عمر نجيب: الحرب شبه الدولية في بلاد الشام والخطة “باء” بين واشنطن وموسكو…. المغامرة الخطرة لجني مخلفات مشاريع الفوضى الخلاقة
تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT
عمر نجيب تعرف ساحة بلاد الشام وسوريا أساسا تصعيدا جديدا في المواجهة بين الكثير من أطرافها سواء الدولية أو الإقليمية حيث تكتسب تلك المنطقة في التوقيت الحالي ثقلا متزايدا وتأثيرا أبعد على الكثير من المواجهات الدولية والمحلية. تملك الولايات المتحدة وبجانبها جزء من دول تحالف الناتو وحسب بياناتها الرسمية وجودا عسكريا مستمرا داخل الأراضي السورية منذ شهر أكتوبر 2015 دون موافقة دمشق، والتي تعتبر الأمر احتلالا، وهذا الحضور العسكري يستمر تحت غطاء مقاومة تنظيمي داعش والقاعدة.
في البداية كان عدد الجنود الأمريكيين حسب البيت الأبيض 50 ثم ارتفع بسرعة حتى تعدى الأربعة آلاف موزعين على قواعد الجزء الأكبر منها في شرق نهر الفرات حيث توجد أبار النفط السورية والأراضي الفلاحية المنتجة للحبوب. بعد فشل مختلف القوى المسلحة وتنظيماتها المختلفة المعادية لدمشق في معركتها للسيطرة على أغلب الأراضي السورية وذلك رغم ما حصلت عليه من دعم مادي وعسكري مباشر وغير مباشر من طرف التحالف الغربي وحوالي 180 ألف من المسلحين المستقدمين من حوالي 80 دولة حسب تقارير الأمم المتحدة جرى تخفيض حجم الوجود العسكري الأمريكي داخل الأراضي السرية ليتأرجح الرقم بين 1200 و 900 حسب البنتاغون الأمريكي. واشنطن ولتجنب سقوط ضحايا من قواتها على ساحة بلاد الشام وكل ما قد يثيره ذلك من تأثيرات سلبية على سياساتها داخل الولايات المتحدة، لجأت إلى جنود شركات الأمن الخاصة مثل بلاك ووترز التي عملت قبل ذلك بسنوات في العراق بعد أن احتلته القوات الأمريكية، كما نقلت جزء من قواتها داخل العراق في القواعد التي تمتلكها هناك. خلال بداية الربع الثاني من سنة 2023، وتكرارا لما حدث في تواريخ سابقة، أفادت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى بوصول تعزيزات كبيرة الحجم من القوات الأمريكية إلى سوريا ثم انتقال بعضها خارجه في وقت لاحق. سجل بعض الملاحظين أن هذه التحركات العسكرية رافقت في أوقات معينة التوتر مع تركيا التي هددت بتدخل عسكري أعمق ضد القوات الكردية الانفصالية التي يدعمها البنتاغون، أو تحرك الجيش العربي السوري لاستعادة سلطته على أجزاء من الأراضي. محللون ألمان ربطوا كذلك التحركات العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق بإسلوب بعث رسائل إلى خصوم أو معارضين بأن واشنطن هنا ويمكن أن نلحق بكم ضررا. ويشير هؤلاء إلى أن البيت الأبيض قلق جدا من تنويع دول الخليج العربي لمصادر أسلحتها وعلاقاتها مع الصين وروسيا والهند ورفضها العمل على خفض أسعار النفط أو الاستمرار في تكديس أموالها في سندات الخزينة الأمريكية وغيرها. مع انتصاف سنة 2023 قدرت أوساط أمريكية تعداد القوات الأمريكية في سوريا بما بين 1200 و 1400 جندي إضافة إلى ما يصل إلى 3600 من المتعاقدين من شركات الأمن الخاصة أو من خارجها. ويضاف إلى هؤلاء ما يقدر بثمانية آلاف من القوات الأمنية الخاصة يرابطون في العراق. لا يسمح الدستور الأمريكي بإعلان الحرب إلا بعد موافقة الكونغرس، لكن الإدارات الأمريكية تتدخل وتنشر قواتها وتشن الحروب في البلدان الأخرى دون إعلان الحرب الذي يتطلب أخذ موافقة الكونغرس وتشريعه تحت غطاء أعذار مختلفة مشابهة لتلك التي طبقتها الدول الاستعمارية خلال قرون خلت مثل الهجمات الاستباقية لمواجهة التهديدات المحتملة على الأمن القومي والدفاع عن المصالح والممتلكات والأشخاص الى غير ذلك. يأتي التبرير الرسمي للوجود الأمريكي بموجب تصاريح استخدام القوة العسكرية لعامي 2001 و2002، والتي مررها الكونغرس في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. لكن محاولات بعض أعضاء الكونغرس لعرقلة العملية قد أخفقت في كسب التأييد، وذلك ضمن جهودهم الرامية إلى تقييد سلطات الرئيس في الحرب. استرجاع دمشق لمقعدها في الجامعة العربية يوم الأحد 7 مايو 2023 بعد تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات، شكل ضربة قاسية لسياسة واشنطن ودليلا على تقلص نفوذها خاصة على ضوء الضغوط التي مارستها للإبقاء على عزلة سوريا عربيا. منذ بداية شهر يونيو 2023 سجل تصعيد فيما يوصف بالحوادث العسكرية بين القوات الأمريكية ونظيرتها الروسية والموجودة في سوريا منذ سبتمبر 2015 بطلب من دمشق، الجزء الأكبر من هذه الحوادث العسكرية وقع مع الطائرات المسيرة العسكرية الأمريكية التي كانت تدخل بشكل أعمق في المجال الجوي السوري والتي أفادت مصادر سورية أن جزء من مهماتها تقديم إحداثيات أدق للقوات الإسرائيلية بشأن الأهداف التي ستستهدفها في سوريا والتي لا توفرها صور الأقمار الصناعية التي تحلق على ارتفاعات تفوق 400 كلم. التوتر بين موسكو وواشنطن بسبب هذه الحوادث العسكرية في تصاعد وقد بدأ الحديث على أعلى مستوى بشأن احتمال تحوله إلى مواجهة بين روسيا والناتو. البعض يرى أن واشنطن تسعى لشغل موسكو بالساحة السورية لتخفف ضغطها في أوكرانيا خاصة مع تعثر الهجوم الأوكراني وآخرون يتحدثون عن