جنوسايد الدعم السريع على الشريط النيل: ستغنون للخرطوم غناء سدى (1-2)
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
قال أستاذ الدراسات الأفريقية في “جامعة مكغيل” الكندية خالد مصطفى مدني إن الحرب القائمة في السودان ليست حرباً أهلية. فهي إن أحسنا الوصف حرب ضد المدنيين. واتفق في تشخيصه لحرب السودان مع تشخيص أستاذ الـ “هولوكوست” في الجامعة العبرية في القدس آموس قولدبيرغ الذي قال في تحليله لحرب إسرائيل في غزة بأننا ندخل مرحلة جديدة في الحرب وهي الحرب ضد المدنيين.
واستعرض قولدبيرغ جرائم الـ “جينوسايد” في كل من ألمانيا وأرمينيا ورواندا وميانمار ليخلص إلى أن عدوان إسرائيل على غزة جريمة “جينوسايد” كاملة. فقال إنه بإطلاق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يد جيشه في غزة ندخل مرحلة جديدة في الحرب وهي الحرب “من دون مدنيين”. فالأهداف العسكرية في مثل هذه الحرب ثانوية بالنسبة إلى قتل المدنيين، أي أن المدني مستباح وهدف للقتل. فاستباحة دم المدنيين في مثل هذه الحرب هو منطق الـ “جينوسايد”، والـ “جينوسايد”، في قول قولدبيرغ، هو القتل المتقصد لجماعة أو جزء منها وليس بالضرورة كل أفرادها. وليس كل “جينوسايد” يقع في العالم من قبيل الـ “هولوكوست” بمفرداته المعروفة مثل أفران الغاز ومعسكرات الاعتقال. ولم يمنع غياب هذه المفردات الـ “هولوكوستية” محكمة العدل الدولية من إدانة الصرب بالـ “جينوسايد” لأنهم بيتوا القصد لتحطيم وجود مسلمي البوسنة في سربرنيتشا من طريق القتل وطردهم وتخريب عامرهم.
ولم يتوقف فكرنا السياسي عند نوع جريمة الحرب التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في الخرطوم ومدني وتتوعد بها ولايتي النيل والشمالية على الشريط النيلي. فلا خلاف في الدوائر المحلية والدولية أن جريمة الحرب التي وقعت على شعب المساليت غرب دارفور هي “جينوسايد”، وهو طبعة أخرى من ذلك الذي وقع لهم عام 2004، ولكن يتوقف الفكر دون تسمية ما يقع على المدنيين في الخرطوم ومدني ويتهدد الولايتين.
ولم يطرأ حتى السؤال لصفوة تيار تنسيقية القوى الوطنية والمدنية (تقدم) التي عدت ما يقع للمدنيين من باب عركنا الحرب بثفالها ولا جديد، بل قال أحدهم إن “الدعم السريع” كسبت دور المدنيين عنوة ومن أراد إخراجهم فليقوى عليهم. وحمّل آخرون منهم القوات المسلحة جريرة احتلال “الدعم السريع” بيوت المدنيين بقولهم إن الأخيرين لاذوا بتلك الدور هرباً من قصف الجيش بالحمم من السماء. فمتى أوقف الجيش حممه خرج الدعم من البيوت وأعادها لأهلها. وعليه فهذا الترويع عن الدور ليس جريمة حرب حتى، طالما أكره الجيش الدعم على ارتكابها.
ومع اتفاق خالد مع قولدبيرغ في تشخيص حال الحرب في يومنا، وهي أنها حرب ضد المدنيين، إلا أنه لم يتوقف عند تسمية الجريمة التي تقع بالنتيجة للمدنيين موضوعنا هنا. وسبب خالد في هذا الامتناع من تعيين هذه الجريمة أنه يرى أنها حرب الجنرالين البرهان وحميدتي. فكلاهما سواء في العدوان على المدنيين مع أن الحرب حمالة جرائم. فلم تمتنع المحكمة الجنائية الدولية من تحميل الصرب تهمة الـ “جينوسايد” بحق مسلمي البوسنة مع أن كليهما ارتكب جرائم حرب أخرى أقل ضراوة. كما ارتكب شعب الـ “هوتو” جريمة الـ “جينوسايد” بحق شعب الـ “توتسي”، ثم ارتكب كلاهما جرائم في الحرب التي دارت بينهما منذ عام 1990 حتى اتفاق سلامهما عام 1993، ثم تفجرت الحرب بينهما عام 1994 ووقع وزر الـ “جينوسايد” الـ “توتسي” على الـ “هوتو”.
ولم يخل الجيش السوداني من ارتكاب جريرة بحق المدنيين، أو اتهم بها، ولكنه لم يوزر بالعدوان العريض غير المفروز عليهم كما وزر “الدعم السريع”. فاتفقت وزارة الخارجية الأميركية على أن كلا الطرفين ارتكب جرائم حرب غير أن التقارير تشير إلى أن “الدعم السريع” وميليشياتها المتحالفة هم من استهدف المدنيين في هجوم يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. وكانت جماعة من نواب الكونغرس تقدمت أول هذا العام بمشروع قرار لإدانة “الدعم السريع” لإذعاره دارفور وارتكاب الـ “جينوسايد”.
