الجزيرة:
2024-11-23@21:36:17 GMT

حكومة فيشي الفرنسية

تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT

حكومة فيشي الفرنسية

نظام فيشي هو الاسم الذي أُطلق على الدولة الفرنسية التي تلت الجمهورية الثالثة في أعقاب هزيمتها أمام الجيوش النازية، إذ خضعت فرنسا المهزومة والمحتلّة إلى نظام شمولي يرأسه المارشال فيليب بيتان الذي قبِل التعاون مع النازيين.

وقد لقي نظام فيشي دعما جماهيريا مؤقتا من الفرنسيين، لكنّه لم يستطع الصمود في معركة تحرير فرنسا التي قادتها قوات الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتم إيقاف غالبية قياداته بين عامي 1945 و1946 ومحاكمتهم بتهم الخيانة العظمى والتعاون مع العدو النازي.

عوامل الظهور

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وبعد 3 أيام من الغزو الألماني لبولندا، أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا في الثالث من سبتمبر/أيلول 1939 الحرب على ألمانيا.

وفي العاشر من مايو/أيار 1940، اجتاح الجيش الألماني أوروبا من لكسمبورغ ثم بلجيكا ثم هولندا، ووصل إلى فرنسا بعد 3 أيام (13 مايو/أيار 1940)، وهو الأمر الذي باغت الفرنسيين الذين فروا من المعركة مع تقهقر الجيش الفرنسي، الذي فقد السيطرة على الوضع.

اشتدت الخلافات داخل الحكومة الفرنسية بين مؤيدي الهدنة ومعارضيها، أمام هذا الموقف الخطير، وبعد شهر من المعارك، وبالتحديد في العاشر من يونيو/حزيران 1940 انسحبت حكومة بول رينو (Paul Reynaud) من باريس إلى مدينة تور، ثم إلى بوردو، لكنها اضطرت إلى إعلان استقالتها يوم 16 يونيو/حزيران 1940، ليتولى المارشال بيتان تكوين حكومة جديدة والبدء في مفاوضات مع الجانب الألماني للتوصل إلى اتفاق هدنة.

بنود الهدنة

يوم 22 يونيو/حزيران 1940، وُقعت الهدنة بين فرنسا وألمانيا، ونتج عنها تقسيم فرنسا، حيث احتلت ألمانيا الجزء الشمالي والغربي، في حين احتلت إيطاليا جزءا صغيرا في الجنوب الشرقي، أما الجزء الباقي فسُمّي المنطقة الحرة وخضع لسيطرة حكومة فيشي المشكّلة حديثا من قبل فيليب بيتان.

هذه الهدنة كانت بمنزلة شهادة ميلاد نظام فيشي، وأسست للتعاون بين "فرنسا بيتان" و"ألمانيا هتلر" عن طريق بنود قاسية ومهينة قبلها الفرنسيون، شملت نزع أسلحة الجيش الفرنسي وتسليمها إلى الجيش الألماني المسيطر على المطارات والمواقع العسكرية.

الحكومة الفرنسية التي استقرت في مدينة فيشي في الأول من يوليو/تموز 1940 بدأت في ممارسة سيادتها نظريا، وبموجب بنود الهدنة على الأراضي الفرنسية التي كانت مقسمة إلى 7 مناطق، إضافة إلى سيطرة الجيش النازي على الأغلبية العظمى للمجال الفرنسي مقابل 400 مليون فرنك فرنسي تدفعها يوميا الحكومة الفرنسية للألمان نظير ما سماه النازيون "ضريبة الصيانة" أو الوجود "السلمي" على الأراضي الفرنسية.

نصّت بنود الهدنة أيضا على أن "جميع السلطات والخدمات الإدارية الفرنسية ملزمة بالامتثال لقوانين وضوابط السلطة العسكرية الألمانية والتعاون معها بأسلوب جدّي، بما في ذلك تسليم الأسرى والمساجين الفرنسيين أو غيرهم لترحيلهم إلى ألمانيا ومحاكمتهم هناك".

مبادئ "الثورة الوطنية"

بمجرد وصول بيتان إلى السلطة أعلن ما سماه "الثورة الوطنية" وعمل على استعادة سلطة الدولة وإعادة البلاد إلى العمل حسب قوله، ويوم 25 يونيو/حزيران 1940 أسفر عن طموحاته، إذ ألغى شعار الجمهوريين "الحرية والمساواة والإخاء"، ثم ألغى الاقتراع العام والأحزاب السياسية، مناديا بوجوب العودة إلى القيم التقليدية، ورفع شعار "الوطنية والأسرة والدين" ثم شعار "العمل والأسرة والوطن" الذي اعتمده النظام الجديد.

