تكتسب الدراما النفسية على الشاشة أهمية وخصوصية وتتباين الآراء والتقييمات بصددها لأسباب عديدة يبرز في مقدمتها أن هذا النوع من الأفلام هو من نوع الأفلام الباطنية الذي تتوارى فيه الشخصية ولا يظهر مما تكنّه إلا قليل مما يستوجب تحليلا معمقا وقراءات موازية من منطلق أن الفن السمعي البصري والسينمائي بشكل خاص هو فن ظاهري ومرئي ومحسوس أكثر من كونه فنا يعتمد على ما هو ذاتي وباطني.

من هنا وجدنا أن هذا النوع الفيلمي يتطلب من المخرج وفريقه ومن الممثل أداء متفوقا يستطيع من خلاله أن يستبطن دواخل الشخصية ويظهر مكنوناتها في شكل أفعال مجسدة ومرئية وخلال ذلك لابد من إدراك أهمية عامل الزمن في هذا المسار لجهة الموازنة في الأفعال بما يبقي الإيقاع الفيلمي على درجة معقولة من التوازن الذي يحول دون الوقوع في الرتابة والترهل.

من هنا يمكننا النظر إلى هذا الفيلم للمخرجة راتشيل لا مبرت فهي تقدم لنا بناء تعبيريا مختلفا عما هو سائد، متجهة نحو الدراما النفسية ولكن من دون أدنى تعقيد بل من خلال سرد فيلمي يبنى على الهامش واليومي وهي ميزة استثنائية تبدو متاحة كليا لكن العبرة تكمن في طريقة استخدامها.

فها هي فران -الممثلة ديسي ريدلي في يومها العادي في وسط ثلة من الموظفين وهم مجتمعون يقومون بأعمال روتينية إدارية وكل منهم يجلس وراء شاشة الحاسوب لكن براعة المخرجة تكمن في استثمار الحوارات الهامشية التي تقترب أحيانا من الثرثرة اليومية العادية وجعلها خلفية مؤثرة في مسار الشخصيات.

ولعل التحدي في هذا الأسلوب يكمن في مرور أكثر من 20 دقيقة من الفيلم من دون أن تتحدث الشخصية الرئيسية فران بكلمة وهذا لوحده يشكل تحديا ربما للمشاهد الذي قد لا يصمد على مثل هذا التنوع متن المعالجات الفيلمية.

على أن الإحالات المكانية وطبيعة حياة الشخصية تقودنا إلى نوع من الفردانية والعزلة اللتين ترسم الشخصية مساراتهما وهي تعيش في مدينة صغيرة شبه معزولة ولوحدها لا تعرف لها أسرة أو صديقات وحتى في أثناء العمل وفي وسط الثرثرة فلربما تكون هي الأقل كلاما، ومن هنا تكون المخرجة قد هيأتنا إلى الثيمة التي حملها الفيلم عنوانا له وهو مسألة التفكير في الموت فهذه الفتاة المنعزلة تعيش مرات عدة الإحساس بالموت في غابة معزولة في مشهد متكرر.

ولكي نكرس أكثر هذا الجانب المرتبط بالفردانية والعزلة وجدنا أن الشخصية في الغالب لا تجد من حولها ما تنتمي إليه مما تفصح عنه الثرثرة السائدة بين الموظفين، فالانشغالات اليومية الهامشية لا تتيح للشخصية المعزولة أن تتجذر في وسط المجموعة الاجتماعية وقد تمكنت المخرجة بشكل ملحوظ في إغراق الشخصية بما هو يومي من الروتين في تلك الدائرة الضيقة لتلك الثلة من الموظفين والموظفات.

وفي هذا الصدد يكتب الناقد السينمائي بنجامين لي في الغارديان البريطانية مقالا مسهبا عن الفيلم الذي يعده اختبارا للعرض الذي قد يبدو مملا للتفاصيل اليومية ومن ثم القدرة على التقاط تلك الرتابة والصعود بها إلى ما هو وجودي ومصيري بالنسبة للشخصية.

ويشير الناقد إلى الاستخدام المتميز للموسيقى التي وضعها «دابني موريس،» إلى جانب مهارات التصوير لداستن لين والذي يظهر جليا من خلال نوع شعري من الإحساس بالمكان الذي تفشل العديد من الأفلام الأخرى في بلوغه بسبب حساسية مسألة الإغراق في الواقعية وهوامشها الأكثر استهلاكا وتكرارا.

