د. عبدالله الأشعل **

إسرائيل ظاهرة نشأت فى ظروف معينة وأحدثت آثارا مدمرة وقدموا إسرائيل لنا نحن العرب بمبررات متعددة رغم أن قراءة المشروع الصهيونى فى كتاب الدولة اليهودية كان كافيا لفهم الحقيقة التى عانينا بسبب غيابها قرابة القرن.

أدرك الغرب بعد الحرب العالمية الثانية أن نجمه يأفل وأن له مصلحة مؤكدة فى الشرق الأوسط كانت هذه المصلحة فى البداية هى الهيمنة على العالم العربى أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، ثم تطورت هذه المصلحة فأصبح بقاء إسرائيل، فلما عربدت إسرائيل فى البلاد العربية وانكشف الكثير من الزيف؛ سواء فى المبررات أو فى جوهر المشروع الصهيوني، وهو ما حرصت بريطانيا العظمى على اخفائه عن العرب، بينما ظن العرب بحسن نية أن إسرائيل تجمع لليهود المضطهدين وأن من اخلاقهم وقيم دينهم اغاثة الملهوف وحماية الضعيف واكرام الضيف.

وقد صُدم العرب والفلسطينييون بفكرة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛ فرفضوا قرار التقسيم عن حق كما رفضه الفلسطينييون، خاصة وأن إسرائيل التى هبطت إلى الأرض من السماء بهذا القرار رفضته أيضا، وبدأت تتكشف الحقيقة منذ عام 1967؛ حيث اعتدت إسرائيل على ثلاثة دول عربية وأطبقت على كل فلسطين، وبدأت بعد ذلك سياسة الاستيطان فى الأراضى العربية المحتلة، ثم الادعاء بأن فلسطين كانت يهودية ولا بُد من استرداد فلسطين من العرب والاستحواذ على كل فلسطين، وذلك من بداية الالفية الثالثة، وكانت مظاهر غدر إسرائيل للعرب هي الآتى:

أولاً: رفض الانسحاب من الاراضى العربية وزعمت أنها أراضى إسرائيلية وبررت إسرائيل ذلك بأن الجيش الإسرائيلى هزم الجيوش العربية ويترتب على ذلك أن حلاوة النصر ومقابله وجائزته هو الاستيلاء على الأرض.

ثانياً: ابتدعت إسرائيل نظرية الدفاع الشرعي الوقائي وخاصة مع مصر عام 1967  وقد حاولت مصر بكل الطرق الدبلوماسية أن تُجلي إسرائيل عن سيناء، ولكن فشلت كل الجهود الدولية، لذا كانت حرب أكتوبر عام 1973، والتي من بعدها بدأت المفاوضات مع إسرائيل لإجبارها على الانسحاب الكامل من سيناء. إذ لم تعترف إسرائيل بمبادئ القانون الدولى، إلى جانب عدم اعترافها بقرار مجلس الأمن رقم 242 ومبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة. وكان مقابل الانسحاب من سيناء هو محاولة مصادرة الإرادة المصرية ووضع تحفظات على سيادة مصر على سيناء، على النحو الذى تضمنته اتفاقية السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل، وإقامة منطقة منزوعة التسليح الثقيل في منطقتي "ج" و"د"، والتي تشمل المنطقة الحدودية لدى كل من مصر وإسرائيل وغزة.

ثالثًا: تبين لمصر وللعرب جميعًا أن إسرائيل تحاول أن تُقسِّم العرب، وقد قال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن- صراحةً- أن مصر مركز تجميع للعرب ضد إسرائيل في الحرب؛ فلا بُد أن تكون مركز تجميع للعرب فى السلام. والسلام الذى تريده إسرائيل هو تسيُّد إسرائيل في المنطقة وبشق الصف العربى، وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية والقضاء على العروبة؟ وقال شمعون بيريز رئيس إسرائيل الأسبق ذلك أيضًت في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"؛ حيث لا تقبل إسرائيل مؤسسات العمل العربي المشترك؛ بل تحاول اختراقها مثل تقديم طلب الحصول على عضوية مراقب في الجامعة العربية، او مراقب في الاتحاد الافريقى، لكنَّ الطلبين رُفِضا في أوقات متفرقة.