وفي العاشر من يوليو/تموز 1940، صوّت المؤتمر الوطني (البرلمان) -المستقر في مدينة فيشي- على مراجعة قوانين دستور 1875 ليفوّض بأغلبية 569 صوتا حكومة المارشال بيتان بمهمة كتابة دستور جديد، معلنا بذلك نهاية النظام الجمهوري لصالح نظام شمولي يطمح إلى التفرّد بالسلطة التنفيذية على حساب المجالس البرلمانية.

وتمت صياغة نص الدستور الجديد من طرف المارشال بيتان وتم العمل ببنوده، لكنه لم يصدر بصفة رسمية.

رفع بيتان عقوبة الإجهاض إلى الإعدام، وحثّ النساء على البقاء في المنازل لتعليم الأطفال، ودفع الفرنسيين للعودة إلى الديانة الكاثوليكية، أما في المدارس، فقد شارك الأطفال في معسكرات الشباب، لتلقي "التعليم الرياضي والوطني والأخلاقي".

نظام قمعي

شرعت حكومة فيشي فور تسلمها السلطة في ممارسة سياسة قمعية واتخذت إجراءات استثنائية قيدت الحريات العامة عن طريق إعادة تفعيل "جرائم الرأي والانتماء" في التشريع، وإنشاء سلطات قضائية استثنائية مكنتها من القضاء على المعارضين من شيوعيين واشتراكيين وديغوليين وماسونيين.

قمع النظام حرية الصحافة وحق الإضراب، وحظَر الأحزاب والنقابات، إذ كان بيتان يرى أنه لا يمكن للبلاد أن تتعافى إلا إذا كانت موحدة.

المارشال بيتان رئيس حكومة فيشي (غيتي)

كما تم استحداث المحكمة العليا للعدل يوم 30 يوليو/تموز 1940 وتم اعتقال وزراء الجمهورية الثالثة ومحاكمتهم، بما في ذلك رئيس الحكومة ليون بلوم ووزير الجيوش إدوارد دالادييه بتهمة عدم تجهيز فرنسا للحرب، في ما عُرفت بقضية "ريوم" التي عرضت على المحكمة في أبريل/نيسان 1942.

وأصدرت المحكمة العسكرية أحكاما بالإعدام في حق ضباط وعسكريين فرنسيين، ومنهم الجنرال ديغول، وهي أحكام قابلة للتنفيذ الفوري صدر بعضها بناء على أوامر السلطات الألمانية.

وأنشأت عدة هياكل قضائية مختصة -مثل المحاكم الجنائية الاستثنائية- محاكم إنفاذ القانون ومحاكم عسكرية غير ملزمة بقواعد الإجراءات القانونية المعتادة بغرض تسريع النظر في الملفات وبسط السيطرة على المشهد العام.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1940، بادرت حكومة فيشي إلى إصدار قوانين وصفت بأنها "معادية للسامية"، إذ جعلت الوصول إلى بعض المهن والوظائف ممنوعا على اليهود، وفي يونيو/حزيران 1941 أمرت بتعداد اليهود ثم أجبرتهم سنة 1942 على وضع نجمة صفراء على ملابسهم لتمييزهم بين الفرنسيين.

ومع بدء أبريل/نيسان 1942، قام بيير لافال -المعروف بتأييده للألمان- بتوجيه الحكومة الفرنسية وضاعف مبادراته لإرضاء هتلر، ومن أشهرها قانون التعويض سنة 1942 لسدّ احتياجات ألمانيا من اليد العاملة، والذي يقوم على إرسال 3 عمال فرنسيين إلى ألمانيا مقابل الإفراج عن معتقل واحد.

كما أرسى يوم 16 فبراير/شباط 1943 قانون خدمة العمل الإجباري، الذي يجبر الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و23 سنة على الذهاب للعمل في ألمانيا لتعويض العمال الألمان الذين توجهوا للقتال في صفوف الجيش الألماني.

المارشال الفرنسي هنري بيتان (يسار) والزعيم النازي أدولف هتلر (يمين) والمترجم الكولونيل شميدت (غيتي)

وقد ساعدت الشرطة الفرنسية الألمان في مطاردة اليهود والأجانب الذين كان يتم حبسهم وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، وتقول المصادر إن هذه الحكومة رحلت 75 ألفا من بين 300 ألف يهودي كانوا يعيشون في فرنسا سنة 1939.

