الصورة النمطية للسود في السينما المصرية (4)
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
د. أحمد جمعة صديق
تحدثنا في المقال السابق عن دور الدراما في ترسيخ الوعي والارتقاء بالحس الانساني لدى الشعوب، من خلال السينما والمسرح كما تحددثنا أيضاً عن استغلال الاعمال الدرامية بصورة سالبة في تقديم بعض الافراد والشعوب بصورة نمطية تجافي الواقع وتخلق فواصل وهوات بين البشر، لا يمكن اصلاحها أو ردمها بسهولة.
• ما هي العيوب التي تبرزها السينما المصرية في الانسان الاسود؟ تجسد السينما المصرية في بعض الأحيان الأفراد السود بصورة تعكس نمطية مفهومة ومغلوطة عنهم، مما يؤدي إلى ابراز العيوب الخُلقية والخِلقية بشكل مبالغ فيه ويجافي الواقع. فمن بين العيوب الخلقية والأخلاقية التي قد تبرزها السينما المصرية في الإنسان الأسود:
- تصوير العنف والعدوانية: قد تبرز السينما الاسود وتسمه بالعنف والعدوانية كسمة للشخصيات السوداء، مما يعزز الصور النمطية السلبية حولهم ويُظهرهم بشكل متطرف، وربما يعود هذا الى تأثير السينما الامريكية التي امنعت في عرض السود كمجرمين بطبيعة الحال.
- الجهل والتخلف: يتم في بعض الأحيان تصوير الأفراد السود بصورة يعكس جهلهم وتخلفهم، مما يساهم في تعزيز صورة الإنسان الأسود باعتباره أقل تقدما وتحضراً من الآخرين. فهو لايحسن التصرف وبطيء الفهم.
- العدمية والإستغلال: قد تظهر السينما الشخصيات السوداء بصورة عدمية ومستضعفة، مما يفتح المجال لاستغلالهم من قبل الآخرين وتمرير الرسائل الاستعمارية من خلال عرضهم بهذه الصور المهينة.
- القيم الاجتماعية السالبة: تظهر بعض الأفلام السود بأنهم يتبنون قيماً اجتماعية سلبية مثل الكسل وعدم المسؤولية والانحلال، مما يعكسهم بشكل سلبي في المجتمع.
- التمييز العنصري: تبرز السينما الفروق العنصرية بين الأشخاص السود والبيض وتعكس التمييز والانفصال بينهم بشكل سلبي بالتركيز على المعايرة بسواد اللون والمبالغة احياناً في تقديم الاسود باضافة الصبغة السوداء لدرجة المبالغة.
- عرض الفتيات السود كمومسات أو راقصات أو داعرات أو ساحرات أو دجالات أو وداعيات.
- العي: يقدم الانسان الاسود كعي يتصف بالهبل، لا يجيد الكلام ويتكلم بلغة غير مفهمومة.
- الاسود سيء الرائحة وهو الانسب في تنظيف الحمامات اذ يبدو كأن هذه المهنة قد حجزت له.
وهذه العيوب الخلقية والأخلاقية ليست مميزة للإنسان الأسود فقط، بل يمكن أن توجد في أي مجتمع أو فئة عندما يتم تصويرها بشكل نمطي ومبالغ فيه. إن التحدي الذي تواجهه السينما المصرية والسينما العالمية بشكل عام هو تجاوز هذه النماذج النمطية والتركيز على تمثيل شخصيات أكثر واقعية وتعقيدًا، تعكس تنوع البشرية بشكل أفضل. وفي الجزء التالي سنواصل في استعراض التحقيق الذي قامت يه قناة الجزيرة عن طريق مراسلها الاستاذ عبد الرحمن أحمد في 5/12/2019.. وقد اوردنا بعض النماذج من الافلام المصرية التي تناولت شخصية الانسان الاسود بتنميط ادى لترسيخ صورة سالبة في ذهن المشاهد المصري.
