نسج التحالفات الخارجية الجديدة (2-2)
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
1في الحلقة السابقة رأينا كيف كشفت تحركات الدبلوماسية السودانية الأخيرة عن توجهات جديدة للسياسة الخارجية في السودان لم تكتمل ملامحها ولكنها تبعث بكثير من الإشارات التي تشيء من خلال تتبعها إن السودان مقبل على انعطافة كبرى في علاقاته الخارجية. الآن لماذا يبحث السودان عن تحالفاته خارج نطاق حيزها الجغرافي الحيوي؟.
2
سعى السودان لتأمين علاقاته القديمة مع تركيا. ومعلوم أن لتركيا علاقات قديمة مع السودان (ويعود تاريخ العلاقات السودانية التركية للعام 1555م عندما دخل السودان تحت السيادة العثمانية حين أنشأ العثمانيون ما يعرف بـ إيالة (محافظة) الحبش على جزء من شرق السودان وجزء من دولة إريتريا الحالية وكانت عاصمة تلك المحافظة مدينة سواكن. أما وسط وجنوب السودان فقد بدأت علاقتهما بالأتراك في العام 1821م، عند غزو محمد علي باشا للسودان، واستمرار دولته في حكم البلاد حتى سقوطها على أيدي ثوار المهدية عام 1885م.)
في العصر الحديث تأرجحت العلاقات السياسية كثيراً بين السودان وتركيا واتخذت موقفاً ثابتاً وداعماً للسودان خلال ثلاثين عاماً هو عمر نظام الإنقاذ بقيادة الرئيس السابق عمر البشير. الثابت عبر كل الأنظمة أن علاقات تركيا التجارية مع السودان لم تنقطع وفي تطور مستمر فمن ٤٥٠ مليون في العام ٢٠٢٠ إلى قرابة المليار في العام الماضي.
بدأت خطى العلاقات التركية السودانية تتسارع منذ خواتيم العام الماضي في أعقاب زيارة الرئيس السوداني عبدالفتاح البرهان إلى تركيا التي تمت في 13 سبتمبر 2023، ولم تكشف الدوائر المعنية عن الأجندة الحقيقية خلف الزيارة إلا أن التسريبات أشارت لدعوة تقدم بها الرئيس البرهان لتركيا للتوسط في النزاع السوداني، وقد رحب الرئيس أردوغان بالفكرة إلا أنه لم يحدث أي تطور لتقديم مبادرة لحل الأزمة السودانية أو جمع أطرافها. إلا أن تركيا أعلنت بوضوح دعمها للجيش السودان الذي تعترف به كممثل شرعي للسودان. وفي ظل الاعتراف وضع السودان على طاولة الحكومة التركية طلبات محددة بشأن التعامل التجاري وخاصة في مجال الذهب إضافة لطلب معدات وطائرات مسيرة للمساعدة في مجهوداته الحربية. إلا أن تلك الطلبات لم تظهر نتائجها حتى الآن. تلك الجهود والزيارات المتصلة لوفود سودانية مختلفة سياسية واقتصادية علاوة على تصاعد حركة الواردات التركية للسودان في الفترة الأخيرة جعل نسج تحالف قوي ضروري لمصالح الطرفين وخاصة أن لتركيا مصالح استراتيجية سواء تلك المرتبطة بالسودان أو بحضورها المتنامي في القارة الأفريقية، وكجزء من أهداف تركيا من تطوير علاقاتها مع السودان، يكون السودان بوابتها الرئيسة في أفريقيا.
في طريق نسج تحالفاته الجديدة اتجهت الدبلوماسية السودانية لاستعادة علاقات السودان مع الجزائر وهي علاقات لها تاريخ قديم ومتنوعة، تشمل السياسة والثقافة والتعاون الاقتصادي. خلال فترة الاستعمار، كانت الجزائر والسودان جزءًا من الحركة العربية والأفريقية الأوسع للتحرر من الاستعمار الأوروبي. الجزائر، التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي في حرب استقلال طويلة ودموية من 1954 إلى 1962، وجدت دعماً معنوياً وربما مادياً من السودان على الصعيد الاقتصادى إلا أن أرقام التبادل التجارية متواضعة دائماً وعبر سنوات لم تتجاوز المائة مليون دولار.
جاءت زيارة الرئيس البرهان للجزائر في ٦ فبراير الماضي تطوراً مهماً في العلاقات بين البلدين بعد انقطاع دام سنوات وكان الرئيس البرهان التقى خلالها بالرئيس الجزائري تبون والتي جرى فيها بحث العلاقات الثنائية وسبل تطويرها ولكن بدا الموقف الموحد للبلدين من التدخلات الخارجية في شؤون بلديهما هو الملمح الأبرز في الزيارة وهو ما وحدهما وأشار الرئيس تبون في كلمته أمام الرئيس البرهان إلى أن الجزائر تقف من السودان في مواجهة قوى الشر التي لم يسمها.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الغرض الحقيقي وراء الزيارة تأسيس حلف جديد يكافح قوى الشر عبر إفشال مخططاتها في البلدين علاوة على استكشاف إمكانية تزويد الجزائر السودان ببعض الأسلحة التي يفتقدها الجيش السوداني إضافة لطلب قطع غيار لطائرات السوخوي التي يملك السودان عدد منها وهي تلعب الآن دوراً كبيراً في مكافحة التمرد في المعارك الدائرة بالأقاليم البعيدة عن العاصمة الخرطوم.