الخطة باء، وهناك فريق ثالث يقول أن الكرملين وبعد زيادة ثقته في جني النصر في الحرب الدائرة وسط شرق أوروبا، قرر الانتقال إلى الهجوم في ساحة بلاد الشام لزيادة إضعاف التحالف الغربي وإجبار البيت الأبيض على سحب قواته من سوريا وربما غيرها. تجنب المواجهة يوم السبت 29 يوليو 2023 صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن موسكو لا تسعى لصدام مباشر بين الجيش الروسي وقوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” في سوريا، وأضاف في اختتام “قمة روسيا – إفريقيا” في رد على سؤال حول الاستفزازات الأمريكية في سوريا، إن روسيا مستعدة لأي سيناريو، لكنها لا تريد صداما عسكريا مباشرا مع الولايات المتحدة: “نحن جاهزون دائما لأي سيناريو. لكن لا أحد يريد ذلك. وبمبادرة من الجانب الأمريكي، أنشأنا ذات مرة آلية خاصة لمنع هذه الصراعات”. وأكد الرئيس الروسي، أن “رؤساء بعض الإدارات لدينا يتواصلون بشكل مباشر مع بعضهم ولديهم فرصة للتشاور بشأن أي حالة طوارئ”. وأشار بوتين إلى أن هذا يوحي بأن “لا أحد يريد أي اشتباكات”. ونوه إلى أن بلاده قد تسعى لمفاوضات سلام مع أوكرانيا، مضيفا أن مبادرة السلام الأفريقية وكذلك المبادرة الصينية يمكنهما أن تكونا أساسا للسلام. في القاهرة التي يعتبرها الغربيون أحد أهم الحلفاء العرب لدمشق،علق اللواء المصري، نصر سالم، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن “الرئيس الروسي عند حديثه عن إمكانية حدوث مواجهة بين أمريكا وروسيا على الأراضي السورية يعي جيدا ما الذي يفكر به الأمريكان وأنهم قد يلجأون لتسخين الجبهة السورية لعدة اعتبارات. أولها أن الأمريكان مشتبكون عسكريا فعلا مع روسيا على الأراضي الأوكرانية ولو بشكل غير مباشر ليس هم فقط بل وحلف الناتو أيضا ومن ثم فإن فتح جبهة جديدة مع روسيا على الأراضي السورية وارد وبقوة والرئيس بوتين يعلم ذلك جيدا ومن ثم أطلق هذا التصريح التحذيري”. وأضاف: “من الممكن أن يكون فتح جبهة جديدة مع روسيا فى سوريا من قبل الأمريكان بشكل غير مباشر أيضا من خلال إعادة تمويل وتسليح داعش أو الأكراد أو غير ذلك من القوى الموالية للأمريكان والهدف هنا هو تشتيت الجهود الروسية واستنزاف قواها العسكرية”. واستبعد أن تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر في مواجهة مع روسيا في سوريا، مرجحا أنها “ستجعل القوى المتحالفة معها تخوض حربا بالوكالة”. بموازاة مع تصريحات بوتين أعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي، أوليغ غورينوف، أن مسيرات تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة انتهكت سلامة الرحلات الجوية في سوريا 340 مرة خلال شهر يوليو 2023. وذكر غورينوف إن الطائرات بدون طيار التابعة للتحالف نفذت 1752 رحلة جوية غير منسقة في المناطق التي حددتها بروتوكولات عدم التصادم في عام 2023، منها 340 في يوليو 2023. وأشار إلى أنه منذ الأول من يناير 2023، سجلت 1761 حالة انتهاك لحدود سوريا من قبل طائرات “التحالف”. وفي يوليو 2023 فقط، تم تسجيل 213 حالة. وأضاف غورينوف أن طيران التحالف خرق في يوليو المجال الجوي 180 مرة في منطقة التنف حيث تمر الخطوط الجوية الدولية، في وقت كانت هناك طائرات مدنية تحلق في المنطقة. عمليات متهورة بتاريخ 27 يوليو وقبل البلاغات الروسية بحوالي 48 ساعة، دعا البيت الأبيض، الخميس، روسيا إلى وقف عملياتها “المتهورة والمهددة” في سوريا، في وقت تتصاعد احتمالات التصعيد العسكري بين واشنطن وموسكو في ظل الهجمات الروسية المتكررة ضد طائرات مسيرة أمريكية فوق سوريا. وأفاد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن التوترات الحالية يمكن أن تتحول لـ “ساحة صراع” بين البلدين، حيث نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن “مؤشرات خطر المواجهة ارتفعت”، بعد أن ألقت مقاتلة روسية، الأربعاء، قنابل مضيئة فوق مسيَرة أمريكية أثناء مشاركتها في مهمة في سوريا، مما ألحق أضرارا بمروحتها. وجاء حادث، الأربعاء، في أعقاب حادثة مماثلة وقعت، الأحد 23 يوليو عندما تضررت طائرة مسيرة أخرى من طراز “MQ-9” فيما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه جهد روسي منسق للضغط على الجيش الأمريكي للانسحاب من سوريا. ولم تكن الطائرات المسيرة هي الوحيدة التي تعرضت للمضايقات من قبل الطيارين الروس في الأسابيع الأخيرة حسب أقوال واشنطن. ففي 16 يوليو، نفذت مقاتلة روسية مناورة خطيرة واقتربت كثيرا من طائرة استطلاع أمريكية مأهولة، مما عرض طاقمها للخطر وأجبرها على التحليق المضطرب وقلل “قدرة الطاقم على تشغيل الطائرة بأمان”، وفقا لقائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية الجنرال أليكسوس غرينكويتش. وتبين الصحيفة إلى أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يأملون أن يؤدي هذا الإعلان إلى تراجع روسيا عن مضايقاتها، لكنهم أحبطوا من الحادثة الجديدة التي وقعت يوم الأربعاء. وتضيف أن روسيا كانت قد أقدمت قبل ذلك على حادث مماثل فوق البحر الأسود عندما ضايقت مقاتلة روسية في مارس 2023 طائرة مسيرة أمريكية من طراز “MQ-9″، مما أدى إلى إتلاف