبيل الوردانى، وهو صاحب إحدى الورش المجاورة له فى الطابق الثالث، والمتخصصة فى صناعة التحف والمشغولات اليدوية التى تزين شارع خان الخليلى، من مواليد منطقة الجمالية، ولديه من المعلومات عن «كحلا» ما يفيض به على من حوله ليقول: «المنطقة هنا كانت مليانة بالوكالات.. زى وكالة القطن وبازرعة.. وكل وكالة كانت مشهورة بتجارة معينة».
أما عن ما يميز وكالة كحلا تحديداً، فيتذكر الرجل الخمسينى قائلاً: «سمعت إنها كانت عربخانة.. بمعنى أن التجار اللى ييجوا من الشام وكان معاهم الجمال والحمير كانوا بيخلوها تبات هنا فى الإسطبل بتاع الوكالة.. وكان التجار يروحوا يباتوا عند شهبندر التجار»، هكذا تُتناقل الروايات بين الأهالى قديماً عن وكالة كحلا، التى استمع إليها «نبيل» فى طفولته، فهو من أبناء الحى القديم.
كبر الصغير بين ربوع القاهرة القديمة وتشرَّب من الأسطوات فن المشغولات اليدوية، ما جعله يتشوق لامتلاك ورشة خاصة به، ليمنحه القدر فرصة ذهبية حين أجرت وزارة الثقافة مراحل من ترميم وتطوير الوكالة وتم بناء الطابق الثالث وتتحول إلى مركز للحرف اليدوية، كان الأسطى الخمسينى شاهداً على المرحلة التى جعلته واحداً من بين أصحاب الورش داخل الوكالة تحديداً فى العام 2014: «هنا بعمل شغل الأنتيكات القديمة اللى فيها من الفن الإسلامى».
ومن رواية الأسطى نبيل الوردانى إلى عم «رضا الشيخ»، الذى لم يختلف كثيراً عن مهنة سابقه، فهو متخصص فى النقش على النحاس بالزخارف الإسلامية، وأتى إلى وكالة كحلا منذ ما يقرب من 15 عاماً: «لما خلصوا تطويرها واتحولت لمركز للحرف.. كان فيه مزاد على الغرف وخدت الورشة دى».
«كانت وكالة الصابون» هكذا تحدّث «عم رضا» عن حكاية وكالة كحلا التى كانت تُعرف بـ«المصبنة»، إذ تخصصت فى صناعة الصابون النابلسى، وظلت على هذا الحال لفترات طويلة إلى أن حدث زلزال 1992، ومع تضرر الأهالى لفقدان منازلهم، سكن البعض داخل وكالة كحلا.
ووسط الروايات المتداولة قدّم الدكتور منصور محمد، أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، ملامح تاريخية عن حكاية وكالة كحلا، فهى واحدة من الوكالات التى شُيدت فى العصر العثمانى، وتحديداً فى القرن الـ11 الهجرى، بما يوافق 1084 هجرياً/ 1673 ميلادياً.
ذكر أستاذ الآثار، خلال حديثه لـ«الوطن»، أن إنشاء الوكالة جاء على يد الأميرين الشقيقين مصطفى كتخدا مستحفظان الشهير بـ«ذى الفقار»، ومحمد كتخدا مستحفظان، واللذين ينتميان إلى طائفة «مستحفظان» وهى إحدى الطوائف العسكرية المختصة بحراسة قلعة الجبل التى يقيم فيها الوالى العثمانى، موضحاً أن الهدف من إنشاء الوكالة هو تجارة الحرير.
وتخصصت الحوانيت أى (المحلات الصغيرة داخل الوكالة) فى صناعة وغزل الحرير وعرضه للبيع، التجارة التى اشتهرت بها الوكالة حتى فترة الحملة الفرنسية، إذ تخصصت خلال ذلك الوقت فى تجارة «الخيش» وعُرفت بـ«وكالة الخيش».
تغيرات كثيرة مرت بوكالة «كحلا»، التى عُرفت بهذا الاسم حين أتى التاجر اللبنانى ريمون كحلا من الشام إلى القاهرة، تحديداً فى العام 1940، إذ تملَّك وقتها الوكالة، واشتهرت بتجارة الصابون فى منتصف القرن العشرين، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تُعرف بـ«وكالة الصابون»، لكن مع قيام ثورة 1952 رحل ريمون كحلا عن القاهرة، تاركاً ممتلكاته وعاد إلى موطنه مرة أخرى، بحسب أستاذ الآثار بجامعة القاهرة.
