سييرت متكال.. وحدة نخبة عسكرية مر منها أغلب قادة إسرائيل
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
وحدة سييرت متكال إحدى وحدات قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، يخضع المتقدمون إلى عضويتها لمسار من الاختبارات البدنية والنفسية، ويتركز دورها في جمع المعلومات وإنقاذ الرهائن والتصدي "للأعمال الإرهابية" وتنفيذ عمليات معقدة "خلف خطوط العدو".
أسسها عضو منظمة الهاغاناه الضابط أبراهام أرنان عام 1957، ومع ما يحيط بها من السرية فقد تكشّف أن العديد من كبار القادة العسكريين والسياسيين خدموا فيها، مثل نفتالي بينيت وموشيه يعالون وإيهود باراك وبنيامين نتنياهو وشاؤول موفاز وديفيد برنيع وشلومي بيندر.
وتحدث محللون إسرائيليون عن فشل كبير لـ"سييرت متكال" في القيام بمهامها، إذ إنها لم تستطع -لا هي ولا بقية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية- استباق وتوقع عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تلاها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويذكّر ذلك بفشل مماثل منيت به الوحدة عام 2018، إذ تسللت قوات كوماندوز تابعة لها إلى مدينة خان يونس في غزة وحاولت زرع جهاز تنصت على شبكة اتصالات المقاومة، لكن العملية اكتُشفت، فقتل قائد الكوماندوز وحصلت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على "كنز معلومات".
التأسيس والأهداف
تم تأسيس وحدة سييرت متكال عام 1957 على يد الضابط أبراهام أرنان، وفي مراحل من تاريخها عرفت باسم الوحدة 269 والوحدة 262، وتتخذ شعارا لها "الجريء هو الذي ينتصر".
ودمج أرنان في الوحدة كلا من قدامى محاربي منظمة البالماخ، وقدامى محاربي الوحدة 101 ووحدة المظليين، وقدامى محاربي سلاح المخابرات، وأعضاء الكيبوتسات.
ورغم تنفيذها العديد من المهام الأمنية فإن "سييرت متكال" لم تنضم إلى الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي إلا في أواخر عقد الثمانينيات من القرن الـ20 تزامنا مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وتعد "سييرت متكال" من بين أكثر وحدات الجيش الإسرائيلي تنظيما وتجهيزا، وتتبع قيادة الأركان وتنضوي تحت شعبة الاستخبارات، وهي محاطة بالكثير من السرية، وتقع قاعدتها الرئيسية في معسكر سيركين في بتاح تكفا.
وأثناء فترة السلم فإن المهمة الأساسية للوحدة تتمثل في جمع المعلومات الاستخباراتية وزرع المخبرين، كما تتكلف بإنقاذ الرهائن والتصدي "للأعمال الإرهابية"، وتساعد الدوريات المقاتلة خلال الحرب، وتتولى تنفيذ عمليات "خلف خطوط العدو".
يخضع المرشحون للعمل في وحدة سييرت متكال لمسار من الاختبارات يجعلها من بين وحدات الجيش الإسرائيلي التي يصعب الالتحاق بها، وتجرى لهم فحوصات للتأكد من سلامتهم الجسدية والنفسية ومدى قدرتهم على القيام بالمهام المعقدة التي ستوكل إليهم.
وبناء على تقرير شامل عن كل فرد تقرر هيئة الأركان العامة قبوله في الوحدة أو رفضه، في حين يحوّل المرفوضون إلى وحدات الجيش الأخرى.
أما التدريب الذي يجريه المقبولون فمدته 16 شهرا، ويشمل سلاح المظليين والتنقيب والبحث عن الجهات وتحديد الأماكن، ومواجهة الظروف والمواقف الصعبة واحتمال الأسر، وبعد اجتياز التدريبات بنجاح يُقبل الجنود رسميا في الوحدة، ويلزم المقاتلون ضمنها بتوقيع عقد لمدة 36 شهرا على الأقل.
وبعد انتهاء مدة الخدمة ينتقل بعض عناصر الوحدة إلى صفوف الاحتياط التابع لها، فيما يتوجه آخرون للعمل في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد).
