الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية لقنواتها الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
افتتحت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أمس الجمعة 10 يناير 2024، فعاليات رواقها المؤسساتي المقام بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، تحت شعار "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة رافعة للثقافة المغربية"، بندوة تمحورت حول "حضور الإذاعة الأمازيغية في المشهد السمعي البصري الوطني: الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية".
وسلط المتدخلون في هذه الندوة، حسب بلاغ توصلت به أخبارنا، الضوء على المسار التاريخي لـ"الإذاعة الأمازيغية"، وأدوارها ورهاناتها المستقبلية، باعتبارها إذاعة قرب ذات مرجعية عامة تقترح تنوعا واسعا في شبكة برامجها، يترجم الإرادة الهادفة إلى تقديم منتوج إعلامي عصري هدفه تثمين الأمازيغية لغة وثقافة وإبراز التنوع الثقافي والتعدد اللغوي الذي يوطد وحدة بلادنا وهويتها المتجذرة.
وكان في طليعة المتدخلين في هذه الندوة، السيد عبد الله الطالب علي، مدير البرامج الأمازيغية: إذاعة وتلفزة، الذي قارب موضوع الندوة بعرض شامل، خلص فيه إلى الإعلان أن القنوات الأمازيغية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة سطرت خطة إصلاح جذري وشرعت في تنفيذها، وتهم طرق وآليات تدبير العمل في الإذاعة وفي التلفزة، وتغيير معايير إنتاج وإنجاز برامج الإنتاج الداخلي والخارجي.
وبعدما أبرز المتحدث ذاته أن هذا النهج الإصلاحي أثمر تسطير شبكة برامج ثابتة وفية لعادات المشاهدة والاستماع، وذات مضامين جيدة ومهنية، لم يخف أن هذا النهج الإصلاحي تقابله أطراف أخرى بالمقاومة والتصدي بطرق ابتزازية وتشهيرية لا أخلاقية، غير أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ماضية فيه بدون رجعة.
من جهته، أبرز السيد لحسن أوسي موح، الصحافي المتخصص في الإعلام الأمازيغي، الأدوار التي قامت بها "الإذاعة الأمازيغية" في التاريخ السياسي والاجتماعي المغربي، ودورها الكبير، ماضيا وحاضرا، في تطوير إعلام أمازيغي يجسد مهام الإخبار والتربية والتثقيف والترفيه لأوسع فئات الجمهور، وأداءها المهني المتميز خلال فترات الأزمات، مشيدا بالتحولات والمبادرات التي مكنت من رفع تواصلها مع المستمعين إلى البث المتواصل 24 ساعة/24.
ومن جانبها، قدمت السيد خديجة بوصبري، الصحافية بمديرية البرامج الأمازيغية: إذاعة وتلفزة، رصدا لمجمل التحولات التي مرت منها "الإذاعة الأمازيغية"، منذ إطلاق البث الأمازيغي سنة 1938، مبرزة بالخصوص مساهمة هذه الإذاعة في التأسيس للإعلام الإذاعي الأمازيغي بالمغرب، من حيث أجناسه ولغته وقاموسه، ومن حيث المساهمة الكبيرة في توثيق وتثمين التراث الأمازيغي، وكافة مظاهر الثقافة الأمازيغية الغنية والمتنوعة.
وتجدر الإشارة إلى هذه الندوة سبقتها جلسة افتتاحية لفعاليات الرواق المؤسساتي وتقديم برنامج أنشطته، ترأسها السيد كريم سباعي، مدير التواصل والعلاقات المؤسساتية، وأكد خلالها أنه تفعيلا للرؤية الاستراتيجية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وتوجيهات السيد فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام، المتصلة بتوطيد الانفتاح، وبالحرص على تنفيذ التزام المؤسسة بالسهر على تلقي ملاحظات الجمهور وتأمين تتبع ملاحظاته واقتراحاته وتظلماته، تواصل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة استثمار رواقها المؤسساتي والارتقاء به، فضاء لتقريب المرفق الإعلامي العمومي وصناع محتوياته من عموم المهتمين.