وبعد أن رحل التاجر اللبنانى تعرضت الوكالة للإهمال وأصبح نشاطها فى تجارة الصابون محدوداً للغاية، حتى وقع زلزال 1992، إذ قررت وقتها محافظة القاهرة تحويل بعض المنشآت والمبانى التراثية إلى مراكز لإيواء المتضررين من الزلزال، وانتقل عدداً منهم بالفعل إلى وكالة كحلا حتى تم توفير مساكن بديلة لهم، وفقاً للدكتور منصور محمد.
ومن الإهمال إلى تطوير وكالة كحلا وتحويلها إلى مجمع للحرف التراثية، إذ تحدّث دكتور الآثار عن مشروع التنمية الثقافية الذى خضعت له الوكالة، وتم وقتها إضافة طابق ثالث للوكالة وتزويدها بعدد من الحوانيت ليصبح عددها 70 حانوتاً، ومن ثم أصبحت «مجمعاً للحرف التراثية»، وهو المشروع التنموى الذى أشرفت عليه جمعية أصدقاء البيئة «فدا» للتنمية، وافتتحته محافظة القاهرة فى إطار مشروع تطوير القاهرة الفاطمية بالتعاون مع وزارة الأوقاف، منوهاً بأن الوكالة تنقسم ما بين وزارة الآثار والأوقاف، إذ إن الواجهة الخارجية ومدخلها والحوانيت التى تزين الوكالة من الخارج تتبع وزارة الآثار، أما عن الورش الداخلية بالوكالة فهى تتبع وزارة الأوقاف.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الفن التراث التاريخ فى صناعة ما بین
إقرأ أيضاً:
صور| مباراة في الطبخات التراثية.. 10 أسر تتنافس بمهرجان ”مبزر الربيان“
شهدت ساحة بلدية صفوى، منافسة قوية بين 10 أسر ومجموعات في مهرجان ”مبزر الربيان“، وسط حضور جماهيري كبير أشعل حماس المتسابقين لتقديم أفضل ما لديهم من أطباق مبتكرة ومميزة.
وأوضحت خضراء المبارك، عضوة اللجنة المنظمة للمهرجان، أن الهدف من المنافسة والمهرجان هو إبراز الطبخات التراثية التي تتميز بها المنطقة، وتسليط الضوء على الطاقات والإبداعات المحلية، فضلًا عن خلق أجواء من المرح والتشويق بين المشاركين والحضور.
أخبار متعلقة طقس الشرقية.. هطول أمطار متوسطة على مدينة الدمامالظهران.. 30 بلاغًا حول مخالفات غذائية في رمضانتشكل فرق ”مبزر الربيان“
وأضافت المبارك أن 10 مجموعات شاركت في المسابقة، حيث تكونت كل مجموعة من ثلاثة أفراد «طاهٍ ومساعدان»، وتنافسوا على مدار 120 دقيقة لتقديم أطباقهم.
وأشارت إلى أن تقارب مستوى الطبخات صعّب على لجنة التحكيم اختيار الأطباق الفائزة، والتي اعتمدت في تقييمها على معايير محددة شملت النظافة، وشكل ومظهر الطبق، وطريقة الإعداد، والذوق والرائحة، والوقت المستغرق في التحضير.
وبعد مداولات وتذوق دقيق، أُعلنت النتائج بتتويج حسين العيسى بلقب أفضل شيف، فيما حلت أنغام القريش في المركز الثاني، ولمياء اليوسف في المركز الثالث.
وأكدت المبارك أن هذه المنافسة تُعد الأولى من نوعها في المنطقة، وأن اللجنة المنظمة تعتزم تطويرها في النسخ القادمة لتصبح منافسة أكبر وأشمل. .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مشاركات مهرجان ”مبزر الربيان“ مشاركات مهرجان ”مبزر الربيان“ var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });
ركن للبلدية
وشهد المهرجان تخصيص ركن لبلدية صفوى، هدف إلى توعية الحضور بآلية تخزين الأطعمة بشكل صحيح، والمدة الزمنية المناسبة لحفظها، مع التأكيد على أهمية حفظ الطعام كعنصر أساسي للحفاظ على الصحة العامة.
وعبّر الطاهي سعيد الفردان، أحد المشاركين في المهرجان، عن سعادته بالمشاركة كونه هاوياً لطبخ الربيان ويقوم بذلك أسبوعياً في منزله. وأشار إلى أنه اصطحب ولديه معه لتعليمهما الطبخ ونقل خبراته إليهما، وتشجيعهما على المشاركة في الفعاليات المجتمعية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مشاركون مهرجان ”مبزر الربيان“
من جانبها، أوضحت لمياء اليوسف، إحدى المشاركات، أن هدفها من المشاركة في المهرجان هو تذكير الجمهور بالأكلات الشعبية القديمة التي تُعد جزءًا من تراث الطبخ المحبب للمجتمع.