الأعلام والرموزرغم ما يحيط بها من سرية فإن وحدة سييرت متكال ارتبطت بأسماء العديد من الشخصيات العسكرية الإسرائيلية البارزة التي أصبحت لبعضها أدوار سياسية، ومن بين هؤلاء:
أبراهام أرنان
مؤسس الوحدة، ولد في 29 ديسمبر/كانون الأول 1930 بالقدس، حصل على تعليم أكاديمي جزئي ثم التحق بمنظمة الهاغاناه في 1946 وحصل على دورات عسكرية وشارك في حرب 1948 ورقّي إلى رتبة رقيب في الجيش الإسرائيلي عام 1949.
وبعد إحالته إلى جنود الاحتياط استفاد من دورة متقدمة لضباط المشاة وحصل على رتبة ملازم أول عام 1951، ثم عاد إلى الخدمة مجددا وأحيل إلى سلك المخابرات، وفي هذه الفترة أسس وحدة سييرت متكال.
تدرج أرنان في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة مقدم في العام 1962، وشارك في حرب الأيام الستة، وتدرب مع قوات المارينز في الولايات المتحدة الأميركية.
كما تابع بالتزامن مع عمله العسكري دراساته العليا، وتعلم اللغات العربية والفارسية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وعمل مستشارا لشؤون الإرهاب بمكتب رئيس الوزراء، توفي في 23 أبريل/نيسان 1980 بعد إصابته بمرض.
بنيامين نتنياهورئيس الوزراء الإسرائيلي، ولد في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1949 بمدينة يافا.
التحق بوحدة سييرت متكال في عام 1967 لأداء الخدمة الإلزامية في الجيش، واستمرت مدة خدمته فيها 5 سنوات ترقى خلالها حتى حصل على رتبة نقيب.
أنهى نتنياهو خدمته في الوحدة بعد إصابته في الكتف خلال المشاركة في عملية عسكرية بمطار اللد في تل أبيب، حيث كان ضمن المجموعة التي اقتحمت طائرة بلجيكية اختطفها فدائيو منظمة أيلول الأسود في 8 مايو/أيار 1972.
إيهود باراكرئيس سابق للحكومة الإسرائيلية، وعسكري برتبة عميد، ولد في 12 فبراير/شباط 1942 بمستوطنة مشمار حاشارون.
ترأس وحدة سييرت متكال في أوائل السبعينيات من القرن الـ20، وكان ضمن الفريق الذي نفذ عملية اغتيال قادة منظمة التحرير الفلسطينية: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر في بيروت سنة 1973.
ديفيد برنيعرئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، ولد بتاريخ 29 مارس/آذار 1965 في عسقلان.
التحق بالجيش الإسرائيلي عام 1983 عن طريق وحدة سييرت متكال، ومنها انتقل إلى العمل في الاستخبارات.
شلومي بيندرقائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ولد في فبراير/شباط 1975 بمدينة حيفا، والتحق بالجيش عام 1993 عن طريق وحدة سييرت متكال، ثم أصبح قائدا لهذه الوحدة في الفترة بين مايو/أيار 2013 ومارس/آذار 2016.
كان من ضمن أفراد وقادة وحدة سييرت متكال رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزيرا الدفاع موشيه يعالون وشاؤول موفاز وآخرون.
