فى ذكرى رحيله الـ «32»: يوسف إدريس هموم العوام والقناعة السياسية بين القصة والرواية والمسرح
تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT
تحل اليوم ذكرى رحيل الكاتب الكبير الراحل يوسف إدريس، 1 أغسطس 1991. أبوالقصة القصيرة العربية وواحد مِن أهم الكُتاب والروائيين العرب، لذا لقب ﺑـ «تشيخوف العرب»، نسبة إِلى الأَديبِ الروسِى الكبِيرِ «أنطون تشيخوف»، وقد تحول أكثر من عمل له إلى عمل سينمائى ومسرحى، ومنها: «الحرام» «والعيب» «حادثة شرف»، و«النداهة»، وله إسهاماته، منها كتاب «نحو مسرح عربى»، ومن أبرز أعماله المسرحية «الفرافير» و«المهزلة الأرضية» و«المخططين» وغيرها.
أخبار متعلقة
«ملكة».. «قنبلة» يوسف إدريس شديدة الانفجار
عن قصة يوسف إدريس.. «صلة» يعود من جديد على مسرح الطليعة اليوم
غلاف الكتاب
وهو مولود في 19 مايو 1927م بمحافظة الشرقية، وتربى بالقرية مع جدته حتى سن الثامنة، ونظرًا لعمل والده في استصلاح الأراضى ولتنقله بين المحافظات فتنقل معه، بدأ محاولاته في الكتابة منذ الصغر، وبعد تعليمه الثانوى التحق بكلية الطب جامعة القاهرة في 1946. وبعد تخرجه عمل في القصر العينى منذ عام 1951م إلى عام 1961م، وكان أن حاول أن يسلك طريق الطب النفسى منذ عام 1956، ولكنه استصعب الأمر. وكان ليوسف إدريس العديد من السفريات، رغم أنها لأغراض أدبية، إلا أن لها فضلا كبيرا عليه وعلى بناء شخصيته وعلى أدبياته فيما بعد.. وفى سنوات دراسته بكلية الطب اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين، وفى 1951 صار السكرتير التنفيذى للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة. وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر، ثم ظهرت أولى محاولاته القصصية بجريدة المصرى وروز اليوسف، وفى 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالى، ثم مجموعته «العسكرى الأسود» فكتب عنه عميد الأدب العربى طه حسين يقول: «أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثلما وجدت في كتابه الأول (أرخص ليالى) على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها».
غلاف الكتاب
ثم عمل محررا بالجمهورية، 1960، ثم كاتب بجريدة الأهرام 1973 حتى عام 1982، وفى عام 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب في معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده، وعاد إلى مصر ليواصل مسيرته الصحفية والأدبية، وفى عام 1963 حصل على وسام الجمهورية، إلا أن النجاح والتقدير لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في 1969 المخططين، منتقداً فيها النكسة والمتسبب فيها ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة، وفى بيروت عام 1972، اختفى من الساحة العامة، على إثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسى في عصر السادات، ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973، عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام. وقد حصل على العديد من الجوائز لإسهامه الأدبى، وبخاصة في مجال القصة القصيرة، ومن أشهرها: وسام الجزائر عام 1961م، نظرًا لمساهمته في ثورة الجزائر المُسلحة. نال وسام الجمهورية مرتين (1963م -1967م). نال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980م.
غلاف الكتاب
ولم يقتصر إبداعه على القصة القصيرة لتمتد ثورته الإبداعية للرواية والمسرح. لقد صنع إدريس بما ألَّفه مدرسة مختلِفة وتجرِبة جدِيدة اتّبعه فِيها الكثِير، مستخدِما بَراعتَه في اللّغةِ ليَعبر عن قطاعات مختلِفةً مِنَ المجتمعِ الِمصرى وقدم خلال حياته عددا من المسرحيات، أبرزها «الفرافير» و«المهزلة الأرضية» و«اللحظة الحرجة» و«المخططين» و«البهلوان»، وغيرها.
أما «الفرافير»، فقد أخرجها الراحل كرم مطاوع عام 1964 للمسرح القومى، تدور أحداث المسرحية عن الصراع بين الأسياد والعبيد داخل المجتمع، وتناقش ضرورة وجود الطبقات المختلفة لتحقيق التكامل في المجتمع، لكن دون استعباد طرف لآخر، تعد مسرحية الفرافير- مما لا شك فيه- إحدى العلامات الفكرية في عالم المسرح العربى الحديث.
يوسف إدريس
أما مسرحية «المخططين»، فقد أبدع في هذه المسرحية، حيث تناول فيها شرارة الثورة والثوار، وذلك في فترة مهمة من تاريخ السياسة المصرية. وقد تناول إدريس في هذه المسرحية الفترة الزمنية في تاريخ مصر، وخاصة بعد نكسة 1967م، وذلك في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقد كان لإدريس تاريخ طويل في نقد سياسات الحقبة الناصرية، مما أدى إلى منع عرض المسرحية على خشبة المسرح.
يُعد يوسف إدريس من أفضل من تطرقوا إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية، حيث مزج الفصحى بالعامية في قصصه القصيرة، فكانت قريبة للقارئ مملوءة بالحياة.. فنجد في رواية «الحرام» التي قد يصحّ اعتبارها واحدة من أعظم عشر روايات كتبت في اللغة العربية، لتتبوّأ مكانة راقية بين أهم مئة رواية عربية، بحسب تصنيف اتحاد الكتّاب العرب. كما اعتبر النقاد والسينمائيون الفيلم «فيلم فاتن حمامة» الذي اقتبسه عنها واحداً من أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وفى قراءة لرواية «الحرام» نجد أنها نموذج مثالى للكشف عن زاوية تميز رؤيته ومقاصده الفكرية التي تنحاز إلى الفقراء والفئات الاجتماعية المهمّشة، وبخاصة فئة الفلاّحين، الذين عانوا من ظلم واضطهاد لا مثيل لهما في زمن الملَكية والباشوات. وهذا فضلاً عن أسلوبه وجملة التقنيات التي وظّفها في رائعته تلك، وذلك من خلال بيان أن الحرام الذي وقعت فيه بطلة القصة يندرج في دائرة حرام أكبر يقوم به أهل البلد الفقراء مع عمال التراحيل الذين هم أفقر منهم، فهو الحرام الحقيقى.
