بقلم عمر العمر
على قدر ما فتنني شعار (كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل) أجدني أعيد قراءة الشأن السوداني في ضوء شعار ثورة طلاب الجامعات الأميركية والأوربية في ستينيات القرن الفائت. الأستاذ حسن مدن- غني عن التعريف- حرّضني على ذلك -دون استهداف- في سياق تعليقات متبادلة على مقالات في شأن تلك الثورة. ففي الشعار زخم سياسي فوق ما فيه من جمالية شاعرية.
*****
شعار الستينيات يُجسّد طموح شباب يرغب في كسر أُطر المتاح ، عدم الاكتفاء بمساكنة الممكن واختراق المألوف بغية بلوغ المشتهى. ذلك جيل ألهمته روحه الثورية المشبّعة بثقافةٍ ليست تقليدية وطهرٍ أخلاقي عدم الإكتفاء بتطوير المتاح أو استرداد المضاع ، بل الذهاب لجهة نيل المستحيل. هذا ما ينبغي مطابقة الحال السودانية عليه. فليس أفضل الخيارات استرداد ما كان أو تحقيق ما هو ممكن . لابد من رفع سقف الطموح الوطني لجهة المستحيل.إزاحة كل الكائن على خشبة المسرح السياسي. الرهان على أحد طرفي الحرب بغية استرداد المتاح أو صناعة الممكن معادلة عرجاء تضع مصير الشعب بين فكي الخراب. تكريس الواقع طموح الاستبداديين.
*****
طبيعة الأنظمة المستبدة ضد نداءات التغيير ،لذلك ترفض التصالح مع دعاة طموحات الشعب وأمانيه في التحديث. باسم شعارات من طراز المسؤولية الوطنية، المصلحة العليا والحفاظ على قيم الشعب وهويته تذهب تلك الأنظمةإلى زج المطالبين بالتغيير في السجون وغرف التعذيب. سدنتها يهابون الجديد لانه بالضرورة يطيح بهم .أكثر من ذلك يعرضهم للمساءلة. لذلك أقصى مافي وسعهم السماح لفئة منتقاة من قبلهم بممارسة لعبة المتاح . حينما أعلن المفكر الفرنسي جان بول سارتر مساندته لثورة الطلاب رفض الزعيم شارل ديغول التجاوب مع المنادين باعتقال سارتر قائلا(سارتر هو فرنسا).ذلك طراز نادر من القادة يزاوج بين الوعي ، الحريات والدولة.
*****
على قدر ما في شعار (كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل) من شاعرية على قدر ما فيه من سمو يكاد يشارف الوجد الصوفي . ألا ينطوي ضمن معانيه ما جاء في الحديث الشريف (لو تعلّقت همة المرء بما وراء العرش لناله)؟أليس فيه من التجريد الأخلاقي ما في قول كبير المتصوفين الفيلسوف محي الدين بن عربي(ما خُفي الحق إلا لشدة ظهوره). فالمستحيل المُطالَب به شعبيا ليس سوى حق مهدر أو حقيقة تُغيّبها الأنظمة المستبدة. ذلك الوجد الجامع بين الحقوق الوطنية والرؤى الجمالية دفعت العديد من المفكرين وأمواجا من المثقفين والفنانين للحاق ببحر ثورة الشباب الأوروبي تلك.ذلك ما حدا بنجمة الغناء اللبنانية فيروز لتغرّد ( باريس يازهرة الحرية......يادهب التاريخ....نتلاقى عالشعر والصداقة والحق والكرامة)
*****
باريس كانت -ربما لاتزال- مدينة التنوير، النور ،الحب والجمال.فحركة الطلاب كانت ثورة للمطالبة بتوسيع دائرة التفكير والجدل خارج صناديق الماركسية، الوجودية الفوضوية والليبرالية .هي صرخة جماعية ضد السكون وضد الخوف وضد الاستسلام .كل الأنظمة الاستبدادية ترى في مثل هذه النداءات باطلا يراد به باطلا.هذه الصرخات تبدأ عادة في أوساط الطلاب الجامعيين؛ ذلك حدث في أميركا، فرنسا،ايرلندا، تشيكوسلوفاكيا، تركيا،مصر والسودان.فالجامعات حاضنات نخب المستقبل.هي مراكز حرية البحث والتفكير والجدل.بذلك هي بمثابة ضمير نقي للمجتمع. على قدر اليقظة الوطنية داخل الجامعات تكتسب ألأنظمة أنصبتها من الشفافية والطهر، فالمساندة أو المعارضة .