أحد مراوحها وأجبر القوات الأمريكية على إسقاطها في مياه البحر. وعن تلك الحادثة، ذكرت الصحيفة أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أثنى على الطيارين الروس الذين نفذوا الاسقاط. إجبار واشنطن على الانسحاب بالمقابل أفاد مسؤول عسكري روسي رفيع منتصف شهر يوليو بأن طائرة عسكرية روسية تعرضت “لأنظمة توجيه” لطائرات مقاتلة من طراز إف-16 تابعة للتحالف خلال دورية روتينية فوق الحدود الجنوبية لسوريا. ويرى قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي أن إستراتيجية موسكو تتمثل في محاولة إجبار القوات الأمريكية على التراجع في سوريا بالتزامن مع تراجع وجودها العسكري في الشرق الأوسط بشكل عام. ويضيف ماكنزي أن الروس “يريدون جعل العملية (البقاء في سوريا) مكلفة جدا بحيث لا يمكن للأمريكيين المضي قدما فيها، وبالتالي الخروج من المنطقة”. ووفقا للصحيفة فقد دفعت تصرفات موسكو المسؤولين الأمريكيين إلى التفكير في كيفية الرد، بما في ذلك من خلال الوسائل غير العسكرية، في حال أقدم الروس على إسقاط طائرة مسيرة أمريكية. ونقلت عن مسؤول عسكري أمريكي القول: “إنه بالتأكيد أمر نوليه المزيد من الاهتمام”. بالمقابل أعلن الجيش الأمريكي في بيان، الأربعاء، أن 12 مقاتلة متطورة من طراز “إف -35” وصلت إلى الشرق الأوسط بهدف ردع الهجمات الإيرانية على السفن التجارية في الخليج العربي. وتؤكد الصحيفة أن الجيش الأمريكي أشار أيضا في البيان إلى أن هذه الطائرات يمكنها “التحليق في المجال الجوي المتنازع عليه عبر مسرح العمليات إذا لزم الأمر”، في إشارة إلى مهمة القوات الأمريكية المستمرة في سوريا. اندرو ويز، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي، صرح من جانبه “يريد الروس أن يكونوا مستفزين ويخربوا الإحساس أن أمريكا لا يمكن تحديها” و”تحاول أمريكا عدم الوقوع بالمصيدة وفي الوقت نفسه حماية جنودها أرضا وجوا”. من جانبه، أعلن أوليغ غورينوف نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا أن قواته سجلت 12 انتهاكا من قبل مسيرات تابعة لقوات التحالف الدولي بالمجال الجوي لمنطقة تدريبات سورية روسية مشتركة. وذكر غورينوف إن الجانب الروسي غير مسؤول عن سلامة الرحلات الجوية غير المنسقة للمسيرات. يوم 26 يوليو 2023 اعتبرت صحيفة “فزغلياد” الروسية أن واشنطن تجهز “الخطة ب” في سوريا تحسباً للفشل في أوكرانيا، ونقلت عن كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير فاسيليف، إن الولايات المتحدة تلعب دائما على طاولات متعددة، التوجه الرئيس الآن هو ضرب روسيا على الجبهة بأيدي الأوكرانيين، إذا تفاقم الفشل على هذا الجناح من سياستهم الخارجية ولم يؤت الهجوم المضاد المعلن عنه بصوت عال ثماره، فإن الولايات المتحدة ستسحب “الخطة ب” من درج الطاولة، وهي تتعلق بسوريا. وصرح: “إضافة إلى ذلك، تحتاج إدارة جو بايدن إلى قرارات جيوسياسية مظفرة قبل الانتخابات الأمريكية، سوريا مشروع طويل الأمد للسلطات الأمريكية، شارك فيه باراك أوباما، لقد ورث الديمقراطيون هذا المشروع، وهم الآن يعودون إليه”. وختم فاسيليف “من المحتمل أن تصعد الولايات المتحدة الوضع في سوريا، وكذلك في أوكرانيا. العامل التركي مهم أيضا هنا، ويجب أن نأخذه بالحسبان”. حشود برية إذا كان ثقل الحوادث العسكرية مركزا على المجال الجوي فقد سبقته أحداث أخرى. خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو 2023 شهدت خطوط التماس بين مناطق سيطرة الدولة السورية من طرف والجيش الأمريكي وقوات “قسد” الموالية لها من طرف آخر، في ريف محافظة دير الزور شرقي سوريا، حالة من الاستنفار العسكري والأمني على طول ضفاف نهر الفرات، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي الأمريكي. وأفاد مراسل “سبوتنيك” شرقي سوريا، نقلا عن مصادر محلية في ريف دير الزور، أن الاستنفار والتوتر العسكري يعود بسبب استقدام قوات “قسد” الموالية للجيش الأمريكي أرتال ضخمة من الآليات والمسلحين إلى مناطق على الخط الفاصل على نهر الفرات، مقابل مناطق سيطرة الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة له. وتابعت المصادر أن قوات “قسد” استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة مؤلفة من أكثر من 500 مدرعة عسكرية، منها مدرعات أمريكية الصنع، يوم السبت 8 يوليو، قادمة من مدينة القامشلي في ريف محافظة الحسكة، إلى بلدات، جديد عكيدات، والبصيرة، والشحيل، والعزبة، ومنطقة المعامل 7 كم، وحقل العمر النفطي الذي تتموضع فيه القاعدة الأمريكية في ريف دير الزور الشرقي، على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، على الجهة المقابلة لمناطق سيطرة الجيش السوري وحلفائه. يوم الثلاثاء 11 يوليو أكدت صحيفة “يني شفق” التركية، أن واشنطن تعتزم إرسال2500 جندي وعتاد عسكري إلى شمال سوريا، بذريعة التهديد المتزايد من روسيا وإيران، لكن هدفها الحقيقي حماية حزب العمال الكردستاني. وأضافت الصحيفة في تقرير لها: “بينما تواصل تركيا حربها التي لا هوادة فيها ضد حزب العمال الكردستاني، تتخذ الولايات المتحدة الراعية لهذه المنظمة الإرهابية، خطوة فاضحة تلو