محمد وداعة: ميثاق السودان ..الاقتصاد ومعاش الناس
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
*الحوار السودانى – السودانى و المؤتمر الدستورى ، ابرز المخرجات*
*السياسات المالية و الاقتصادية مثلت قيمة مضافة فى الميثاق*
*السيد وزير المالية د. جبريل ابراهيم يبذل ماوسعته الامكانات المتوفرة امامه*
*الضرورة تقتضى مراجعة موازنة الحرب و اعادة ترتيب الاولويات فى السياسات المالية و الاقتصادية*
*وزير المالية شغال بنظرية ( واقف براك ) ودون الاستعانة بالخبراء و المستشارين السودانيين فى السياسات المالية و الاقتصادية*
بتاريخ 8 مايو 2024م ، وقعت قوى سياسية و مدنية ميثاق السودان تحت عنوان (الرؤية الإطارية المفاهيمية لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية ) ، متناولا المبادئ العامة و الاهداف و المرتكزات و محاور الازمة التى تتمثل فى وقف اطلاق النار و انهاء الحرب و المحور السياسى و نظام الحكم و الفترة الانتقالية و اجهزة الحكم و العدالة الانتقالية و الاقتصاد و الخدمات و حقوق الانسان والقوات المسلحة و الاجهزة النظامية ، و حدد الميثاق الحوار السودانى – السودانى و عقد المؤتمر الدستورى اطارآ لتحقيق هذه الرؤية ،
هى المرة الاولى و منذ ما قبل اندلاع الحرب التى يجتمع فيها هذا العدد الكبير من القوى السياسية و المدنية و الاهلية و اطراف سلام جوبا ، و قوى شبابية و المرأة و كان لافتآ حضور الشخصيات القومية و عدد كبير من المثقفين و الكتاب و الاعلاميين ، الحضور عكس تنوعآ سودانيآ من كل اوجه التنوع السياسى و الفكرى و الثقافى و الاجتماعى و المناطقى و كانت بحق لوحة وطنية ،
وقعت هذه القوى على ميثاق (الرؤية الاطارية المفاهيمية لادارة الفترة الانتقالية ) ، و التى تناولت الازمة من كافة جوانبها و اقترحت الحلول الملائمة و الممكنة باجماع الحد الادنى او الاغلبية الغالبة، عبر مؤتمر للحوار السودانى و المؤتمر الدستورى ،بادارة سودانية و بعيدآ عن اى تدخلات خارجية سالبة ، كما اتفق الموقعون على ان منبر جدة ( بشروطه ) يمثل فرصة لايقاف اطلاق النار و فتح المسارات الانسانية لاغاثة السودانيين ،
لاول مرة يحظى المحور الاقتصادى بقدر وافر من النقاش و الاتفاق ، و ذلك نظرآ للضغط الهائل و المعاناة الكبيرة التى وقعت على الشعب السودانى فى معاشه و خدماته ، خاصة و ان الالاف من موظفى الدولة لم يتقاضوا مرتباتهم لاشهر عديدة ، كما ان العاملين فى القطاع الخاص فقدوا وظائفهم و رواتبهم ، و تعطلت الاعمال الصغيرة و الورش ، و اعمال اليومية و صغار الكسبة ، مما فاقم من معاناة النزوح و مكابدة المعاش و الخدمات من تعليم و صحة ، و لاهمية هذا المحور و للافكار التى وردت فيه ، يظل احد اهم مخرجات الوثيقة ،
جاء فى الوثيقة : ظل الاقتصاد قبل حرب ابريل يعاني من اختلالات هيكلية، ولقد أثبت الواقع إخفاق كل السياسات والخطط لإصلاح الوضع الاقتصادي المتردي، وانعكاسات واثار حرب أبريل التي دمرت البني الاقتصادية للبلاد حيث تأتي اهمية و ضرورة تبني رؤية اقتصادية في الفترة الانتقالية وتتلخص في( اعتماد برنامج لإعادة اعمار ما دمرته الحرب وإعادة تأهيل البني التحتية والمرافق الخدمية خاصة الصحة، التعليم وخدمات المياه، معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوداني ، ايلاء أهمية خاصة لمعاش الناس والاحتياجات الأساسية والحياتية للمواطنين، تقديم الاغاثة لمستحقيها مع إعادة النظر في الآليات التي تشرف علي التوزيع من حيث الرقابة والمتابعة ، إعادة النظر في كافة هياكل الدولة بما يخدم التوجه العام نحو الإصلاح الاقتصادي ومواكبة مرحلة تحقيق الغايات في المحاور الأخرى ، تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الاقليمية والعالمية الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية وحماية الحقوق المائية ،تبني سياسات تقاسم الثروة ومعاييرها وإعادة إنشاء مفوضية مراقبة وتخصيص الإيرادات ، تحويل التنافس الإقليمي والدولي حول موارد وجغرافية السودان لبناء شراكات استراتيجية لتحقيق المنافع الوطنية والمصالح المشتركة في قطاعات الاقتصاد السوداني وخاصة في قطاعات الطاقة والزراعة والبترول والغاز وتطويرها وزيادة انتاجها ، وضع الخطط اللازمة لتمويل استيراد وتطبيق التقانة لزيادة الانتاج الزراعي وخفض تكلفة الانتاج في مجال الزراعة والثروة الحيوانية لزيادة صادرات السودان والاستفادة من الخطط المعدة لتطبيق التقانة لزيادة الإنتاج، مراجعة السياسات المالية والنقدية، خاصة النظام المصرفي وتنفيذ خطة لإصلاح القطاع المصرفي لتلبية متطلبات التمويل التنموي متوسط وطويل الاجل والتنمية المتوازنة، وكذلك لزيادة فرص النفاذ للأسواق المالية الدولية ، زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء ووضع خطة للاستفادة من احتياطي الغاز المكتشف في مناطق البلاد المختلفة والتوسع في مصادر الطاقات البديلة والمتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية ،تقنين علاقة الدولة والمجتمعات المحلية حول ملكية الأرض كقاعدة للتعايش السلمي والانتفاع بالموارد ) ،
معلوم ان الحرب فرضت شروطها القاسية على السياسات المالية و الاقتصادية ، و بعد سنة من الحرب لم تتغير هذه السياسات ، بل ربما وصلت مرحلة الفوضى الاقتصادية ، و كما كشف بنك السودان عن فشله فى استرداد حصائل الصادرات ، استمرت سياسة الباب المفتوح للواردات من السلع الاستهلاكية التى اغرقت الاسواق و تم بيعها باقل من سعر المنشأ ( الكسر) ، السلع الكمالية حدث و لا حرج ، و بكلمة واحدة تعكس الاسواق وضعآ طبقيآ جديدآ خلفته الحرب ،
على الرغم من ان الحكومة اعلنت فى ديسمبر 2023م انها بصدد اعداد ميزانية طوارئ ، اجيزت الميزانية فى يناير 2024م و سميت بميزانية الحرب ، و لم يكن لها علاقة بالمتعارف عليه فى ميزانيات الحروب ، فلم يكن خافيآ ان الموازنة العامة ستواجه عجزآ كبيرآ لتراجع الايرادات ، فضلآ عن زيادة فى المصروفات ، وزيادة فى واردات السلع بسبب تدمير المصانع ( الزيوت ، الصابون ، اللحوم المصنعة ، الوجبات الجاهزة ) ، مما زاد من الطلب على الدولار ،
ليس من شك ، ان السيد وزير المالية د.
محمد وداعة
11مايو 2024 م
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: السیاسات المالیة و الاقتصادیة
إقرأ أيضاً:
السلاح والغذاء في حرب السودان
تدخل الحرب الأهلية السودانية اليوم (15 مارس/ آذار 2024) شهرها الرابع والعشرين. عامان من الاقتتال، بلا أفق واضح لحلّ سلمي. بحسب منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يحتاج 30 مليون سوداني إلى مساعدات، بينما نزح 14 مليون شخص في داخل السودان وإلى خارجه. لكن المستقبل لا يبدو مبشّراً بحلول سلمية قريبة، وما زالت مرحلة انهيار الدولة وتفكّكها تتواصل رغم محاولة السلطة العسكرية التظاهر بأن الحياة تسير طبيعية، مع طلبها أخيراً من الجامعات السودانية استئناف الدراسة والامتحانات في مناطق سيطرة الجيش.
أمّا حكومة "الدعم السريع" (الموازية) فما تزال تبحث عن أرض تضع فيها رحالها، متوعّدةً بإقامة سلطة كاملة، فاتفاق نيروبي السياسي لم ينتج حكومةً بعد رغم ضجيجه كلّه، والمتحالفون مع نائب قائد "الدعم السريع"، عبد الرحيم دقلو، ما زالوا يَعدون بإعلان حكومة من داخل السودان، ويبشّرون بأسلحة جديدة تأتي، كما يحتفي أنصار الجيش بأسلحة جديدة أتت. هكذا يعيش 14 مليون نازح ينتظرون بشارات الأسلحة الجديدة. وبينما يعيش 1.3 مليون طفل سوداني في أماكن تعاني من المجاعة، يصرّح قادة الطرفَين أن الحرب ستستمرّ ألف عام حتى يأتي النصر(!).
