زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* قد يكون مفهوما ومقبولا أن يُصرِّح الطرف المنتصر في الحرب، أى حرب، انه لا تفاوض ولا سلام إلا بعد هزيمة الطرف الآخر، رغم المعاناة الضخمة التي يتكبدها ملايين المدنيين الابرياء والدمار الهائل للبنية التحتية وتوقف الحياة، ولكن أن يخرج علينا المهزوم كل يوم بتصريحات عنترية بأنه "لا سلام ولا تفاوض" مع الطرف الآخر الذي يتوسع في انتصاراته يوم لآخر فهو أمر مُحيِّر، ولا اريد أن اقول "مضحكا" لأنه ليس مجال ضحك وسخرية وانما مجال بكاء ودموع حرى وقلوب نازفة بسبب نزاع خنازير وحشية للسيطرة على النفوذ والاستمرار في ممارسة النهب والسرقة، التي درج عليها (تُجار الدين) منذ استيلائهم على الحكم بانقلاب عسكري في السودان قبل اكثر من ثلاثة عقود باسم الدين الحنيف المفترى عليه، وصنيعتهم المشوهة (مليشيات الجنجويد) التي صنعوها لاحقا لحمايتهم ومساعدتهم على ممارسة القتل والنهب بعد ان دمروا الجيش الوطني وحولوا ما بقى منه الى (تنابلة فاسدين)، ولم يكن غريبا ان يتحول الحلفاء المجرمون الى اعداء بسبب الجشع والطمع والانانية والتنافس على اكل المال الحرام، ويشعلوا حربا قذرة للقضاء على الوطن حتى لا ينتفع منه احد غيرهم، والانتقام من الشعب الذي ازاحهم من كرسي الحكم واعاقهم من النهب والسرقة!
* خرج علينا مؤخرا رئيس التنابلة الذي يُطلِق على نفسه لقب رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش (ولا ادري أى مجلس سيادة يرأس وأى جيش يقود) متحدثا بعنترية بعد احدى الهزائم التي لحقت بهم بانه لا مفاوضات ولا سلام مع الدعم السريع، قائلا " الناس ديل إما ينتهوا أو يخلوا البلد دي يطلعوا منها، مافي حل تاني، ومافي سلام ولا مفاوضات معاهم) .
* حسنا سيدي رئيس مجلس السيادة الموقر، وقائد عام الجيش المقدام .. "لا مفاوضات ولا سلام مع الدعم السريع"، ولكن ارونا نصراً واحد يقنعنا بصدق حديثكم وقوتكم وانكم قادرون على هزيمتهم و(انهائهم) وارغامهم على الخروج من البلد ــ كما تقول ــ ويجعلنا متفائلين باقتراب توقف الحرب وعودة السلام والاستقرار وانتهاء معاناة الشعب، أما أن تخسروا كل يوم وتتراجعوا كل يوم، وتتمدد مليشيا الجنجويد كل يوم، وتكسب ارضا كل يوم، وتحتل ولاية جديدة كل يوم، وتتطاول فترة الحرب من ست ساعات الى ستة اسابيع الى ستة شهور ثم الى عام وانتم تخرجون في الاجهزة الاعلامية تمارسون التهريج والكذب واطلاق التصريحات العنترية، وتستأجرون الابواق الماجورة للترويج لانتصارات وهمية والتحريض على الحرب وزيادة معاناة الناس وتشريدهم وتجويعهم وترسيخ اليأس في نفوسهم، فهى مهزلة كبرى وكبرياء بغيضة وعنجهية ظالمة وعزة بالاثم (فحسبكم جهنم وبئس المهاد)، وهو حال الطغاة يرتكبون ما يرتكبون، ويُنزلون بالناس ما يُنزلون، وقد زُين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا، بينما تنزل النوازل بالضعفاء، لكنهم لا يرونهم ولا يُحسون بهم من عمى الطغيان وفساد البصر والمدارك، وإذا تقدم أحد الناس مرشدا ومطالبا بايقاف الحرب وانهاء معاناة الشعب اتهموه بالخيانة، وربما امتدت إليه أيديهم بالأذى والقتل، ودفعتهم الجرائم إلى إثم آخر فوق إثم الطغيان، وفوق ما ارتكبوا من آثام، وما أنزلوا بالأبرياء من آلام .هؤلاء هم انتم يا تنابلة الكيزان والشيطان!