إذا استطاع السودان نسج تحالفاته الجديدة مع المحاور التي ذكرنا أعلاه فإن المشهد السوداني السياسي والعسكري بالداخل سيشهدان تغييراً حاسماً لصالح الدولة السودانية والجيش وبالتالي سيكون ذلك مؤثراً في مواقف الإقليمين الأفريقي والعربي وله تأثير كبير في المفاوضات المقبلة في منبر جدة.
وتشكيل حلف خارج الجيوبولتيك وخارج منظومة علاقاته القديمة في الإقليمين العربي والأفريقي. الغريبة أنه في قائمة تحالفات السودان الجديدة نرى زهداً في مقاربة الصين وروسيا وماليزيا وهي الدول التي ظلت حليفة للنظام السابق وهي التي تتولى الآن الدفاع عن السودان في مجلس الأمن.
عادل الباز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الرئیس البرهان إلا أن
إقرأ أيضاً:
امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”
فتحي محمد عبده
وضعنا البيان الصادر عن لجنة المعلمين السودانيين يوم أمس الأول أمام حقائق مهمة ومؤسفة في الوقت نفسه، فيما يتعلق بامتحانات الشهادة السودانية التي قررت حكومة بورتسودان إقامتها بنهاية ديسمبر الجاري. ففي خضم الحرب المستمرة في مناطق واسعة من البلاد لما يقارب العامين، التي أنهكت البلاد وأثقلت كاهل الشعب، تأتي قرارات حكومة بورتسودان بإقامة امتحانات الشهادة الثانوية لعام 2023 في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة فقط، كخطوة غريبة، وهي امتحانات “أُجِّلت” بسبب الحرب وتوسع رقعتها. ومما لا شك فيه أن هذه القرارات تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على وحدة البلاد ومستقبلها. هذه القرارات، التي تبدو في ظاهرها تنظيمية، تحمل أبعادًا سياسية واجتماعية تهدد بالانقسام وتعزيز الإقصاء، وهو ما يمهد الطريق لتقسيم السودان بشكل أعمق وأكثر تعقيدًا.
منذ اندلاع الحرب، أصبح التعليم واحدًا من أكثر القطاعات تضررًا، حيث توقفت المدارس في العديد من المناطق، خاصة المناطق التي وصلتها نيران المتحاربين، وفُقدت فرص التعلم لمئات الآلاف من الطلاب بسبب الظروف الأمنية. ورغم هذه الأزمة، أصرت حكومة بورتسودان على إجراء الامتحانات في 28 ديسمبر 2024، متجاهلة الظروف الأمنية والمعيشية التي تعصف بالبلاد. وفوق هذا كله، قررت عدم إجرائها في ثماني ولايات كاملة وأجزاء واسعة من ست ولايات أخرى، بمعنى أن من أصل ثماني عشرة ولاية سودانية، سيجلس طلاب أربع ولايات فقط للامتحانات بشكل كامل.
وفقًا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، فإن أكثر من 60% من الطلاب المؤهلين للجلوس للامتحانات سيُحرمون منها، خصوصًا في ولايات دارفور وكردفان الكبرى، وأجزاء من الخرطوم، والجزيرة، ومناطق أخرى تعاني من انعدام الأمن أو غياب الخدمات الأساسية. هذه النسبة الصادمة تعكس واقعًا مريرًا يتمثل في استبعاد شريحة كبيرة من الطلاب، وتحويل حقهم في التعليم إلى امتياز يُمنح فقط لمن يعيشون في مناطق محددة يتحكم فيها الإسلاميون ومليشياتهم.
الإصرار على إجراء الامتحانات في هذه الظروف، دون ضمان العدالة والشمول لكل الطلاب المؤهلين، ودون توفير بيئة آمنة لهم، يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطلاب. فالتعليم، الذي يُفترض أن يكون أداة محايدة تُفعّل من أجل الوحدة والسلام، يُستخدم الآن، لقصر نظر هؤلاء، كوسيلة لزرع الفتن، وتكريس الفوارق، وإقصاء فئات واسعة من المجتمع السوداني عن حقوقهم.
بالطبع، فإن قرار إجراء الامتحانات على النحو الذي أقرته حكومة بورتسودان ليس قرارًا إداريًا بريئًا، بل يعكس استراتيجية تتبناها هذه السلطة، التي يسيطر عليها عناصر من النظام السابق، لاستغلال التعليم كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي في مناطق محددة، والتحكم بمصير سكانها بزريعة دولتهم المزعومة، أو “دولة البحر والنهر” كما يحلو لهم الاسم والعنوان.
وبالتالي، إقصاء وحرمان طلاب الشهادة الثانوية في المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة وحلفائها من عناصر النظام العنصري البائد من الامتحانات، سيعمق بالتأكيد الشعور بالظلم، ويزرع بذور الانفصال وتقرير المصير في نفوس سكان هذه المناطق. لأن استثناء ولايات بعينها من العملية التعليمية، يُراد له أن يُرسّخ فكرة أن السودان ليس دولة واحدة متماسكة، وأن يُواصل ما انقطع من مشروع ما يسمى “بثورة الإنقاذ” الذي عمل على تحويل الدولة السودانية إلى مجموعة من الكيانات المنفصلة، تعاني بعضها دون الأخرى من انعدام العدالة وتفاوت الفرص والحرمان من الحقوق الأساسية والدستورية. وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لوحدة السودان ومستقبل أجياله.
الوسومالشهادة السودانية حرب السودان دارفور لجنة المعلمين السودانيين