اتحاد القبائل العربية.. عنعنات وتهويمات فيسبوكية!
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
أصبح من السهولة افتراض سوء النية بقدر يفوق بكثير حسن النية، وأصبح التشكيك والريبة والتخوين والتهويل أسهل من الثقة والتأكيد واليقين والاطمئنان.
وتحولت السوشيال ميديا إلى إحدى أهم أدوات البلبلة والشائعات الموجهة التي تشوه الحقائق للدرجة التي تجعل البعض يتجنب طرح الحقيقة المرتكزة على معلومات دقيقة حتى يتجنب الهجوم عليه والتشكيك في نواياه، وحتى لا توجه له التهمة سابقة التجهيز بالتطبيل.
ما سبق، هو ما يمكن أن نتابعه كنموذج عملى من خلال أثير حول اتحاد القبائل العربية»، ومحاولة تنميط الفكرة في قالب موجه دون الاستناد إلى معلومات دقيقة ومحددة. وهو ما جعل غالبية تلك الحوارات تندرج تحت العنعنات الفيسبوكية». اتحاد القبائل العربية ليس كيانا حديثا لأنه موجود بالفعل منذ 10 سنوات تقريبا، والجديد هو الإعلان عن تدشينه فى ١ مايو2024.
وما حدث هو إعادة تنظيم ذلك الكيان بشكل قانوني يخضع للقوانين المصرية المنظمة المؤسسات المجتمع المدنى.. باعتباره كيانا اجتماعيًا له أهداف تنموية واقتصادية، وهو ما يعنى أنه كيان ليس له أهداف حزبية أو سياسية.. لكونه سيخضع لقانون الجمعيات الأهلية رقم149 لعام 2019 تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي، وهو ما يحدث بالفعل الآن من قيام اتحاد القبائل العربية بإنهاء إجراءات وخطوات التسجيل الرسمى.
تقنين اتحاد القبائل العربية هو السبيل إلى عدم ربطه بأشخاص، بل بشكل مؤسسى من خلال كيانات متواجدة في جميع أنحاء الجمهورية، مما سيمنحه مكانة تنموية واجتماعية تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدنى وجمعياته التنموية المتنوعة. اتحاد قبائل سيناء» سيكون ضمن اتحاد القبائل العربية.
وهو في كل الأحوال ليس ميليشيات كما روج البعض بل هم عائلات وقبائل مصرية. وربما ما جعل البعض يتصور ذلك أن اتحاد قبائل سيناء» في وقت من الأوقات.. قد شكل مجموعات المساندة القوات المسلحة والشرطة في الحرب على الإرهاب الأسود في سيناء.
وقد قام بهذا الدور الوطني بالتنسيق الكامل مع المؤسسات الأمنية. وهذا الدور.. لم يعد موجودًا الآن بعد استقرار الأحوال، وهو ما جعل جميع أبناء سيناء من القبائل جزءًا أساسيًا من مشروعات التنمية الشاملة التي قامت وتقوم بها الدولة هناك خلال السنوات الأخيرة.
اتحاد قبائل سيناء والكيان الأكبر اتحاد القبائل العربية ليسوا فصيلا من فصائل القوات المسلحة، ولا يرتبط بوجودهم أى مجموعات مسلحة على الإطلاق ولن يكون. ومع التأكيد على أنهم كانوا جزءًا أساسيًا كمقاومة شعبية مع معركة الدولة المصرية ضد الإرهاب، وبعد القضاء على تلك التنظيمات التكفيرية، انتهى دورهم تماما في هذا المضمار، ولم يعد هناك أي تشكيلات مسلحة من المقاومة الشعبية التي واجهت الإرهاب تحت مظلة الدولة، وعادوا لحياتهم الطبيعية ودورهم التنموى والاجتماعي، وهو الدور نفسه الذي قامت به المقاومة الشعبية في مدن ومحافظات القناة السويس وبورسعيد والإسماعيلية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقبلها في مواجهة الاحتلال الإنجليزي. وهو الدور الذي انتهى بزوال سبب وجوده بعد الاستقلال ومواجهة الاحتلال ولنتذكر جميعا أن مصر دولة مستقرة، وليست كبعض دول الجوار، وحمل السلاح فيها ليس متاحا أو مشاعا، بل هو مقتصر على المؤسسات الأمنية فقط وفق ضوابط صارمة.
