ربما يبدو عنوان هذا المقال غير مألوف لدى الكثير من القرَّاء؛ لأننا نضع القصيدة تحت جنس العمل الفني، بينما القصيدة تنتمي إلى الأدب؛ ولذلك فإن المألوف هو استخدام كلمتي الفن والأدب متضايفتين، وهذا يعني أننا لا نتحدث عن جنس واحد وإنما عن جنسين، ولكن هذا التصور ينطوي على خطأ في فهم طبيعة الأدب من حيث هو فن من الفنون الجميلة (كالقصيدة والرواية والمسرحية، إلخ).
والواقع إننا عندما نستخدم عادةً تعبير «الفنون والآداب»، فسبب ذلك أن مفهوم الآداب يتسع كثيرًا بحيث يشمل كتابات لا تشكل بطبيعتها عملًا فنيًّا، ولكن ذلك لا يعني استبعاد الأدب من دائرة الفن، فنحن عندما نستخدم كلمة «الأدب» تحديدًا، لا كلمة «الآداب» على إطلاقها، فإننا نعني بذلك الأدب من حيث هو فن من الفنون الجميلة.
ولذلك فإننا نجد الفيلسوف الكبير رومان إنجاردن Roman Ingarden يتخذ تعبير «العمل الفني الأدبي» عنوانًا لأحد كتبه المهمة والأساسية في مجال الجماليات.
السؤال الآن: كيف نقرأ القصيدة باعتبارها عملًا فنيًّا؟
ما ينبغي أن يلاحظه القارئ أولًا هو أن هناك عناصر أولية بنيوية يتألف منها كل عمل فني، منها: أن هناك موضوعًا ما، ومعنى أو دلالة ما، ومظهرًا حسيًا فنيًا يتبدى فيه الموضوع والمعني.
هذا المظهر الفني هو منوط الاختلاف بين الفنون من حيث هي أنواع؛ وعلى الرغم من التداخل الشديد بين الفنون عمومًا، فإنه يظل لكل فن شروطه الأولية التي يختص بها، وهذا ينطبق على العمل الأدبي أيضًا. وفيما يلي يمكن أن أسوق بعض الملاحظات التي يمكن أن يراعيها القارئ في اقترابه من قراءة قصيدة ما:
* إن المتعة بقراءة القصيدة ينبغي أن تتأسس على مدى وفاء القصيدة بمتطلباتها الأساسية، وأولها اللغة: ففي الشعر تتجلى ماهية اللغة وقدراتها البلاغية في التعبير عن الحياة والوجود بوجه عام. وعلى هذا، ينبغي أن يتبدى في القصيدة أولًا قدرة الشاعر على امتلاك ناصية اللغة، بحيث يبدو كما لو يتحدث بلغة خاصة قادرة على إظهار إمكانيات اللغة ذاتها، أو لنقل: كما لو كان ينطق بصوته الخاص بعضًا من قدرات اللغة ذاتها وصوتياتها.
* إن القصيدة التي تلتزم الأوزان والقوافي، ينبغي أن تلتزم بشروطهما الفنية والجمالية: مهمة الأوزان سهلة، ولكن كسر الوزن هو خطأ بالغ في الشعر، يلاحظه كل شاعر مكين مثلما يلاحظه كل من له حس سمعي جمالي؛ ولذلك فإن غياب هذا الشرط يعكر صفو المتعة الجمالية على الفور، تمامًا مثلما نسمع فجأة في أداء العازف صوت «نشاز» يخالف الصوت المدوَّن في النوتة الموسيقية.
* أما القافية، فوضعها في الشعر أكثر تعقيدًا، فالشعر المقفَّى ليس مجرد المحافظة على قوافٍ تتكرر عبر نهايات أبيات الشعر؛ بل إن هذه المحافظة قد تكون إمارة على ضعف الشعر وفقره، عندما تصبح هذه المحافظة هي أولوية عند الشاعر، وربما يحتاج ذلك إلى شيء من التفصيل والإيضاح: عندما تصبح مسألة الحفاظ على القافية أولوية عند الشاعر، فإن هذا يعني أنه يشرع في بناء قصيدته وعينه على كيفية تكرار القافية في كل بيت؛ ولذلك تأتي قوافيه مفتعلة، فالشاعر هنا يأتي بكلمات معينة تتوافق قافيتها مع قافية الكلمات التي تسبقها في نهايات الأبيات، وهي كلمات تبدو مفتعلة بحيث يمكن أن نستبدلها بغيرها ما دامت تنتهي بالقافية نفسها؛ فليست هناك عندئذ أي علاقة ضرورية بين الكلمة والقافية! مثل هذا الشاعر ينتمي إلى من ينطبق عليهم وصف شوبنهاور لهم بأنهم «شعراء القافية»؛ لأنه يبحث عن الكلمة من أجل القافية! الشاعر هنا يكون ضعيفًا ولا ينتمي إلى الشعراء الحقيقيين: فالشاعر الحقيقي تأتيه كلماته مقفَّاة من خلال عملية لا يمكن تبريرها إلا من خلال الموهبة والإلهام الشعري؛ ولهذا تبدو القافية مباطنة في الكلمة ذاتها بوصفها جزءًا ضروريًّا منها، ولهذا أيضًا تبدو كلماته كما لو كانت تقتضي بطبيعتها هذه القافية بطريقة لا تصنُّع ولا افتعال فيها. وهذا الموطن من الشعر الذي يمتاز فيه الغث من الثمين هو ما ينبغي أن يضعه القارئ في حسبانه عندما يُقبِل على قراءة الشعر أو الاستماع إليه.
