ممر لوبيتو.. رد واشنطن على طريق الحرير الصيني بأفريقيا
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
تحولت أفريقيا إلى حلبة صراع دولي متزايد الحدة، برز فيه بشكل ملحوظ دور قوى جديدة على رأسها الصين التي استفادت من ملاءتها المالية الضخمة لاختراق دول القارة، وتثبيت مواطئ أقدامها من خلال مقاربات متعددة الأبعاد استطاعت تقديمها بديلاً عن القوى الاستعمارية التقليدية.
هذا الحضور الصيني المتصاعد في أفريقيا، التي وصفها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنها "قارة المستقبل"، أطلق جرس الإنذار في العواصم الغربية، ودفعها إلى محاولة كبح تمدد بكين من خلال مشاريع منافسة من أبرزها "ممر لوبيتو".
يطلق عليه أيضا "الممر العابر لأفريقيا" وهي تسمية توضح طبيعته المخترقة لـ3 من دول القارة، حيث يتشكل من خط للسكك الحديدية بطول 1300 كيلومتر يمتد من ميناء لوبيتو الأنغولي المطل على المحيط الأطلسي غرب القارة، إلى مدينة لواو على الحدود الشمالية الشرقية لأنغولا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية بالقرب من شمال غرب زامبيا، حيث تشكل الدولتان جزءا من منطقة ما يسمى "حزام النحاس" الأفريقي، ويسير الخط لمسافة 400 كيلومتر أخرى داخل الكونغو الديمقراطية منتهيا إلى مدينة كولويزي في قلب مناطق التعدين.
ورغم أن الخط قديم الإنشاء فقد تم بعثه من جديد، حيث أعلن بيان مشترك صادر عن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2023 عن دعم الطرفين لمواصلة تطوير الممر وتوسيعه ليضم زامبيا كذلك.
وليشكل ما وصفه تقرير صادر عن موقع جيوبوليتكال مونيتور، المهتم بالشؤون الأمنية والاستخبارية، بأنه "رد واشنطن" على مبادرة الحزام والطريق الصينية في أفريقيا.
(الجزيرة)ووفقا لموقع الإيكونوميست إنتيلجنس، فإن الخط ستتم إدارته من عدة شركات أوروبية تحت إدارة "لوبيتو أتلانتيك للسكك الحديدية" التي حازت على امتياز من الحكومة الأنغولية سيمتد لعقود من الزمن.
وتم التخطيط لاستثمار ما يزيد على 450 مليون دولار أميركي في أنغولا لتحديث البنية التحتية لسكك الحديد، إلى جانب استثمار 100 مليون أخرى في الكونغو الديمقراطية وزامبيا.
وعند اكتمال المشروع سيكون خط السكة الحديد قادرا على التعامل مع حجم بضائع يبلغ 5 ملايين طن سنويا (ارتفاعا من أقل من مليون طن حاليا)، يتم الحصول عليها بشكل أساسي من الكونغو الديمقراطية وزامبيا.
ويعد ذلك المشروع أكبر استثمار أميركي في البنية التحتية في أفريقيا من خلال تقديم واشنطن دعما بقيمة 250 مليون دولار، بجانب تدفقات أخرى من الاتحاد الأوروبي ومؤسسات أخرى.
في حال اكتمال ممر لوبيتو سيصل تأثيره القطاعات الحيوية للمنطقة وأفريقيا مثل النقل والطاقة والتجارة (وزارة النقل الأنغولية) منافع اقتصاديةيرى مدير مركز الأعمال الأميركي الأفريقي إلنغتون أرنولد في مقال له أنه من خلال ربط منطقة التعدين الغنية بالنحاس بالبحر، سيوفر ممر لوبيتو فرصا هائلة للنمو الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية التجارية للمنطقة، حيث يشكل الاستثمار في هذا الممر حافزا قويا لإنشاء شركات صغيرة على طول طرق النقل بالسكك الحديدية، مما يعزز النمو الاقتصادي المحلي.
كما أن تأثير هذا الممر على اقتصاديات المنطقة، في حال اكتماله، سيكون بعيد المدى، وسيمس القطاعات الحيوية للمنطقة وأفريقيا بشكل عام من النقل والخدمات اللوجستية، والطاقة النظيفة وسلاسل توريد المعادن المهمة، والأعمال التجارية الزراعية.
ومع توقيعها مذكرات تفاهم مع واشنطن وشريكاتها في مجموعة السبع ستستفيد الدول الثلاث من "مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي" وهي جهد تعاوني لمجموعة السبع لتمويل مشاريع البنية التحتية في الدول النامية، كالحصول على التمويل الأطول بالعملة المحلية، والتحوطات طويلة الأجل للعملة، وأسعار الفائدة التي تلعب دورا أساسيا في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصادات النامية.
صراع جيوسياسي على وسط أفريقيايأتي التركيز على هذا الممر في غمرة تنافس حاد بين الصين والمنظومة الغربية تعد القارة الأفريقية أحد أهم ساحاته، حيث أحرزت بكين قصب السبق من خلال إطلاقها مبادرة الحزام والطريق، وهي عبارة عن مشروع ضخم متعدد الأبعاد يقوم على مساهمة الصين في إنشاء وتطوير البنية التحتية والتنمية الاقتصادية عبر شبكة ممتدة في عدد من القارات.