أبرز العمليات المعلنةمن بين أشهر العمليات التي نفذتها الوحدة:
كانت أولى عملياتها في لبنان عام 1962، وتصفها إسرائيل بأنها مهمة خاصة وناجحة. مهمة نفذت في سوريا بعد أقل من 6 أشهر من تاريخ المهمة الأولى، وقادها إيهود باراك، وتوصف هي الأخرى من قبل إسرائيل بالخاصة والناجحة، ولم تنشر تفاصيل عن هاتين العمليتين. حرب 6 أكتوبر: خلال حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 (تسميها إسرائيل حرب يوم الغفران) شاركت وحدة سييرت متكال بالقتال في سيناء بشكل رئيسي. عملية مطار اللد: جرت في 9 مايو/أيار 1972، وفيها اقتحم جنود الوحدة طائرة ركاب بلجيكية كان يحتجزها فدائيون فلسطينيون وعلى متنها نحو 100 راكب، وتم الاقتحام أثناء فتح الأبواب لموظفي الصليب الأحمر الذين سمح لهم بتقديم الطعام للرهائن، واستشهد في العملية اثنان من الفدائيين الأربعة وجرح بعض الجنود والركاب، فيما اتهم الصليب الأحمر إسرائيل بنقض العهد الذي لا يسمح لها بمهاجمة الخاطفين أثناء وجود ممثليه في الطائرة. اختطاف ضباط مخابرات سوريين: في عام 1972 اختطفت قوات كوماندوز من وحدة سييرت متكال ضباط مخابرات سوريين من جنوب لبنان، للمساومة على إطلاق سراح طيارين إسرائيليين أسرى لدى سوريا. اغتيال مجموعة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في أبريل/نيسان 1973 بلبنان، وهم أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان. عملية مطار عنتيني: جرت في 4 يوليو/تموز 1976 بمطار عنتيبي في أوغندا، وكان هدفها إنقاذ رهائن اختطفهم فدائيون فلسطينيون أثناء رحلة جوية بين تل أبيب وباريس، وكان بين القتلى الضابط جوناثان شقيق نتنياهو، إضافة إلى المختطفين و3 رهائن وبعض الجنود الأوغنديين. كما نفذت الوحدة العديد من العمليات الأخرى خارج حدود فلسطين المحتلة، وتتكتم إسرائيل على تفاصيلها بشدة.رغم أن "سييرت متكال" تصنف ضمن وحدات الجيش الإسرائيلي الأفضل تدريبا والأكثر فعالية من حيث أداء المهام الاستخباراتية المعقدة فإنها منيت بفشل ذريع في العديد من العمليات، ومن ذلك:
عملية "حد السيف"في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أفشلت وحدة مراقبة تابعة لكتائب القسام عملية تسلل نفذها قوات كوماندوز من وحدة سييرت متكال بهدف زرع أجهزة تنصت على شبكة اتصالات المقاومة في منطقة خان يونس بقطاع غزة.
ورغم أن أفراد الكوماندوز يتقنون اللهجة الفلسطينية ويتقمصون دور عائلة من قطاع غزة ويستقلون حافلة بمواصفات حافلة تملكها العائلة المذكورة ويحملون بطاقات بأسماء أفرادها فإن مسار الحافلة جعل مجموعة المراقبة تشتبه فيهم فأخضعتهم للتفتيش، مما جعل أحد أفراد الكوماندوز يطلق النار لتبدأ المواجهة.
وقتل في العملية -التي أطلقت عليها القسام "حد السيف"- قائد الوحدة وهو العقيد محمود خير الدين الذي كشفت كتائب القسام هويته بعيد العملية، وأكد الاحتلال هذه المعلومات بعد 3 سنوات، كما استشهد 6 عناصر من كتائب القسام.
وتدخّل الطيران الإسرائيلي لفرض طوق ناري على المكان حتى إجلاء المجموعة عبر مروحية عسكرية، كما عاد لتنفيذ قصف مكثف بغرض تدمير الحافلة وبقية المعدات المتبقية على الأرض.
لكن كتائب القسام حصلت على أجهزة ووثائق كشفت معلومات مهمة عن فرقة الكوماندوز ومهمتها والتعليمات الصادرة إليها منذ انطلاقتها ومسار رحلتها وأسماء أفرادها وأماكن تدريبهم وتسجيلات كاميرا المراقبة على الحافلة ومعلومات أخرى وصفتها كتائب القسام بأنها "كنز".
طوفان الأقصىإضافة إلى الفشل في اكتشاف تحضيرات كتائب الشهيد عز الدين القسام لعملية طوفان الأقصى مثل بقية الوحدات الاستخباراتية الإسرائيلية كانت "سييرت متكال" واحدة من أهداف العملية التي جرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وحسب تحقيق استقصائي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فقد تكشّف أن القسام تمكنت من تفكيك "شفرة" الأجهزة اللاسلكية لدى عناصر الوحدة وجمعت معلومات استخباراتية عن المقار العسكرية والثغرات في السياج ومنظومة الإنذارات الإلكترونية على طول السياج الأمني.