الأخرى. ومؤخرا في قمة الناتو (في فيلنيوس)، أُعلن أن الادارة الأمريكية، التي التزمت بالكفاح المشترك ضد الإرهاب. سترسل 2500 جندي إلى مناطق انتشار حزب العمال الكردستاني في سوريا”. وأضافت: “رغم الإعلان عن أن تلك القوات ستعمل في شمال سوريا والعراق، فقد تبين أن الولايات المتحدة قامت مؤخرا، بأعمال تحصين جادة في هذه المنطقة من أجل تأمين حزب العمال الكردستاني”. وتابعت: “نشرت إدارة واشنطن أنظمة صواريخ HIMARS في دير الزور الخاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني. وذكرت أنه “تم في الأسبوع الماضي إرسال قافلة تضم 60 شاحنة محملة بالوقود واللوجستيات والمعدات العسكرية. بالإضافة إلى 40 شاحنة محملة بمعدات العسكرية وأسلحة ثقيلة، إلى القاعدة الأمريكية في الحسكة، وهي منطقة أخرى يحتلها حزب العمال الكردستاني. فشل للسياسة الأمريكية في العديد من الأوساط السياسية الغربية هناك من يحذر من أن ينتهي تدخل واشنطن في بلاد الشام كما وقع لها في أفغانستان. روبرت فورد، السفير الأمريكي الأسبق لدى سوريا، صرح في حديثه إلى موقع Middle East Eye البريطاني: “تمثل منطقة شمال شرقي سوريا التعريف الأمثل للحرب الأبدية. ليست عمليةً باهظة التكلفة لعدم وجود خسائر في صفوف الأمريكيين، ولهذا تمر مرور الكرام. بينما يستمر الوجود الأمريكي هناك عاماً تلو آخر”. لكن فورد قال إن الولايات المتحدة عادة ما تبالغ في تقدير أهمية شمال شرقي سوريا بالنسبة لدمشق وداعميها، ويؤمن بأن هذا العامل قد أسهم في انجراف الولايات المتحدة داخل المنطقة دون تحديد نهاية واضحة لوجودها. حيث أوضح فورد: “يحافظ المسؤولون في واشنطن على قناعتهم بأن الوجود الأمريكي في شمال شرقي سوريا يمثل ورقة ضغط كبيرة. وربما يرغب الأسد في استعادة المنطقة، لكنه ليس بحاجة ملحة إليها الآن. إذ يستطيع الأسد النجاة بسيطرته على المراكز السكانية في غرب سوريا. كما أن الوجود الأمريكي لا يمنع الإيرانيين أو الروس من فعل ما يحلو لهم”. ثم أضاف أن “الغارات الجوية الإسرائيلية هي التي تؤذي إيران، وليس القوات الأمريكية المؤلفة من 900 جندي”. وبشكل عام، تمثل سوريا فشلا ذريعا للسياسة الخارجية الأمريكية على مدى أكثر من عقد من الزمان، وكان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر تقريرا يتناول موقف الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن من الملف السوري، من منطلق أنه ورث أزمة عمرها 10 سنوات ولا تزال تشكِل تحدياتٍ استراتيجية وإنسانية حادة، راصداً أن “الإدارة الجديدة” لديها فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأمريكية. لكن يبدو أن شيئا من ذلك لم يحدث بعد أكثر من عامين ونصف من تولي بايدن المسؤولية، بل تتجه الأمور إلى مرحلة جديدة لا علاقة لها بالهدف الاستراتيجي الرئيسي لواشنطن وهو إزاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. صرح أندرو تابلر، الزميل الأقدم في مركز أبحاث Washington Institute for Near East Policy، ومدير الشأن السوري السابق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: “يعَدو الاحتفاظ بـ900 جندي في سوريا بمثابة تكلفة منخفضة للغاية مقابل قتل الأشرار ومنع روسيا، وإيران، ودمشق من تعزيز سيطرتهم على البلاد”. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة أصبحت في مواجهة ضد إيران وروسيا، اليوم. بينما قال بسام إسحاق، الدبلوماسي من مجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن، للموقع البريطاني: “يتمثل السبب الوحيد لاحتفاظ الولايات المتحدة بوجودها داخل سوريا في تصريحها بأنها تحارب الإرهاب. لكن الغرض الأساسي من ذلك الوجود الآن هو استنزاف إيران وروسيا”. لكن تابلر يقول إن الوجود الأمريكي لم يكتسب أهمية إلا بعد الحرب في أوكرانيا، وسط المؤشرات على زيادة التعاون بين طهران وموسكو. إذ أفاد للموقع البريطاني قائلا: “أحيانا يكون الحرمان من الموارد أفضل ما يمكنك فعله. وإذا كنت ترغب في إحباط التحالف الروسي الإيراني الجديد، فسوف تكتشف أن الوجود الأمريكي مهم”. ولا يتوقع الغالبية أن تغادر الولايات المتحدة في أي وقت قريب. فعندما انسحبت القوات الأمريكية جزئياً من شمال شرقي سوريا في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2019، أثار ذلك انتقادات تقول إن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها الأكراد. الانسحاب سيكون فوضويا قال سام هيلر، خبير الشأن السوري في Century Institute ببيروت، للموقع البريطاني: “ليست هناك نهاية للوجود الأمريكي في سوريا، لكن هناك نظرة عامة تقول إن الانسحاب سيكون فوضويا للغاية”. بينما يمكن تقليص الوجود الأمريكي بطرق أخرى. إذ يعقد حلفاء واشنطن من الأكراد محادثات مع دمشق بشأن صفقة سياسية محتملة، لكن ليست هناك مؤشرات تذكر على إحراز أي تقدم. ويشكك الباحثون في أن الأسد سيحقق استفادة كبيرة من منطقة يهيمن عليها الأكراد والمسلمون السنة، كما يشككون في قدرته على أن يسيطر عليها. وأوضح هيلر: “تتمثل الجائزة الكبرى بالنسبة لدمشق في عقد صفقة مع الأتراك. فهناك حدود لما تستطيع قوات سوريا الديمقراطية تقديمه لسوريا”. وبعد