* لقد ظللتم تكذبون علينا بشأن انتصاراتكم الوهمية منذ اندلاع الحرب القذرة وحتى هذه اللحظة ولم تكفوا عن الاكاذيب يوما واحدا بل لحظة واحدة، وانتم تعلمون أنكم مهرجون كاذبون (منذ اكذوبة الساعات الستة ايام البدروم وحتى اليوم )، واخذتكم العزة بالاثم لدرجة انكم الآن تطلبون من المواطنين الآن العودة الى مناطقهم وتعلنون عن فتح الجامعات بينما ثلاثة ارباع الشعب بين نازح ولاجئ ومشرد وضائع، وتنعدم كل الخدمات الاساسية من كهرباء وماء واتصالات ومواصلات ووقود واغذية ومستشفيات وادوية وامن وامان وكل شئ في معظم مناطق السودان، وقواتكم مهزومة وضعيفة ومشرذمة و(لحم راس)، مجرد مليشيات لا رابط بينها ولا عقيدة عسكرية موحدة، مثلها مثل مليشيات الجنجويد في السرقة والنهب والقتل والاعتقال الظالم وممارسة تعذيب الابرياء لدرجة الموت، وحتى المرتزِقة الذين اسميتموهم (عرب الشتات) وظللتم تدينون الجنجويد باستخدامهم في الحرب ضدكم، هنالك من يتهمكم الآن باستخدام مرتزقة مثلهم ممن يطلق عليهم البعض (حبش الشتات) لمساعدتكم في الحرب، وهم عصابات من (اللاجئين التقراى في السودان) المطلوبين بجرائم حرب في بلادهم وهاربين من الحساب، إذا صح ما تداولته أجهزة الاعلام عن بيان رسمي للحكومة الاثيوبية بهذا الشأن وما يزعمه البعض من رؤيتهم بين عساكركم في منطقة الفاو بشرق السودان، أى أنكم صيرتم البلاد مرتعا للمرتزقة الباحثين عن المال من عرب شتات وحبش شتات وروس واوكرانيين وغيرهم، هذا عدا الدواعش والارهابيين من آكلي اكباد واحشاء الآدميين، ولا يدري إلا الله ماذا سيحدث غدا، والى أين تقودون السودان، انتم واعداؤكم الذين ولدوا من رحمكم الموبوء بالفطريات السامة والميكروبات!
* ورغم كل ذلك، ما زلتم في اكاذيبكم وتهريجكم ومزاعمكم الكاذبة بالنصر وعنجهيتكم برفض التفاوض وايقاف الحرب، واتهام من يدعو لذلك بالخيانة والعمالة وان مصيره القتل والسحق، بينما يحترق الوطن ويحتضر الشعب بسببكم وامام اعينكم بدون ان يهز ذلك فيكم شعرة واحدة .. فمن هو الخائن والعميل الذي يستحق القتل والسحق؟!
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل السودان بديل محتمل لتهجير أهالي غزة؟؟
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
ماذا لو إستيقظ السودانيون على قرار تهجير الفلسطينيين من سكان غزة الي بلادهم؟؟
قد يستبعد أهل السودان أن يكون بلدهم مطروح كخيار لتهجير الفلسطينيين مِن غزة لسببين رئيسين.. الأول أنه غير عملي لبُعد السودان من أرض فلسطين. والثاني لأن السودان يشهد حرب طاحنة في أراضيه.
يؤكد علم العلاقات الدولية أنها فوق تشكلها بصورة معقدة، فإنها كذلك تسير بشكل لا خطي Non - linear بحيث أن أحداث في نطاق جغرافي ما يمكن أن تؤثر على دول بعيدة تماماً عن ذلك النطاق... وأن سلسلة أحداث صغيرة قد تؤدي لأحداث كبرى. وفي هذه النقطة بالتحديد يمكن تذكر الأحداث التي تسببت في الحرب العالمية الأولى، فقد أدى إغتيال الأرشيدوق فرانز فيرندناد في صربيا في العام 1914م لإندلاع الحرب الكونية الأولى وتأثرت بها الدول القريبة والبعيدة.. غير أن الكثير من الناس خاصة من غير المختصين في العلاقات الدولية يجنحون للنظر لتلك العلاقات على أنها تسير بإتجاه خطي واحد متسلسل زمانياً ومكانياً.. ولذلك يستبعدون عنصراً مهماً في التحليل وهو الإحتمالات الراجحة منها والمرتبطة بالخط المتصل بأحداث لم تكن بادية للعيان حدثت في مناطق بعيدة جغرافياً من مركز الحدث الشاخص أمامهم وربما في زمن بعيد نسبياً.
إن المتابع للقضية الفلسطينية يجد أن معظم أحداثها ترسمت وفق الإتجاه اللاخطي منذ وعد بلفور في 1921 وهو نفسه أي وعد بلفور وطبقاً للمسار اللاخطي في العلاقات الدولية قد إنبنى على حادثة إغتيال الأرشيدوق بينما في الواقع الظاهري للأحداث قد لا يجد غير المختص في العلاقات الدولية روابط حقيقية ومنطقية بين تلك الأحداث وتخليق الكيان الاسرائيلي.
