خطة مدغشقر.. يوم قررت ألمانيا النازية ترحيل اليهود إلى مستعمرة فرنسية
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
خطة وضعها الحزب النازي الألماني هدفت إلى نقل اليهود الأوروبيين إلى جزيرة مدغشقر، وبدأ التخطيط لها عام 1938، إلا أن ألمانيا النازية تراجعت عنها بعد خسارتها معركتها مع بريطانيا عام 1941، وإقرارها لاحقا برنامج الحل النهائي لمسألة اليهود بأوروبا عبر ما عرف بـ"المحرقة النازية"، ومنع هجرة اليهود إلى أوروبا وترحيل الموجودين داخلها.
كان أول من اقترح ترحيل يهود أوروبا الشرقية إلى مدغشقر الفيلسوف الألماني بول دي لاغارد عام 1885، ثم ناقشت بولندا واليابان خططا ركزت على إمكانية استخدام جزيرة مدغشقر لتهجير السكان إليها، وذلك لحل مشاكل الزيادة السكانية في البلدين عام 1926.
عام 1937 أرسلت بولندا لجنة إلى مدغشقر لتحديد مدى صلاحيتها لتهجير اليهود إليها، وخلص رئيس اللجنة إلى أن مدغشقر تستطيع استيعاب ما بين 40 ألفا و60 ألف يهودي، لكن يهوديَين كانا من ضمن اللجنة اعترضا على التقييم، واعتبرا أنه لا يمكن توطين سوى ألفي يهودي هناك، خصوصا مع رفض السكان الأصليين في الجزيرة لهجرة اليهود، ومع ذلك بدأت بولندا التفاوض مع فرنسا المستعمرة لمدغشقر حينها.
بدأ الحزب النازي فور وصوله إلى سدة الحكم عام 1933 بالضغط على اليهود لمغادرة ألمانيا، ثم بدأ البحث عن خطط أكثر جدوى لإخراجهم من البلاد بشكل أسرع، إلى أن اعتمدت مدغشقر للترحيل عام 1938 بخطة اتفق عليها كل من القائد النازي يوليوس شترايخر، ووزير الخارجية الألماني يواخيم فون ريبنتروب، والمنظر السياسي ألفرد روزنبرغ وقائد سلاح الطيران الألماني هيرمان غورينغ.
وفي 12 مايو/أيار 1938 حاول رئيس بنك الرايخ الألماني هيلمار شاخت الحصول على قرض دولي لإرسال اليهود إلى مدغشقر، وكانت حجته أن ألمانيا ستحقق ربحا كبيرا لأنه لن يسمح لليهود المهاجرين بأخذ أموالهم معهم، إلا إذا اشتروا بها منتجات ألمانية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1939 وضع ريبنتروب خطة تهجير اليهود إلى مدغشقر، وكانت جزءا من اقتراح السلام الذي قدمته ألمانيا إلى بابا الفاتيكان.
أعضاء من الحزب النازي في ألمانيا الذي بدأ فور توليه الحكم عام 1933 الضغط على اليهود للمغادرة (أسوشيتد برس-أرشيف) تطورات الخطةكان التفاوض الأساسي في خطة مدغشقر بين رئيس بنك الرايخ ورئيس اللجنة الدولية، التي شكلها مندوبو 32 دولة اجتمعوا في مدينة إيفيان الفرنسية في الفترة 6-15 يوليو/تموز 1938.
ونصت الخطة الألمانية على إرسال 150 ألف يهودي خلال 3 سنوات، في انتظار إرسال ربع مليون يهودي آخرين إلى وجهات أخرى، بينما كان على الدول المشاركة في مؤتمر إيفيان أن تتكفل بتمويل هذه العملية، لأن ألمانيا اعتبرت الممتلكات اليهودية ملكا لها.
وقدرت قيمة أموال اليهود في ألمانيا بـ6 مليارات مارك ألماني آنذاك، وخططت ألمانيا لتحويل 25% من المبلغ إلى صندوق خاص يرفع الحظر عنه عندما يتم رفع الحظر المفروض على صادرات ألمانيا.