ومن أجل ذلك، وعلى غرار الدورات السابقة، أعدت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة برنامجا من الأنشطة لفعاليات هذا الرواق، تتنوع فقراته لتضم ندوات ولقاءات للنقاش المفتوح حول أدوار الخدمة الإعلامية العمومية التي تقدمها المؤسسة عبر باقة متنوعة من الخدمات التلفزية والإذاعية والرقمية، وحصيلتها ورهاناتها والمأمول منها. كما تواصل فعاليات الرواق إحياء الذاكرة الإعلامية الوطنية بتكريم واستعادة مسار وإسهامات عدد من الكفاءات المهنية التي نذرت حياتها المهنية لخدمة الثقافة المغربية عبر الإذاعة والتلفزيون.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الشرکة الوطنیة للإذاعة والتلفزة
إقرأ أيضاً:
طه الفشني.. القارئ الذي فقد صوته فاستعاده بمعجزة أمام قبر النبي
عندما يحل شهر رمضان المبارك، تتزين لياليه بصوت يأخذ القلوب إلى عالم من الخشوع والتأمل، إنه الشيخ طه الفشني، أحد أعظم المقرئين والمنشدين في تاريخ الإنشاد الديني، وصاحب الصوت الذي أصبح رمزاً من رموز الشهر الفضيل في مصر والعالم الإسلامي.
ارتبط اسم الفشني بالأذان والتواشيح الرمضانية، فكان صوته يملأ أجواء مسجد الحسين في ليالي المولد النبوي وليالي رمضان، حيث يجتمع المريدون والمحبون للاستماع إلى تلاواته وابتهالاته التي تحلق بالروح في ملكوت النغم والقرآن.من الفشن إلى عالم التلاوة والإنشاد
ولد الشيخ طه الفشني عام 1900 في مدينة الفشن، التي كانت تتبع قديماً محافظة المنيا قبل أن تصبح جزءاً من بني سويف في صعيد مصر.
ونشأ في أسرة متدينة، حيث كان والده تاجر أقمشة، بينما كانت والدته تنتمي إلى أسرة عريقة، فهي شقيقة عمدة قرية صفانية، وهذه البيئة المحافظة والملتزمة كان لها أثر عميق في تشكيل شخصية الشيخ طه منذ صغره.
وفي سن مبكرة، التحق الشيخ طه بكتّاب القرية، وهناك بدأ أولى خطواته مع القرآن الكريم، فقد كان صوته العذب ملفتاً للأنظار، وكان يردد الآيات بصوت قوي مميز، حتى لاحظ والده موهبته الفريدة، فقرر أن يهتم به ويشرف على حفظه للقرآن الكريم، وبالفعل أتم الطفل طه الفشني حفظه قبل أن يبلغ 12 عاماً.
ولم يمهل القدر والده الفرصة ليرى ابنه وهو يشق طريقه نحو المجد، فقد وافته المنية قبل أن يبلغ الصغير سن البلوغ، ليجد نفسه في رعاية خاله، الذي تبنى تربيته ورعايته، وساعده على استكمال مسيرته التعليمية حتى حصل على شهادة كفاءة المعلمين.
ومع أنه برع في دراسته، إلا أن صوته كان السبب في شهرته المبكرة، فقد ذاع صيته في مدارس المنيا وبني سويف، وأصبح حديث الجميع، حتى انتشرت شهرته في صعيد مصر، باعتباره القارئ صاحب الصوت الملائكي.
لم يكن طموح الشيخ طه يتوقف عند حدود الصعيد، فقد كان متعطشاً للعلم والمعرفة، وعندما بلغ 19 عاماً قرر أن يشد الرحال إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، لكن جاءت ثورة 1919 لتعطل حلمه، فعاد إلى مسقط رأسه.