ومن خلال خداع وتضليل المخابرات الإسرائيلية بمختلف أذرعها فقد تمكنت حماس من تحقيق الحماية أمام محاولات اختراق شبكة الاتصالات الخاصة بقوات النخب التابعة لكتائب القسام ورصدها وتعقبها.
وهذا ما جعل محللين إسرائيليين يربطون نجاح عملية طوفان الأقصى بفشل عملية 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ووصف بعضهم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأنها كانت كلها عمياء أمام نوايا حماس.
وعلى الرغم من أن إنقاذ الرهائن هو إحدى المهام الرئيسية لوحدة سييرت متكال وتصدّر أهداف الحرب على غزة عقب عملية طوفان الأقصى فإن الوحدة فشلت في تحقيقه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات عملیة طوفان الأقصى أکتوبر تشرین الأول الجیش الإسرائیلی کتائب القسام وحدات الجیش فی الوحدة العدید من ولد فی من بین
إقرأ أيضاً:
FT: إسرائيل ترسخ عقيدة عسكرية شديدة العدوانية وتمزق الحدود المعترف بها دوليا
تواصل "إسرائيل" الاستيلاء على الأراضي وتسوية القرى بالأرض لبناء مناطق عازلة، بينما تضرب جيرانها بشكل روتيني بعد أن هزّها هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
فعلى ارتفاع يزيد عن 2000 متر فوق البحر الأبيض المتوسط، يمكن لجندي إسرائيلي أن يحدق من قمة جبل الشيخ إلى الوادي أسفله، المكتظّ الآن بآلاف الجنود، وما لا يقل عن تسعة مواقع استيطانية جديدة، وطرق وصول ممهّدة، وخنادق حُفرت حديثا.
ويلقي الجندي نظرة على بعض مئات الكيلومترات المربعة التي استولت عليها من سوريا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، بعد هجوم شنه الثوار أطاح بنظام بشار الأسد.
وتتكرر مشاهد مماثلة، حيث تتمركز قواتها في مواقع محصنة داخل لبنان، و"تُطهّر" مساحات واسعة من الأراضي في غزة، وتُدمّر منازل في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي من أعلى الجبل: "إنه عالم جديد"، مضيفا أن فرقة كاملة كانت في مرتفعات الجولان المحتلة "تقدمت إلى سوريا".
ويجسد هذا عقيدة عسكرية إسرائيلية جديدة شديدة العدوانية تعيد تشكيل الشرق الأوسط بعد هجوم حماس المدمر في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من غزة واندلاع الحرب الإقليمية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".
فلم تعد "إسرائيل" تكتفي بالجدران الحدودية وأنظمة الإنذار المبكر، بل تستولي على أراضي جيرانها، وتبني مناطق عازلة، وتقصف التهديدات المتصورة حتى بيروت ودمشق في استعراضات ضخمة للقوة.
إنها رؤية يقول مسؤولون إسرائيليون إنها وُلدت من صدمة ودروس 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث خلص تحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي هذا العام إلى أن "المفهوم الاستراتيجي الخاطئ" وراء الهجوم كان يسمح لحماس بتعزيز قبضتها على غزة.
وجادل مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، كغيره من المسؤولين الذين تمت مقابلتهم، قائلا: "لا يمكنك السماح لجيش إرهابي بالبناء على عتبة بابك".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي إن إسرائيل تُغيّر وجه الشرق الأوسط".
في هذه الأثناء، تُمزّق "إسرائيل" الحدود المعترف بها دوليا، وتنتهك سيادة جيرانها، وتُصعّد التوترات وتُفاقم خطر الصراع، كما يقول المنتقدون في الداخل والخارج.
وأثار هجوم "إسرائيل" المتجدد على غزة، إلى جانب توسعها في سوريا ولبنان والضفة الغربية، انتقادات من جميع أنحاء المنطقة.
وقال قادة لبنان إنه "لا سلام" و"لا استقرار دائم" إذا لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من البلاد، بينما انتقدت الحكومة السورية الجديدة "العدوان الإسرائيلي المستمر... في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقانون الدولي".
وقالت باربرا ليف، الدبلوماسية الأمريكية السابقة في إدارة بايدن، إن تصرف "إسرائيل" في سوريا "يُخاطر بإثارة نوع من التحريض والعداء لم يكن موجودا".