* وفي كل الأحوال، أعني: في لغة كل شعر -مثلما هو الحال في لغة كل فن- ينبغي أن نرى حالة من اللامباشرة التي تتحقق من خلال الإيحاء أو الإيماء الذي يحمل معناه ودلالته في الإيماءة نفسها (كما يقول ميرلوبونتي).
وهذه اللامباشرة تتجلى في الشعر على وجه الخصوص من خلال المجاز والتخييل. وهذا ما ينبغي أن يهتم به القارئ الذي يريد أن يرتقي بذائقته الشعرية.
وعلى هذا كله، فليس المهم في الشعر هو موضوعه الذي تدور حوله القصيدة، وإنما المهم هو معالجة الموضوع بطريقة شعرية: فقد يتغنى شاعر بالفضيلة أو بالمدائح النبوية على سبيل المثال، ولكن شعره قد يكون ضعيفًا فقيرًا. ذلك أن موضوعات الشعر بلا نهاية، والوجود كله ملك للشاعر يتغنى به كيف يشاء، فهو يتغنى بالملذَّات مثلما يتغنى بالتصوف، ولكنه في كل الحالات ينبغي أن يكون شاعرًا أولًا.
د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ینبغی أن فی الشعر من خلال
إقرأ أيضاً:
دون أدوية.. طرق طبيعية لعلاج تساقط الشعر
تعاني العديد من السيدات بسبب تساقط الشعر، وإذا كنت تعاني من تساقط الشعر وتبحث عن طريقة لتعزيز نموه، فقبل أن تجرب أي علاجات موضعية، جرب بعض العلاجات الطبيعية لتساقط الشعر.
احذر بشدة.. 8 أشياء تزيد من خطر إصابتك بالسرطان 5 خطوات بسيطة لحماية الملابس الصيفية من التلف عند التخزين| تعرف عليها العلاجات الطبيعية لتساقط الشعر- زيت جوز الهند
إذا كان تساقط الشعر مرتبط بفيتامين E؟ إذًا، فإن زيت جوز الهند سيكون علاجًا رائعًا، إذا كنت تعاني من أعراض مثل حكة فروة الرأس، أو تقصف الأطراف، أو تساقط الشعر، فإن استخدام ملعقة كبيرة من هذا (تدليكها على شعرك) كعلاج موضعي ليلي قد يساعد على وقف تساقط الشعر.
هذا العلاج الطبيعي غني بفيتامين E والأحماض الدهنية ومضادات الأكسدة، لذا، لتعزيز نمو الشعر، يعمل زيت جوز الهند كقناع طبيعي للشعر، يساعد على ترطيب فروة رأسك وتقوية بصيلات شعرك.
- زيت الروزماري
أصبح زيت إكليل الجبل سريعًا علاجًا طبيعيًا شائعًا لتساقط الشعر، استخدمي إكليل الجبل كعلاج موضعي مرة واحدة يوميًا ، ضعي 4-5 قطرات من هذا على فروة رأسك ودلكي شعرك، اتركي الزيت يتغلغل في شعرك ثم اشطفيه بعد 10 دقائق.
يمكنك أيضًا خلط بضع قطرات من زيت إكليل الجبل مع أي شامبو خفيف، حيث يساعد ذلك على تعزيز نمو الشعر الجديد.
من المعروف أن زيت إكليل الجبل يهدئ فروة الرأس المصابة بالحكة والالتهابات، ويقلل من التهيج الناتج عن الفرك والحكة، قد يكون ذلك بسبب تقليل التهيج في فروة الرأس، مما يساعد على التحكم في تساقط الشعر، وبالتالي تشجيع نمو الشعر الجديد.
المصدر harleystreethairtransplant