وفي يناير/كانون الثاني 1943، أنشأ لافال مليشيا منظمة شبه عسكرية قاتلت -جنبا إلى جنب الألمان- مقاتلي المقاومة الفرنسية، وفي عدد من الدول الأوروبية، حتى إن بعضهم قاتل بالزيّ الألماني.

الأوضاع الاجتماعية

مع تصاعد وتيرة المعارك في الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من الدعم الشعبي الذي لاقته حكومة فيشي في بداياتها نظرا لما وفّرته من سلم ونأي بالفرنسيين عن المعارك، فإن بوادر الأزمة الاجتماعية والاقتصادية بدأت في الظهور بالتوازي مع تصاعد موجة من الرفض وتواتر أخبار من بريطانيا عن قرب دحر الألمان وهزيمتهم.

في تلك الفترة كانت اهتمامات الفرنسيين منصبّة على توفير الغذاء والتدفئة، وعلى الرغم من محاولات حكومة فيشي تنظيم عمليات التزوّد، فإنها عجزت عن التقليل من طوابير الانتظار التي تزايدت وعمّت كامل المدن الفرنسية.

ومن ثم سُحقت الطبقة المتوسّطة التي عجزت بدورها عن توفير ضروريات البقاء على قيد الحياة، وبذلك ارتفعت أعداد الفقراء وسط تزايد القناعة بفشل الحكومة وسياساتها بتموقعها في صف ألمانيا النازية.

الزعيم النازي أدولف هتلر (غيتي)

وأصبح التزود بالسلع الضرورية حكرا على الأثرياء نظرا للأسعار العالية التي فرضها تجار السوق السوداء.

تظاهر مئات من طلاب المدارس الثانوية والجامعات في شارع الشانزلزيه يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1940، على الرغم من حظر نظام فيشي، ثم في ربيع 1941 خرج الرأي العام من سباته، وبدأ الإعجاب بـ "الرجل العجوز الوسيم" بيتان وبنظام فيشي في الانهيار والزوال أمام واقع عدم وفائه بوعوده بشأن الانتعاش الاقتصادي.

الأمر الذي دفع بيتان يوم 12 أغسطس/آب 1941 إلى إلقاء خطابه الشهير: "لقد شعرت بهبوب رياح سيئة منذ عدة أسابيع. القلق يسيطر على عقول الناس، والشك يستولي على النفوس، سلطة حكومتي موضع تشكيك".

نقطة التحول

اعتمدت حكومة فيشي في بسط نفوذها على الوجود الألماني، حيث سيطرت جيوش هتلر على ثلثي الأراضي الفرنسية، ووضعت يدها على دواليب الاقتصاد، الأمر الذي منحها شرعية ميدانية للتدخل في الحياة السياسية الفرنسية، واكتسبت صبغة رسمية عقب لقاء هتلر بالمارشال بيتان في مدينة مونتوار يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1940.

منذ البداية، لم تستسغ الدائرة المقربة من بيتان الأمر الذي وقع، وعملت على إقصاء لافال مهندس اللقاء وتعويضه بدرلان، الذي لم يلق قبولا لدى الجانب الألماني، فرغم مضيّه في تنفيذ السياسة الألمانية في فرنسا، فإنه تمت إقالته وإعادة لافال إلى منصبه في أبريل/نيسان 1942.

بيتان (يسار) في أثناء مثوله أمام المحكمة لمواجهة اتهامات بالتعاون مع النازيين وتخريب الديمقراطية الفرنسية (غيتي)

ومع تقدّم قوات الحلفاء في شمال أفريقيا وتزايد المخاوف الألمانية حول إمكانية عبورها إلى فرنسا عبر البحر الأبيض المتوسّط، اجتاح الجيش الألماني المنطقة الجنوبية الفرنسية الخاضعة لسيطرة بيتان، وذلك يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1942 ضمن عملية سميت "أنتون" بقصد تركيز قوات دفاع على السواحل.

هذا التصرّف الأحادي من الجانب الألماني لقي إذعانا وصمتا فرنسيين، ولكنه في المقابل مثل هزّة للرأي العام الفرنسي وتحولا مهما في الحاضنة الشعبية لحكومة فيشي، إذ كان كفيلا بنزع جبّة السياسي الذكي عن المارشال بيتان.