في الأسابيع الأخيرة، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة الأمنية السورية لإطلاق نار في مناسبتين منفصلتين، حيث حذر بعض المحللين من احتمال اندلاع تمرد في ظل محاولة النظام الجديد في دمشق إخضاع الدولة المجزأة لسيطرته.
وقالت ليف: "هناك طرق عديدة لضمان الأمن، وهناك قنوات عديدة" إلى جانب القوة العسكرية، في إشارة إلى الحاجة إلى قنوات خلفية بين "إسرائيل" وسوريا.
منذ استيلائها على مرتفعات الجولان خلال حرب عام 1967 مع سوريا، اعتبرت "إسرائيل" هذه المنطقة المرتفعة - التي يُعد جبل الشيخ جزءا منها - منطقة عازلة استراتيجية وقائية.
ولكن بعد أن استولى الثوار بقيادة أحمد الشرع على دمشق في كانون الأول/ ديسمبر بعد 13 عاما من الحرب الأهلية، اتخذت "إسرائيل" إجراءات استباقية، وشنت موجات من الغارات الجوية التي دمرت الأصول العسكرية السورية ومنعت وقوعها في أيدي معادية محتملة.
كما أرسل الجيش الإسرائيلي قوات برية للسيطرة على المنطقة منزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 235 كيلومترا مربعا والتي تراقبها الأمم المتحدة، قائلا إنها ستبقى "لفترة زمنية غير محدودة"، بينما شن أيضا غارات في عمق سوريا.
بل ذهب نتنياهو إلى حد إعلانه أن 50 كيلومترا أخرى في جنوب سوريا، تمتد تقريبا حتى دمشق، يجب أن تكون جزءا من "منطقة نفوذ" منزوعة السلاح.
ضربت الطائرات الإسرائيلية هذا الشهر عددا من القواعد الجوية السورية أبعد من ذلك بسبب مخاوف من إمكانية استخدامها من قبل القوات التركية.
في لبنان، ضرب الجيش الإسرائيلي أهدافا لحزب الله بشكل شبه يومي على الرغم من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي والذي أنهى حربا استمرت عاما بينهما.
كما احتفظت "إسرائيل" بما لا يقل عن خمسة مواقع "استراتيجية" داخل جنوب لبنان، حيث بنت مواقع على أرض مرتفعة عبر الحدود من التجمعات السكنية الإسرائيلية.
في زيارة حديثة للحدود الشمالية لـ"إسرائيل"، شاهدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" موقعا داخل لبنان، تديره سرية من جنود الاحتياط المظليين على تلة بالقرب من قرية المطلة الإسرائيلية.
وجادل مسؤول إسرائيلي محلي بأن هذه المواقع الاستيطانية حيوية لضمان عودة السكان النازحين من الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله إلى ديارهم. وأضاف المسؤول، معبرا عن وجهة نظر سائدة على نطاق واسع بين الجمهور الإسرائيلي: "يجب على الجيش الإسرائيلي البقاء في [لبنان] والاستمرار في عدوانيته".
وفي مكان قريب، كانت قريتا كفركلا والخيام الشيعيتان اللبنانيتان، اللتان قال مسؤولون إن لحزب الله وجودا عسكريا فيهما، في حالة دمار.
وقال وزير الجيش الإسرائيلي إسرائيل كاتس في جولة بالمنطقة الشهر الماضي: "هكذا يبدو النصر. الجيش الإسرائيلي هنا، والمجتمعات المحلية في الأسفل محمية ونشطة. والقرى [اللبنانية] على الجانب الآخر تُسحق".
وكان المشهد يذكرنا بتكتيكات الأرض المحروقة التي اتبعتها "إسرائيل" ضد المسلحين الفلسطينيين. في الضفة الغربية، تُقدّر الأمم المتحدة نزوح نحو 40 ألف فلسطيني منذ أن شنّت "إسرائيل" في كانون الثاني/ يناير هجوما واسعا على مسلحين في مخيم جنين للاجئين، ثم توسّعت لاحقا لتشمل مناطق أخرى مجاورة.
