لجريدة عمان:
2025-04-26@23:26:45 GMT

كيف نستعيد هويتنا؟

تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT

يصعب على أي إنسان قد انشغل بالثقافة والحياة العامة، وأمضى حياته كلها شغوفا بمختلف المعارف الإنسانية، ورغم ذلك لا يعرف أي المجالات كان أكثر فائدة في حياته الثقافية، وقد سئلت في مناسبات مختلفة عن أي الموضوعات التي كنت شغوفا بها؟ أيها كان أكثر فائدة، التخصص الأكاديمي (التاريخ) أو الفكر أو الفن؟ وفي كل مرة كنت أعجز عن تحديد أكثر المجالات تأثيرًا في حياتي، بل أعتقد أن معظم من ارتبطت بهم من أصدقائي وأساتذتي حتى ولو كانوا من الأكاديميين لا يدينون لفرع معين، ولا يستطيعون تحديد أي المجالات كان أكثر تأثيرا على حياتهم الثقافية والاجتماعية، وحتى الأكاديمية، بينما أعرف الكثيرين أيضا ممن صُنفوا في قوائم الشعراء أو الروائيين أو الفلاسفة، وكان لبعضهم السبق في أي من هذه المجالات، ولكن بعد هذه الخبرة الطويلة من حياتي، فمن المؤكد أن كل من حقق نجاحا مؤثرا في محيطه العربي أو الأجنبي، رساما موسيقيا مؤرخا فيلسوفا شاعرا، كل هؤلاء وضعوا في قوائم مختلفة، لعل أهم ما يميز هؤلاء جميعا أنهم نظروا للثقافة والمعرفة بكل صنوفها باعتبارها وحدة موضوعية متكاملة يصعب الفصل بينها جميعا، حينما استهوتهم المعرفة بصرف النظر عن مسمياتها، وهم في كل الأحوال لا يرون الرسم مثلا أو فنون العمارة أو مختلف الفنون البصرية إلا موضوعا واحدا، تختلف مسمياته لكن لا يختلف محتواه.

لعلنا في حاجة إلى أن تتولى إحدى مؤسساتنا الثقافية المعنية بالثقافة بالمعنى الحقيقي، العمل على إعداد دراسة من خلال استبيان يمكن تعميمه على المثقفين والشباب المبدعين في كل أنحاء العالم العربي لكي يجيبوا على سؤال واحد، لعله السؤال الأهم: هل يمكن معرفة كيف بدأ شغفكم بما أبدعتم فيه؟ وأي مجال في القراءة كان له التأثير الأكبر؟ ومتى اكتشفتم أنفسكم؟ وهل اكتشفتموها في التصوير، أو المسرح، أو السينما، أو القراءات الأدبية والفلسفية والاجتماعية؟ ما هو المجال الذي حدد مستقبلكم في كل هذه المعارف؟ ..إلخ. خلال قراءاتي ومشاهداتي لكثير من مثقفينا وفنانينا وأكاديميينا في كل العالم العربي، كثيرا ما سئلوا عن هذه الأسئلة أو غيرها من الأسئلة التي شكلت تكوينهم، وقد تبين لي بأن الغالبية منهم أجابوا بأنه لا يوجد مجال واحد، ولا فكرة واحدة، في الأدب والفن والفكر لكن كل هذه المجالات قد أخذتنا إلى عوالم فسيحة كل عالم يُسلمنا إلى العالم الآخر، وكوننا أبدعنا في جانب أو آخر إلا أن مكوننا ومخزوننا كان مصدره المعرفة بكل صنوفها، حيث تندرج تحتها كل المجالات الثقافية والفنية.

لعل الهدف من هذا المقال أنه يتناول روح التنمية الحقيقية، التي تستهدف الإنسان منذ بداية حياته المبكرة، فالطفل مثلا عند التحاقه بالمدارس الإلزامية غالبًا ما يكون موهوبًا في واحد من مجالات الإبداع، رساما، أو كاتبا،أو رياضيًا، موهوبًا لديه قدرة على استيعاب ما يقرأ، كل هذه الأمور في حاجة إلى معلم مؤهل، فضلاً عن إمكانات المدرسة من المكتبة إلى غرف الابتكارات إلى الملاعب الرياضية.