عموماً، ومهما يكن من أمر، وبذات المنطق قد لا ينصرف ذهن السودانيين لإحتمالية أن يستقر سهم مؤشر الأحداث على إختيار السودان كمكان لتهجير الفلسطينيين نسبة لواقع الحرب الحالي، وحالة النزوح الواسعة لدى معظم سكانه، بينما القراءة اللاخطية لمسار العلاقات الدولية قد تجعل من السودان أفضل البدائل المطروحة الآن (إندونيسيا، مصر، الأردن، السعودية سيرلانكا أو ألبانيا).
إن منطق الإحتلال الإستيطاني الذي يميز وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية يجعل من أمر تهجيرهم هدف تخبو جذوته وتتقد بالتفاعل مع أحداث أخرى طبقاً للنمط اللاخطي في العلاقات الدولية. فصعود ترمب في سدة قيادة الولايات المتحدة وبنهجه السيرويالي وسلوكه النزق في السياسة عموماً وتعامله بعقليةالمطور العقاري Real state developer، وتبنيه لخيار التهجير أجج تلك الجذوة وشجع إسرائيل على تبنيه مع أنه لم يكن مطروح كخيار على أقل تقدير طوال عهد سلفه بايدن.
من ناحية أخرى تتسم العلاقات الدولية بالطبخات السرية والصفقات غير العلنية والتلويح بالحوافز والجزاءات كما يفعل ترمب الآن مستنداً لمنطق القوة Power وهذه الأخيرة هي المُعامل الذي يحرك كل تروس العلاقات الدولية، فإذا مضى منطق الصفقات والجزاءات وما يسميه ترمب (السلام بالقوة) فسوف لن يكون السودان خيارٌ محتمل و مرحبٌ به فحسب، بل ومثالي لتهجير الفلسطينيين. ذلك لأن الدول المطروحة في القائمة الآن مطلوب منها واحد من أمرين، إما أن تستقبل المهجرين أو تجد بديلاً لهم.. وفي الغالب سيسود منطق "دفع الضرر عن الذات" خاصة الثلاثة دول العربية في قائمة ترمب ولن تتحرج بتقديم البديل، وهنا يمكن ملاحظة كيف تصرف ملك الأردن في المكتب البيضاوي يوم 11 فبراير 2025م أمام ترمب عن طرح موضوع التهجير وموقفه منه، فرد بطريقة نفض بها كُرة النار الملتهبة من حِجره (إننا ننتظر الرؤيا المصرية) في حين لم يكن مطلوب منه التحدث عن مصر.. وهذا بالتحديد دفع الضرر فيم الأجواء المفتوحة، فكيف يكون الحال في الغرف المغلقة؟!!
إن الحرب في السودان لن تشكل عقبة كبيرة في هذا الإتجاه إذا ما طرح السودان كبديل، ذلك لأنها يمكن أن تتوقف بإشارة من اللاعب الدولي الأبرز - أمريكا- متى ما أرادت ذلك. فالحرب في السودان منظور لها من نواحي إستراتيجية وسياسية هي حرب "غير مُعرّفة" Undefined بطريقة يمكن معها تعقب أسبابها ومن ثم الإقبال على حلها. فهي حرب مازال يصدق عليها وصف قائد الجيش البرهان بأنها (عبثية) كما أنها في أحد تجليات التحليل تؤكد على "غياب الدولة". لهذا فهي لن تشكل عقبة في سبيل ترشيح السودان كبديل لخيار ترمب ولا أقول خطته. أما مِن الناحية الجغرافية فسفينة واحدة من أي ميناء ستكون كفيلة بنقل المهجرين لبورتسودان ومنها لبقية أراضي السودان خاصة وسطه النيلي الممتد على سهول زراعية خصبة يمكن أن تستوعب كل أهل غزة وسكان الضفة الغربية وحتى فلسطينيي الشتات. أو أن خطة عكسية كعملية موسى تلك التي نُقل فيها اليهود الفلاشا بقطع من الليل من السودان بسرية كفيلة بأن تنقل تحت جنح ذات الظلام العدد المستهدف من المهجرين.
غير أن في هذه المسارات اللاخطية خطٌ واضحٌ ومرسومٌ بجلاء وأنفة وكبرياء هي إرادة الشعب الفلسطيني الذي عاهد نفسه وشهداءه على ألاّ خيار غير التشبث بالأرض في محيط هو أدرى بمزاداته العلنية وخياناته الظاهرة والخفية. وإحباطاته العلنية ونبذه في العراء يتجرّع مرارات الإحتلال من التجارب التي خبرها منذ حريق الأقصى 1969م مروراً بالنكسة 1967م و إنتهاءاً بالأيدي المكتوفة التي أخذت تشاهد بلا مبالاة إزهاق أرواح فاقت في غضون خمسة عشر شهرا فقط سعة أكبر ملاعب كرة القدم في العالم.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com