سجلات الإبادة الجماعية في غزة تمتلئ بأسماء العائلات التي كانت مسجلة سابقاً في الدفاتر المدنية، لكن الآن تحولت إلى دفاتر الشهداء والمفقودين الوضع المأساوي في غزة يظل يتطلب تضافر الجهود الدولية لوقف هذه الجرائم وحماية الأبرياء

خلال أكثر من 7 أشهر من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واحدة من النتائج المروعة هي المسح الكامل لعائلات فلسطينية بفعل القصف العشوائي والمتعمد، حيث لا يميز الاحتلال بين الصغير والكبير، الرجل والامرأة، المقاتل والمدني.

النتيجة الوخيمة هي اختفاء العائلات بأكملها تقريباً، مما يترك وراءه ذكرياتها فقط، بينما يشهد المجتمع الدولي صمتًا مطبقًا بحيث يبدو أنه لا يهتم سوى بحماية القتلة.

مع بداية العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، هربت العائلات إلى مناطق يزعم الاحتلال أنها آمنة، لكنها في الحقيقة تحولت إلى أماكن لتجمعات عائلية. لكن الرغبة في الانتقام من كل فلسطيني دفع الاحتلال إلى استهداف هذه المناطق المزدحمة بالنازحين بطريقة وحشية، مما أدى إلى مقتل العديد من الأبرياء بلا رحمة.

اقرأ أيضاً : 219 يوما من العدوان.. قصف جنوني يجتاح سماء غزة ورسالة المقاومة تشعل تل أبيب

سجلات الإبادة الجماعية في غزة تمتلئ بأسماء العائلات التي كانت مسجلة سابقاً في الدفاتر المدنية، لكن الآن تحولت إلى دفاتر الشهداء والمفقودين، ولا يزال الآلاف من الأشخاص في عداد المفقودين، مع صعوبة وصول فرق الإنقاذ بسبب القصف العشوائي ونقص المعدات.

القصف المتكرر على منازل العائلات الفلسطينية أسفر عن استشهاد وفقدان عشرات الأفراد، مع تحديد الأهداف بواسطة تقنيات متطورة تستند إلى الذكاء الاصطناعي. هذا الوضع يعكس مأساة حقيقية في غزة، حيث تُمحى العائلات بشكل شبه كامل من على وجه الأرض، مع استمرار صمت المجتمع الدولي المدان.

 

 

 

إبادة عائلات

قوافل الشهداء في عائلة الأغا تتعاقب منذ السابع من أكتوبر الماضي في مجازر إسرائيلية أسفرت عن استشهاد نحو 104 شهداء موثّقين، من بينهم 31 طفلًا و24 امرأة، بالإضافة إلى 8 معتقلين لم يعرف مصيرهم حتى اللحظة، وما زال يخفيهم قسريًّا في ظروف احتجاز صعبة للغاية.

في الـ 19 من شهر ديسمبر / كانون أول الماضي، كانت عائلة سالم على موعد مع قدَر ختامي لحياة أبنائها؛ حيث قام سلاح الجوّ الإسرائيلي باستهداف عمارة سكنية في حي الرمال نزح إليها عدد كبير من هذه العائلة، بعد أن تركوا بيوتهم في المناطق التي تشهد قتالاً، لكن العدو لم يتركهم ساكنين ولا نازحين، فألقى عليهم قنابله ليوقع فيهم أكثر من 100 شهيد في لحظة واحدة.

بعد المجزرة حاولت طواقم الدفاع المدني بالتعاون مع المواطنين التعرف على نتيجة المجزرة، لكنهم لم يتمكنوا من معرفتهم جميعًا بسبب عدم القدرة على انتشال الباقين من تحت ركام العمارة السكنية، حتى إن إحصاء عدد الشهداء كان تقريبيًّا حسب ما وجدوا من الشهداء، ولم يتم حصرهم جميعًا.

عائلة “عوض” إحدى العائلات التي فقدت نحو 100 من أفرادها دفعة واحدة، لم يخرج منهم سوى 10 أحياء بإصابات بالغة ومنهم من بترت أطرافه.

قصف واستهداف متعاقب على منازل عائلة عبد الغفور في عدد من مناطق ومدن قطاع غزة؛ أدى إلى محو أُسَر بكاملها من السجل المدني؛ فيما شملت المجازر نساءً وأطفالاً ووجهاء ومشايخ من العائلة؛ حيث ارتقى منها منذ بداية العدوان 72 شهيدًا.

وفي صباح السابع من يناير / كانون ثان 2024 ارتكبت قوات الاحتلال مدزرة بحق عائلة أبو علبة، حينما أغارَ على منازل المدنيين في منطقة الفالوجا بمخيم جباليا شمال القطاع؛ حيثُ تم استهداف منزل للعائلة، وأعلن عن ارتقاء ما يزيد عن 70 شهيدًا ومعظمهم من الأطفال.