*****
هبات الطلاب السودانيين في وجه نظام الإنقاذ جاءت تجسيدا حياً واعيًا لجيل يطلب المستحيل رافضًا كل أساليب الاحتواء ومناهج القمع. جيل يطالب بأخلاقيات نزيهة في العمل العام . فهو جيل يتمتع بحاسة سياسية بالغة الشفافية تفرز على نحو قاطع بين الخير و الشر وبين الحق والباطل.صحيح لم تحقق تضحياته غاياته، لكنه لا يزال يرفض المساومة دعك عن الاستسلام. كهنة الركون يحاولون تسويق الرضا بالمتاح والممكن خاتمة لحرب رعناء باعثها الصراع على السلطة والثروة. محور حملة الترويج المفاضلة بين طرفي التقتيل والتدمير أو قبولهما معاً٠ تلك حجة بائسة مصدرها اليأس أو الخوف. إنها دعوة ملتبسة للقبول بالواقعية الخرقاء المسقية بالدم والقمع وعدم المطالبة بالتغيير من منطلق أنه المستحيل. هم يرفعون شعار الحجاج(من تكلم قتلناه ومن سكت مات غماً)
*****
المسافة الفارقة بين كهنة الخنوع وجيل الثورة الواقعيين المنادين بالمستحيل هي نفسها البون بين الوالغين في مستنقع الثروة ،فساد السلطة وامتيازاتها وبين المشبعين بثقافة الثورة المبرئين من شهوة المناصب ولذة استباحة المال العام.هم يدركون سداد قولة أحمد شوقي (ما نيل المطالب بالتمني).صحيح ليس لديهم ما يواجهون به أسلحة التدميريين. لكن أمير الشعراء استكمل حكمته بالقول(وما استعصى على قوم منال...إذا الإقدام كان لهم ركابا).صحيح في الإقدام شروط الشجاعة ،الجرأة والجسارة لكن في مضامينه كذلك المبادرة بما ينفع الناس.هذا جيل أثبت أنه لا تنقصه القدرة على تخليق المبادرات.ما يراه المثبطون مستحيلا يراه جيل الثورة حقا مهدرا يمكن استرداده.
*****
حتى إذا ما جثا أحدُ المنهكيْن على ركبتيه وظن المتعبُ الآخر أنه المنتصر سيصطدم لا محالة بجيل قناعته المطلقة ؛كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل.عند هؤلاء المستحيل هو الاستسلام.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: على قدر
إقرأ أيضاً:
نجوم يرفعون شعار «لأول مرة» في رمضان 2025.. هنيدي يخلع عباءته
مع اقتراب موسم دراما رمضان 2025، يعول جمهور على تقديم نجومهم المفضلين وجبات درامية دسمة ومتنوعة، من خلال تجسيد شخصيات مختلفة، ما بين الدراما الاجتماعية والتاريخية والكوميدية، وهو ما يشهده الماراثون الدرامي المرتقب، فما أبرز الشخصيات التي يجسدها النجوم للمرة الأولى في رمضان؟
دنيا سمير غانم مطلقة للمرة الأولىللمرة الأولى تجسد الفنانة دنيا سمير غانم دور المطلقة، التي تحمل مسؤولية طفلين، أثناء دورها في مسلسل عايشة الدور، المقرر عرضه في رمضان المقبل، على أن تناقش من خلال مسلسلها ملف شائك، بتقديم البرهان على أن السيدة المطلقة تملك القدرة على تحقيق النجاح.
محمد هنيدي يعود لدراما رمضانيقدم محمد هنيدي، لأول مرة دور محامي في مسلسل شهادة معاملة أطفال، المقرر عرضه ضمن ماراثون دراما رمضان 2025، على أن يشاركه البطولة الفنانتين نهى عابدين، سما إبراهيم، إلى جانب ظهور الفنانين صبري فواز وخالد أنور، تامر فرج وهناء الشوربجي وجيهان خليل.
ويلعب نجم الكوميديا دورا جديدا من نوعه، يتجسد في شخصية شريرة تتسبب في عدة أزمات، قبل أن يتعرض لوعكة صحية تدخله في غيبوبة لمدة 20 عامًا.
الصعيدي يسيطر على دراما رمضان 2025تدخل الفنانة انتصار السباق الرمضاني بشخصية جديدة تجسدها للمرة الأولى، إذ تقدم دور سيدة من الصعيد، في مسلسل قهوة المحطة، التي ستقدم خلاله دور سيدة متزوجة من الفنان بيومي فؤاد، خلال أحداث العمل، الذي يشاركهما بطولته كل من أحمد غزي الذي يقدم الدور ذاته للمرة الأولى أيضًا في مسيرته، أحمد خالد صالح وحسن أبو الروس.