لكنّه تأخّر عامين. قبل اندلاع الحرب كان الانطباع العام أنها حرب الساعات الستّ. لكن ما يبدو واضحاً بعد 24 شهراً أنها حرب أتت لتبقى. أوجدت الحرب خلال عاميها ثقافة من التوحّش، وهو أمرٌ لا يقتصر على المقاتلين، فالصحافيون الذين يغطون الحروب الأهلية يتأثّرون بثقافة الوحشية التي تحيط بهم. وثّق الذين غطّوا الحرب اللبنانية، وحرب البوسنة، التغيّرات التي مرّوا بها، وكيف أصبحوا أكثر توحّشاً وتقبّلاً للعنف. مع هذا التوحّش، تزداد الانتهاكات، ما يغذّي دائرة الانتقام، فتصبح عواقب العنف أقلّ من عواقب الحلول السلمية، فيزداد الانتقام، ويتحوّل عنفاً وقائياً.
لذلك، تقبّلت المجتمعات السودانية فكرة التسليح الأهلي، وتكوين مليشيات جديدة للدفاع عن مناطقهم، أو لضمان تمثيلهم السياسي، وهي دلالةٌ واضحةٌ على خلل التعاطي السياسي في السودان، إذ أصبحت البندقية الضامن للمشاركة السياسية. رغم أن البندقية لم تثمر في حروب السودان السابقة كلّها، لكننا ما زلنا نصرّ على أن المليشيات هي الحل، ويواصل الجيش الاحتفاظ بالسلطة السياسية مع ترحيبه بتكوين المليشيات للقتال بجانبه.
تبدو الحرب السودانية في طريقها إلى الحالة الليبية، هذا إذا نجحت مجموعة نيروبي في أن تجد مكاناً تُعلن منه حكومتها التي أصبحت محلّ تساؤلٍ، بعد تحذيراتٍ دوليةٍ عديدة من هذه الخطوة. لكن الأخطر تأثير الحرب في الإقليم ودول الجوار، فرغم أنها لم تخرج عن السيطرة، إلا أنها ما زالت تهدد المنطقة الهشّة بالانفجار، فنيران الحرب السودانية تمتدّ وتؤثّر في الدول الجارة، وتهدّد بجرّها إلى الفوضى ذاتها.
عامان من الحرب، ومن المناشدات الدولية بوقفها، لكن الجيش ظلّ يتهم العالم كلّه تقريباً بالتآمر عليه ودعم خصمه، ويرفض أيّ دعوة إلى الوصول إلى أيّ تسوية تؤدّي إلى وقف إطلاق النار، بينما ظلّت قوات الدعم السريع تقبل الدعوات كلّها، وتواصل إطلاق النار على العزّل وتدفنهم أحياء.
في إحاطةٍ، قدمها أمام مجلس الأمن، ذكر أمين عام منظّمة أطباء بلا حدود، كريستوفر لوكيير، كيف يستهدف طرفا الصراع المستشفيات، وكيف تعيق البيروقراطية وصول المساعدات إلى المحتاجين. لا تفرز هذه الدوامة من العنف إلا مزيداً من التوحّش، وتعقيد مسار الحلّ. ويتضاعف عدد المليشيات في البلاد، وتزداد سلطتها. والعجيب أن ذلك يحدث وسط تأييد شعبي غير قليل، كأنما فقد الناس قناعتهم بالدولة الحديثة وسلطتها، لكنّهم، في الوقت ذاته، يقولون إنهم يتوسّلون الوصول إلى هذه الدولة عبر طريق التسليح الشعبي، وكسر احتكار الدولة للعنف.
هكذا يجد السلاح طريقه إلى السودان ليعزّز الحرب الأهلية، لكن المساعدات تعوقها البيروقراطية، ويَجمع المجتمع الدولي التمويل لإنقاذ حياة مئات آلاف الأطفال الذين يُتوقّع معاناتهم من سوء التغذية الحادّ، بينما تَجمع المليشيات الأسلحة وتعتقل ناشطي العمل الطوعي.
فشلت المساعي لجعل الحالة الإنسانية السودانية مهمّة المجتمع الدولي، لكن لا يعاني أحد فشل توفير السلاح للمتقاتلين.
نقلا عن االعربي الجديد