نجاح الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة وبداية ولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، هناك اليوم مؤشرات على تطلُّعه للانضمام إلى المعسكر الإقليمي وإصلاح العلاقات مع حكومة بشار الأسد. حيث التقى وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران في موسكو، ضمن أرفع مستوى من المحادثات تجريه تلك الدول منذ اندلاع الحرب في سوريا. لكن البعض يشعرون بالقلق حيال زيادة شعور واشنطن بالرضا عن النفس، بالتزامن مع دخول المهمة الأمريكية في شمال شرقي سوريا عامها الثامن. ويقول الخبير السوري بكلية أوبرلين محمود مسلاط، الذي ينحدر من عائلة بارزة في المنطقة، إن التوترات بين المجتمعات الكردية والعربية ستعني استمرار وجود مستوى من الاستياء دائما. وأردف في حديثه إلى الموقع البريطاني: “لا تريد الولايات المتحدة أن تستمع إلى هذه الفكرة. بل تكتفي بإغداق الأموال على الشيوخ والناس في حالة جوع الآن، ولهذا يلتزمون الصمت”. “العرب السنة لا يثقون بالأكراد، والأكراد لا يثقون بالأتراك، ولا أحد يثق بالولايات المتحدة. لكن روسيا وإيران تتحدثان إلى الجميع، بينما تجلس الولايات المتحدة دون حراك”، بحسب مسلاط. كيف يتم إخفاء الخسائر جاء في تقرير نشره خلال الربع الأول من سنة 2023 موقع “إدارة الدولة المسؤولة” Responsible Statecraft الأمريكي: لا تعكس البيانات الرسمية الصادرة عن البنتاغون الأرقام الفعلية للقتلى الأمريكيين في مناطق الصراع، وآخرها سوريا، فهل يصدر الأمريكيون بيانات كاذبة؟ وما هي قصة مصطلح “متعاقد مدني”؟ رصد الموقع الأمريكي تفاصيل “الخداع الإحصائي” الذي يلجأ إليه البنتاغون، لتخفيض أعداد قتلى الأمريكيين في ساحات الحروب ومناطق الصراع، وآخر هؤلاء القتلى كان في سوريا خلال شهر ابريل 2023. أصبح من الواضح بشكل متزايد أن البيانات الرسمية الخاصة بالأفراد العسكريين الأمريكيين، المنتشرين فيما يسمى بمناطق الحرب في الخارج، قد تقلل من العدد الفعلي. وبالمثل فإن الخسائر العسكرية في الخدمة الفعلية تمثل جزءاً فقط من القتلى الأمريكيين، الذين قتلوا خلال الحروب المختلفة التي شنتها واشنطن في الخارج خلال العشرين عاما الماضية. وتكمن الآلية الرئيسية وراء هذا الخداع الإحصائي في استخدام البنتاغون المتزايد لـ”المتعاقدين المدنيين”، ومنهم ذلك الذي قتل في غارة بطائرة مسيَرة، استهدفت الجيش الأمريكي في قاعدة للتحالف في شرق سوريا. كانت القوات الأمريكية في سوريا قد تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة، اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراءه، وأدى الهجوم إلى مقتل أمريكي وإصابة 12 آخرين، لكن البنتاغون أصدر بيانا قال فيه إن أحدا من “جنوده لم يقتل”، مضيفا أن “متعاقدا مدنيا قتل في الهجوم”. وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس، في يناير 2023، كان هناك في نهاية العام 2022 ما يقرب من 22 ألف متعاقد مدني، يعملون لصالح وزارة الدفاع في جميع أنحاء منطقة مسؤولية القيادة المركزية، مع وجود نحو 8 آلاف متعاقد من هؤلاء في العراق وسوريا فقط. وعندما يسمع معظم الناس مصطلح “متعاقد مدني” يستخدم من جانب وزارة الدفاع الأمريكية، فإنهم يفترضون أن الأفراد المعنيين هم أفراد دعم يقدمون الطعام والنقل والخدمات الأخرى للجيش. وهذا التصور يعتبر صحيحاً بشكل جزئي، لكن في كثير من الحالات يحل المتعاقدون محل الأمن المسلح- المرتزقة إذا صح التعبير- ومن المحتمل أن يتكبدوا خسائر بمعدل مماثل للجنود، الذين هم رسميا أعضاء في القوات المسلحة الأمريكية. وبينما تطلق الولايات المتحدة مصطلح “متعاقدون مدنيون” على شركات الأمن الخاصة الأمريكية، فإنها تطلق مصطلح “مرتزقة” على شركات الأمن الخاصة في الدول الأخرى، ومنها مجموعة فاغنر الروسية على سبيل المثال. ثروات الشرق الأوسط التحديات وعمليات استعراض القوة الدائرة على ساحة بلد الشام لها أهداف آخرى ومنها العمل على استعادة نفوذ واشنطن في دول منطقة الخليج العربي والضغط على حكوماته. جاء في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ الأمريكية يوم 16 يوليو 2023 تحت عنوان: ثروات الشرق الأوسط تتدفق إلى الصين وسط قلق بشأن مستقبل الشراكة مع واشنطن. في ظل القلق بشأن مستقبل شراكتها الأمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، تسعى دول الخليج العربي الغنية بالنفط للاستفادة من ثرواتها لتعميق العلاقات مع الصين، بحسب وكالة “بلومبرغ”. وذكرت الوكالة في تقرير لها، أنه بعد سبعة أشهر من مشاركة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في القمة الصينية الخليجية الأولى في الرياض، تسارعت التبادلات الاقتصادية بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ودول مثل السعودية والإمارات، متجاوزة مشتريات النفط الخام التي كانت بكين مهيمنة عليها لأعوام. وأوضحت الوكالة أن من بين الصفقات التي يمكن أن تستفيد من توثيق العلاقات في الأشهر المقبلة، هي طرح عام أولي في شنغهاي يخطط له عملاق البذور الصيني، مجموعة “سينغينتا”، بقيمة 9 مليارات دولار. وأجرى مستشارو الشركة الصينية