وللتاريخ، يجب أن نتذكر أن الإرهاب الأسود الذي أصاب سيناء.. لم يكن يستهدف القوات الأمنية فقط، ولكنه استهدف أيضًا الكثير من المدنيين من أبناء القبائل.. الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل تطهير أرض الفيروز ولن ننسى جميعًا ما حدث من أكبر مذبحة إرهابية حينما استهدف الإرهاب الأسود مسجد الروضة بالقذائف مما أودى بحياة المئات في نوفمبر2017.
نقطة ومن أول السطر.. في تقديرى أن اتحاد القبائل العربية بتحوله إلى المؤسسية.. سيقضى على كل تلك الشائعات. كما أن تنوعه من القبائل المتعددة.. سيكون إضافة مهمة للمجتمع المدني المصري، وقطعًا، لن تدار الدولة المصرية ببوستات الفيسبوك وتعبيراته.
اقرأ أيضاًاتحاد القبائل العربية يعقد مؤتمرًا جماهيريًا في الجيزة.. غدًا
الاثنين.. ندوة للتعريف بدور اتحاد القبائل العربية في مواجهة التحديات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المصري الدولة المصرية المجتمع المدني اتحاد القبائل العربية الإرهاب الأسود اتحاد القبائل العربیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
القبيلة في اليمن.. حراك الجغرافيا ومسار التاريخ
رسائل جادة ومحرجة، متعددة الاتجاهات، ومتنوعة الدلالات، يبعث بها هذه الأيام حراك القبائل اليمنية، ذات الميراث الراسخ أمام قوة وضعف "مركزية" الدولة، وذلك في مختلف مناطق البلاد المناهضة للوضع القائم في صنعاء، إلى القيادة والحكومة "الشرعية" المعترف بها دوليا وكذلك إلى الإقليم المجاور والعالم المتضرر من ممارسات جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، في خطوط الملاحة الدولية في طول وعرض البحار المحيطة باليمن خلال العامين الماضيين.
تفاقمت الأزمة الإنسانية في هذا البلد إلى حدود تكاد لا تطاق... بعض القبائل اليمنية ترى أن القيادة والحكومة تخلتا عن مهامهما الاستراتيجية في إعادة اليمن إلى وضعه الطبيعي، وأصبحتا غارقتين في مساومات مع الفرقاء داخل مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الوزراء على السلطة والمال والنفوذ، وفشلتا في محاولاتهما لإعادة ضبط إيقاع الأداء بين مكوناتهما.
يجري ذلك على وقع الاتهامات المتبادلة بينهما بشأن ملفات عدة، فضلا عن التخبط في كيفية إدارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة في عموم البلاد، خصوصا مع الانهيار القياسي لقيمة العملة الوطنية والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والدوائية الأساسية.
في الواقع، تواجه البلاد وضعا مأساويا معقدا تداخلت فيه أزمات من كل نوع، اقتصادية وأمنية، وغاب معها أي أفق لإيجاد حل سياسي للصراع الذي طال أمده مع جماعة الحوثيين التي أخذت تستقوي عسكريا وتتغذى سياسيا على حساب ضعف وتفكك المعسكر المناوئ لها، ومن ورائها إيران، التي تدير من على بُعد "مسرح أعراس الغفلة" في المنطقة.
مؤخرا، أكد لقاء موسع عقده شيوخ ووجهاء القبائل من عدة محافظات في ضواحي مدينة مأرب على "الجهوزية التامة" لدى قبائل مذحج وحِمْيَر "لمواجهة ميليشيا الحوثي بكل الوسائل الممكنة، وإسناد القوات المسلحة حتى تحرير اليمن واستعادة مؤسسات الدولة" وذلك بحسب بيان للقاء.
أكثر من ذلك دعا البيان الحكومة الشرعية إلى "العودة إلى أرض الوطن لقيادة وإدارة المعركة من الداخل، وتوفير كافة الإمكانات العسكرية واللوجستية لدعم جبهات القتال في مواجهة الحوثيين" وإعلان "معركة تحرير شاملة" كما قال البيان.
وعقب اقتحام حملة عسكرية حوثية لقرية ورقة، التابعة لـ"مخلاف إسبيل في عنس" لمحاولة اختطاف وجاهات وزعامات قبلية عبّر بيانٌ صادر عن اجتماع طارئ للقبيلة رفضها تسليم أي شخص من أبنائها تطالب به الميليشيات الحوثية، بأي تهمة".
