إسطنبول ـ الأناضول: بعد أن كان المجلس الأعلى للقضاء الليبي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي حافظت على وحدتها واستقلاليتها، أصبح رسميا منقسما وبرأسين، الرئيس الأول مفتاح القوي، الذي عينه مجلس النواب مؤخرا بعد تعديلات قانونية، والثاني عبد الله أبو رزيزة، الذي قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بتثبيته وبعدم دستورية التعديلات البرلمانية.

هذا الانقسام الجديد من شأنه أن يعقّد مساعي إجراء الانتخابات وتوحيد بقية مؤسسات الدولة السيادية، مثل الحكومة والجيش. وبدون مؤسسة قضائية موحدة من الصعب أو يستحيل إجراء انتخابات شفافة ذات مصداقية يقبلها الجميع، لأن القضاء هو المفوّض بالفصل بطعون مرشحي الرئاسة. تعيين “القوي” وطعن أبو رزيزة في 26 يوليو/تموز المنصرم صوت مجلس النواب بالأغلبية لصالح تعيين المستشار مفتاح القوي رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، بعدما أجرى تعديلا على قانون تنظيم القضاء، وسحب صلاحية التعيين بهذا المنصب من إدارة التفتيش القضائي واختص بها لنفسه. المحكمة العليا بدورها طعنت لدى الدائرة الدستورية على تعديل قانون التنظيم القضائي، وصدر حكم بعدم دستوريته، وبالتالي إبطال تعيين “القوي” على رأس المجلس الأعلى القضاء، وإبقاء عبد الله أبو رزيزة بمنصبه. وكان من المفترض في الحالات الطبيعية أن يرضخ مجلس النواب في طبرق (شرق) لحكم الدائرة الدستورية، وكذلك “القوي”، لكن الأخير انتشر له فيديو قبل صدور الحكم يشدد فيه على رفضه الاعتراف بالدائرة الدستورية. وهذا ما حدث فعلا، إذ خرج الصراع من بين أيدي القضاء ومجلس النواب وانتقل إلى الشارع، حيث تظاهر عدد من الرافضين لقرارات مجلس النواب أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء. وعقب هذه المظاهرات جرت “إجراءات تسلّم المستشار أبو رزيزة مهامه رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، بعد حكم الدائرة الدستورية ببطلان قرار تعيين القوي” وفق وسائل إعلام. عملية استلام أبو رزيزة مهامه جرت بحضور وزيرة العدل في حكومة الوحدة حليمة البوسيفي، وبحماية أمنية، في نفس اليوم الذي صوت فيه مجلس النواب على تعيين “القوي” رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء. لم يتقبل مجلس النواب فرض أبو رزيزة، على رأس مجلس القضاء كأمر واقع، واعتبره “اقتحام بقوة السلاح”. ورغم تأكيده احترامه “لوحدة واستقلالية القضاء”، إلا أن مجلس النواب تجاهل حكم الدائرة الدستورية ببطلان تعديلاته على قانون تنظيم القضاء. وفي الواقع، لا يمكن لمفتاح القوي، تولي رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، في العاصمة طرابلس، في ظل سيطرة القوى الأمنية الداعمة لحكومة الوحدة على مفاصلها، خاصة وأنها تدعم أبو رزيزة، المتحصن بحكم قضائي من الدائرة الدستورية. ولذلك سعى مجلس النواب لإنشاء محكمة دستورية يكون مقرها بنغازي، الخاضعة لسيطرة قائد قوات الشرق خليفة حفتر، بدل الدائرة الدستورية في طرابلس، حتى يتمكن من فرض الأمر الواقع. وإصرار مجلس النواب في طبرق على تعيين “القوي” على رأس المجلس الأعلى للقضاء، لن يؤدي سوى لأمر واحد، وهو انقسام المؤسسة القضائية، وبالتالي استحالة إجراء الانتخابات. الصراع بين البرلمان والقضاء سماح محاكم الاستئناف التابعة للمجلس الأعلى للقضاء بترشح شخصيات جدلية على غرار سيف الإسلام القذافي، نجل زعيم النظام السابق، وخليفة حفتر، وعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة تسبب بتعطيل إجراء انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021. ولعبت ضغوط النواب على مفوضية الانتخابات الدور الأبرز في إعلان الأخيرة “القوة القاهرة”، خاصة بعد تعرض رئيسها عماد السايح، لضغوط أخرى من مجموعات مسلحة، وفق وسائل إعلام محلية. هذه الأحداث دفعت مؤسسة القضاء مرغمة لحلبة الصراع السياسي مع رغبة مجلس النواب لإخضاعها لسلطته، سواء من خلال سعيه لإنشاء محكمة دستورية أو عبر تعديل قانون نظام القضاء، ما يتيح له رسميا تعيين رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي التحكم في أحد المفاصل الحساسة للعملية الانتخابية. المؤسسة القضائية لم تبق مكتوفة الأيدي أمام محاولة مجلس النواب تطويعها، فلجأت إلى رفع التجميد عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا التي عطلتها في 2015، بعد أن أصدرت حكما ألغت فيه الانتخابات التي جاءت بمجلس النواب في 2014، وبالتالي سحبت منه أي شرعية، لكن الأخير رفض القرار، وواصل عمله واكتسب مشروعية عبر اتفاق سياسي في 2015 منحه مجددا سلطة التشريع. ولأن مؤسسة القضاء لم تكن ترغب في أن يستعملها الخصماء السياسيون كمطية لتصفية حساباتهم، جمدت الدائرة الدستورية، وبذلك حافظت على وحدتها واستقلاليتها رغم الانقسام الحاد والقتال بين الشرق والغرب. إلا أنها اضطرت في أغسطس/آب 2022 لإعادة تفعيل الدائرة الدستورية، بعد تحرك مجلس النواب لإصدار تعديلات سمحت بالإطاحة بمحمد الحافي، من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وتعيين أبو رزيزة خلفا له في سبتمبر/أيلول من نفس العام. في ديسمبر الماضي، أصدر مجلس النواب قانونا لإنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي (شرق) بدلا من الدائرة الدستورية بالعاصمة طرابلس. هذه الخطوة لاقت رفضا من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) وطعن في دستوريته، ودعا القضاة لعدم تطبيقه، وعلق مشاوراته مع مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة. وأمام هذا الموقف الصارم لمجلس الدولة اضطر مجلس النواب للتراجع خطوة وتجميد قانون المحكمة الدستورية، خاصة وأنه في حاجة لدعم الأول للإطاحة بحكومة الدبيبة. ومحاولة الإطاحة بأبو رزيزة، بعد نجاحه في الإطاحة بالحافي، من رئاسة مجلس القضاء العام الماضي، ليست سوى مساع من مجلس النواب للتحكم في السلطة القضائية التي سيكون له دور حاسم في الموافقة أو رفض ملفات بعض المرشحين للرئاسة، وخاصة الجدليين منهم.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: المجلس الأعلى للقضاء الدائرة الدستوریة مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

