كيف يمكن للخليج وتركيا أن يغيرا الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT
فتحت الجولة الأخيرة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منطقة الخليج آفاقا لتطوير العلاقات التركية الخليجية إلى مستويات الشراكة الإستراتيجية الشاملة. ومع أن الأبعاد الاقتصادية أخذت حيزا أكبر من الاهتمام في هذه الجولة بالنظر إلى طبيعة الاتفاقيات التي أبرمت خلالها، وحاجة تركيا إلى جذب الاستثمارات الخليجية لدعم اقتصادها الذي يواجه تحديات كبيرة في الوقت الراهن، فإن الجولة أعطت صورة عن الكيفية التي يمكن أن تؤدي العلاقات الجديدة الناشئة بين أنقرة والخليج إلى تغيير الشرق الأوسط.
وفي ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة منذ عامين، وتعمل فيها القوى الفاعلة على إصلاح العلاقات في ما بينها، والتخلي عن سياسات التنافس الحاد وتركيز اهتماماتها على المزايا الكبيرة التي يجلبها التعاون الإقليمي عليها وعلى الشرق الأوسط عموما؛ فإن العلاقات الجديدة بين تركيا والخليج سيكون لها تأثير عميق على الجغرافيا السياسية الإقليمية.
وبالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية المتبادلة والمؤكدة التي ستجنيها تركيا والخليج من العلاقة الجديدة، فإن تطويرها إلى تعاون في مجالات الأمن والدفاع ومواءمة السياسات الإقليمية يضفيان عليها أبعادا إستراتيجية.
الدور المؤثر الذي تلعبه تركيا في بعض صراعات المنطقة -مثل سوريا والعراق وليبيا- يجعل التعاون الجيوسياسي معها حاجة لمنطقة الخليج من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي وضمان تأثير خليجي أقوى في هذه القضايا
ومع صفقة مبيعات الطائرات المسيرة التي أبرمتها تركيا مع المملكة العربية السعودية، وهي أكبر صفقة في تاريخ صناعة الدفاع التركية، والاهتمام الإماراتي المتزايد في الاستثمار في صناعة الأسلحة التركية، وشراء الكويت طائرات مسيرة تركية، فضلا عن التعاون الدفاعي الوثيق بين تركيا وقطر؛ فإن أنقرة تقدم نفسها اليوم لمنطقة الخليج بوصفها شريكا جديدا يُمكن الاعتماد عليه في مجالات الأمن والدفاع أيضا.
أصبحت دول الخليج عموما أكثر إدراكا لأهمية التعاون مع تركيا في هذا المجال لأسباب عديدة، من بينها التطور الكبير في صناعات الدفاع التركية، وسعي الدول الخليجية إلى تنويع شراكتها الخارجية كوسيلة تحوّط للتكيف مع شرق أوسط جديد لم تعد الولايات المتحدة راغبة في مواصلة انخراطها الأمني فيه مثل السابق.
في الواقع، تتجاوز مبيعات الأسلحة التركية للخليج الأهداف التجارية البحتة، وتعكس أهمية دور تركيا الجديد في الشرق الأوسط كقوة استقرار وتوازن إقليمي.
إن الدور المؤثر الذي تلعبه تركيا في بعض صراعات المنطقة -مثل سوريا والعراق وليبيا- يجعل من التعاون الجيوسياسي معها حاجة لمنطقة الخليج من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي وضمان تأثير خليجي أقوى في هذه القضايا.