السقوط

انهار نظام فيشي مع هزيمة ألمانيا صيف 1944، وفي أغسطس/آب من السنة نفسها أجبر الألمان لافال وبيتان على الهروب إلى مدينة بلفور على الحدود الألمانية الفرنسية، ثم التوجّه إلى مدينة سيغمارينغين الألمانية.

وانضمت إليهم قيادات أخرى، مثل ديات دوريو ودارناند اللذين أوقفا جميع الأنشطة الحكومية، بينما حاولت لجنة حكومية فرنسية نظمها ممثل بيتان في ألمانيا فردناند دي برينون إعادة حكومة فيشي إلى السلطة، لكن المحاولة باءت بالفشل إذ إن وصول قوات الحلفاء إلى فرنسا وضع نهاية لهذه المحاولة.

وخلفت الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية برئاسة الجنرال ديغول حكومة فيشي، وألغت تشريعاتها في سبتمبر/أيلول 1944.

سلم المارشال فيليب بيتان نفسه إلى السلطات الفرنسية التي سجنته يوم 26 أبريل/نيسان 1945 وحكم عليه بالإعدام، ولكن الجنرال ديغول أصدر أمرا بتخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحکومة الفرنسیة الجیش الألمانی الفرنسیة التی الأمر الذی

إقرأ أيضاً:

واردات القمح الروسي للمغرب قد تتجاوز الواردات الفرنسية

— من المتوقع أن تسجل مشتريات المغرب من القمح رقما قياسيا بعد تأثير الجفاف على محصول الحبوب الوطني. من المرجح أن يؤدي الحصاد الضعيف، إلى زيادة واردات القمح هذا الموسم بأكثر من 20٪، وفقا للمراقب الأسترالي لأسواق الحبوب العالمية بيتر ماكميكين، المحلل في شركة الاستشارات “Grain Brokers Australia” وحسب المصدر ذاته، يرتقب أن تتنقل الواردات من 6.24 مليون طن في الموسم الماضي إلى مستوى قياسي يبلغ 7.5 مليون طن في 2024-2025. من ناحية أخرى، من المتوقع أن تنخفض مشتريات الشعير في 2024/25 من 1.5 مليون طن إلى 1.2 مليون طن. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان تقليديا أكبر مورد للقمح إلى المغرب، إلا أن الاتجاه يتجه نحو منطقة البحر الأسود لتلبية الطلب المتزايد على الواردات. ” لقد دمر الجفاف الشديد إنتاج الحبوب في المغرب هذا العام، وكانت الأرقام النهائية أسوأ من توقعات ما قبل الحصاد القاتمة لهذا البلد”. وفقا لـ”بيتر ماكميكين”. وبناء على ذلك، سيتعين على مطاحن الدقيق المغربية شراء المزيد من القمح من السوق الدولية خلال السنة التسويقية 2024/25 (من يونيو إلى ماي). في نهاية سبتمبر، أجبرت النتائج غيرالمرضية من إنتاج القمح والشعير لحصاد 2024، الحكومة على مواصلة دعم واردات القمح الغذائي بدعم ثابت للحد من أسعار المواد الغذائية والحد من التضخم المحلي. وقدر إجمالي إنتاج المغرب من القمح بنحو2.47 مليون طن، بما في ذلك 0.7 مليون طن من القمح الصلب.

مقالات مشابهة

  • الكتلة الديمقراطية تعتذر عن دعوة من منظمة “بروميديشن” الفرنسية
  • المكاري تابع مع وزيرة الثقافة الفرنسية توطيد التعاون بين البلدين
  • قوة من الوحدة الفرنسية تتحضر لفتح طريق تسبّبت الغارات الإسرائيليّة بقطعه
  • الخارجية الفرنسية تعلق على قرار الجنائية الدولية بحق اعتقال نتنياهو
  • أول تعليق من الخارجية الفرنسية على قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو
  • جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فرنسا لأجل فلسطين
  • «مبادلة» و«سافران» الفرنسية تعززان شراكتهما في صناعة الطيران
  • الجزائر تعتقل كاتباً يحمل الجنسية الفرنسية صرح بأن تلمسان ووهران مدن مغربية (فيديو)
  • واردات القمح الروسي للمغرب قد تتجاوز الواردات الفرنسية
  • قائد القوات الجوية والدفاع الجوي وقائد المنطقة البحرية الفرنسية يستعرضان علاقات التعاون