كثيرون من كبار مثقفينا في العالم العربي، وخصوصًا من جيل الآباء، لم ينخرطوا في برامج الدراسة النظامية، وانتهى الأمر ببعضهم منظرين ومفكرين وفنانين، وعند دراسة المسيرة الذاتية لحياتهم، نجدهم جميعا يشيرون إلى مكتبة قد استفادوا من معارفها، أو من شخص ما قد أخذ بيدهم لكي يرشدهم إلى هذه العوالم الساحرة، وفي عالمنا العربي هناك نماذج يصعب القياس عليها، حينما أخذتهم غواية المعرفة، نقرأ نتاجهم الفكري والأدبي والفلسفي، وكانوا جميعا بمثابة الفسائل التي أينعت وأثمرت زروعًا وثمارا.

في نهاية الرحلة التي بدأتها في قريتي الصغيرة في شمال مصر، ومنها سافرت وشاركت وأدرت مؤسسات ثقافية كبيرة، لكنني أتذكر جيدا الكثير مما اختزنته الذاكرة، وخصوصًا في المرحلة الجامعية، حينما كانت الثقافة والفن والحوار جميعهم بمثابة قضية واحدة، وكان من حظنا أن البعد الجغرافي لم يكن عائقا عن التواصل مع العاصمة (القاهرة) حينما شيدت الدولة ما سمي بالقصور الثقافية في المحافظات، أتبعتها ببيوت ثقافية في المراكز والقرى، يتولى إدارتها جميعًا جيل من أوائل خريجي الجامعات في مختلف الفنون والآداب، شريطة أن تكون لهم اهتمامات بأي من هذه المجالات، ولقد لفت نظري في الأرشيف المصري الأوراق التي كتبها جمال عبد الناصر بخط يده، مقترحا تعميم هذا المشروع على كل إنحاء مصر، وأعتقد أنه كان عائدا من رحلة إلى يوغوسلافيا، لعله قد استقى هذه الفكرة من المجتمع اليوغسلافي، أتبع كل ذلك بمشروع عملاق في كل مجالات القراءة، حيث راحت المطابع الحكومية تنتج كل يوم عشرات الكتب المؤلفة والمترجمة من كل لغات العالم، وكان النشاط المسرحي من القرية (مسرح الجرن) إلى المدينة، إلى عواصم الأقاليم، وقد شاهدت بعيني جموع الفلاحين وهم يتزاحمون على مشاهدة هذه العروض المسرحية التي كان يصعب على بعضهم فهم محتواها الفكري والفني، بينما كانت الأنشطة الجامعية التي يديرها الشباب في كل المجالات، لم أكن أراهم شبابا، كانوا رجالاً مسلحين بخبرة الكبار، كل هذه الأنشطة والبرامج في مختلف المجالات كان لها آباء كبار في المسرح والرواية والفنون التشكيلية والسينما والشعر، حتى في مختلف المجالات الأكاديمية.

