ترجمة - أحمد شافعي -

من المؤسف أن الرئيس بايدن رأى أن يعلن عن وقفه لبعض مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل خلال حملة سياسية له في ويسكونسن. وأقول «من المؤسف» لا لأنني لا أفهم لماذا فعل بايدن ذلك، لكن لأن هذه الخطوة مكَّنت بنيامين نتنياهو من صرف الأنظار عن حقيقة أن أخطر قائد يهدد إسرائيل اليوم ليس بايدن وإنما بيبي.

لم تنتج سياسات نتنياهو ولن تنتج نصرا دائما في غزة، ولا يمكن أن تؤمّن إسرائيل من أكبر تهديد وجودي لها ـ أي إيران ـ وهذه السياسات خطر على يهود العالم وهي تقوض الاحتياجات والأهداف الاستراتيجية لأمريكا في الشرق الأوسط.

وذلك هو مصدر التوتر الحقيقي بين أمريكا وإسرائيل اليوم. ليس تعليق بايدن المؤقت لإرسال إمدادات جديدة من القنابل التي تزن 2000 رطل وبعض الأسلحة الهجومية الأخرى إلى إسرائيل، بعد أن ظل بايدن يحذر إسرائيل منذ شهور بأنه سوف يفعل ذلك إذا حاولت إسرائيل سحق رفح مثلما فعلت في مدينتي غزة وخان يونس دونما إجلاء للمدنيين.

وإنه لعلامة على مستوى الاحتقار الذي تكنه حكومة نتنياهو لإدارة بايدن أن ينشر إيتمار بن جفير ـ وزير الأمن الوطني في حكومة بيبي ـ على موقع إكس فور قيام بايدن بخطوته أن «حماس بايدن». هكذا يتعامل فريق بيبي مع أكثر الرؤساء موالاة لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة، الرجل الذي سارع إلى إنقاذ إسرائيل من حماس في السابع من أكتوبر ومن إيران في الثالث عشر من أبريل. يا له من أمر مخجل.

لنجر فقط هذه التجربة الذهنية البسيطة، فنفترض أن بايدن منح إسرائيل قنابل الألفي رطل التي تريدها، وأن إسرائيل دمرت رفح التي يعتقد أن فيها قيادة حماس وأربع كتائب سليمة والعديد من الرهائن الإسرائيليين. لن يغير ذلك من حقيقة أن إسرائيل بلا شريك فلسطيني أو عربي لحكم غزة في اليوم التالي لضمان عدم قيام حماس جديدة من رفاتها.

لقد نجح نتنياهو في إقناع ومداهنة قيادة جيش إسرائيل وشعبها بخوض هذه الحرب في غزة لأكثر من سبعة أشهر دون خطة للخروج وتعزيز ما يتحقق من نصر عسكري. وهذه نتيجة مباشرة لحقيقة أن نتنياهو قد شكل في ديسمبر 2022 أشد الحكومات يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل ليرجع إلى السلطة ويقي نفسه المحاكمة في اتهامات بالفساد. لن يسمح العنصريون اليهود في المجلس الوزاري لنتنياهو بتشكيل أي شراكة مع سلطنة فلسطينية غير حماسية تحكم الضفة الغربية خوفا من أن يؤدي ذلك إلى دولة فلسطينية فيها وفي غزة.

يعني ذلك أن الصباح التالي لأي نصر على حماس سيشهد إما رحيل إسرائيل عن غزة فيكون على حدودها صومال تحكمه العصابات ويرجح فيه كثيرا أن تعاود حماس الظهور بقيادة جديدة ـ مثلما حدث بعد أن اغتالت إسرائيل جيل قياداتها السابق ـ أو أن تجد إسرائيل نفسها محتلة دائمة لكل من غزة والضفة الغربية حيث تتولى المسؤولية بالفعل. فيسيطر قرابة سبعة ملايين يهودي إسرائيلي سيطرة دائمة على خمسة ملايين عربي في منطقتين محتلتين ويكون ذلك عبئا معنويا وعسكريا تبتهج له إيران، لأنه سوف يعجِّل بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم.