ولم يمكث طويلًا هناك، وسرعان ما عاد إلى القاهرة مرة أخرى، لكنه هذه المرة اتجه إلى الأزهر الشريف، حيث درس علوم القراءات على يد الشيخ عبد العزيز السحار، أحد كبار العلماء في الأزهر.
وخلال فترة دراسته في الأزهر، تزايدت شهرته، وأصبح ضيفاً دائماً على الحفلات والمناسبات الدينية في القاهرة. ولم يقتصر دوره على قراءة القرآن الكريم فقط، بل برع أيضاً في الإنشاد الديني والتواشيح، حيث امتلك صوتاً قادراً على أداء أعقد المقامات الموسيقية، مما جعله نجماً بين أقرانه.
كان مسجد سيدنا الحسين بمثابة البيت الثاني للشيخ طه الفشني، حيث اعتاد الصلاة والإنشاد وقراءة القرآن، حتى أصبح له مريدون وعشاق يأتون من أماكن بعيدة لسماع صوته الساحر.
وفي إحدى الليالي الرمضانية، كان الشيخ طه حاضراً للاحتفال السنوي بمولد الحسين، حين طلب الجمهور منه أن يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم، لكنه رفض في البداية لأنه لم يكن معتمداً رسمياً للقراءة، لكن أحد موظفي وزارة الأوقاف أبلغ رئيس الإذاعة المصرية آنذاك، سعيد باشا لطفي، الذي أعطى الإذن له بقراءة خمس دقائق فقط.
وبمجرد أن بدأ الفشني في التلاوة، انبهر الجميع بصوته، حتى جاءه نفس الرجل ليقول له: "أكمل ولا تختم يا شيخ، رئيس الإذاعة مبسوط من صوتك". وبالفعل استمر الشيخ في التلاوة حتى وصلت مدتها إلى 20 دقيقة، وعندما أنهى القراءة، استدعاه رئيس الإذاعة وقال له: "تعالى يا شيخ طه.. أنا سمعتك، وأحب أعرفك إن الإذاعة محتاجة لك، وسأنتظرك غداً في مكتبي".
وهكذا، في عام 1937، تم اعتماد الشيخ طه الفشني رسمياً في الإذاعة المصرية، ليصبح أحد أعظم المقرئين والمنشدين في تاريخ الإذاعة، ومن أوائل من تم اعتمادهم في الطبقة الأولى الممتازة.
لم يكن الشيخ طه الفشني مجرد قارئ قرآن، بل كان أيضاً أعظم منشد ديني في عصره، إذ ارتبط اسمه بالأذان والتواشيح، خاصة في شهر رمضان، حيث كان صوته يملأ المساجد والمحافل الكبرى، لدرجة أن الملك فاروق اختاره لإحياء ليالي رمضان في قصر عابدين لمدة 9 سنوات متتالية.
كما أحبه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكذلك محمد أنور السادات، وكان القارئ الرسمي للرئاسة، وسافر إلى الإمارات والسعودية والمغرب وسوريا وماليزيا لتقديم التلاوات والإنشاد الديني.
في عام 1948، تعرض الشيخ طه الفشني لمرض غامض أدى إلى احتباس صوته بالكامل، مما جعله يدخل في حالة حزن شديد. وبعد فشل الأطباء في علاجه، قرر السفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وهناك وقعت المعجزة، فبينما كان واقفاً عند قبر النبي عاد إليه صوته فجأة، ليعود إلى مصر وهو يردد: "الحبيب المصطفى أعاد إليّ صوتي".
وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) 1971، رحل الشيخ طه الفشني عن عالمنا بعد صراع مع المرض، لكنه ترك خلفه إرثاً ممتداً من التلاوات والتواشيح التي لا تزال تتردد في كل بيت ومسجد، داخل مصر وخارجها.