أما عائلة حمودة فتعرّضت هي الأخرى لسلسلة من الغارات التي ارتكبها سلاح الجوّ الإسرائيلي في مخيم خان يونس وفي مناطق النزوح داخل غزة، في الفترة بين نهايات شهر أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية شهر ديسبمر/كانون الأول 2023 ، وقد أسفرت هذه الغارات عن ارتقاء أكثر من 60 شهيدًا، جُلّهم من النساء والأطفال.

مع الأسابيع الأولى للعدوان على غزة، تخطى عدد العائلات التي مسحت سجلاتها الـ100 عائلة، ولكن الآن هذه تضاعفت عشرات المرات، ففي بعض الأحيان تجد أن هناك أكثر من 30 فراد من العائلة الواحدة استشهد، وقد تجد العدد يتخطى الـ50، وفي بعض الأحيان 70 شخصًا، ومنهم أكثر من ذلك بكثير، منهم عائلة نفار الذي استشهد منها 50 فردًا بينهم رضيع في عمر الأربعة شهور، ومجزرة عائلة شهاب، التي استشهد فيها 44 شخصا بينهم 20 طفلًا أحدهم رضيع، و26 امرأة، وهناك مجزرة عائلة ملكة التي استشهد فهيا 26 شخصًا، بجانب عائلة الكاتب الفلسطيني يوسف دواس التي استشهد فيها 27 شخصًا من عائلته، في بيت لاهيا في 14 أكتوبر الماضي، وعائلة الناعوق التي استشهد فيها 21 فردًا، وعائلة الغول التي بلغ عدد شهدائها 48 شخصًا.

 

 

كارثة من عائلة إلى أخرى

تنتقل الكارثة من عائلة إلى أخرى، حيث تعاني العائلات المتضررة من فقدان الأحباء والمحبوبين، مما يترك جراحاً عميقة في نسيج المجتمع الفلسطيني، ومع تزايد عدد العائلات المتضررة والمسحوقة تحت وطأة قصف الاحتلال الإسرائيلي، يصبح التحدي أكبر في محاولة حصر عدد الشهداء والمفقودين، وهو أمر يبدو أشبه بمهمة مستحيلة في ظل استمرار الهجمات العنيفة.

من المثير للقلق أن تكون تلك الهجمات لا تقتصر فقط على المناطق المعروفة بالصراع، بل تشمل مناطق سكنية آمنة تمامًا، مما يجعل السكان يعيشون في حالة من الخوف وعدم اليقين حتى داخل منازلهم.

مع استمرار القصف الإسرائيلي وعدم توقفه، يبقى السكان في قطاع غزة عرضة لمزيد من الخسائر والدمار، وسط صمت مؤلم يعم العالم، الذي يبدو أنه يغض الطرف عن مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة.

وبينما تواصل الحكومة الفلسطينية جهودها لتقديم المساعدة والدعم للعائلات المتضررة، فإن الوضع المأساوي يظل يتطلب تضافر الجهود الدولية لوقف هذه الجرائم وحماية الأبرياء.

 

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: الحرب في غزة انفاق غزة الضفة الغربية

إقرأ أيضاً:

أهالي عائلات الأسرى الإسرائيليين يمهلون نتنياهو 24 ساعة لإعادة الكهرباء لغزة

أمهل العشرات من عائلات الأسرى الإسرائيليين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 24 ساعة لإلغاء قرار قطع الكهرباء عن قطاع غزة، محذرين من أن هذا القرار يعرض حياة ذويهم المحتجزين في القطاع للخطر.

وهددت العائلات بالتوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية في حال عدم التراجع عن القرار.

ونقل موقع "والا" العبري أن العشرات من عائلات الأسرى توجهوا مساء الاثنين برسالة تحذيرية إلى نتنياهو، وكذلك إلى وزيري الخارجية جدعون ساعر والطاقة إيلي كوهين، مطالبين "بإلغاء قرار وقف تدفق الكهرباء إلى غزة فورًا"، وإلا فإنهم سيقدمون التماسًا إلى المحكمة العليا خلال 24 ساعة.

وحذرت العائلات في الرسالة التي أرسلوها عبر محاميهم من أن وقف تزويد غزة بالكهرباء "يعرض أحباءهم للخطر الفوري".

واستشهدت الرسالة بموقف جيش الاحتلال، الذي يرى أن توفير الكهرباء ضروري لمنع تفشي الأمراض التي قد تهدد حياة الأسرى.

وفي اليوم الخمسين لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين قرارًا بقطع الكهرباء عن قطاع غزة، مؤكدًا أن "إسرائيل" ستستخدم كافة الوسائل المتاحة لضمان عودة جميع الأسرى، ومنع أي وجود لحركة حماس في القطاع، حسب قوله


ويأتي ذلك في وقت تغرق فيه غزة في ظلام دامس منذ 17 شهرًا، ضمن سلسلة عقوبات فرضها الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب المستمرة، مما أدى إلى أزمة إنسانية مأساوية تفاقمت معاناة 2.4 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر منذ منتصف عام 2006.

ويرى مراقبون فلسطينيون أن قرار وقف تزويد غزة بالكهرباء، الذي تم قطعه بالفعل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يهدف إلى إظهار الضغط على حركة حماس في مفاوضات تبادل الأسرى، سعيًا لتحقيق مكاسب سياسية.