لم تساعد الاضطرابات التي دخلتها علاقات أنقرة مع الرياض وأبو ظبي في السنوات الماضية في مواءمة السياسات الإقليمية بين تركيا والخليج عموما، لكن الظروف اليوم تبدو مساعدة للدفع بهذا الاتجاه. لم تعد سياسات التنافس الإقليمي جذابة بأي حال لمختلف القوى الفاعلة في المنطقة، كما أن هناك قناعة تشكلت في أنقرة والعواصم الخليجية بأن التعاون الثنائي في القضايا الإقليمية يجلب مزايا أكبر لهما ويضمن لهما تأثيرا أقوى على مساراتها.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدم الاستقرار في علاقات تركيا مع بعض الدول الخليجية في السنوات الماضية خلق هامشا لقوى أخرى مثل إيران لتعزيز حضورها الإقليمي، فإن مواءمة السياسات الإقليمية بين تركيا والخليج تُقلص قدرة طهران على مواصلة توسّعها الإقليمي وتساعد في تحقيق التوازن الإقليمي الذي هو حاجة أساسية للاستقرار الإقليمي. مع ذلك، لا ينبغي النظر إلى الشراكة الجديدة بين تركيا والخليج على أنها موجهة ضد طرف ثالث. إنها حاجة للتوازن والاستقرار الإقليمي قبل أن تكون مصلحة للطرفين.
علاوة على الاقتصاد والتجارة والتعاون الدفاعي ومواءمة السياسات الإقليمية، فإن العصر الجديد من المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى يخلق هامشا للقوى المتوسطة مثل تركيا والخليج لتعزيز استقلالها في السياسات الخارجية.
في الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على الاستفادة من الصراع الروسي الغربي لتعزيز تموضعها الجيوسياسي كقوة وازنة بين الشرق والغرب، فإن دول الخليج تعمل أيضا على تبني هوية جيوسياسية جديدة توازن بين تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة وبين بناء شراكات مع قوى أخرى مثل روسيا والصين وتركيا. ستُساعد الشراكة الجديدة بين تركيا والخليج الطرفين على تعزيز موقفهما في العلاقة مع القوى الكبرى، فضلا عن ملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في المنطقة وحرمان إيران من الاستفادة منه.
مع أن توتر علاقات واشنطن مع تركيا والخليج لعب دورا في إعادة تشكيل العلاقات التركية الخليجية، فإن هذه العلاقات تبعث على الارتياح في واشنطن ما دام أنها تُساعد الولايات المتحدة في مواصلة تخفيف ارتباطها مع المنطقة ودفع حلفائها إلى إدارة شؤونهم باعتماد أقل عليها. كما أن التفاعل القوي بين تركيا والخليج يجعلهما في موقف أقوى في صياغة علاقاتهما مع كل من موسكو وبكين.
سيكون المستفيد الأكبر من الشراكة التركية الخليجية الجديدة هو استقرار منطقة الخليج على وجه الخصوص. أظهر دعم تركيا لقطر في الأزمة الخليجية عام 2017 والجهود الكبيرة التي بذلتها بعد ذلك لإنهاء هذه الأزمة وإعادة توحيد البيت الخليجي أهمية دورها كصانع استقرار في الخليج. ومع العلاقات القوية التي تبنيها اليوم مع مختلف العواصم الخليجية، فإن دورها سيُصبح أكثر أهمية وتأثيرًا للحفاظ على الاستقرار الخليجي. في هذه اللحظة المهمة من تاريخ الشرق الأوسط سيكون للشراكة التركية الخليجية دور مؤثر في عملية إعادة تشكيل النظام الإقليمي.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الترکیة الخلیجیة الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی هذه
إقرأ أيضاً:
الخلل القاتل في الشرق الأوسط الجديد
قالت مها يحيى، مديرة مركز مالكولم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، إن الشرق الأوسط محاصر بحلقة مفرغة من العنف والدمار، دون مسار واضح للسلام الدائم أو الاستقرار.
أعادت الحرب في غزة المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة إلى مستويات عام 1955
وأضافت الكاتبة في مقالها بموقع مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أنه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، دمرت الحروب في غزة ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن المنطقة، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير البنية الأساسية والتعليم وأنظمة الرعاية الصحية.