المدعومة من الدولة مناقشات مع الصناديق السيادية في الشرق الأوسط بما في ذلك هيئة أبوظبي للاستثمار وصندوق الاستثمار العام السعودي بشأن إمكانية أن يصبحوا مستثمرين أساسيين، حسبما قال أشخاص على دراية بالموضوع لـ”بلومبرغ”. وارتفعت قيمة عمليات الاستحواذ والاستثمارات من جانب الشركات الخليجية في الصين بأكثر من 1000 في المئة على أساس سنوي إلى 5.3 مليار دولار، وفقا لبيانات جمعتها “بلومبرغ”. وتظهر البيانات أن العام الجاري على وشك أن يصبح الأكثر على الإطلاق من حيث عدد مثل هذه الصفقات. ونقلت الوكالة عن أشخاص مطلعين قولهم إن صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي يكثف عملياته في الصين للبحث عن استثمارات جديدة. وشهدت دبي زيادة بنسبة 24 في المئة في عدد الشركات الصينية التي أقيمت في المنطقة الحرة. ويصف المسؤولون في الرياض الصين، بحسب الوكالة، بأنها شريك لا غنى عنه لرؤية 2030، وهي خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات، إذ فازت سلسلة من الشركات الصينية بعقود لبناء مدينة المستقبل “نيوم”. وأوضحت “بلومبرغ” أن العلاقات بين الخليج والصين تمتد أيضا خارج الجبهة الاقتصادية، إذ أنه في قمة ديسمبر 2022، عرض شي التوسط في محادثات بين إيران والسعودية، ما أدى إلى اتفاق تاريخي، في مارس 2023، لإعادة العلاقات بين الخصمين اللدودين. ويثير البعض في واشنطن بالفعل مخاوف من أن نفوذ الصين المتنامي في الشرق الأوسط يمكن أن يتحدى المصالح الأمريكية على المدى الطويل. وبينما لا تزال الولايات المتحدة الشريك العسكري المهيمن لدول الخليج، حذر قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، في شهادة للكونغرس مؤخرا من الجهود الصينية المنسقة لتقويض ذلك، مشيرا إلى قفزة في مبيعات بكين التجارية والعسكرية إلى المنطقة، بحسب الوكالة. ووفقا للوكالة، يؤكد مسؤولون خليجيون أن تحركاتهم تجاه الصين لا تهدف إلى استبدال واشنطن ببكين كشريك رئيسي لهم. لكنهم يقولون أيضا إنهم يريدون مجموعة أوسع من التحالفات العالمية، كما تؤيد الصين هذا النهج. وتبذل واشنطن جهودها الخاصة لتنشيط العلاقات في الخليج، حسبما ذكرت الوكالة، موضحة أنه في الأشهر الأخيرة، سافر كبار المسؤولين الأمريكيين إلى مدينة جدة للقاء ولي العهد لإحياء محاولة لتأمين اتفاقية سلام مع إسرائيل، بناء على اتفاقيات إبراهيم. ويدعي المسؤولون الأمريكيون علنًا إنهم يرحبون بالوساطة الصينية في الشرق الأوسط، وفقا لـ”بلومبرغ”. عمر نجيب Omar_najib2003@yahoo.fr
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
جهاز “الموساد”… هل هو نمر من ورق؟
يمانيون../
جهاز “الموساد”.. منظمة “إسرائيلية” فائقة القوة والقدرات وهي “سوبرمان” في كل شيء، تراقب كل شيء وتستطيع التنفيذ في أي مكان” ، هكذا يحاول الإعلام الغربي وخاصة الأمريكي و”الإسرائيلي” تصويره، وخلال الأسابيع الفائتة امتلأت وسائل الإعلام الغربية و”الإسرائيلية” وحتى العربية بقصص وسرديات خيالية في محاولة للترويج لهذه الفكرة، ومع الأسف فقد تناقلت هذه القصص مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الرأي العام يتأثر بها، وكل إنجاز على مستوى جبهة المقاومة نسبوه لهذا الجهاز.
حاولت هذه القصص تصوير المقاومة كأنها ضُربت أو أضعفت، وأن العدو لديه قدرة نفوذية واستخبارية تخترق صفوف حزب الله وتستطيع الوصول إلى أي هدف تريده، متناسين أن المقاومة بالرغم من الضربات التي تلقتها استطاعت ترميم نفسها، واسترجعت المبادرة في الميدان، ومنعت العدو من احتلال أي قرية على الحافة الأمامية واستمر سقوط صواريخها في عمق الكيان إلى 150 كلم، حتى لحظة سريان وقف إطلاق النار في 28/11/2024، ولكي لا ننسى أيضاً فإن العدو هو من ذهب مرغماً لوقف إطلاق النار، هذا فضلاً عن أن غزة صامدة بالرغم من كل الدمار والقتل منذ نحو 500 يوم، وتصيب من جنوده مقتلاً، وما زالت صواريخها تنطلق باتجاه غلاف غزة والوسط، وحتى الآن لم يستطع العدو إطلاق أسراه وفي الوقت نفسه لم يستطع إعادة المستوطنين إلى الشمال، والذين يرفضون حتى الآن العودة (90% يرفضون) لأنهم يعتقدون أن الحدود الشمالية ما زالت غير آمنة.
هذه الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” بالرغم من تبجحها بإنجازاتها فإن الدعوة داخل الكيان واضحة وجلية بأنه يجب تغيير العقيدة الأمنية الاستخباراتية داخل مؤسسات الكيان، لأن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” ومن بينها “الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي) و”أمان” (شعبة الاستخبارات العسكرية) و”الموساد” (وحدة العمليات الخاصة) أثبتت فشلها في معركة “طوفان الأقصى” 7/10/2023، فشبكة عملائهم المنتشرين داخل قطاع غزة لم تحذرهم من هذه العملية بالرغم من مشاركة آلاف المقاتلين في العملية، وقد أشار المحللون “الإسرائيليون” إلى أن هذا اليوم قد قوض سردية ” العين التي تراقب كل شيء”، والتي أسبغت هالة من التفوق على الأذرع الاستخباراتية في داخل الكيان، والتي كانت تعتمدها آلة الدعاية الغربية و”الإسرائيلية” لدفع شعوب المنطقة نحو الشعور بالضعف أمام قوة وقدرة هذه الأجهزة.