كنا نتحاور مع الكبار، ولا نجد حرجا في أن نسألهم أسئلة صعبة، بل نتهمهم أحيانا باتهامات قاسية، من قبيل مهادنتهم للسلطات، وكانت دائما نظرية المؤامرة حاضرة عند الكثيرين منا، لكن كانت قلوب الآباء متسعة، والنفوس صافية، والجميع يشعر بالهم الأكبر، حينما كان الجيش المصري يخوض حروبا ضارية على الجبهة، في هذه الفترة المبكرة من حياتي رأيت طه حسين ويحيي حقي ويوسف السباعي ولويس عوض، وشاهدنا حوارات الأستاذ هيكل في مناسبات مختلفة، وعشنا أزمة مصطفى وعلي أمين مع النظام ومحنتهما الكبيرة، ورأيت القاهرة وهي تحتضن الكثير من حركات التحرر الوطني الأفريقي، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، والحصار الضارب على مصر من كل اتجاه، إلا إننا جميعا كان يملأنا الفخار ليس في مجال السياسة فقط، وإنما في متعة القراءة ومشاهدة مختلف صنوف الفنون، ثم جاءت حقبة السبعينيات وما أدراك ما السبعينيات، حيث عشنا أزمانا أخرى، حينما أقحمنا الدين في السياسة والحياة الاجتماعية، وظهر من بيننا من يفتي بقتل المخالفين، وكان من نتائج ذلك قتل فرج فودة والدكتور رفعت المحجوب، ومحاولة قتل نجيب محفوظ ومكرم محمد أحمد، وهي أحداث مروعة بدأت بسبق إصرار وترصد، وبدعم معنوي وربما مادي من أنصار المذاهب الدينية الضيقة، التي اخترقت معظم عالمنا الإسلامي والعربي، وتسببت في إهدار كثير من الدماء، واستطاعت حصار العقل لصالح النص الذي لم يستطيعوا فهمه، ورغم مرور كل هذه العقود الطويلة، لكننا اليوم أحوج ما نكون لاستعادة هويتنا في المدرسة والجامعة، على أن تكون الثقافة بمعناها الشامل والمتسع هي الموضوع الأهم شريطة أن يتم ذلك من خلال برامج مبتكرة بعناية، وخصوصًا للناشئة والشباب لعلنا نصلح ما أفسدناه بأيدينا.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کل هذه

إقرأ أيضاً:

وزير الكهرباء يجتمع بقيادات الطاقة الذرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أجرى الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، اليوم الخميس ، زيارة ميدانية إلى موقع هيئة الطاقة الذرية بمنطقة أنشاص بمحافظة الشرقية والذى يضم مركز البحوث النووية ومركز المعامل الحارة والعديد من المعامل والمراكز البحثية في مختلف التخصصات العلمية ، ويأتي ذلك في إطار السياسة العامة للدولة بدعم المؤسسات البحثية والعلمية ، والعمل على تعظيم دور الهيئات المتميزة والاستفادة من البحث العلمي وتطبيقاته في المجالات المختلفة ومنها مجال الطاقة الذرية ودعم المشروعات البحثية التطبيقية وتوطين التكنولوجيا الحديثة وإضافة قيمة اقتصادية من خلال استخدام البنية التحتية المتوافرة

تأتي الزيارة في إطار الجولات الميدانية المستمرة الى مختلف مواقع العمل والإنتاج والهيئات والقطاعات التابعة للوزارة في جميع المحافظات، وذلك للوقوف على الواقع الفعلي لمجريات سير العمل وأهم التحديات لتحسين معدلات الأداء والنهوض بالقطاعات التابعة وتعظيم العوائد ودعم واستثمار الكفاءات والخبرات المتراكمة لاسيما فى الهيئات البحثية والعلمية التابعة  
 

هيئة الطاقة الذرية منبراً بحثياً يشار اليه في المحافل الدولية 

استهل الدكتور  محمود عصمت الزيارة الميدانية والتى تعد الثالثة إلى موقع الهيئة بمنطقة أنشاص خلال الشهور الماضية، بحضور الدكتور عمرو الحاج على رئيس الهيئة ورؤساء المراكز العلمية والقيادات ومجموعة من العلماء بالهيئة ، 
حيث أستمع إلى شرح تفصيلي من قيادات العمل والباحثين فى مختلف المجالات والتخصصات حول اهمية ودور المراكز والمعامل البحثية والعلمية ومنها مركز البحوث النووية والذي يعد أهم وأقدم مراكز الهيئة والذي يحتوي على مفاعلي مصر البحثي الثاني والأول ، والعديد من المعامل والمنشأت البحثية ، وتم استعراض أنشطة المركز في مجال انتاج السلالات المتميزةمن القمح والجاري تجربتها حالياً في مزارع وحقول تجريبية فى العديد من مناطق الاستصلاح والمحافظات للمساهمة في انتاج طفرات جديدة ذات إنتاجية كبيرة تزيد بحوالي 30%  عن الأصناف التقليدية  والتي ستساهم في سد الفجوة الغذائية وتحقيق قدر آمن من الاكتفاء الذاتي  ، وكذلك مسئولية المركز عن انشطة الكشف الإشعاعي على مستوى جميع منافذ الجمهورية من خلال فرق مدربة ومعامل للكشف الإشعاعي، وتم استعرض مشروع تطوير مفاعل مصر البحثي الأول الذي أنشأ في الستينات ، ومجريات خطة التطوير والتي تشمل البنية التحتية و توفير كوادر بشرية شابة لضمان الأستدامة 