رابعًا: أدرك العرب أن إسرائيل تجسيدٌ للمشروع الصهيوني وأن سكانها يتمسحون باليهودية وكلهم صهاينة ممن أغراهم لمعان المشروع الصهيوني، وأدرك العرب أيضًا أن إسرائيل لم تقدم للعرب  إلّا الخراب وأنها تمكّنت من شق الصف الفلسطينى وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية حتى يُمكن أن تقضى على الفلسطينيين أو تطردهم لتنفيذ ما تسمى بـ"صفقة القرن"، وبدأت بمشروع شارون عام 2003 الذي قدمه فى "قمة العقبة" المحدودة مع الملك حسين عاهل الأردن الراحل والرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وهذا كان جرس انذار للعرب. فقد تحدث بيريز عن إسرائيل كدولة يهودية، وبعد ذلك أصدر الكنيسيت الصهيوني قانونًا يُبشِّر فيه بالدولة اليهودية عام 2017. ورغم النقد العربي لهذا القانون، إلّا أن واشنطن اعتبرت تمكن إسرائيل من العرب نجاحًا للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وبالفعل فإن واشنطن تُركِّز الآن على السعودية، ومنذ سنوات، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الإنجاز الوحيد لإدارته في الشرق الأوسط يتمثل في التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية؛ وهي: المغرب والسودان والإمارات والبحرين.

خامسًا: الحديث علنًا في ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن، ولعل هذه النقطة تفرض نفسها في المعركة الانتخابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري بين ترامب وبايدن؛ أيهما أقدر على تنفيذ صفقة القرن.

سادسًا: أن العرب تابعوا نشاط المقاومة الفلسطينية وكيف فككت المشروع الصهيونى وأصبحت مسمارًا فى نعش الظاهرة الإسرائيلية؛ ذلك أن صفقة القرن تعني استقدام يهود العالم أو المُتستِّرين باليهودية إلى إسرائيل التي تأمل أن تصبح "إسرائيل الكبرى" بعد طرد الفلسطينيين من أرضهم فى كل الاراضي الفلسطينية.

هذا حصاد كفاح البيت الأبيض مع الصهاينة الذين يريدون أن يُكملوا ما بدأوه بالخديعة حتى تحل الصهيونية محل العروبة، ويحل الشرق الأوسط محل العالم العربي، ومن ثم القضاء على هوية المنطقة العربية والإسلامية.

لكن المقاومة تمكّنت من تفكيك المشروع الصهيونى على النحو الآتي:

أن سلوك إسرائيل فى ابادة غزة لا يعكس مطلقًا التزام سكان إسرائيل بأي دين أو أخلاق أو قانون وغرتهم الامانيّ عندما أطلق الغرب يد إسرائيل وشارك مباشرة فى ابادة الفلسطينيين وتنكّر لكل الشعارات التي صدّرها لنا منذ الحرب العالمية الثانية . أن المقاومة ضربت هيبة الجيش الإسرائيلي التي كانت ضمانة مهمة لاستقرار الصهاينة في فلسطين. ثبت أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولى ولا تقيم وزنًا لأحد، حتى الولايات المتحدة، وأن الغرب مُتواطئ معها في ابادة الفلسطينيين.

وهكذا نشهد نهاية الظاهرة الإسرائيلية بآثارها، وتعود المنطقة العربية إلى أحضان العروبة.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ويتكوف إلى الدوحة.. كيف "ورث" ترامب بايدن وهو في منصبه؟

سيصبح اسم ستيف ويتكوف ووجهه مألوفين لدى أهل الشرق الأوسط في الأسابيع المقبلة، إذ عيّنه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في أواخر نوفمبر الفائت مبعوثا خاصا إلى هذه المنطقة.

وسيكون ويتكوف بهذا التكليف مسؤولا عن ملف التفاوض بين إسرائيل وحماس، حيال اتفاق الهدنة وتبادل المحتجزين الذي طال انتظاره، وقد مضى على الحرب 15 شهرا.

ويندرج الرجل من يهود نيويورك، وله باع طويل في فنون التفاوض، وهو قطب من أقطاب العقارات في الولايات المتحدة.

كل ما ذكر ينتمي إلى خانة الطبيعي والمألوف، لكن ما هو ليس كذلك أن ترامب أرسله بالفعل إلى الدوحة للدفع بملف الهدنة، قبل أسبوعين من توليه المنصب رسميا، بينما لا يزال في البيت الأبيض رئيس حالي هو جو بايدن، وله مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط اسمه بريت ماكغورك، لا يزال هو الآخر على رأس عمله.

وسجل ترامب بهذا التصرف سابقة في تاريخ الولايات المتحدة.

يصل ويتكوف إلى الدوحة، الأربعاء، حيث يجري لقاءات مع المسؤولين القطريين.

وخلال مؤتمر صحفي عقده ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا، أعرب الرئيس المنتخب عن أمله في تحقيق نتائج طبية فيما يتعلق بالرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة، بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير.

وقد يفسر استعجال ترامب بأنه عازم على إبرام الصفقة قبل وصوله إلى البيت الأبيض.

وفي المؤتمر الصحفي ذاته، جدد تهديده لحماس، قائلا إنه إذا لم يتم الإفراج عن المحتجزين لدى الحركة بحلول موعد تنصيبه "ستفتح أبواب الجحيم على مصراعيها في الشرق الأوسط".

لكن هذا التاريخ ليس مقدسا كي يكسر من أجله ما هو عظيم الشأن فعلا كبروتوكولات الفترة الانتقالية التي تصون حق الرئيس الحالي بممارسة صلاحياته حتى نهاية فترته الرئاسية رسميا، وقد كان بإمكان ترامب جعل المباحثات هذه من ضمن ولايته الرسمية، وليفعل بعدها ما يفعل.

ثم ماذا لو آتت مساعي ويتكوف أكلها، وحصلت تطورات قبل موعد التسلم والتسليم؟ فمن الرئيس الذي سيخرج علينا بمؤتمر صحفي ليزف النبأ العظيم؟

هكذا هو ترامب، الشخصية السياسية الاستثنائية التي لا يمكن التنبؤ بخطواتها وقراراتها.

في نهاية ولايته السابقة، وبعد 150 عاما لم تشهد فيها واشنطن عزوفا من رئيس عن حضور حفل تنصيب خلفه، رفض ترامب توريث المنصب إلى بايدن، وكان آخر من فعلها أندرو جونسون عام 1869.

وها هو اليوم قبيل رحيل بايدن، أبى ترامب إلا أن يرثه، وهو لا يزال في منصبه.

مقالات مشابهة

  • ترامب يُكرر تهديداته: الجحيم ينتظر الشرق الأوسط إذا لم يُطلق سراح الرهائن الإسرائيليين
  • الجزائر تترأس اجتماعا لمجلس الأمن الأممي حول الوضع في الشرق الأوسط
  • اجتماعا لمجلس الأمن الأممي حول الوضع في الشرق الأوسط
  • رئيس قبرص: الوضع في الشرق الأوسط يتسم بالكثير من التحديات
  • ويتكوف إلى الدوحة.. كيف "ورث" ترامب بايدن وهو في منصبه؟
  • برعاية وزارة الاستثمار.. انعقاد منتدى الشرق الأوسط للاستثمار الرياضي (MESIF) في الرياض
  • مشاركون في "عرب بلاست": الإمارات وجهة للشركات وبوابة نحو أسواق المنطقة والعالم
  • الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية على الفلسطينيين
  • نتنياهو: نحن في مرحلة تغيير أساسي في الشرق الأوسط
  • كاريكاتير .. المظلمة العربية تمطر خذلاناً مخزياً تجاه الشعب فلسطين