وعلى سبيل المثال، أعادت الحرب في غزة المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة إلى مستويات عام 1955. وستتطلب إعادة بناء المنطقة ما يقدر بنحو 350 إلى 650 مليار دولار، وتحتاج غزة وحدها من 40 إلى 50 مليار دولار.
تأجيج المزيد من العنفوتابعت الكاتبة أن المقترحات الحالية لحل الأزمات في الشرق الأوسط، تتجاهل الحقائق السياسية والديناميكيات المحلية، مما يجعل من غير المرجح أن تنجح. وبدلاً من ذلك، تخاطر بتأجيج المزيد من العنف.
وعقدت الكاتبة مقارنة بين الدمار الحالي في الشرق الأوسط وأوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1945، كانت أوروبا في حالة خراب، لكن خطة مارشال بقيادة الولايات المتحدة ساعدت في إعادة بناء القارة من خلال ربط إعادة الإعمار بالتكامل السياسي والاقتصادي، وعزز هذا النهج السلام والازدهار.
وفي المقابل، يفتقر الشرق الأوسط إلى رؤية موحدة، إذ انقسمت القوى الإقليمية وتجاهلت مقترحاتها حل التحديات الأساسية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والتدخلات الخارجية خاصة من إيران.
الجهات الفاعلة الرئيسةوانتقدت الكاتبة نهج الجهات الفاعلة الرئيسة، إذ تركز الولايات المتحدة على إضعاف إيران لكنها تتجاهل الحاجة إلى حل سياسي للفلسطينيين. وتفتقر رؤيتها لإعادة إعمار غزة إلى إطار سياسي واضح، مما يعرضها لمزيد من عدم الاستقرار.
وتسعى إسرائيل إلى "نزع التطرف" عن الفلسطينيين وفرض الحكم الفعال قبل إعادة بناء غزة، وهي رؤية خاطئة أخلاقياً وغير قابلة للتطبيق، وفق الكاتبة، حيث أدت سياسات إسرائيل العدوانية، بما في ذلك توسيع المستوطنات والقمع، إلى تفاقم التوترات.
وفيما تفشل إيران تفشل في معالجة سلوكها المزعزع للاستقرار، مثل دعم الميليشيات الطائفة في المنطقة.
وأضافت الكاتبة: في حين أن التدخل الخارجي قد يسهل السلام أحياناً، مثل تدخل الصين لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية، يجب على القوى الإقليمية أولاً حل خصوماتها لتكون وسيطاً فعالاً.
وأكدت مها يحيى أهمية العدالة الانتقالية. فالعفو الشامل قد يؤدي إلى مظالم مستمرة واضطرابات دورية كما رأينا في الحرب الأهلية في لبنان. وتعد محاسبة المسؤولين الرئيسين عن الفظائع في سوريا أمراً ضرورياً لمنع عمليات القتل الانتقامية وضمان السلام الدائم. تحديات تواجه المنطقة وتتباين التحديات في جميع أنحاء المنطقة، حسب الكاتبة، إذ يحتاج لبنان إلى إعادة بناء نظامه السياسي ونزع سلاح حزب الله وتعزيز المؤسسات الوطنية. وتحتاج سوريا إلى تسوية سياسية جديدة تأخذ في الاعتبار الديناميكيات المحلية وتتجنب إعادة مركزية السلطة.
وتواجه غزة تحديات عميقة بسبب افتقارها إلى السيادة والموارد والحكم. وقد تكون السلطة الانتقالية التي تديرها الأمم المتحدة ضرورية في الأمد القريب، لكن الحلول طويلة الأجل تتطلب حكماً بقيادة فلسطينية.
وخلصت الكاتبة إلى أنه دون حلول سياسية فإن جهود إعادة الإعمار ستفشل في معالجة ما أفسدته الحرب، مشيرة إلى أن المساعدات الإنسانية ضرورية لمعالجة المعاناة الفورية، لكنها لا تستطيع حل اختلال التوازن في القوة، أو التوترات العرقية، أو المؤسسات المنهارة.