عائض الأحمد
في مكانٍ ما وزمنٍ ما، تحت ظل تلك الشجرة الوارفة الظلال، أمسكَ بيدي وقال: سأسديك نصحًا دون مقابل، شريطة أن تنصت وتستمع دون مقاطعة، وبانتباهٍ شديد دون أن يرجف لك جفن أو تحرك ساكنًا؛ وذلك لأهميه ما سأقول.
الحقيقة أنها كانت رحلة وحديث سفر.. هذا ما ظننته إمضاء وقت، فقبلتُ ولم أكن أعلم بأنه يتحدث بصدق وحرص أكبر مما فهمت، فبدأ يسرد مستعينًا بالله: "الحياة يا صاحبي فرصة واحدة لن تتكرر؛ فاغنمها بما فيها وإياك أن تتذمر من معوقاتها، فكما كانت معك يومًا ستكون لغيرك، فابتسم، فحتمًا ستأتي خاضعة مُطأطئة الرأس، تقول لك هلم فأنا بانتظارك.
حكمة بالغة كان لها أثر كبير في نفسي، ولم يكن سيفسدها غير تلك الحادثة العارضة، حينما استوقفنا أحد رجال الشرطة، فنزل صاحبي الحكيم مستخدمًا كل لغات العالم ولغه أهل البلد، وأضاف لها بعضًا مما فهمه خلال الرحلة من لهجاتهم المحلية مُتذمرًا ساخطًا متسائلًا: لماذا وكيف وأين النظام وما كل هذا؟! وأنا صامت من هول ما رأيت من "حكيم السفر"!!
يا رجل أين كل تلك الحكم مما نحن فيه (أُحدِّثُ نفسي الآن)، وعرفت أن لديه المزيد ولم نكن نطوي هذه الحادثة قبل أن يعلق مع أحدهم في نقاش عقيم، وكيف لهم أن يأكلوا بهذه الطريقة المقززة، ونحن في القرن الواحد والعشرين. لم يكن حامل الحقائب أحسن حالًا، فلم يسلم من نقده؛ بل ووصل به الحال أن يشرح له ما يراه صحيحًا في حمل الحقائب ذات العجلات عن غيرها، وما تزال حيرتي، أيُّ رجل عَلَقتُ معه وأي حكمة بالغة كنتُ أنشُدها، وأنصتُ لها منتظرًا تبريرًا أو همسة تطفئ غضبي وعجبي!
الجانب الآخر دائمًا تراه في السفر، البحث عن إجابات سيُرهقك، واعلم أن الدرس الحقيقي هو الحب.
فاصلة: كفَّتُك تميل دائمًا، فلا تُحمِّلها أكثر مما تحتمل.
ختامًا: الطوق ليس كما يشاهدوه؛ بل بما أشعر به.
شيء من ذاته: الأيام تتشابه حين نفترق، وتتعاقب الفصول في وجودك.
نقد: ستجدَ شعوري اللحظي وليس ما تُخطط لقراءته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جحود الأبناء.. قصة رجل ضحى بعمره من أجل أولاده فطردوه من المنزل
وسط ضجيج الحياة وصراع الأجيال، يقف عم محمد رجل بسيط، يحمل فوق كتفيه أثقال سنوات الغربة، وسنوات الشقاء، لم يكن يعلم أن تعب الثلاثين عامًا في الغربة، وعرق السنين، ستنقلب عليه يومًا، فيجد نفسه غريبًا في بيته، منبوذًا من أبنائه الذين رباهم ليكونوا أحسن منه.
وقال «عم محمد» في لقائه مع الإعلامية نهال طايل، في برنامج «تفاصيل» المذاع على قناة «صدى البلد2»: «سافرت كتير، يمكن 30 سنة سفر، وقلت عيالي ما يشوفوش اللي أنا شفته، عشان الواحد عاوز عياله زيها أحسن منه مهما يكن».
حلم الأب لم يكن سوى حياة أفضل لأبنائه، بعيدًا عن الشقاء، لكنه لم يكن يعلم أن تلك الرحلة ستُخصم من رصيده العاطفي لديهم.
يروي عم محمد: «المجلس قالوا عاوزين عقد بيع عشان الترخيص يتم، فعملت العقد باسم زوجتي، عشان عداد ميه وكهربا لازم تكون موجودة».
قرارات بسيطة في ظاهرها، لكنها كانت بداية القصة، والترخيص باسم الزوجة، أما الأرض فباسمه، لأنه كان دائم السفر، وكانت هي من تدير شؤون الحياة.
يتنهد عم محمد بحرقة ويقول: «توفت مراتي يوم 16 /10 /2013 وقتها كنت بطلت السفر وبقيت أشتغل عامل، بزرع في الأرض».
كل ما فعله كان من أجل أولاده، لكن رد الجميل كان عكسيًا، فلم يُحترم كأب، ولم يُعترف بحقه في البيت الذي بناه بيديه، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصل الحال إلى أن يخاف من دخول بيته، أو أن يصبح هو الغريب في المنزل الذي تعب لبنائه.