ويشير الناقد إلى نقطة أخرى وهي أن بساطة النص وتمثيل ريدلي الدقيق والمحدد قد خلقا إحساسًا مألوفًا بالعزلة لدى الكثير منا، بكوننا قريبين جدًا من هواجسها ومواقفها، ومثال ذلك أن هناك مشهدا صغيرا لفران عندما تتوقف مؤقتًا عند ما ستكتبه في بطاقة تذكارية تم إعدادها لوداع زميلة لها، أنها تبدو مرعوبة من كتابة الرسائل والعبارات الحماسية التي تدعو إلى الحياة، بينما صديقتها التي تودعها وصلت إلى سن التقاعد وكان كل حلمها أن تذهب في رحلة كروز في ذلك النوع من الفنادق العائمة مع الزوج إلى جزيرة نائية لكن ذلك لن يتحقق بسبب جلطة يصاب بها الزوج تقعده تماما.

وهكذا سيكون هنالك رادع وجودي ووجداني يعصف بحياة الشخصية مما لا سيطرة لها عليه وفيه من التأثير ما لا تتمكن من تغييره.

من الجانب الآخر وجدنا أن محاولة فران دخول الحياة الاجتماعية وذلك من خلال علاقتها بزميلها روبرت -الممثل ديفيد ميرهيج، وهو رجل مولع بمشاهدة الأفلام السينمائية وليس شخصية وسيمة ولا استثنائية بالنسبة لفران ولهذا فإن دعوته لها لمشاهدة أحد أفلامه المفضلة سوف تنتهي إلى الفشل وهي ميزة تتميز بها فران في كونها لا تجامل وإنما تتداول ما تشعر به بشكل مباشر وتلقائي ولهذا لا تدوم تلك العلاقة طويلا، فالحوارات بينهما والتي تلامس الحياة الشخصية سوف تجعل فران تنفر نفورا شديدا متهمة روبرت بالفضول والتدخل فيما لا يعينه، ولهذا فهو فاشل في زواجين سابقين وبذلك يقع الافتراق بين الصديقين مباشرة بعد ذلك الحوار.

هذا الجانب ناقشته شيلا اوميلي في موقع روجر ايبيرت المتخصص بنقد وتحليل الأفلام إذ تقول، إن شخصية فران ملفتة للنظر في هذا الفيلم فهي على الرغم من كونها لا تتحدث إلا نادرا لكنها في الواقع ليست خجولة ومن الصعب إخراجها من حياتها الخيالية التي تتمنى فيها الموت لتتحدث فعليًا مع الشخص الذي أمامها مباشرة.

المضاد لشخصية فران هو روبرت الذي يبدو أنه رجل واقعي للغاية، لديه شعور إيجابي تجاه الناس، ويستمتع باللحظة التي يعيشها، ويتمتع بالهدوء والسلام النفسي، فما هو سبب انجذابه إلى امرأة صامتة في غالب الأوقات مثل فران؟ واقعيا يحجم الفيلم عن شرح أي من هذه التفاصيل بشكل مباشر وما يثير الإعجاب هو أن فران تخرج عن طورها الساكن وتعبر عن نفسها وترفض الاقتراب أكثر من دواخل شخصيتها وتفصيل حياتها وأفكارها وماضيها.

ومن هنا وجدنا أن هذا الفيلم ربما يكون نوعيا فهو ليس من الأنواع الفيلمية المعتادة التي تستقطب الجمهور مباشرة بل انه من نوع الأفلام الذي يثير التساؤلات أكثر مما يطرح الأجوبة، إنها برهة زمانية ساكنة من حياة أي واحد منا في عزلته وما يحاط به وحتى ذلك النوع من الحديث اليومي الأقرب للثرثرة هو من النوع المعتاد والمألوف الذي نعيشه دوما في حياتنا اليومية وفي أجواء العمل أيضا.

إخراج - راتشيل لا مبرت

تمثيل - ديسي ريدلي، دايف ميرهيج، ميغان ستالتير، بري ايلورد

مأخوذ عن رواية القتلة من تأليف كيفن اريمينتو

تقييمات/ أي ام بي دي: 7 من 10

روتين توماتو 81%

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من هنا فی هذا نوع من

إقرأ أيضاً:

“الشارقة لصعوبات التعلم” يستعد لإطلاق برنامجاَ شتوياً لتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلبة

 