• سينما الشباب أكثر عنصرية
يقول الاستاذ عبد الرحمن أن العنصرية الفجة عادت للظهور بقوة مع أفلام جيل الشباب التي اتسمت بإقحام مواقف وشخصيات بهدف السخرية من أصحاب هذه البشرة، ونرصد هنا بعضا من مشاهدها في الفقرات التالية:
- صعيدي في الجامعة الأميركية (1998)
يسخر بطل الفيلم محمد هنيدي من لون بشرة فتاة الليل "سمارة"، وعندما تطفئ الأنوار يقول لها "بتطفي النور ليه ما أنت مضلمة خلقة"، وحين يُعلَن عن وفاة إحدى السيدات يقول لها "الولية ماتت من وشك الأسود". وتتوالى السخرية عند ذهاب هنيدي لمنزل سمارة حيث يغني لها أغنية شيكولاتة المليئة بالعبارات العنصرية، لتتحول "إفيهات" هذا الفيلم إلى مرجع للتنمر والتحرش بأصحاب البشرة الداكنة. والطريف في الامر ان فيلم صعيدي في الجامعة الامريكية هو في الاصل فيلم يسخر من الصعايدة وهم سكان الجنوب المصري الذين تم تنميطهم هم ايضاً في السينما المصرية بالبساطة والسذاجة والعنف والثأر والمخدرات وتجارة وتهريب الآثار. وخير مثال لذلك مسلسل (ذئاب الجبل) الذي عرض في عام 1992، و الذي جسدت فيه السينما المصرية انسان الصعيد بالسمات التي ذكرناها وما زالت صورة الصعيدي كما هي! وما زالت المسلسلات التي تتحدث عن الصعايدة، حتى لو بشكلهم التقليدي، تلقى نفس الألق والنجاح، اذ ليست القصة هي عامل النجاح الوحيد بالتأكيد ولكن لها دور مهم في بروز المسلسل، ولكن النمطية المستمرة شيء خطير، كأن العالم كله يتغير ويتطور إلا نحن! كما تقول الاستاذهة وفاء خيري في مقال نشر في 7 مايو 2019 بعنوان(صورة الصعيدي في السينما والدراما والادب) نون بوست (noonpost.com)
وفي فيلم أفريكانو (2001) يسافر بطلا الفيلم أحمد السقا وأحمد عيد إلى جنوب أفريقيا، وأثناء وجودهما في أحد النوادي الليلية يشاهدان مجموعة من أصحاب البشرة السوداء، فيقول عيد ساخرا: "هي الكهرباء قاطعة جوه ولا إيه؟".وفي مشهد آخر يقوم المساعد الجنوب أفريقي (طلعت زين) بإيقاظ أحمد عيد، ليقوم مفزوعا قائلا: "إحنا هانصطبح بوشك ده كل يوم ولا وإيه؟". كذلك في فيلم قلب جريء (2002، فخلال أحداث الفيلم يذهب أحمد عيد للحصول على دور في فيلم سينمائي، فيختاره المخرج ليكون ضمن "العبيد" ويطلب منهم دهانه باللون الأسود، فيرد عيد قائلا "عبيد إيه يا أستاذ أنا طموحي أكبر من كده". فيأتي رد المخرج الأسمر: "ما لهم العبيد؟ مش عاجبك تدهن أسود؟ طب ما أنا أسود أهو"، فيرد عليه عيد "ربنا يزيدك يا أستاذ".
ويورد الاستاذ عبد الرحمن أحمد نماذج أخري ممنعة في العنصرية والتنميط اذ يتكرر المشهد تقريبا في فيلم "سمير وشهير وبهير" (2010)، حين يذهب سمير (أحمد فهمي) إلى موقع تصوير فيلم عنتر بن شداد، وبعد حديث مع أحد المسؤولين عن الفيلم يطلب منه تغيير ملابسه ويشير لأحد مساعديه قائلا "خذ الأستاذ لبسه وادهنه أسود وارميه مع العبيد"، وحين يراه أخوه يسأله "سمير أنت اشتغلت سفرجي؟". أما فيلم اللي بالي بالك (2003) فيرى فيه الاستاذ عبد الرحمن ان الفيلم يضم واحداً من أسوأ مشاهد العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء، حيث يحتضن "اللمبي" (محمد سعد) طفلة صغيرة سوداء يظن أنها ابنته، قائلا لها "حبيبة بابا اللي مضلمة الدنيا"، وحين تخبره زوجته أنها ليست ابنتهما، يرد ساخرا "ما أنا قولت كده، أنت بيضة وأنا بيضة إزاي نخلف صباع العجوة ده".
وكما ذكرنا ان هذه الافلام تتناول الشخصية السوداء من الزوايا الخُلقية والخِلقية على السواء. ففي فيلم عيال حبيبة (2005) توجد مشاهد صادمة كثيرة حواها هذا الفيلم، فحين يثني "عيد" (حمادة هلال) على رائحة "عم نصر" (سليمان عيد) الذي دهنه المخرج باللون الأسود رغم أنه داكن البشرة اصلاً، يرد الأخير "طبعا هو يبقى سواد وريحة وحشة كمان". وفي مشهد آخر يسخر "ممس" (رامز جلال) وبيجامة (محمد لطفي) من صور عائلة عم نصر ويقول أحدهم ساخراً "هي الشقة دي اتحرقت قبل كده"، وحين يغضب منهم يقول له ممس "ميبقاش قلبك زي وشك"..