مع استمرار مسؤولي بايدن في الضغط على نتنياهو في هذا الأمر، ظلت الإجابة التي يتلقونها هي المعادل الجيوسياسي لـ«اخرسوا أنتم»، أي واصلوا إرسال الأسلحة إلينا واستعمال مصداقيتكم في الدفاع عنا على المسرح العالمي، وبخاصة في الأمم المتحدة. ونحن سنفعل ما نشاء، وما يتوافق مع احتياجات نتنياهو السياسية. واللعنة على احتياجات بايدن السياسية واحتياجات أمريكا الجيوسياسية.

والتقليل من الخطر الراهن الذي تمثله حكومة نتنياهو على إسرائيل وعلاقتها بالولايات المتحدة والعالم خطأ فادح.

لقد نقل المراسل العسكري المخضرم لها آرتس عامون هاريل عن قائد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى يوم الجمعة إيجازا للموقف لا أستطيع أن أقدم مثله، فقد قال «إن أفضل وسيلة للإضرار بحماس الآن هي طرح حكم بديل في غزة. وذلك لا يحدث لأن رئيس الوزراء لا يريده. في كل أسبوع يلتقي مسؤولو دفاع كبار مع دبلوماسيين وجنرالات أجانب فيكون السؤال المتكرر هو: ما الذي تحاولون تحقيقه الآن؟ وليست لدينا إجابة لهم»

وأضاف هاريل قائلا: انظروا في ما يجري بالفعل نتيجة لذلك، إذ قام الجيش الإسرائيلي بسحب الكثير للغاية من قواته من غزة، باستثناء الوحدات الجديدة التي تحيط برفح وتسيطر على الممر المركزي الذي يقسم غزة من الشمال إلى الجنوب حتى أن «حماس تستعيد الحكم في غزة بكل السبل. وتشمل جهود حماس لاسترداد الحكم أيضا استئناف النشاط من خلال المحاكم الشرعية وخدمات المحليات والإدارات الصحية التابعة للمحليات».

لو أن هذا هو النصر في المناطق التي «حررتها» إسرائيل فهل من عجب في أن بايدن يتخوف من تدمير إسرائيل لمدينة أخرى مثل غزة دونما خطة أو شريك للمستقبل؟

أما وقد قلت هذا، فقد رأيت أن بايدن أخطأ حينما تكلم علنا للمرة الأولى عن أخطر تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية ـ أي إيقاف نقل نحو 3500 قنبلة إلى إسرائيل ـ في حوار غير رسمي مع إريان بورنيت من «سي إن إن» في إحدى محطات الحملة الانتخابية.

فقد ترك ذلك انطباعا بأن ذلك تم لإرضاء قاعدة الرئيس اليسارية التي تعارض الحرب فانقض عليه الجمهوريون وبعض زعماء اليهود الأمريكيين على الفور بسبب ذلك. ولو أن رئيس الولايات المتحدة سيناقش علينا للمرة الأولى شيئا في خطورة تعليق محدود لنقل الأسلحة إلى إسرائيل فعليه أن يفعل ذلك في خطاب محسوب جيدا يضع كل شيء في سياقه بالنسبة للأمريكيين في الوطن وبالنسبة للإسرائيليين وبالنسبة لأصدقاء إسرائيل وأعدائها.

ومن شأن خطاب كهذا أن يبدأ بإيضاح أنه إذا كان التحالف الأمريكي الإسرائيلي متوترا اليوم فذلك لأن إسرائيل أصبحت شريكا شديد الاضطراب في ظل حكم نتنياهو الذي جعل من انقلاب قضائي فاشل أولويته القصوى في سنة حكمه الأولى وليس التعامل مع إيران أو الفلسطينيين، فأدى ذلك إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي وشتت انتباه الجيش ولعله أغرى حماس بالظن بأن الوقت مناسب للهجوم.

هذا الميل الجنوني إلى اليمين في إسرائيل، بجانب استراتيجية مستحيلة الفوز في غزة، بجانب حقيقة ذكرها هاريل إذ قال إنه «على مدى نحو عقد، عمد نتنياهو إلى إضعاف الخدمة المدنية ونقل مراكز السلطة من الحراس القضائيين ومؤسستي الخزانة والدفاع إلى جماعة صغيرة» من المقربين غير الأكفاء، وكل ذلك مجتمعا لا يضر فقط مصالح إسرائيل وإنما مصالح أمريكا أيضا.

ابتداء، بات الشريك العسكري الأكثر تقدما وأهمية للولايات المتحدة في المنطقة غائصا الآن في غزة، بلا مخرج باد، ويستنزف احتياطيات الأسلحة الأمريكية اللازمة أيضا في أوكرانيا. كما أن حربا لا نهاية لها في غزة يمكن أن تؤدي إلى اضطراب حلفاء أمريكيين آخرين وبخاصة الأردن ومصر.

فضلا عن ذلك، تحاول الولايات المتحدة صياغة تحالف أمني جديد مع السعودية من شأنه أن يمكن السعوديين من التركيز على أكثر ما يريدون التركيز عليه في الوقت الراهن، أي التنمية الاقتصادية، دونما خوف من التعرض لهجوم من إيران. وللمساعدة في ترويج الاتفاقية لدى الكونجرس الأمريكي، وافق السعوديون على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، في حال شروع إسرائيل في سلوك طريق إلى دولة فلسطينية مع سلطة فلسطينية في الضفة الغربية يجري إصلاحها. ولأن نتنياهو يرفض هذا الشرط فإن الاتفاقية كلها الآن معلقة في الهواء.

أخيرا، بقدر ما أحدثت حماس من ضرر لإسرائيل، فإن التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل يأتي من إيران وشبكة حلفائها ـ حزب الله والحوثيين وحماس والميلشيات الشيعية في العراق. في الثالث عشر من أبريل، شكلت الولايات المتحدة تحالفا مع دول عربية معتدلة وبريطانيا وفرنسا لإسقاط جميع المسيرات والصواريخ الثلاثمائة تقريبا التي أطلقتها إيران على إسرائيل في تلك الليلة. وكلما ازدادت إسرائيل غرقا في غزة واستمرت وفيات المدنيين، سيصعب على الدول العربية المعتدلة وبخاصة الأردن أن تظهر بمظهر المدافعة عن إسرائيل ضد إيران.

لا شك في أن إسرائيل سوف تكون أفضل حالا، والفلسطينيون أفضل حالا، والشرق الأوسط أفضل حالا، في حال تلقي حماس هزيمة نكراء. ولو أن هذا يقتضي دخول إسرائيل في رفح، فليكن. حماس هي التي دعت إلى هذه الحرب. وبهزيمتها، سوف سيشعر الكثيرون والكثيرون من الفلسطينيين في غزة ـ وليس من الإسرائيليين فقط ـ بأنهم تحرروا. ولكن هذا لن يحدث إلا لو تشاركت إسرائيل مع الفلسطينيين غير الحماسيين لإقامة غزة أفضل ولتكوين فرصة لفجر جديد للفلسطينيين والإسرائيليين. إن لبايدن ما يبرر استعماله ورقة ضغط أمريكية للإصرار على أن تعمل إسرائيل واضعة هذا الهدف في الاعتبار، لأن رئيس وزراء إسرائيل لا يفعل ذلك.

توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة إلى إسرائیل أن إسرائیل إسرائیل فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تمنع وصول المساعدات إلى غزة منذ 7 أسابيع

غزة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة غزة.. خروج مستشفى أطفال عن الخدمة جراء القصف أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح

ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» أن الهجمات الإسرائيلية استمرت بلا هوادة في جميع أنحاء قطاع غزة في وقت لا تزال تمنع وصول المساعدات إلى القطاع منذ أكثر من 7 أسابيع.
وقال مكتب «أوتشا» إن القوات الإسرائيلية شنت ضربات جوية استهدفت خيماً ومناطق تؤوي عائلات نازحة في القطاع، محذراً من أن منع المساعدات الإنسانية يحرم الناس من سبل البقاء على قيد الحياة ويقوض جميع مناحي الحياة المدنية.
وأفاد بأن فريقاً تابعاً له أجرى تقييماً في موقعين بمنطقة «المواصي» في مدينة خان يونس تعرضا لقصف إسرائيلي يومي الأحد والاثنين ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة أكثر من 12 آخرين معظمهم من الأطفال.
وأضاف أن «فريقه زار موقعين آخرين في منطقة المواصي يستضيفان ما يقرب من 2500 نازح بمن فيهم العديد ممن فروا بعد أوامر النزوح الأخيرة في بلدة القرارة بخان يونس».
ونبه إلى أن الفريق لاحظ نقصاً حاداً في المياه والغذاء والمأوى فضلاً عن عدم حصول المدنيين المصابين بالصدمات على أي دعم نفسي. وحذر أيضاً من أن إمدادات الغذاء في جميع أنحاء غزة تشهد انخفاضاً خطيراً مع تفاقم سوء التغذية بسرعة، مستشهداً بأن أحد شركاء الأمم المتحدة فحص في الأسبوع الماضي 1300 طفل في شمال غزة وحدد أكثر من 80 حالة من سوء التغذية الحاد.
وفي المقابل لفت «أوتشا» إلى أن شاحنة تحمل مساعدات غذائية نجحت قبل يومين في الانتقال من شمال غزة إلى جنوبها ما يساعد على دعم ما يقرب من 470 طفلاً لمدة شهر واحد وستكون حاسمة في منع تفاقم أوضاعهم الحالية.
ودعا المكتب الأممي الدول الأعضاء ذات النفوذ إلى الضغط من أجل إنهاء فوري لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة وضمان إمكانية توزيع الإمدادات مع الاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والنزاهة والاستقلالية وبذل كل ما في وسعها للضغط من أجل إطلاق سراح الرهائن. 

الأونروا تحذر
حذرت مسؤولة الطوارئ في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين «الأونروا»، لويز ووتريدج من انتشار الأمراض وعدم وجود أدوية كافية في قطاع غزة بعد مرور أكثر من 50 يوماً على منع السلطات الإسرائيلية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقالت ووتريدج إن فرق الوكالة تجوب منطقة المواصي بخان يونس جنوب غزة للقيام بحملة تنظيف مكثفة، مضيفة: «القمامة خرجت عن السيطرة، مياه الصرف الصحي، والقوارض، والآفات، والجرذان، والفئران، كل هذه الحيوانات تتجول بين المباني التي يأوي إليها الناس».
وأفادت ووتريدج بأن «الأونروا» لديها أطباء وممرضون وعاملون في مجال الرعاية الصحية منخرطون في تلك الحملة، ويحاولون علاج الأطفال المصابين بالتهابات الجلد والطفح الجلدي والأمراض الناجمة عن هذه الظروف المعيشية غير الصحية.
ونبهت إلى أن الإمدادات على وشك النفاد بما فيها المبيدات الحشرية حيث لم يتبق إلا مخزون يكفي 10 أيام فقط، «وعندما يحدث ذلك، لن يتمكنوا من توفير أي نوع من وسائل الوقاية».

مقالات مشابهة

  • مستشار بـ«الأكاديمية العسكرية»:: مصر خدعت إسرائيل وأمريكا خلال حرب أكتوبر
  • دعماً لإسرائيل.. واشنطن تهدد “الأونروا” بـ”ملاحقات قضائية”
  • ترامب يناقش مع نتنياهو إدخال المساعدات إلى غزة.. ماذا عن المباحثات مع إيران؟
  • ترامب: ضغطت على نتنياهو لإدخال المساعدات إلى غزة
  • إسرائيل تمنع وصول المساعدات إلى غزة منذ 7 أسابيع
  • بالصور: زامير يهدد من رفح بتوسيع العمليات العسكرية في غزة
  • خلافات كبيرة بين حكومة الاحتلال والأجهزة العسكرية.. أزمة داخلية تُهدد نتنياهو
  • الأمم المتحدة: المساعدات الإنسانية التي نقدمها في غزة تتم وفق مبادئ الإنسانية
  • ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تطالب إسرائيل بـ «إنهاء» الحظر على غزة
  • محللون: نتنياهو لن يقبل بوقف الحرب لكن قد يحل مشكلة المساعدات