ينظم مركز الشارقة لصعوبات التعلم برنامجاً شتوياً تحت شعار “معاً نتعلم” في الفترة من 22 حتى 31 ديسمبر، ضمن المبادرات والفعاليات التي ينظمها المركز، بهدف تنمية القدرات الإبداعية للطلبة من ذوي صعوبات التعلم وتعزيز مهاراتهم الحياتية.
ويشتمل البرنامج الذي يستهدف للطلبة من ذوي صعوبات التعلم من عمر 13 – 20 عام، على مجموعة متنوعة من الأنشطة وورش العمل التطبيقية، حيث سيتعلم الطلبة فنون الرسم على اللوحات والشموع، وسيخوضون تجربة تعليمية تفاعلية تهدف إلى تعزيز مهارات التفكير المنطقي والإبداعي والابتكار من خلال تعلم المفاهيم الأساسية لعمل الروبوتات والبرمجة، بالإضافة إلى التدريب على وظائف تنفيذية مختلفة من خلال ورش عمل متخصصة مثل “فنون الرد” و “ألعاب تحديات التفكير”، والتي تهدف إلى التدريب على المرونة واستدامة الانتباه وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.
مدربون متخصصون
ويحظى البرنامج بمشاركة نخبة من المدربين المتخصصين الذين سيقدمون ورش العمل بأسلوب تفاعلي يشجع الطلبة على المشاركة والتعلم بفعالية وتعزيز دافعيتهم للتعلم، كما يتضمن البرنامج الذي يأتي بدعم من سفاري الشارقة وهيئة متاحف الشارقة أنشطة خارجية ورحلات ترفيهية وورش عمل متنوعة تهدف إلى تحفيز عملية التعلم لدى الطلبة بطريقة ممتعة وفعالة.
التزام بتقديم أفضل البرامج
وقالت سعادة الدكتورة هنادي السويدي مدير مركز الشارقة لصعوبات التعلم: إن المركز ملتزم بتقديم أفضل البرامج لتمكين ذوي صعوبات التعلم بالعمل على دمج الأنشطة الإبداعية في البرامج التعليمية نظرًا لأهميتها كأداة فعالة لتنمية مهارات الطلبة وتجاوز تحديات التعلم، مؤكدة أن البرنامج الشتوي يعكس هذا التوجه حيث تسهم الأنشطة الإبداعية في توسيع خيال الأطفال وتشجعهم على التفكير وتنمي لديهم حس الاستكشاف والتجريب ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة وبناء ثقتهم بقدراتهم، مشيرة إلى حرص المركز على أن يظل دائمًا حاضنة للإبداع والابتكار من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة ترفيهية هادفة تعزز المهارات الإبداعية والحركية لدى الطلاب لتمكينهم من اكتشاف مواهبهم وتطويرها إلى جانب تجاوز تحديات التعلم بثقة ومرونة.
وأضافت الدكتورة هنادي السويدي أن إطلاق البرنامج الشتوي يأتي تواصلًا لجهود المركز المستمرة على مدار العام وإيمانه بأن فئة ذوي صعوبات التعلم يمتلكون قدرات ومواهب كامنة تتطلب منحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الأنشطة الإبداعية التي تسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتنمية مهاراتهم في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن أنشطة البرنامج الشتوي تساعد الطلاب المستهدفين على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية إيجابية، مما يعزز اندماجهم في المجتمع، ويجسد سعي المركز لتقديم خدمات تدريبية متكاملة تساعد الطلاب على الاستفادة منها.
ويشمل البرنامج ورش عمل فنية متنوعة، منها الرسم على اللوحات، والرسم على الشموع، والروبوتيك، وفنون الردّ، وألعاب تحديات التفكير، بالإضافة إلى أنشطة التدريب على المرونة واستدامة الانتباه، وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.


مقالات مشابهة

  • “الشارقة لصعوبات التعلم” يستعد لإطلاق برنامجاَ شتوياً لتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلبة
  • جدل في لبنان حول منشورات تنتقد قناة محلية وتساؤلات عن حرية التعبير في بلد الأرز
  • ما هي أفضل الهواتف القابلة للطيّ عام 2024؟
  • «الأمن السيبراني»: 411 ألف ملف خبيث يطلقها المجرمون السيبرانيون يومياً
  • جامعة قناة السويس تعلن بدء التقديم لدورة أساليب التفكير والدراسات المستقبلية
  • كريستين بيل تقدم حفل جوائز نقابة ممثلي الشاشة
  • مدير إدارة فتاوى المحاكم: الشرع لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد
  • حظك اليوم الاثنين| توقعات الأبراج الهوائية.. لا تبالغ في التفكير
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • بالفيديو .. شاهد لحظة القبض على الشبيح ابراهيم فران والملقب بـجيمي الذي تسبب باعتقال الكثير من المواطنين في جبلة