فجهاز الموساد الذي تبلغ ميزانيته 2,3 مليار دولار، أنشئ في العام 1954 وكان هدفه القيام بعمليات تخريبية واغتيالات حول العالم مستهدفاً بشكل أساسي المقاومة الفلسطينية، لكنه بدأ بعملية فاشلة “عملية سوزانا” في مصر سميت حينها بفضيحة “لافون”، وقد دوى اسم هذه الوحدة في أوائل السبعينات عندما استهدفت رجالاً مفكرين وكتاباً يتحركون ويتجولون دون أي إجراءات أمنية، أي أهداف سهلة ومتاحة أمنياً (وائل زعيتر 1972، باسل قبيسي 1973، محمود الهمشري 1973، حسين ابو الخير)، والذي يدقق في العمليات المنفذة في ما بعد يجد أن معظم الأهداف السياسية التي استطاعت الوصول إليها واغتالتها يفترض أنها تحظى بحماية البلدان التي تقيم فيها (محمد بودية، أبوإياد، بسيسو…)، وعندما اعتمدت الوحدة على نفسها دون دعم خارجي وقعت أيضاً في الفشل كما حصل في النروج، حيث قامت عام 1973 بقتل نادل يشبه أبا حسن سلامة، أي بقتل الشخص الخطأ، وتسببت بمشكلة دبلوماسية حينها بين النروج والكيان، وفي العام 2010 انفضح 30 ضابطاً تنفيذياً لـ”الموساد” على إثر اغتيال محمد المبحوح في دبي، أدت أيضاً إلى مشكلة دبلوماسية حينها، وفي العام 2022 فشل الجهاز أيضاً في خطف أحد عناصر حماس في ماليزيا وأدت العملية لاعتقال 11 ضابطاً تنفيذياً تابعاً للجهاز، وتسببت أيضا بمشكلة دبلوماسية، ويلاحظ أن العمليات التي كانت تقوم بها بنفسها كانت تفشل وتؤدي إلى مشكلة دبلوماسية بينها وبين الدول الأخرى.
وفي قراءة دقيقة لتاريخ عمليات “الموساد” يظهر بشكل واضح أن أسلوبه إجرامي مافياوي يستخدم كقاتل مأجور لصالح من يريد، وقد عبر عن ذلك رئيسه السابق تامير باردو الذي قال “يعتبر هذا الجهاز عصابة تمارس القتل المنظم حول العالم”، حيث لا يردعه أي شيء من أجل تنفيذ عملية القتل حتى لو أدى إلى مجازر بين المدنيين، وكما كان معروفاً فإن قرار العدو كان متخذاً بإسقاط أي طائرة مدنية قد يكون عليها ياسر عرفات، وهذا هو ديدن “إسرائيل”.
في الآونة الأخيرة ركز إعلام العدو وحلفائه في الترويج لأجهزته الاستخباراتية من خلال 3 عمليات خاصة: إنزال مصياف في سورية، عملية اغتيال قادة المقاومة وعلى رأسها الأمين العام، وتفجير البايجرات.
في أيلول الفائت تمكنت قوة “كوماندوس إسرائيلية” من الوصول إلى مصنع عسكري وتفجيره قرب مدينة مصياف السورية (تبعد 200 كلم عن الحدود مع فلسطين)، ولكن حقيقة ما جرى أن هذا الموقع يقع ضمن حماية الجيش السوري وقد أنشئ بالتعاون مع الحرس الثوري لصالح الجيش السوري، ولا يمكن لأي قوة الوصول إليه دون مساعدة من الضباط المسؤولين عن حماية هذا الموقع، وجزء مهم من هؤلاء الضباط يعملون لمصلحة دولة ثالثة لها تأثير في الوضع السوري الداخلي، قامت الولايات المتحدة ومن خلال نفوذها وتأثيرها السياسي بتجيير هؤلاء الضباط ليسهلوا عملية الإنزال “الإسرائيلية”، بل أكثر من ذلك فإن هؤلاء العملاء فجروا جزءًا من الموقع قبل نزول قوات “الكومندوس الإسرائيلي”، ما يعني عملياً أنهم سهلوا وشاركوا في تدمير الموقع، ثم يتبجح العدو بأنه نفذ عملية في عمق الأراضي السورية، فهل كانت لتنجح لولا الأمريكي؟؟؟.
أما في موضوع اغتيال قادة المقاومة والتي كان أبرزها اغتيال سماحة الأمين العام في 27/9/2024، فإن الأمور ليست بهذه البساطة، بل من المؤكد أن هناك عدداً من الأجهزة الاستخباراتية من عدة دول -قريبة وبعيدة- شاركت في المتابعة والمراقبة وجمع المعلومات وحتى في عملية التنفيذ، فعملية استهداف منطقة جغرافية محدودة جداً بنحو 82 طناً من القذائف الصاروخية في لحظة واحدة، كانت بحاجة إلى مساعدة مباشرة من دول أخرى لضمان نجاحها.
وبحسب تسريبات الإعلام الغربي و”الإسرائيلي” ومن بينها “النيويورك تايمز” الأمريكية التي نشرت مقالة في 29/12/2024، أشارت فيه إلى أن العدو كان يعلم بأن ” هذا الاغتيال يمكن أن يؤدي إلى حرب واسعة في المنطقة والتي لا ترغب بها إسرائيل”، وهو ما يؤكد أن العدو قد حصل على الدعم والغطاء والمساعدة المطلوبة لتنفيذ العملية ومواجهة تداعياتها، وما حصل من هبّة إقليمية وعالمية لحماية الكيان من الهجوم الإيراني أكبر دليل على ذلك، فهذا الاغتيال كان مطلب التحالف الغربي منذ فشله بحرب 2006، حيث شكل لجنة مشتركة مع أجهزة العدو لتحقيق هدفه، وكان سعي التحالف لاغتيال سماحة الأمين العام (رض) منذ ذلك الوقت حتى لو أدى الاستهداف إلى مجزرة في المدنيين وحتى لو أدى إلى إشعال حرب، ولم تكن “إسرائيل” سوى جزء من أداة التنفيذ والواجهة، مقابل دعم مطلق في أي حرب قد تتوسع نتيجة عملية الاغتيال. وقد اعتبر المراقبون الغربيون أن عملية الاغتيال تعتبر رد اعتبار للأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” بعد فشلها المدوي في حرب “طوفان الأقصى”.
وبحسب “النيويورك تايمز” الأمريكية أيضاً، “فإن الاختراق الفني الواسع الذي قامت به مختلف الأجهزة الاستخباراتية العاملة -“إسرائيلية” وغير “إسرائيلية”- في صفوف حزب الله أمن لها (“إسرائيل”) قدرة على تتبع ومشاهدة ومتابعة تحرك قيادات في حزب الله، وحتى رؤيتهم خلال اجتماعاتهم العملية مع عناصرهم داخل مراكزهم، وأضافت أن برامج الذكاء الاصطناعي والبرامج الإلكترونية والكمبيوترية المتطورة سمحت هي الأخرى بتأمين بيانات وإحداثيات الأنفاق والصواريخ والأهداف العسكرية الأخرى ليقوم الجيش “الإسرائيلي” بضربها، يضاف إليها البيانات الصورية التي مكنت الجيش “الإسرائيلي” من اكتشاف التغييرات الصغيرة في صور الأقمار الصناعية للوصول إلى معطيات ومعلومات مؤهلة لاستهداف المقاومة وقادتها”، فكل الدول التي تحمل العداء لهذه المسيرة شارك في عنوان من هذه العناوين لتنفيذ العملية.