واتفقت مكونات القبيلة على منع العناصر المسلحة التابعة للحوثيين من دخول أراضي القبيلة والتصدي لأي حملات عسكرية حوثية، واعتبارها غنيمة للقبيلة وأبنائها.
معنى ودلالات الحراك
مؤدى كل تلك الرسائل بالمختصر يعكس شعورا عميقا، لدى القبائل، بالإحباط، ويأسا من إمكانية أن تقابله القيادة "الرئاسية" والحكومة بتحرك مماثل في مواجهة الحوثيين الذين أوغلوا في إهانة القبيلة ومحاولة إذلال رموزها وإضعاف وجودها وزعزعة استقرارها، ويحاولون اليوم الاستفراد بها قبيلة بعد أخرى على غرار ما شهدته محافظات يمنية عدة خلال العامين الأخيرين.
الحديث هنا عن القبيلة في اليمن إقرارٌ وقراءةٌ موضوعيةٌ بأن "مؤسسة القبيلة" لا تزال حقيقة قائمة ليس في اليمن الذي ينتمي معظم سكانه إليها، ولكن أيضا في كثير من البلدان والمجتمعات العربية.
حاولت دول في المشرق العربي ذات الرخاء الاقتصادي ترويض القبيلة، كما سعت القبيلة إلى تطوير نفسها والاستفادة من الفرص المتاحة أمامها لابتعاث أبنائها إلى أفضل الجامعات في العالم والعودة بعد تخرجهم لتبوؤ مواقع لائقة، لكن الأمر في الحالة اليمنية لم يكن كذلك تماما، بل يمكن أن نقول كان مختلفا بسبب عمق وقوة موروث أعراف وقيم وتقاليد القبيلة.
ماذا عن القبيلة في اليمن؟
ما لا يجب الاستهانة به اليوم أن حاضر القبيلة الآن يختلف عن ماضيها... تظل في الواقع بناء مؤسسيا قائما على منظومات من الأعراف الصارمة، ونسيج عصبي من علاقات النسب والقرابات والارتباط الشديد بالأرض وموارد البيئة، ولذلك نشأ العمران واللباس وحتى اللهجات ونمط العيش المتمايز بين منطقة وأخرى، واندلع الكثير من النزاعات والتنافس، لكن كل ذلك سرعان ما كان يخفت عبر العصور كلما تداعت الوساطات لمعالجتها وإيجاد "قواعد" لتنظيم علاقات الجوار بما يحقق التراضي والقبول المتبادل بالحلول مهما كان بعضها قاسيا ومؤلما.
لا يمكن تصور اليمن بلا قبائل ولا تخيل القبيلة دون سلاح الذي ظل في نظر القبائل أداة لردع الاستبداد الداخلي ومواجهة أطماع التدخلات الخارجية وطرد أي وجود لها.
ماذا عن القبيلة في اليمن؟
لكن الصورة العامة للقبيلة قد تبدو الآن مختلفة من منطقة لأخرى، بل هي كذلك، فقبائل حضرموت أقل عصبية وشدة من قبائل الغرب في شبوة وأبيَن والضالع ويافع وغيرها، وقريبة نسبيا من قبائل الوسط في تعز وإب، بينما لا تزال في شمال الشمال عصية وقوية الشكيمة والعناد.
هل عصرنة القبيلة ممكنة؟ نعم، حدث ذلك بمستويات متفاوتة خلال الأعوام السبعين الماضية.
في المستوى الأول جرت عادة الحكومات المتعاقبة في اليمن بالتعاون مع الجارة السعودية على التعامل باحترام ومودة مع قبائل الشمال الشرسة تحديدا، وفي مرحلة تالية في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح باستقطاب رؤوس قبائل الشمال وترويضها واستخدامها أصواتا في الانتخابات وبنادق في الحروب، لكن ما حدث بعد ذلك هو أن زعامات القبائل انفصلت عن قواعدها وانشغلت بمصالحها مع السلطة في صنعاء وبَنت دورا وشيَدت قصورا وابتعثت الكثير من أبنائها للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة على نفقاتها الخاصة، بينما ظل أبناء قبائلها يعانون من شظف العيش وشح التعليم ما شجع بعض أفرادها على "التفكير خارج الصندوق" والتمرد عليها، ما أدى إلى ضعفها، فيما لم يستطع الحوثيون سوى استغلال فقر وبؤس بعض أبنائها للزج بهم في أتون الحروب.