وفى «أرخص ليالى» نقف على نماذج لشرائحِ المجتمعِ المِصْرى، الذي تَجمعُهُ الهمومُ والمشكلاتُ ذاتُها. مغرقة في الواقعية المصرية في العصر القديم، وزمن يوسف إدريس وما قبله. يتميز بتقديم عدد كبير متنوع من الشخصيات التي تبدو بسيطة في مظهرها وإن كان المضمون الذي يريد توصيله أعمق بكثير من بساطة شخصياته، كما نجد إدريس يفصل بين الليالى الرخيصة والباهظة، معلّلاً الانحدار السحيق الذي وصل إليه اقتصاد مصر بسبب الإنجاب الكثيف الذي أدّى إلى انفجار هائل في عدد السكان.
ومما يذكر أيضا أن عمله الذي يحمل عنوان «سره الباتع»، فقد تمت ترجمته إلى مسلسل رمضانى عام 2023، وقد نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان «حادثة شرف». وقد تناولت الحديث عن الواقع وعصر الاحتلال الفرنسى في مصر، وتحمل الكثير من الرموز الوطنية، وأبرزها السلطان حامد، وتدور أحداث الرواية حول الشاب الذي يبحث عن سر مقام «السلطان حامد» الموجود في إحدى قرى الريف المصرى، ويقوده البحث عن اللغز إلى وقت الحملة الفرنسية على مصر.
وفى قصة «لغة الآى آى» التي صدرت لأول مرة سنة 1965. فقد استوحى قصصها من معايشته- كطبيب- وهى مجموعةٌ قصصية بطلُها الألم، تَروى تجارب إنسانية متكرِّرة نُعايشها باستمرار، ولكن انخراطنا فيها يجعلنا نَغفل عن الجانب الإنسانى الذي استطاع «يوسف إدريس» أن يُسلِّط الضوء عليه بمهارة فائقة. وفى قصة «لغة الآى آى» تَصطدم بجرعةٍ مكثَّفة من الألم، تعيش فيها كلَّ صرخة نابعة من أعماق «فهمى» المريض بالسرطان، فيَقشعرُّ جسدك، ويَنتابك ذُعر لا يتمكَّن من وصفه إلا «إدريس» الذي كتب مجموعتَه بقلمِ الوجَع. يهيمن على المجموعة العذاب والشقاء والشكوك والعزلة والخيانة والغضب. صحيح أن عديداً من نهايات القصص تُصوَّر مفعمة بسمات الأمل والانتصار وتحقيق البعد الإنسانى. كما أن الحكمة العامة في المجموعة متفائلة وملتزمة. لكن قبل الوصول إلى تلك النهايات لا بد من أن يتعذب القارئ ويعانى آلام الشخصيات ومحنها. كما لا تخلو «لغة الآى آى» من الصرخات ومرادفاتها. صرخة الغضب. الصرخة المكتومة. صرخة الكبت الطويل. عواءات الغيرة، وعويلها. ثمة حتى زعيق الماضى وعواؤه كما في قصة «صاحب مصر». وهناك أيضاً «الصوت الحاد واللافح» وصراخ الليل الذي يوقظ الجيران.
أما عن «الجنس والسياسة» فهو ثنائى تجلى في غير عمل من أعماله، ويقدم لنا الدكتور غالى شكرى في كتابه «أزمة الجنس في القصة العربية» تلخيصًا موجزًا لقصة «العيب»، التي تتناول الخطيئة كثمرة أنضجتها أوضاع المجتمع الخاصة في «المدينة»، فتاة تعمل في إحدى المصالح الحكومية، تفاجأ بجوٍّ موبوء عماده الرشوة وفساد الذمم بين زملائها من الموظفين، ويثور ضميرها وتحاول أن تبقى نظيفة، ولا تتيح لهذا الجوِّ الملوث أن يمتد إلى وجودها النفسى، مهما تعددت وسائل الإغراء. وتصمد الفتاة فترة من الزمن أمام العروض المغرية من أحد زملائها الموظفين، بأن تتنازل عن ضميرها- ولو مرة- وتنضم إلى الزمرة الفاسدة. تصمد على الرغم من الوضع المؤلم الذي تعرَّض له شقيقها في المدرسة، حين لم يستطع أن يواصل الدراسة عجزًا عن سداد المصروفات. ومع ذلك فإن صمودها لم يستطع أن يصمد حتى النهاية: موقف أخيها من ناحية، وإغراء المال من ناحيةٍ أخرى، وعين الذئب التي كانت تخدرها من ناحيةٍ ثالثة، وتشتهيها كأنثى ناضجة. وأخيرًا تسقط «سناء» أمام ضغط الحاجة وبريق الذهب. ولقد اكتفى يوسف إدريس في تعبيره الوجدانى عن هذه المرحلة، بأن القديم ما يزال قويًّا وأنه يستطيع أن يغتال الجديد.
يوسف إدريس ذكرى رحيل الكاتب الكبير الراحل يوسف إدريسالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين يوسف إدريس زي النهاردة
إقرأ أيضاً: