خطأ بايدن الحقيقي في وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
من المؤسف أن الرئيس بايدن رأى أن يعلن عن وقفه لبعض مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل خلال حملة سياسية له في ويسكونسن. وأقول «من المؤسف» لا لأنني لا أفهم لماذا فعل بايدن ذلك، لكن لأن هذه الخطوة مكَّنت بنيامين نتنياهو من صرف الأنظار عن حقيقة أن أخطر قائد يهدد إسرائيل اليوم ليس بايدن وإنما بيبي.
لم تنتج سياسات نتنياهو ولن تنتج نصرا دائما في غزة، ولا يمكن أن تؤمّن إسرائيل من أكبر تهديد وجودي لها ـ أي إيران ـ وهذه السياسات خطر على يهود العالم وهي تقوض الاحتياجات والأهداف الاستراتيجية لأمريكا في الشرق الأوسط.
وذلك هو مصدر التوتر الحقيقي بين أمريكا وإسرائيل اليوم. ليس تعليق بايدن المؤقت لإرسال إمدادات جديدة من القنابل التي تزن 2000 رطل وبعض الأسلحة الهجومية الأخرى إلى إسرائيل، بعد أن ظل بايدن يحذر إسرائيل منذ شهور بأنه سوف يفعل ذلك إذا حاولت إسرائيل سحق رفح مثلما فعلت في مدينتي غزة وخان يونس دونما إجلاء للمدنيين.
وإنه لعلامة على مستوى الاحتقار الذي تكنه حكومة نتنياهو لإدارة بايدن أن ينشر إيتمار بن جفير ـ وزير الأمن الوطني في حكومة بيبي ـ على موقع إكس فور قيام بايدن بخطوته أن «حماس بايدن». هكذا يتعامل فريق بيبي مع أكثر الرؤساء موالاة لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة، الرجل الذي سارع إلى إنقاذ إسرائيل من حماس في السابع من أكتوبر ومن إيران في الثالث عشر من أبريل. يا له من أمر مخجل.
لنجر فقط هذه التجربة الذهنية البسيطة، فنفترض أن بايدن منح إسرائيل قنابل الألفي رطل التي تريدها، وأن إسرائيل دمرت رفح التي يعتقد أن فيها قيادة حماس وأربع كتائب سليمة والعديد من الرهائن الإسرائيليين. لن يغير ذلك من حقيقة أن إسرائيل بلا شريك فلسطيني أو عربي لحكم غزة في اليوم التالي لضمان عدم قيام حماس جديدة من رفاتها.
لقد نجح نتنياهو في إقناع ومداهنة قيادة جيش إسرائيل وشعبها بخوض هذه الحرب في غزة لأكثر من سبعة أشهر دون خطة للخروج وتعزيز ما يتحقق من نصر عسكري. وهذه نتيجة مباشرة لحقيقة أن نتنياهو قد شكل في ديسمبر 2022 أشد الحكومات يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل ليرجع إلى السلطة ويقي نفسه المحاكمة في اتهامات بالفساد. لن يسمح العنصريون اليهود في المجلس الوزاري لنتنياهو بتشكيل أي شراكة مع سلطنة فلسطينية غير حماسية تحكم الضفة الغربية خوفا من أن يؤدي ذلك إلى دولة فلسطينية فيها وفي غزة.
يعني ذلك أن الصباح التالي لأي نصر على حماس سيشهد إما رحيل إسرائيل عن غزة فيكون على حدودها صومال تحكمه العصابات ويرجح فيه كثيرا أن تعاود حماس الظهور بقيادة جديدة ـ مثلما حدث بعد أن اغتالت إسرائيل جيل قياداتها السابق ـ أو أن تجد إسرائيل نفسها محتلة دائمة لكل من غزة والضفة الغربية حيث تتولى المسؤولية بالفعل. فيسيطر قرابة سبعة ملايين يهودي إسرائيلي سيطرة دائمة على خمسة ملايين عربي في منطقتين محتلتين ويكون ذلك عبئا معنويا وعسكريا تبتهج له إيران، لأنه سوف يعجِّل بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم.
مع استمرار مسؤولي بايدن في الضغط على نتنياهو في هذا الأمر، ظلت الإجابة التي يتلقونها هي المعادل الجيوسياسي لـ«اخرسوا أنتم»، أي واصلوا إرسال الأسلحة إلينا واستعمال مصداقيتكم في الدفاع عنا على المسرح العالمي، وبخاصة في الأمم المتحدة. ونحن سنفعل ما نشاء، وما يتوافق مع احتياجات نتنياهو السياسية. واللعنة على احتياجات بايدن السياسية واحتياجات أمريكا الجيوسياسية.
والتقليل من الخطر الراهن الذي تمثله حكومة نتنياهو على إسرائيل وعلاقتها بالولايات المتحدة والعالم خطأ فادح.
لقد نقل المراسل العسكري المخضرم لها آرتس عامون هاريل عن قائد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى يوم الجمعة إيجازا للموقف لا أستطيع أن أقدم مثله، فقد قال «إن أفضل وسيلة للإضرار بحماس الآن هي طرح حكم بديل في غزة. وذلك لا يحدث لأن رئيس الوزراء لا يريده. في كل أسبوع يلتقي مسؤولو دفاع كبار مع دبلوماسيين وجنرالات أجانب فيكون السؤال المتكرر هو: ما الذي تحاولون تحقيقه الآن؟ وليست لدينا إجابة لهم»
وأضاف هاريل قائلا: انظروا في ما يجري بالفعل نتيجة لذلك، إذ قام الجيش الإسرائيلي بسحب الكثير للغاية من قواته من غزة، باستثناء الوحدات الجديدة التي تحيط برفح وتسيطر على الممر المركزي الذي يقسم غزة من الشمال إلى الجنوب حتى أن «حماس تستعيد الحكم في غزة بكل السبل. وتشمل جهود حماس لاسترداد الحكم أيضا استئناف النشاط من خلال المحاكم الشرعية وخدمات المحليات والإدارات الصحية التابعة للمحليات».
لو أن هذا هو النصر في المناطق التي «حررتها» إسرائيل فهل من عجب في أن بايدن يتخوف من تدمير إسرائيل لمدينة أخرى مثل غزة دونما خطة أو شريك للمستقبل؟
أما وقد قلت هذا، فقد رأيت أن بايدن أخطأ حينما تكلم علنا للمرة الأولى عن أخطر تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية ـ أي إيقاف نقل نحو 3500 قنبلة إلى إسرائيل ـ في حوار غير رسمي مع إريان بورنيت من «سي إن إن» في إحدى محطات الحملة الانتخابية.
فقد ترك ذلك انطباعا بأن ذلك تم لإرضاء قاعدة الرئيس اليسارية التي تعارض الحرب فانقض عليه الجمهوريون وبعض زعماء اليهود الأمريكيين على الفور بسبب ذلك. ولو أن رئيس الولايات المتحدة سيناقش علينا للمرة الأولى شيئا في خطورة تعليق محدود لنقل الأسلحة إلى إسرائيل فعليه أن يفعل ذلك في خطاب محسوب جيدا يضع كل شيء في سياقه بالنسبة للأمريكيين في الوطن وبالنسبة للإسرائيليين وبالنسبة لأصدقاء إسرائيل وأعدائها.
ومن شأن خطاب كهذا أن يبدأ بإيضاح أنه إذا كان التحالف الأمريكي الإسرائيلي متوترا اليوم فذلك لأن إسرائيل أصبحت شريكا شديد الاضطراب في ظل حكم نتنياهو الذي جعل من انقلاب قضائي فاشل أولويته القصوى في سنة حكمه الأولى وليس التعامل مع إيران أو الفلسطينيين، فأدى ذلك إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي وشتت انتباه الجيش ولعله أغرى حماس بالظن بأن الوقت مناسب للهجوم.
هذا الميل الجنوني إلى اليمين في إسرائيل، بجانب استراتيجية مستحيلة الفوز في غزة، بجانب حقيقة ذكرها هاريل إذ قال إنه «على مدى نحو عقد، عمد نتنياهو إلى إضعاف الخدمة المدنية ونقل مراكز السلطة من الحراس القضائيين ومؤسستي الخزانة والدفاع إلى جماعة صغيرة» من المقربين غير الأكفاء، وكل ذلك مجتمعا لا يضر فقط مصالح إسرائيل وإنما مصالح أمريكا أيضا.
ابتداء، بات الشريك العسكري الأكثر تقدما وأهمية للولايات المتحدة في المنطقة غائصا الآن في غزة، بلا مخرج باد، ويستنزف احتياطيات الأسلحة الأمريكية اللازمة أيضا في أوكرانيا. كما أن حربا لا نهاية لها في غزة يمكن أن تؤدي إلى اضطراب حلفاء أمريكيين آخرين وبخاصة الأردن ومصر.
فضلا عن ذلك، تحاول الولايات المتحدة صياغة تحالف أمني جديد مع السعودية من شأنه أن يمكن السعوديين من التركيز على أكثر ما يريدون التركيز عليه في الوقت الراهن، أي التنمية الاقتصادية، دونما خوف من التعرض لهجوم من إيران. وللمساعدة في ترويج الاتفاقية لدى الكونجرس الأمريكي، وافق السعوديون على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، في حال شروع إسرائيل في سلوك طريق إلى دولة فلسطينية مع سلطة فلسطينية في الضفة الغربية يجري إصلاحها. ولأن نتنياهو يرفض هذا الشرط فإن الاتفاقية كلها الآن معلقة في الهواء.
أخيرا، بقدر ما أحدثت حماس من ضرر لإسرائيل، فإن التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل يأتي من إيران وشبكة حلفائها ـ حزب الله والحوثيين وحماس والميلشيات الشيعية في العراق. في الثالث عشر من أبريل، شكلت الولايات المتحدة تحالفا مع دول عربية معتدلة وبريطانيا وفرنسا لإسقاط جميع المسيرات والصواريخ الثلاثمائة تقريبا التي أطلقتها إيران على إسرائيل في تلك الليلة. وكلما ازدادت إسرائيل غرقا في غزة واستمرت وفيات المدنيين، سيصعب على الدول العربية المعتدلة وبخاصة الأردن أن تظهر بمظهر المدافعة عن إسرائيل ضد إيران.
لا شك في أن إسرائيل سوف تكون أفضل حالا، والفلسطينيون أفضل حالا، والشرق الأوسط أفضل حالا، في حال تلقي حماس هزيمة نكراء. ولو أن هذا يقتضي دخول إسرائيل في رفح، فليكن. حماس هي التي دعت إلى هذه الحرب. وبهزيمتها، سوف سيشعر الكثيرون والكثيرون من الفلسطينيين في غزة ـ وليس من الإسرائيليين فقط ـ بأنهم تحرروا. ولكن هذا لن يحدث إلا لو تشاركت إسرائيل مع الفلسطينيين غير الحماسيين لإقامة غزة أفضل ولتكوين فرصة لفجر جديد للفلسطينيين والإسرائيليين. إن لبايدن ما يبرر استعماله ورقة ضغط أمريكية للإصرار على أن تعمل إسرائيل واضعة هذا الهدف في الاعتبار، لأن رئيس وزراء إسرائيل لا يفعل ذلك.
توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة إلى إسرائیل أن إسرائیل إسرائیل فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يتحدث عن بداية هجوم 7 أكتوبر - لن أقبل بوجود حماس على الحدود
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، خلال مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن لحظات البداية في الحرب مع قطاع غزة وحركة حماس والحرب على الجبهة الشمالية وتنظيم "حزب الله" اللبناني وما يجري في سوريا.
وأكد نتنياهو خلال المقابلة، أن الحرب الدائرة حالياً أعادت تشكيل الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً: آخر ما وصلت إليه مفاوضات غــزة ومستجدات المرحلة الأولى - لا ضمانات
وعن لحظة انطلاق حرب غزة في 7 أكتوبر، أوضح نتنياهو أنه استيقظ على هجوم شامل من غزة، ما دفعه لإعلان "حرب طويلة الأمد"، مضيفاً أن حزب الله دخل المعركة في اليوم التالي، مما فتح جبهة ثانية محتملة.
وأشار نتنياهو إلى قرار رفض نقل المعركة إلى لبنان في تلك المرحلة، مفضلاً التركيز على جبهة واحدة، لكنه أكد أن معلومات خاطئة عن طائرات مسيرة لحزب الله دفعت إلى إصدار أوامر بشن هجوم واسع، قبل أن يتضح أنها مجرد أوهام.
إقرأ أيضاً: بالفيديو والصور: إصابة العشرات إثر سقوط صاروخ من اليمن على تل أبيب
كما أشاد بدعم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي زار إسرائيل خلال الحرب وقدم مساعدات عسكرية حاسمة. لكنه كشف عن خلافات حول كيفية التعامل مع حماس، حيث نصحت الولايات المتحدة بتجنب غزو بري لغزة. ورفض نتنياهو النصيحة، مؤكداً أن الهدف هو تدمير حماس بالكامل.
وعلى الجبهة الشمالية، أشار نتنياهو إلى خطة إسرائيلية لتدمير قدرات حزب الله الصاروخية والبنية التحتية تحت الأرض، التي كانت تهدد شمال إسرائيل.
وأكد أن العملية حققت "صدمة تاريخية"، حيث دمرت معظم صواريخ حزب الله الباليستية خلال ساعات.
أما في سوريا، فقد استهدفت إسرائيل منشآت أسلحة كيميائية لمنع وقوعها في أيدي الجهاديين بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضح نتنياهو أن إيران وحزب الله فقدا خطوط إمداد رئيسية، مما أضعف "محور الايراني" بأكمله.
وتحدث عن تأثير الحرب على إيران، قائلاً إن الهجمات الإسرائيلية أضعفت قدرتها على إنتاج الصواريخ الباليستية، وأجبرت طهران على إعادة حساباتها.
وشدد نتنياهو، على أن الحرب ستستمر حتى القضاء على حماس تماماً، مشيراً إلى أن إسرائيل لن تقبل بوجودها على حدودها.
وأعرب عن أمله في تعزيز اتفاقيات السلام الإقليمية، بما في ذلك إمكانية تطبيع العلاقات مع السعودية.
المصدر : وكالة سوا - هيئة البث الإسرائيلية "مكان"