لطالما كنت كثير التساؤل خلال مرافقاتي المتعددة للرئيس الراحل صالح في زياراته لبعض المناطق القبلية ولقاءاته الطويلة مع زعمائها، وأسأل نفسي وأتجرأ أحيانا على سؤاله، لماذا تذهب إلى شيوخ القبائل ولا يأتون إليك وأنت رئيس الدولة؟ فيكون جوابه دائما "لا يمكن حكم كل قبائل اليمن بطريقة واحدة"، كان هناك في رأيه أكثر من أسلوب للتعامل مع تضاريس الجغرافيا الاجتماعية للقبيلة.
لكن الوضع اليوم يبدو مختلفا، حيث يمكن القول إن القبيلة بدأت تتعامل مع الأوضاع القائمة بوعي خاص دون الحاجة إلى زعمائها التقليديين ولا إلى القيادة والحكومة ولا الحوثيين بالطبع، فلا القيادة "الشكلية" لما بقي لليمن، رئاسة وحكومة، ولا النخب والأحزاب، في رأي القبائل، قادرة على استيعاب مظلوميات ومطالب غالبية المواطنين.
قال لي شيخٌ قبلي التقيته مؤخرا: "نحن لا نريد رئيسا صاحب فخامة وكثيرٌ من أبناء شعبه يقتاتون من براميل القمامة". وأضاف هذا الشيخ المجروح: "لم تعد لبطاقات هويتنا الشخصية في الداخل قيمة ولا لجوازات سفرنا في الخارج أي اعتبار"، على حد تعبيره.
ماذا يحدث اليوم؟
إذا لم يكن الحراك القبلي الآن ملهماً ويستنهض همم الجميع، فإن زمام الأمر يوشك أن ينفلت من يد القيادة والحكومة، ولن يجدي بعد ذلك أي تحرك لهما في المحافل الدولية، بل إن ذلك يهدد بزوال مشروعيتهما في تمثيل الإجماع الوطني في الداخل والخارج معا.
الأمر بالغ الجدية إلى حد الخطورة، ما لم ينسجم أداء القيادة والحكومة وما تبقى من قوات الجيش الداعمة لهما مع مطالب الحراك الشعبي القبلي والمجتمعي والوطني العام.
تخرج القبيلة اليوم عن صمتها، مستعدة للقتال، في حين تنتظر الأحزاب والنخب السياسية الخارج للتدخل، حتى بعد أن تيقنت أن الإقليم والعالم أدارا لليمن ظهريهما، وتناسيا الصراع الدائر فيه، وأخذ الكل في المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة بل والعالم أجمع ينشغل بأموره ورؤاه المستقبلية لمشاريعه وطموحاته الاقتصادية والسياسية الخاصة.
الراهن اليمني يحتقن أكثر فأكثر بالسخط والغضب إزاء حالة الانقسام السياسي وتفاقم أزماته المعيشية والأمنية دون معالجات حقيقية جادة.
يذكرنا حراك القبائل الأخير بملحمة "مطارح مأرب" عندما جرى استنفار قبائلها المسلحة ومحاربيها الأشداء لدعم قوات التحالف العربي والجيش لصد هجمات الحوثيين على مأرب، حيث سقط على أسوارها ألوفٌ مؤلفة من بسطاء قبائل البلاد من الجانبين، ومعهم في جانب الحوثيين ضباط وخبراء من الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني.
ميزان القبيلة
الحراك القبلي يذكرنا أيضا بأن للقبائل "ميزانا دقيقا حساسا" لقياس الأمور عند الشدائد وحساب نتائجها، كما يُقاس الذهب، وكيف أنها لا تحتمل الوقوف إلى ما لا نهاية مع أي طرف يوشك على الخسران والسقوط.