• ثقافة استعمارية
ويتساءل الناس من أين أتت السينما المصرية بهذا التنميط للانسان الاسود؟ في رأي الاستاذ عبدالرحمن، يرى العديد من النقاد أن السينما المصرية ارتبطت في بدايتها بالثقافة الاستعمارية العنصرية السائدة، والتي تعتبر أصحاب البشرة السمراء أقل مكانة من البيض، إلى جانب سعي الاحتلال لتشويه وتحقير الشخصية المصرية البسيطة، في ظل سيطرة واسعة للأجانب على صناعة السينما في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين. كما يشير الناقد أحمد رأفت بهجت الذي اورد في كتابه "اليهود والسينما في مصر" إلى أن شخصية النوبي عثمان عبد الباسط التي قدمها الكسار في مسرحياته وكانت وسيلة لتأكيد حق النوبي المسحوق في الحياة وإظهار فضائله، تجردت مع انتقالها إلى السينما على يد اليهودي توجو مزراحي من كل إيجابياتها، وتحول عثمان إلى رجل أحمق شديد التهور زير نساء، مما أتاح ترسيخ المفاهيم السلبية عن الشخصية النوبية والمصرية بشكل عام. كما يرجع بعض الخبراء تنميط ذوي البشرة السمراء في أغلب أفلام ما قبل 1952 إلى تجسيد الطبقية والتهميش السائد في تلك الفترة، حيث كانوا يمثلون قوام العمالة المنزلية في أغلب قصور الملك والأمراء والأغنياء، كما أن هذا النمط استمر في أفلام ومسرحيات ما بعد 1952، بحسب الناقد محمد رفعت في كتابه "الآخر بين الرواية والشاشة".
نواصل
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الاستاذ عبد الرحمن السینما المصریة الانسان الاسود البشرة السمراء أصحاب البشرة فی فیلم
إقرأ أيضاً:
عبد الله مشنون يكتب..إستفحال مظاهر العنصرية في الجزائر ضد ذوي البشرة السمراء
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
تُعاني الجزائر من تفشٍّ واضح للعنصرية ضد ذوي البشرة السمراء، سواء كانوا من أبناء الجنوب الجزائري أو من المهاجرين الأفارقة. رغم الخطاب الرسمي الذي يُنادي بالمساواة ومناهضة التمييز، إلا أن الواقع يُظهر أن هذه الفئة ما زالت تواجه العديد من مظاهر الإقصاء، سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية، مما يطرح تساؤلات حول الأسباب العميقة لهذه الظاهرة وتأثيراتها على تماسك المجتمع الجزائري.
في المؤسسات الرسمية، لا يزال حضور الجزائريين ذوي البشرة السمراء في المناصب العليا محدودًا. فرغم تعيين شخصيات بارزة من هذه الفئة، مثل عبد القادر مساهل ونور الدين بدوي، إلا أن ذلك يبقى استثناءً وليس القاعدة. كما أثار تعيين حسن دردوري ردود فعل عنصرية، ليس بسبب مؤهلاته، ولكن بسبب لون بشرته، ما يعكس استمرار النظرة الدونية تجاه أبناء الجنوب. أما في المؤسسة العسكرية، التي تُعد من أكثر المؤسسات نفوذًا في البلاد، فيندر أن نجد تمثيلًا لهذه الفئة، مما يعمق الشعور بالتهميش لدى الجزائريين السود ويؤكد أن الفرص ليست متساوية للجميع.
إلى جانب الإقصاء السياسي والمؤسسي، يواجه أبناء الجنوب الجزائري مظاهر تمييز صارخة عند انتقالهم إلى مدن الشمال. كثيرون يعانون من مضايقات يومية، وأحيانًا إساءات لفظية بسبب لون بشرتهم ولهجتهم المختلفة. حتى في الجامعات، طُلب من بعض الطلاب القادمين من الجنوب الخضوع لفحوصات طبية قبل استلامهم غرفهم في الإقامات الجامعية، في إجراء لم يُفرض على غيرهم، وهو ما يعكس وجود تمييز مؤسساتي قائم على أساس العرق والانتماء الجغرافي. هذه الممارسات جعلت الكثير من أبناء الجنوب يترددون في الاستقرار في الشمال، خوفًا من مواجهة معاملة غير عادلة أو شعور دائم بالغربة داخل وطنهم.