في السياق الأفريقي تحولت الاتفاقيات الصينية مع 52 من دول القارة ضمن هذه المبادرة إلى مجموعة من المشاريع المتعلقة ببناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية، والتي وفرت لبكين إمكانية الوصول إلى الثروة المعدنية الهائلة في أفريقيا، ولا سيما في دول مثل زامبيا والكونغو الديمقراطية التي تتميز باحتياطيات وفيرة من النحاس والمعادن الأساسية الأخرى، حيث إن أكثر من 80% من مناجم النحاس في الكونغو الديمقراطية على سبيل المثال هي بالفعل مناجم تديرها بكين.
وهكذا يمثل إحياء ممر لوبيتو وتوسيعه محاولة غربية لإحراز مجموعة من الأهداف، يأتي على رأسها تعزيز علاقاتها مع دول القارة الغنية بالمعادن من خلال الترويج لمقاربة جديدة في التعاطي قائمة على "شراكة تعمل على توليد الفوائد الاقتصادية" للطرفين، كما ذكر بيان صادر عن واشنطن وبروكسل.
وفي إطار التنافس على الممرات الاقتصادية الإستراتيجية تسعى الولايات المتحدة من خلال هذا الممر إلى بناء "طريق غربي أسرع لتسويق المعادن والفلزات المنتجة في الكونغو الديمقراطية"، وفقا لشركة ترافيغورا السويسرية المساهم الأساسي في المشروع، وهو ما يعني منافسة أو تحييد "طريق الحرية" الذي بنته الصين والممتد من منطقة حزام النحاس بزامبيا إلى ميناء دار السلام بتنزانيا شرق القارة.
كما أن توقيت العمل على هذا الممر يشير إلى رغبة واشنطن في استغلال انخفاض استثمارات بكين في تطوير البنية التحتية الأفريقية عام 2022 بنسبة 55% عن السنة التي سبقته مع دخول القروض الصينية لهذه الدول مرحلة السداد، ما دفع بكين إلى التقليل من التعرض للديون المتعثرة، ما بدأ بخلق فراغ تحاول واشنطن التمدد فيه من خلال مبادراتها للاستثمار في البنية التحتية الأفريقية وفي قلبها ممر لوبيتو.
(الجزيرة) الصراع على المستقبليمثل إحياء هذا الممر جزءا من الصراع الكبير بين الصين ودول الغرب على الحصول على المعادن النادرة، وقد قدرت وكالة الدولية (IEA) أنه بين عامي 2020 و2040، سيزداد الطلب على النيكل والكوبالت بمقدار 20 مرة، وعلى الغرافيت 25 مرة، وعلى الليثيوم أكثر من 40 مرة، وهو ما وضع لوبيتو في قلب هذا التدافع حيث تعد الكونغو الديمقراطية أكبر منتج للكوبالت في العالم باحتوائها على ما يقدر بنحو 70% من الإنتاج العالمي.
وهكذا سيوفر الممر لواشنطن والاتحاد الأوروبي الفرصة لبناء سلاسل توريد تمكنهما من الوصول إلى المعادن الحيوية في التحول نحو الطاقة الخضراء كالليثيوم والكوبالت اللذين تمتلك الكونغو الديمقراطية احتياطيات ضخمة منهما، كما أن الكونغو الديمقراطية وزامبيا أكبر منتجي النحاس بأفريقيا، وهو مكون أساسي لبناء البطاريات الكهربائية وتوربينات الرياح ومنافذ شحن السيارات الكهربائية.
وتأمل الأطراف الداعمة للممر أن تسهم هذه الخطوة في كسر هيمنة بكين على صناعات ستشكل وجه المستقبل، كصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، حيث تورد الشركات الصينية نحو 80% من خلايا هذه البطاريات عالميا، ما يوقع المؤسسات الغربية في فخ الاعتماد عليها بكل ما لذلك من مخاطر مستقبلية.
شاحنات محملة بالنحاس عند أحد أكبر مناجم النحاس والكوبالت في العالم في جنوب شرق الكونغو (الفرنسية) تحديات أمام الحلم الأميركيلا يبدو الطريق ممهدا أمام الولايات المتحدة للوصول عبر ممر لوبيتو لأهدافها، حيث يرى مستشار السياسة الاقتصادية والإستراتيجية الدكتور إد ولا شبالا أن العديد من العوائق تعترض واشنطن في قارة أقام فيها الصينيون شبكة راسخة لبناء سلاسل التوريد للكوبالت والليثيوم والعديد من المعادن والفلزات الأساسية الأخرى.
بجانب ما سبق تعمل بكين لتولي تشغيل خط سكة حديد تازارا، الذي يمتد من وسط زامبيا إلى ميناء دار السلام على المحيط الهندي، كوسيلة لضمان النقل الفعال للمواد والمعادن من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، مع وجود خط يربط زامبيا بتنزانيا وهو أقصر من لوبيتو بـ500 كيلومتر ما يضع الجدوى المرجوة من الأخير في موضع تساؤل كبير.