وحدد دور الجاليات اليهودية في الخارج بتغطية نفقات السفر والإقامة للمهاجرين، من خلال قروض تستخدم لشراء منتجات صناعية ألمانية، وترسل النفقات مباشرة إلى الصندوق الألماني الخاص، أما نسبة 75% المتبقية من رأس المال اليهودي فستعود إلى الرايخ الألماني، باستثناء المبلغ اللازم لدعم اليهود الألمان المتبقين، وبسبب رفض الدول الأعضاء في مؤتمر إيفيان استقبال اللاجئين اليهود توقفت المفاوضات عند هذه النقطة.
وبعد هزيمة بولندا أمام ألمانيا عام 1939؛ أصبح حوالي 1.7 مليون يهودي تحت الحكم الألماني، وقرر النازيون إنشاء "محمية يهودية" في منطقة "لوبين" البولندية، على أن تضم جميع يهود بولندا والرايخ الألماني، وفورا طردت مئات العائلات اليهودية من بولندا لإفساح المجال أمام الألمان القادمين.
أدولف أيخمان أصدر مذكرة لإعادة توطين مليون يهودي سنويا لإخلاء أوروبا منهم (غيتي)ومع سقوط فرنسا أمام ألمانيا النازية في يونيو/حزيران 1940، اقتربت ألمانيا من تنفيذ خطة مدغشقر في المستعمرة الفرنسية، وكان من مقترحات شروط الاستسلام الفرنسي لألمانيا إتاحة المستعمرات الفرنسية -وأهمها مدغشقر- لتكون وجهة لتهجير اليهود من أوروبا، وذلك بالتزامن مع خطة بديلة كانت لدى الزعيم النازي أدولف هتلر تتمثل بترحيل اليهود إلى الاتحاد السوفياتي في حال استطاعت ألمانيا هزيمته في الحرب.
وانتقلت مسؤولية تنفيذ الخطة ومتابعتها من وزير الخارجية إلى رئيس قسم الأمن الأساسي أدولف أيخمان، الذي أصدر مذكرة تدعو إلى إعادة توطين مليون يهودي سنويا لـ4 سنوات، بحيث تصبح أوروبا خالية منهم، وتتحول مدغشقر إلى مستعمرة ألمانية تحت حكم ذاتي يهودي، وتكلّف القوات الخاصة الألمانية بتأمين الجزيرة.
وأيّد الخطة الحاكم العام الألماني الذي عُين على بولندا هانز فرانك، واعتبرها أكثر نجاعة من عمليات ترحيل اليهود سابقا إلى بولندا.
فشل خطة مدغشقرفي مايو/أيار 1941 انتهت المعركة البحرية بين بريطانيا وألمانيا بهزيمة ألمانية، ما جعل تطبيق خطة مدغشقر غير ممكن بسبب خطورة الشحن عبر المحيط الأطلسي في ظل انتشار الغواصات البريطانية فيه.
وفي فبراير/شباط 1942 اعترف السياسي الألماني فرانز راديماخر -الذي كان أحد المشرفين على ترحيل اليهود من فرنسا وبلجيكا وهولندا- بأن خطة مدغشقر ماتت بسبب ظهور خيارات بديلة.
وجاءت تصريحاته بعد مؤتمر وانسي، الذي عقد في برلين في يناير/كانون الثاني 1942 تحت عنوان "الحل النهائي للمسألة اليهودية"، وناقش فيه 15 مسؤولا نازيا الخطط البديلة للتخلص من اليهود في أوروبا، وشملت الترحيل وإنشاء المعسكرات والقتل بديلا عن تنفيذ خطة مدغشقر التي تعذر المضي فيها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات إلى مدغشقر الیهود إلى
إقرأ أيضاً:
لماذا يستحيل ترحيل 13 مليون مهاجر كما يريد ترامب؟
واشنطن- أكد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الاثنين الماضي، أنه يعتزم إعلان حالة الطوارئ الوطنية واستخدام الجيش للمساعدة في خططه للترحيل الجماعي لملايين المهاجرين غير النظاميين.
وعلى منصته للتواصل الاجتماعي، تروث سوشيال، أعاد ترامب نشر تغريدة لتوم فيتون الذي يدير مجموعة المراقبة القضائية المحافظة التي قال فيها إن إدارة ترامب "ستعلن حالة طوارئ وطنية وستستخدم الإمكانيات العسكرية لمعالجة الهجرة غير النظامية عبر برنامج ترحيل جماعي"، وعلق عليها بكلمة واحدة، "صحيح".
وخلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بالبدء بعمليات الترحيل الجماعي في اليوم الأول من رئاسته. ويلقى "تشدده" هذا تأييدا كبيرا في الدوائر الجمهورية، خاصة بين أبناء الطبقات العاملة ذات التعليم المحدود، التي يقلقها قدوم ملايين المهاجرين سنويا دون عمليات تدقيق جادة عند عبورهم الحدود، إضافة لما يعتبرونه آثارا ضارة تخفض مرتبات المهن المتدنية، وترفع أسعار الإيجارات والمساكن.
سلطة واسعةويمنح الكونغرس الرؤساء سلطة واسعة لإعلان حالات الطوارئ الوطنية وفقا لتقديرهم وصلاحيات مؤقتة تشمل إعادة توجيه الأموال التي خصصها المشرعون لأغراض أخرى.
وخلال فترة ولايته الأولى، استند ترامب إلى هذه السلطة لإنفاق المزيد على بناء الجدار الحدودي أكثر مما كان الكونغرس على استعداد للسماح به. ورشح توم هومان لشغل مهمة "قيصر الحدود" المعروف بالتشدد والرغبة في ترحيل كل المهاجرين غير النظاميين.
غير أن الحكومة الفدرالية تملك إمكانيات متواضعة لاحتجاز أعداد ضخمة من المهاجرين. وتستخدم سلطات الهجرة الأميركية مرافق ومخيمات لإيوائهم لفترات قصيرة من الزمن. وتشير بيانات وحدة بحثية متخصصة في بيانات الهجرة بجامعة سيراكيوز إلى وجود نحو 39 ألف مهاجر محتجزين حاليا في انتظار عملية ترحيلهم.
وترحل السلطات الأميركية بصورة دورية مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين سنويا، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار تدفق ملايين جدد من الحدود الجنوبية ووصول إجماليهم إلى حوالي 13 مليون شخص، لذلك يستبعد خبراء كُثر تنفيذ ترامب لتعهداته.
وتتطلع إدارة ترامب لتعاون الولايات والمدن في تنفيذ خطتها. والثلاثاء الماضي، عرضت عليه ولاية تكساس مزرعة ضخمة في مقاطعة ستار لبناء مراكز احتجاز عليها. وفي خطاب اطلعت عليه الجزيرة نت، أخطرته مفوضة الأراضي في تكساس داون باكنغهام بشراء مزرعة بمساحة ألف و402 فدان على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، على بعد حوالي 35 ميلا غرب مدينة ماكالين الحدودية.
كما أكدت له أن مكتبها سيعمل مع الوكالات الفدرالية لبناء مراكز احتجاز ضخمة. وكتبت باكنغهام "مكتبي مستعد تماما للدخول في اتفاق مع وزارة الأمن الداخلي والهجرة والجمارك أو دورية حرس الحدود الأميركية للسماح ببناء منشأة لمعالجة واحتجاز وتنسيق أكبر ترحيل للمجرمين العنيفين في تاريخ البلاد".
وتخضع تكساس لسيطرة الجمهوريين، ويعد حاكمها غريغ أبوت من أكثر حكام الولايات الحدودية تشددا ضد المهاجرين، لكن الحكام الديمقراطيين للولايات الثلاث الحدودية الجنوبية الأخرى –كاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو- قالوا إنهم لن يساعدوا في عمليات الترحيل الجماعي.
من ناحية أخرى، تنتخب أغلب المدن الجنوبية عُمدا من الحزب الديمقراطي يتحفظون على تقديم أي عون للحكومة الفدرالية في تنفيذ أي عمليات مطاردة أو احتجاز مهاجريين غير نظاميين. ومثلا، أقر مجلس مدينة لوس أنجلوس، أمس الأربعاء، مرسوما بعنوان "مدينة الملاذ" لمنع استخدام الموارد المحلية لمساعدة سلطات الهجرة الفدرالية.
تحديات قانونيةوفي تقرير لمعهد سياسة الهجرة بواشنطن، قالت كاثلين بوش جوزيف "من المرجح أن نرى فجوة بين الولايات الحمراء الجمهورية والزرقاء الديمقراطية تتسع فيما يتعلق بالتعاون مع أهداف الهجرة لإدارة ترامب".
وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الأمن الداخلي ومعهد أبحاث بيو إلى أن 80% من المهاجرين غير النظاميين يعيشون في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمان. ويحق للموجودين دون وضع قانوني الحصول على الإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك جلسة استماع في المحكمة قبل ترحيلهم.
ومن المرجح أن تؤدي الزيادة الكبيرة في عمليات الترحيل إلى توسع كبير في نظام محاكم الهجرة، الذي يعاني من تراكم كبير للغاية نظرا لقلة عدد القضاة.
ومع تبني العديد من أكبر المدن والمقاطعات قوانين تقيد تعاون الشرطة المحلية مع قوات إنفاذ قوانين الهجرة الفدرالية، تعهد ترامب باتخاذ إجراءات ضدها، إلا أن تعقيدات القوانين المحلية والولائية والفدرالية يزيد من تعقيد الصورة. ويُنتظر أن يواجه أي برنامج ترحيل جماعي تحديات قانونية من منظمات مدنية داعمة للمهاجرين وجماعات حقوق الإنسان.
يقول حسام الدين عمر، وهو محام عربي بواشنطن متخصص في قضايا الهجرة، للجزيرة نت، إن سياسات اللجوء تغيرت أثناء سنوات حكم ترامب عدة مرات، بسبب تدخل المحاكم الأميركية ورفض بعضها سياساته لعدم دستوريتها.
وأضاف أن عملية الترحيل طويلة ومعقدة ولا تبدأ إلا بتحديد هوية المهاجر غير النظامي واعتقاله. وبعد ذلك، سيحتاج المحتجزون إلى إيوائهم في مراكز احتجاز قبل مثولهم أمام قاضي الهجرة، وهي عملية قد تستغرق سنوات في ظل التراكم الكبير الذي تعاني منه.
تكلفة كبيرةخلال إدارة الرئيس جو بايدن، ركزت جهود الترحيل على المهاجرين المحتجزين مؤخرا في مناطق حدودية وعلى الذين يتم ترحيلهم من مناطق لا تقع قرب الحدود ممن لديهم سجل إجرامي أو يعتبرون تهديدا للأمن القومي. وسيكون من الصعوبة تحديد واحتجاز غالبية المهاجرين غير النظاميين ممن دخلوا الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة.
في الوقت ذاته، يبلغ عدد ضباط وحدة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (آي سي إي) 20 ألفا، وهو عدد ضئيل لا يكفي للعثور على ملايين المهاجرين أو تعقبهم واحتجازهم. ولا يستغرب خبراء قول ترامب إنه سيشرك الحرس الوطني أو قوات عسكرية أميركية للمساعدة في عمليات الترحيل.
وتاريخيا، اقتصر دور الجيش على وظائف الدعم على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. ولم يقدم ترامب سوى تفاصيل قليلة حول كيفية تنفيذ خطة الترحيل الجماعي هذه، ووعد بتقديم حوافز لإدارات الشرطة الحكومية والمحلية للمشاركة في عمليات الترحيل.
يقدر الخبراء أن الفاتورة الإجمالية لترحيل مليون مهاجر فقط ستصل إلى عشرات أو حتى مئات المليارات من الدولارات، ويجب توفير وبناء مناطق احتجاز مناسبة لإيواء مئات الآلاف وربما الملايين منهم. كما سيضطر ترامب إلى مضاعفة عدد رحلات الترحيل الجوية، وربما اللجوء لطائرات عسكرية لزيادة قدرة العمليات وسرعتها.
وكشف تقرير صدر عن "مجلس الهجرة الأميركي" أن ترحيل مليون مهاجر سنويا سيكلف سنويا 88 مليار دولار وأن الأمر سيستغرق أكثر من 10 سنوات، ويحتاج لبناء مئات إلى آلاف من مرافق الاحتجاز الجديدة لاعتقال واحتجاز ومعالجة وترحيل جميع المهاجرين المستهدفين البالغ عددهم نحو 13 مليونا.
وبافتراض أن 20% منهم سيغادرون طواعية خلال أي جهد ترحيل جماعي، ستبلغ التكلفة الإجمالية على مدى 10 سنوات (بافتراض معدل تضخم سنوي قدره 2.5%)، 967.9 مليار دولار.