في الإعلام، لا يختلف الوضع كثيرًا، حيث يبدو أن الوجوه ذات البشرة السمراء غائبة إلى حد كبير عن البرامج التلفزيونية، وكأنها لا تمثل جزءًا من الهوية الجزائرية. حادثة عارضة الأزياء والمؤثرة الجزائرية بركة مزراية تُجسد هذا التهميش، حيث تعرضت لتعليقات عنصرية مؤلمة جعلتها تبكي بحرقة، ما كشف عن حجم التنمر الذي يواجهه الجزائريون السود في الفضاء العام. غياب التمثيل العادل في وسائل الإعلام يعزز الصورة النمطية السلبية عن هذه الفئة، ويُكرّس فكرة أنها ليست جزءًا من النسيج الوطني، رغم أنها من أقدم المكونات السكانية في الجزائر.
العنصرية لم تقتصر على أبناء الجنوب، بل امتدت أيضًا إلى المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، الذين يُنظر إليهم أحيانًا على أنهم عبء أو تهديد ديموغرافي. كثير منهم يعملون في ظروف صعبة دون أي حماية قانونية، ويواجهون رفضًا اجتماعيًا واضحًا. في بعض الحالات، تعرض هؤلاء المهاجرون لاعتداءات عنيفة وحوادث قتل وخطاب كراهية متصاعد، دون أن يكون هناك رد فعل رسمي حازم لحمايتهم أو الحد من هذه الظاهرة.
حتى في الخارج، حمل بعض الجزائريين معهم هذه النزعات العنصرية، كما ظهر مؤخرًا في حادثة جزائرية في باريس قامت بتصوير الجناح المغربي في معرض الفلاحة، ووصفت المشاركين فيه بأنهم “مجموعة من السود”، في مشهد يعكس كيف تسربت هذه العقلية إلى بعض فئات المجتمع الجزائري حتى خارج حدوده. هذه التصرفات لا تسيء فقط إلى صورة الجزائر على المستوى الدولي، بل تعكس مشكلة عميقة تتعلق بالهوية والتقبل الاجتماعي.
على الجانب الآخر، يبدو أن المغرب الجار يقدّم نموذجًا أكثر انفتاحًا وتسامحًا فيما يتعلق بالتنوع العرقي. لا تشهد المملكة نفس الحدة من الممارسات العنصرية، حيث تتعامل الثقافة المغربية بشكل أكثر طبيعية مع التنوع العرقي واللغوي. هذا الاختلاف لا يعود إلى عوامل اقتصادية أو جغرافية، بل إلى سياسات اجتماعية وثقافية عززت التعددية والتعايش بشكل أكثر فاعلية.
تاريخيًا، تعود جذور العنصرية في الجزائر إلى الحقبة الاستعمارية، حيث سعى المستعمر الفرنسي إلى تطبيق نموذج فصل عنصري يشبه ما حدث في جنوب أفريقيا. رغم الاستقلال، لم تختف هذه الذهنية بالكامل، بل استمرت في بعض مؤسسات الدولة والمجتمع، مما جعل التمييز العرقي أمرًا شائعًا وإن كان غير مُعلن بشكل رسمي. والمفارقة أن النظام الجزائري، الذي يدّعي الدفاع عن حقوق سكان جنوب المغرب، لم يُبدِ نفس الحرص تجاه سكان جنوب الجزائر أنفسهم، الذين يعانون من الإقصاء والتهميش المستمر. هذا التناقض يثير تساؤلات جدية حول مدى مصداقية الشعارات التي يرفعها النظام في قضايا حقوق الإنسان.
إن تفشي العنصرية في الجزائر يُشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق مجتمع أكثر عدالة وانسجامًا. معالجة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا جماعيًا، وإصلاحات قانونية تضمن المساواة الفعلية بين جميع المواطنين، وتجريم التمييز بكل أشكاله. من دون هذه الخطوات، ستبقى الفجوة قائمة، وسيستمر الجزائريون السود في مواجهة عراقيل غير مبررة داخل وطنهم، في تناقض صارخ مع المبادئ التي قامت عليها الثورة الجزائرية، والتي كان أحد أهدافها القضاء على كل أشكال الظلم والتمييز.