تناول الاجتماع مجالات عمل مركز بحوث الأمان النووي والإشعاعي وأهم الأنشطة لخدمة المجتمع في مجالات  الطب النووي والصناعة والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية حيث أنه المركز الوحيد في مصر المتخصص في مجالات الأمان النووي والإشعاعي كما أنه يشمل مجموعة متميزة من الكوادر البشرية ذات خبرات في مجالات أمان المواد المشعة والمنشأت في المجالات التطبيقية المختلفة ، وكذلك الدور الهام والفعال كمركز متميز فى تقديم الدعم الفني لجميع مجالات وتطبيقات الأمان النووي والإشعاعي والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية ودعم شركات البترول ووحدات الطب النووي والإشعاعي بالمستشفيات وكذلك الهيئات النووية الأخرى. 
 

العمل بروح الفريق والأهتمام بالكوادر البشرية 

 

قال الدكتور محمود عصمت ان هيئة الطاقة الذرية تمتلك كفاءات وخبرات متراكمة ، وقدمت العديد من النتائج العلمية والبحثية التى تم تطبيقها، مؤكدا ضرورة وضع فكر استراتيجي لمواجهة التحديات ودعم الهيئة سواءاً لتطوير البنية التحتية أو لتوفير الكوادر  لأنها شريك رئيسي فى خطة التنمية المستدامة والمشروعات التنموية فى شتى المجالات الاقتصادية خاصة مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وتطبيقاتها في المجالات المختلفة مثل  العلوم الطبية وعلاج الأورام وانتاج النظائر المشعة والاستصلاح وزيادة انتاجية المحاصيل خاصة محاصيل الحبوب والتصنيع الزراعي وحفظ المنتجات وتوطين الصناعة والتكنولوجيا الحديثة وتعد منبراً بحثياً يشار اليه فى المحافل الدولية فى مجال تطوير ونشر ودعم الاستخدامات السلميّة للطاقة الذرية ، موضحاً ضرورة العمل بروح الفريق ودعم توفبر الكوادر البشرية الشابة بالهيئة لضمان الإستدامة ، مضيفاً ان الزيارات المتكررة تأتى فى اطار توجه الدولة بالاهتمام والاستفادة بنتائج البحث العلمى وتوطين التكنولوجيا ودعم التصنيع المحلى خاصة في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

1000141344 1000141345 1000140995

مقالات مشابهة

  • وصفه بالقائد البارز : مكتب السيد السيستاني يعزي بوفاة البابا فرانسيس
  • عُرف بمناصرته للقضية ورفض التهجير.. «الكوفية الفلسطينية» حاضرة في جنازة البابا فرانسيس
  • إقامة قداس البابا فرنسيس وسط مشاركة مختلف أنحاء العالم
  • أجراس الكنائس تقرع لبدء مراسم دفن البابا فرنسيس
  • الفاتيكان يختتم استعداداته لتشييع جنازة البابا فرانسيس بساحة القديس بطرس
  • بالفيديو.. كيليا نمور تتألق في كأس العالم للجمباز بالقاهرة وتتأهل إلى نهائي جهاز المتوازي
  • الوزير الشيباني: بعد سقوط نظام الأسد بدأت سوريا أخيراً تلتقط أنفاسها ووصلت إليها شخصيات من مختلف دول العالم وأبناؤها اللاجئون في العالم
  • بعد LGV القنيطرة مراكش.. المغرب أصبح يتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة في العالم
  • والي الشمالية يصل دنقلا لاستلام مهامه
  • وزير الكهرباء يجتمع بقيادات الطاقة الذرية