لنا في هذا الأمر أمثلة في تاريخ اليمن الوسيط والقريب على سبيل المثال لا الحصر، فعند استباحة القبائل لصنعاء بعد فشل الثورة الدستورية عام 1948 بسبب "فتوى" أصدرها إمام اليمن آنذاك (أحمد يحيى حميد الدين) ضد فتوى شرعية أخرى تولى تنفيذها نسيبه (عبدالله بن علي الوزير) حيث تم قتل والد الإمام أحمد في ثورة شبه مسلحة في 17 فبراير/شباط 1948 أملا في صياغة دستور للبلاد... من قام بقتل الإمام يحيى حميد الدين كان الزعيم القبلي الشاعر الثائر الشيخ علي بن ناصر القردعي وذلك في منطقة حِزْيَز جنوبي مدينة صنعاء.
تدخل الجيش المصري في ستينات القرن الماضي
تداعت عدة قبائل يمنية على نحو غير مسبوق رافضة وجود قوات مصرية أرسلها جمال عبد الناصر لنجدة الثورة اليمنية التي اندلعت ضد النظام الإمامي "المستبد والمتخلف والفاسد"... صحيحٌ أن ذلك كان في خضم مشروعين إقليميين متنافسين، لكن اليمن في المحصلة النهائية كان ساحته ووقوده، وخسر الكثير من أبنائه وموارده في معركة لم يكن له فيها ناقةٌ ولا جمل لينتهي الأمر بعد نكسة 5 يونيو/حزيران 1967 بتسليم عبد الناصر زمام الحل والعقد في الأزمة اليمنية للملك فيصل بن عبد العزيز الذي أنجز ما يمكن اعتباره حلا تاريخيا، حينذاك، لتلك الأزمة التي تدخلت فيها مصر، بكلفة بشرية ومادية عالية.
اغتيال الحمدي
في منتصف سبعينات القرن الماضي، عندما وصل الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي إلى سدة الحكم عمل جاهدا على إقصاء رموز المؤسسة القبلية ذات النفوذ داخل الجيش وفي أجهزة الأمن، والعلاقة الجيدة مع السعودية و"بعث العراق"، كما سعى إلى خلق أسس جديدة للعلاقة بين الدولة والقبيلة، لكن الأخيرة تمردت عليه خصوصا في مناطق الشمال الغربي حيث تتمركز قبيلة "حاشد" وفي الشمال الشرقي، معقل قبيلة "بكيل" الأمر الذي أدى في النهاية إلى مقتل الحمدي على يد طرف قبلي من أحد بطون القبيلة الأولى.
خذلان القبيلة للرئيس صالح
ثم تكرر الأمر في تخلي ما عُرف بـ"قبائل طوق صنعاء" عن الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. تعلم صالح من تجارب رؤساء بلاده السابقين أن نظام حكمه لا يمكن له أن يدوم حتى بتوريثه لأبنائه أو يستمر في الحد الأدنى دون تحديات ومعارضة وتنافس على الجاه والثروة مع القبائل.
أخذ يستثمر كثيرا في رعاية شيوخ جدد في القبائل المنافسة لسلطته على حساب الزعامات التقليدية لهذه القبائل بهدف إضعاف الأخيرة والتحكم بها، فكانت النتيجة أن أضاع هيبتها أمام أفرادها الذين لم يتسن له الوقت والظروف لجعلهم يقفون على أقدامهم وفرض أنفسهم كـ"وجاهات" وازنة لها كلمتها الملزمة لأفراد القبيلة. وعندما قوي عود بعض أبنائها لجأ إلى التخلص منهم عبر زجهم في صراع مع جماعة الحوثيين الذين تحالف معهم، وكانت نهاية حكمه وشخصه على أيديهم.
كثيرون اليوم داخل اليمن وخارجه يعتقدون أن هذا الوقت يفترض أن "يكون لحظة صواب في توجيه بوصلة السير نحو أفق للحل السياسي أو العسكري"، والاستفادة من مجمل المتغيرات في المشهد السياسي محليا وإقليميا وعالميا.
أجادت القبائل أداء دور رافد وفاعل في بعض مراحل بناء مشروع الدولة، لكنها كثيرا ما انكفأت على نفسها حين غاب هذا المشروع الحامل لحلم الدولة الوطنية، وقررت الحفاظ على ما بيدها من أرض ومقدرات وموقع في خرائط الصراع، فإن أراد الجميع "دولة للكل" فهي جاهزة، وإن لم يريدوا ذلك فهي عند نهاية المطاف باقية في أماكنها ولن تخسر شيئا.