يذكر أن هذه العملية أتت أيضاً استجابةً لما أشار إليه تقرير “فينوغراد” داخل الكيان، والذي حدد أسباب فشل العدو في حرب 2006 على المقاومة، وذكر أن من بين تلك الأسباب هو عدم تمكن العدو من اغتيال قادة المقاومة، مما سمح للمقاومة بتسجيل انتصار في المعركة، وبالتالي بدأ العمل على هذا الأمر من اللحظة الأولى من توقف حرب الـ 2006، واستمر حتى التنفيذ، واستفاد العدو من الكثير من الأمور ليراكم المعلومات المطلوبة وصولاً للاستهداف، ابتداءاً من مشاركة حزب الله في حرب سورية والأسلوب الذي اتبعه في هذه المعركة، والتي دفعت الحزب لتوسيع قدراته القتالية والبشرية وبدأ يستخدم التكنولوجيا بشكل واسع لضمان حسن سير عمله وبالتالي الحاجة إلى استخدام مختلف الوسائل التكنولوجية خاصة على مستوى المعلومات والاتصالات، ومن هنا انطلق برنامج العمل على حزب الله عالمياً، وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن رئيس وزراء العدو تحدث عن كنز معلوماتي بدأت مراكمته لدى الأجهزة “الإسرائيلية” عن حزب الله في العام 2012 – أي بعد عام من دخول الحزب الحرب في سورية- ووصلت حينها الاختراقات البشرية إلى أعمال الإنشاء والبناء لمختلف المنشآت العسكرية التابعة لحزب الله، والتي اعتبر حينها نتنياهو أنه يستطيع مهاجمة النووي الإيراني مع إدراكه بعدم قدرة حزب الله على الانتقام، وبحسب نفس الصحيفة فإن الأمريكيين مع حلفائهم الأوروبيين كانوا يتقاسمون الناتج المعلوماتي مع “الإسرائيليين”، عن حزب الله وحتى عن أنشطة إيران في المنطقة، وطوال 12 سنة استطاع العدو مراكمة المعلومات بانتظار استخدامها في الحرب المنتظرة.
أما عملية تفجير “البايجر” في 17 أيلول الفائت، حيث تم تفجير الآلاف (3500 بحسب إعلام العدو) من الأجهزة بين أيدي عناصر حزب الله مما أدى إلى إصابة عدد كبير منهم مع بعض أفراد عائلاتهم، وتبعها في اليوم التالي تفجير أجهزة يدوية (ICOM)، أدت إلى استشهاد عدد آخر منهم، بالطبع خرج جهاز “الموساد” متبجحاً بإنجازاته عبر محطة CBS الأمريكية التي روجت له، مطلقة عدداً من القصص الخرافية كدعاية ترويجية لهذا الجهاز وللكيان أيضاً، حتى أنهم تحدثوا عن مساهمة هذه العملية في تدمير حزب الله وإسقاط نظام بشار الأسد، واللافت ما قالوه “إن جهاز البايجر قديم في العالم، ولكن حزب الله ما زال يستخدمه” وهذا ما يعتبر الثغرة الأساس الذي انطلق منها العدو للوصول إلى هدفه، فمستخدمو هذا النوع من الأجهزة محدود جداً حول العالم إن لم نقل أنه نادر الاستخدام، وبحسب تعبير العدو فإن الهدف من العملية هو سحق حزب الله وخلق تأثير نفسي مرعب في بيئته في أثناء الحرب، وهو ما فشل في تحقيقه، لأن انكشاف الموضوع دفع قادة العدو للقيام به قبل ساعة الصفر القاتلة وهي بعد بدء الحرب مباشرة، وإذا أردنا التفصيل في مجريات العملية التي بدأ العمل والتحضير لها منذ أكثر من عشر سنوات والتي تم اتخاذ القرار بتنفيذها بعد حرب تموز 2006، سيظهر بشكل جلي مشاركة عدد من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية من مختلف دول العالم، دول من شرق آسيا وأخرى أوروبية (شرقية وغربية) ودول إقليمية إضافة إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).
في هذه القضايا الثلاث يظهر بشكل واضح اعتماد أجهزة الإستخبارات “الإسرائيلية” على الولايات المتحدة والدول الحليفة خاصة دول “الناتو” لتحقيق أهدافها والقيام بعملياتها، والتي تظهر بشكل واضح أن الفشل سيكون مصيرها في حال لم تحصل على المساعدة الخارجية وخاصة من هذه الدول، والذين يعملون بكامل جهدهم لاختراق المقاومة ومحورها بشرياً وفنياً، وجمع المعلومات عن أنشطتها بشتى الوسائل، الناعمة والصلبة والصاخبة والهادئة، في السلم والحرب، عن بعد وعن قرب، وهم يراقبون أداء المقاومة وبيئتها وحلفائها ومحورها سعياً لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات وتقديمها للعدو للقيام بشن الحروب وعمليات الاغتيال وغيرها ضد قادة المقاومة وعناصرها وبيئتها.
فالمقاومة ومحورها لا يواجهان دولة الكيان وحدها، بل هما في مواجهة محور على رأسه الولايات المتحدة ويضم دولاً أوروبية وغير أوروبية، غربية وغير غربية، وخلال 66 يومًا من معركة “أولي البأس” كانت المقاومة الإسلامية في لبنان تواجه كل هذا المحور، عسكرياً وأمنياً واجتماعياً وسياسياً، واستطاعت فرض وقف إطلاق النار ومنعته من تحقيق أهدافه، ففي معركة كهذه، مجرد الثبات أمام هذا المحور يعتبر نصراً عزيزاً بيّناً وواضحاً.
العهد الاخباري ـ الدكتور أحمد شمس الدين – مؤلف كتاب “الغباء الأمريكي”