السيسي يستقبل أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية ويجتمع بمدبولي ووزير الإسكان (فيديو وصور)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهد اليوم الرئاسي نشاطا مكثفا؛ حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، أعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، وذلك بحضور المستشار عدنان فنجري وزير العدل.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس هنأ قضاة مصر بمناسبة الاحتفال بيوم القضاء المصري الذي يوافق الأول من أكتوبر، مُعربًا عن تقديره البالغ لدور الجهات والهيئات القضائية في تعزيز منظومة العدالة والتقاضي في مصر، وما تقوم به مؤسسات القضاء العريقة، لإعلاء العدالة الناجزة وسيادة القانون، بما يسهم في ترسيخ السلام المجتمعي، وحماية منظومة الحقوق والواجبات، على النحو الذي يعزز أمن واستقرار الوطن، مؤكداً في هذا الصدد أنه لا أحد فوق القانون.

كما أكد الرئيس خلال اللقاء التزام الدولة الراسخ باستقلال القضاء بوصفه ركيزة دستورية أساسية، مشددًا على ضرورة مواصلة الجهود المُقَدَّرَة لتطوير منظومة القضاء، وتيسير الخدمات المقدمة للمواطنين، لاسيما من خلال التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن الاستمرار في بناء وتعزيز القدرات والكفاءات، الشخصية والمهنية، لأعضاء المنظومة القضائية المصرية، في ظل الأعباء التي يتحملون مسئوليتها للنهوض بالدور الجوهري في ترسيخ سيادة القانون في مصر.

من جانبه؛ أعرب وزير العدل عن تقديره لاهتمام الرئيس بتطوير المنظومة القضائية، من خلال حرص الرئيس على توفير الإمكانات اللازمة لتعزيز عمل مؤسسات التقاضي بمختلف درجاتها، وكذا من خلال العمل على تعزيز استقلال القضاء وقدرته على تأدية رسالته السامية، مستعرضاً في ذلك الصدد ما تم إنجازه لتحسين كفاءة منظومة التقاضي على مستوى الجمهورية.

كما أكد أعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية الالتزام الأصيل لجميع أعضاء ومؤسسات القضاء المصري، ببذل أقصى الجهد على طريق تحقيق العدالة وسيادة القانون، وفقاً للدستور والقانون، معربين عن تقديرهم للرئيس لحرصه الدائم على صوْن مكانة القضاء.