أُخلي مخيم جنين بالكامل تقريبا من سكانه، حيث دُمّرت أجزاء كبيرة منه - بما في ذلك الطرق الرئيسية والمدارس والمساجد وعشرات المباني.
أقام الجيش الإسرائيلي مواقع استيطانية داخل جنين، وكذلك في مخيمي طولكرم ونور شمس - الخاضعين اسميا للسلطة الفلسطينية - تتألف من عدة كتائب لتطهير المناطق وإنشاء ممرات للعمليات المستقبلية.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن القوات ستبقى في مكانها إلى أجل غير مسمى، مع عدم السماح للسكان الفلسطينيين بالعودة قبل نهاية العام.
يُمثّل هذا تحوّلا في استراتيجية "إسرائيل"، التي شنّت لعقدين من الزمن غارات على المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لكنها امتنعت عن الحفاظ على وجود طويل الأمد.
يُصرّ الجيش الإسرائيلي على أن المواقع الاستيطانية الجديدة التي أُنشئت في سوريا ولبنان ومخيمات الضفة الغربية "مؤقتة"، ويمكن إزالتها في غضون أيام.
مع ذلك، من شبه المؤكد أن ما سيحدث في غزة سيكون مختلفا. منذ بداية الحرب، أوضح مسؤولون إسرائيليون كبار عزمهم على بناء منطقة عازلة بطول كيلومتر واحد داخل القطاع لضمان عدم وقوع هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
بعد أكثر من 18 شهرا من الحرب، تحولت أجزاء كاملة من القطاع الفلسطيني إلى أنقاض. قال جندي احتياط إسرائيلي في جنوب غزة: "يبدو الأمر وكأنه كوكب المريخ. إذا كان هناك مبنى قائم، فهذا يعني على الأرجح أننا نستخدمه".
ومع ذلك، يبدو أن خطة "إسرائيل" لم تنتهِ بعد، حيث زاد الجيش الإسرائيلي من قبضته على القطاع منذ استئناف هجومه الشهر الماضي بعد وقف إطلاق نار دام ثمانية أسابيع.
وهدد كاتس، الشهر الماضي، بتوسيع هذه "المناطق الأمنية" الحدودية وإخضاع المزيد من غزة "للسيطرة الإسرائيلية الدائمة" إذا لم تستسلم حماس وتُطلق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين لا تزال تحتجزهم.
لم يُخفِ نتنياهو قط رغبته في الحفاظ على "السيطرة الأمنية الشاملة" على القطاع. كما تبنى بحماس اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرد سكان غزة وتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
صرح إيهود يعاري، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن دعم ترامب ساهم في ضمان أن يكون الضغط الدولي على "إسرائيل" للانسحاب من الأراضي التي استولت عليها قابلا للإدارة، وأن "إسرائيل" ستواصل هذه الاستراتيجية العدوانية الجديدة.
وقال: "هذا ما سيبدو عليه 'اليوم التالي' [ما بعد الحرب]" على مختلف الجبهات.
ورغم أن الانتقادات الداخلية لعقيدة الحكومة الأمنية الجديدة كانت شبه معدومة، إلا أن أحد الاستثناءات كان إسرائيل زيف، وهو لواء متقاعد في الجيش الإسرائيلي، الذي كتب في وسائل الإعلام الإسرائيلية الأسبوع الماضي أن الحكومة "مغرمة سياسيا بفكرة الاستيلاء على" الأراضي.
كتب أن الوجود الإسرائيلي "غير الضروري" في سوريا، في "أرض ليست لنا"، سيأتي بنتائج عكسية، تماما كما حدث مع احتلال إسرائيل لـ"منطقة أمنية" في لبنان لمدة عقدين من الزمن من عام ١٩٨٢ إلى عام ٢٠٠٠، والذي ساهم في نشوء تمرد حزب الله وأسفر عن مقتل أكثر من ألف جندي إسرائيلي.
يختلف المسؤولون الإسرائيليون الحاليون مع هذا الرأي، معتبرين أن مقاومة وجود الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق دليلٌ بحد ذاته على ضرورة البقاء. وقال المسؤول العسكري على قمة جبل الشيخ: "ليست كل سوريا تحبنا. هذا يعزز فقط سبب وجودنا هناك".