وأعاد القرار الأخير ملف الطاقة إلى الواجهة، حيث قطع الاحتلال الكهرباء المباعة إلى غزة والمقدرة بنحو 120 ميغاوات في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي التاسع من الشهر نفسه منعت جميع الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، في إجراء ما زال مستمرًا حتى اليوم.

وعلى مدار أشهر الحرب، لجأ الفلسطينيون إلى استخدام ألواح الطاقة الشمسية كبديل للتيار الكهربائي، إلا أن الاحتلال استهدف تلك الألواح بشكل متعمد، في إطار سياسة العقاب الجماعي.


أضرار الحرب على الكهرباء
وفقا لشركة توزيع الكهرباء في غزة فإن الاحتلال دمر خلال الحرب 70 بالمئة من شبكات التوزيع في القطاع، بما يعادل 3680 كيلومترًا، وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي. وأضافت في بيان نشرته الاثنين أن 90% من مستودعات ومخازنها دمرت بالكامل، وأن 80 بالمئة من آليات ومركبات التوزيع تعرضت للتدمير الكامل.

وأشارت الشركة إلى أنه منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، لم تدخل أي معدات عاجلة للشركة، لافتة إلى وجود خطة لإصلاح الأعطال، لكنها مرهونة بتوفير موزعات كهربائية وتجهيزات.

وفي السياق ذاته، أكدت الشركة حاجتها لمولدات الطاقة الصغيرة لتشغيل آبار المياه في المناطق المنكوبة، مطالبة بتدخل دولي لوقف انهيار كافة القطاعات جراء توقف الكهرباء.

تداعيات الانقطاع على الأهالي

تسبب انقطاع الكهرباء عن غزة منذ 17 شهرًا في تداعيات كارثية، خففت منها قليلاً دخول وقود منذ وقف إطلاق النار، لكنها عادت للظهور مع إغلاق المعابر. وكان أبرز هذه التداعيات:


مستشفيات في ظلام دامس
مع توقف محطة توليد الكهرباء، اعتمدت المستشفيات على مولدات بديلة، لكن إغلاق المعابر منع دخول الوقود المشغل لتلك المولدات. وأفاد تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر الماضي بأن القطع التعسفي للكهرباء تسبب في توقف مستشفيات ومراكز صحية عن العمل عدة مرات، مما أدى إلى وفيات نتيجة توقف الخدمات الصحية.

تعطل شبكات المياه
 أدى انقطاع الكهرباء إلى تعطيل عمل محطات التحلية وشبكات الصرف الصحي، مما تسبب في انتشار الأوبئة والأمراض، مثل التهاب الكبد الوبائي والأمراض الجلدية.

توقف عمل المخابز
وتسبب انقطاع الكهرباء ومنع إمدادات الوقود في توقف عمل المخابز، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء التي تحولت إلى مجاعة مع تقنين دخول المساعدات الغذائية.

وفي الأول من آذار/ مارس الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، الذي بدأ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.


وتنصل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، حيث يرغب في إطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين دون تنفيذ التزامات هذه المرحلة، خاصة إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة.

وزعم نتنياهو السبت الماضي أن حماس ترفض التجاوب مع مقترح أمريكي لوقف إطلاق نار مؤقت خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، مبررًا بذلك استخدام سلاح "التجويع" المحرم دوليًا، بمنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة في 2 آذار/ مارس الجاري.

من جانبها، أكدت حركة حماس مرارًا التزامها بالاتفاق، وطالبت بإلزام الاحتلال به، ودعت الوسطاء للبدء فورًا بمفاوضات المرحلة الثانية. واعتبرت الحركة قرار منع المساعدات "ابتزازًا رخيصًا وجريمة حرب وانقلابًا سافرا على الاتفاق".

مقالات مشابهة

  • الخارجية الفلسطينية تدين استخدام الاحتلال الإسرائيلي “التجويع والتعطيش” أداة في حرب الإبادة بقطاع غزة
  • 50 يوما على عدوان الاحتلال شمال الضفة.. واعتقالات تطال نائبا بالخليل
  • رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد يلغي العطل الجماعية في فترات الأعياد اليهودية
  • ارتفاع وفيات الأطفال.. الاحتلال يُكثّف عملياته العسكرية في الضفة الغربية بـ"تكتيكات غزة"
  • أهالي عائلات الأسرى الإسرائيليين يمهلون نتنياهو 24 ساعة لإعادة الكهرباء لغزة
  • أبرز عقوبات إسرائيل الجماعية بحق فلسطينيي الضفة والقدس
  • اللبكي يكشف عن عدد العائلات التي نزحت من سوريا إلى عكار.. ولا خطر أمنيًا حتى الساعة
  • باستئناف استخدام سلاح التجويع.. العدو الإسرائيلي يستمرأ جريمة الإبادة الجماعية في غزة
  • إغلاق المعابر يفضح نوايا الاحتلال .. وسلاح التجويع مرة أخرى
  • الاحتلال الإسرائيلي قتل 12316 في غزة.. نساء فلسطين يواجهن التهجير والتجويع