هذا، وقد حضر اللقاء كل من المستشار بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة الدستورية العليا، والقاضي حسني عبد اللطيف رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى، والمستشار أحمد عبد الحميد عبود رئيس مجلس الدولة، والقاضي محمد نصر رئيس محكمة استئناف القاهرة، والمستشار محمد شوقي عياد النائب العام، والمستشار عبد الرازق شعيب رئيس هيئة قضايا الدولة، والمستشار عبد الراضي صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية، واللواء أركان حرب حاتم الجزار رئيس هيئة القضاء العسكري، والمستشار نجاح موسى مساعد أول وزير العدل أمين عام المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية


كما اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والمهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس اطلع خلال الاجتماع على الموقف التنفيذي لعدد من مشروعات وزارة الإسكان، من بينها المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين"، التي تهدف لتوفير وحدات سكنية بأسعار ملائمة بعدة مدن، إلى جانب مشروعات الإسكان المتوسط والاستثماري في عدد من المحافظات، وفي هذا الإطار تم استعراض ما تم الانتهاء من تنفيذه، والإطار الزمني للمراحل المقبلة، حيث وجه الرئيس في هذا الشأن بالاستمرار في تسريع وتيرة أعمال البناء بالمبادرة  مشدداً على أهمية تعزيز جهود توفير السكن الملائم لجميع المواطنين، بما يسهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي، ومنوهاً في هذا الصدد إلى ضرورة تكثيف الجهود لتعظيم الاستفادة من البنية التحتية المتطورة التي أنجزتها الدولة على مدار السنوات الماضية.

كما تطرق الاجتماع إلى خطط التطوير الاستثماري للمناطق العمرانية، خاصةً مناطق الساحل الشمالي الغربي، مع التركيز على مناطق جنوب الطريق الدولي الساحلي، لرفع قيمتها الاستثمارية وتعظيم عائدها الاقتصادي، فضلًا عن تحسين الوجه الحضاري لهذه المنطقة، وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني، حيث شدد الرئيس في هذا الصدد على أهمية الحوكمة السليمة لإدارة الموارد والأصول في تلك المشروعات وغيرها، وفقاً لأفضل المعايير المتبعة في ذلك الشأن، موجهاً بمواصلة وتوسيع جهود المشاركة مع القطاع الخاص وتمكينه ودعم دوره، وإنشاء آليات ومحفزات يُمكن من خلالها جذب المزيد من الاستثمارات، وذلك على النحو الذي يدعم الاقتصاد المصري، ويتكامل مع المحاور الأخرى، خاصة الصناعية، بهدف تحقيق شمول واستدامة التنمية.

تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، جرى خلاله التباحث بشأن تعزيز العلاقات الثنائية، والأوضاع الإقليمية الراهنة.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أنه تم التشاور خلال الاتصال بشأن التطورات المتلاحقة بالمنطقة على وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث أكد الرئيس في هذا الصدد موقف مصر بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه، ورفض أي انتهاك لسيادته ومقدرات شعبه الشقيق، مع استمرار تحذير مصر من مغبة الإمعان في سياسات التصعيد العسكري، بما لها من تداعيات خطيرة غير معلومة العواقب. كما أكد الرئيس ضرورة استمرار المساعي الدولية الجادة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، باعتباره طريق استعادة الاستقرار بالمنطقة وإنهاء حالة التوتر الجارية، وبما يسمح بدفع مسار السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لإرساء السلام والأمن والتنمية بشكل مستدام بالمنطقة.

تطرق الاتصال أيضاً إلى العلاقات الثنائية، حيث أكد الرئيس ورئيس الوزراء العراقي الحرص المتبادل على دفع العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب، في ضوء الزخم المتنامي في التعاون المشترك، واستناداً للروابط الأخوية والتاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين.

مقالات مشابهة

  • النوّاب يُؤكد دستورية قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا
  • السيسي يستقبل أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية ويجتمع بمدبولي ووزير الإسكان (فيديو وصور)
  • تفاصيل لقاء السيسي وأعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية (صور)
  • السيسي لأعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية: لا أحد فوق القانون
  • تفاصيل لقاء الرئيس السيسي وأعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية
  • السيسي خلال لقاء أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية: لا أحد فوق القانون
  • تعرف على رسالة أعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية للرئيس السيسي
  • السيسي يستقبل أعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية
  • الرئيس السيسي يستقبل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بحضور وزير العدل
  • الشاوش لـ«عين ليبيا»: مجلس النوّاب يمضي قدما لحل أزمة المركزي