في حين قد يؤدي تأخر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تكنولوجيا السيارات الكهربائية بدول الممر إلى تفضيل التعامل مع القوى الآسيوية الرائدة في هذا المجال لبناء قدراتها وإمكاناتها في سلاسل قيمة بطاريات هذه السيارات، ما يستوجب على واشنطن وبروكسل بناء مقاربة أكثر شمولية لتحفيز التنمية في القارة الأفريقية منطلقة من تجربتها مع زامبيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية.
على كل حال ليس لوبيتو البرنامج الغربي الأول لمساعدة القارة السمراء، حيث سبقته نماذج انتهت إلى الفشل، ما يجعل من هذا المشروع اختبارا جديا لكفاءة واشنطن وحلفائها في إنجاز وعودهم التنموية والعودة بقوة إلى ساحة المنافسة الجيوسياسية في أفريقيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الکونغو الدیمقراطیة وزامبیا الولایات المتحدة البنیة التحتیة دول القارة فی أفریقیا هذا الممر من خلال
إقرأ أيضاً:
شراكة بين “مصدر” و”صندوق طريق الحرير” في الطاقة المتجددة
أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” و”صندوق طريق الحرير” الصيني، عن توقيع مذكرة تفاهم لاستكشاف فرص الاستثمار المشترك في مشاريع طاقة متجددة في دول تقع ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، مع التركيز بشكل رئيسي على الدول النامية ودول الجنوب العالمي.
وقّع مذكرة التفاهم محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة”مصدر”؛ وزو جون، رئيسة مجلس إدارة صندوق طريق الحرير، وذلك على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف “COP29” في باكو.
وبموجب مذكرة التفاهم، سوف تؤسس “مصدر” و”صندوق طريق الحرير” شراكة إستراتيجية تركز على استكشاف الفرص المتاحة للاستثمار المشترك في مشاريع طاقة متجددة تشارك فيها “مصدر” كمستثمر أو تتولى مهمة تطويرها وتشغيلها.
ويعتزم”صندوق طريق الحرير” استثمار ما يصل إلى 20 مليار يوان صيني “ما يُعادل 10.28 مليار درهم / 2.8 مليار دولار” في مشاريع مشتركة مع “مصدر” ، في حين لدى “مصدر” استثمارات كبيرة في دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وإفريقيا، يندرج العديد منها تحت مبادرة الحزام والطريق.
وستواصل الشركة الاستثمار في هذه المناطق في إطار إستراتيجيتها لزيادة القدرة الإنتاجية الإجمالية لمحفظة مشاريعها للطاقة المتجددة إلى 100 جيجاواط بحلول عام 2030، في حين يمتلك “صندوق طريق الحرير” مشاريع طاقة متجددة بقدرة إجمالية تزيد عن 7 جيجاواط في مناطق مبادرة الحزام والطريق، تشمل الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
وقال محمد جميل الرمحي، إن التعاون بين “مصدر” و”صندوق طريق الحرير” اللذين يستثمران في العديد من مشاريع الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة والجنوب العالمي، يعد خطوة مهمة من شأنها أن تعطي دفعة كبيرة للجهود الرامية إلى تحقيق الانتقال في قطاع الطاقة.
وأضاف أن “مصدر” تتطلع إلى شراكة ناجحة ومثمرة مع صندوق طريق الحرير تتحقق من خلالها الأهداف والطموحات المشتركة للطرفين.
من جانبها قالت زو جون، إن دولة الإمارات تعد من المساهمين الرئيسيين في مبادرة “الحزام والطريق” وأحد أبرز الشركاء في قطاعي الاستثمار والتجارة بالنسبة للصين، مشيرة إلى أن الشراكة بين “صندوق طريق الحرير” و”مصدر” تعكس التزام الطرفين بتطوير حلول الطاقة المستدامة على مستوى العالم.
وتربط مبادرة الحزام والطريق بين آسيا وأوروبا وإفريقيا ومناطق أخرى حول العالم من خلال شبكة من مشاريع البنية الأساسية والشراكات التجارية، فيما تشكل مبادرة الحزام والطريق حلقة وصل لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين الدول والمناطق المشاركة.
وتعد دولة الإمارات شريكا فاعلاً منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق، حيث ضخت 10 مليارات دولار في صندوق استثماري مشترك مع الصين لدعم مشاريع المبادرة في شرق إفريقيا.
وتُسهم شركة “مصدر” التي تأسست في عام 2006 في تحقيق رؤية دولة الإمارات وتعزيز دورها الرائد في مجال الاستدامة والعمل المناخي، من خلال قيامها بتطوير والاستثمار في مشاريع منتشرة في أكثر من 40 دولة، في حين تستهدف رفع القدرة الإنتاجية الإجمالية لمحفظة مشاريعها إلى 100 جيجاواط بحلول عام 2030، وأن تصبح منتجاً رائداً للهيدروجين الأخضر بحلول العام نفسه.وام