وقيل إن مرتكب الـ “جينوسايد” منظّر بارد الذهن في المقام الأول وبربري في المقام الثاني. ولم يقع لنا في خطاب الحرب بعد بحث الفكرة من وراء بربرية “الدعم السريع” في شكوى المتأثرين بعدوانه عليهم في الخرطوم وولاية الجزيرة وغيرهما. فلم نزد في خطاب الحرب من وصفها حرباً بين جنرالين نشوى بالسلطة، أو أنها حال ارتزاق غالبة على “الدعم السريع”، أو أنها فتنة كيزان أو فلول يريدون استعادة دولة الإنقاذ، أو مجرد حال عبثية لا اعتبار لمثيريها على المدنيين ولا شفقة. ويرى فيها حميدتي من جهته رداً على اعتداء الجيش عليه ويروج لمطلبه في أنه يريد استنقاذ السودان من جيش الكيزان وإقامة الدولة الديمقراطية المدنية. بينما يراها الجيش تمرداً من “الدعم السريع” الذي طالت عمامته. وهذه مستويات معلومة في خطاب الحرب. ولكن غضضنا عن خطابات في الـ “تيك توك” والوسائط تعبر عن الـناهضين جنداً في الحرب يغشون وغاها، أو مناصرين لها يروجون لمزاعم أطرافها منها. وهي المادة التي ربما أسعفتنا من جهة “الدعم السريع”، بخاصة على تقنين الجريمة التي يقول المدنيون إنه ارتكبها بحقهم.
ولربما طرأ لك أن ما يرتكبه “الدعم السريع” بحق المدنيين في الخرطوم والجزيرة، وما ينتظر ولايتي النيل والشمالية، “جينوسايد” متى ما استمعت لتسجيلات من هم أسفل سلمه العسكري ومن حولهم. فتجدهم لم يسببوا لانتهاكاتهم في هذه التسجيلات بل عينوا الجماعة موضوع استهدافهم وغبنهم التاريخي، وهي المجموعة التي عرفت عبر تاريخها بأسماء مختلفة مثل “الشماليون” لوقوعهم في شمال البلاد، أو “الجلابة” التي هي صفة التجارة فيهم منذ أجيالهم الباكرة، أو”الشايقية” و”الجعليين” و”الدناقلة”، بأسماء قبائلهم على النيل الأوسط، أو بأسماء عواصمهم مثل “شندي” و”عطبرة” و”مروي” وتدخل الخرطوم ومدني في ذلك.
ونعرض لذلك في الحلقة القادمة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع ضد المدنیین المدنیین فی فی الخرطوم فی الحرب
إقرأ أيضاً:
قتلى بينهم طفلتان بقصف للدعم السريع على مخيم في الفاشر
قتل 3 أشخاص بينهم طفلتان وأصيب 3 آخرون في قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على مخيم أبو شوك للنازحين بمدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور غربي السودان.
وأفادت غرفة طوارئ مخيم أبو شوك للنازحين -في بيان- بأن قصفا مدفعيا لقوات الدعم السريع على المخيم أدى إلى وفاة شخص وطفلتين، وإصابة 3 آخرين، موضحا أن الأبرياء العزل في المعسكر أصبحوا ضحايا للقصف المدفعي المستمر من قبل قوات الدعم السريع.
وأضاف البيان أن المخيم ليس مقرا عسكريا بل لمدنيين فروا من القتال الدائر في البلاد، مناشدا كل الجهات بعدم قصف المخيم لأنهم يفقدون كل يوم أعدادا من الرجال والنساء والأطفال الذين يموتون أيضا بسبب الجوع.
وتشهد الفاشر معارك عنيفة ومستمرة بين الجيش السوداني والقوة المتحالفة معه من حركات دارفور المسلحة، وبين قوات الدعم السريع، التي تفرض منذ أشهر حصارا على الفاشر وتسعى للسيطرة عليها، وحاولت مرارا اقتحامها ولكنها فشلت في ذلك.
أطفال نازحون في مخيم "زمزم" يواجهون ظروفا قاسية (رويترز) نزوح جماعيوفي سياق متصل، تتواصل حركة النزوح من مخيمات زمزم والفاشر وكبكابية إلى محليتي طويلة وسرف عمرة بشمال دارفور جراء استمرار المعارك والقصف، ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية، فإن 267 أسرة نزحت من معسكر زمزم في الفاشر، إلى محلية طويلة.
إعلانوفي كبكابية بشمال دارفور، نزح نحو 160 أسرة، إلى بلدة سرف عمرة شمال دارفور بسبب الغارات الجوية التي شهدتها المدينة مؤخرا، كما نزحت 117 أسرة، من مخيم كبكابية إلى معسكر سورتوني.
في شمال دارفور أيضا شكا النازحون بمحليتي طويلة ودار السلام من تردي الوضع الأمني وعدم استلام أي مساعدات منذ اندلاع الحرب.
وقال أحد النازحين إن معسكر السد العالي في تابت ومعسكرات شداد وأم ضريساي ونيفاشا في شنقل طوباي بجنوب الفاشر تشهد أوضاعا إنسانية قاسية، داعيا المجتمع الدولي للتدخل العاجل وإيصال المساعدات.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع أسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.