العولمة التي انطلقت نهاية القرن 19 فتحت الأسواق العالمية أمام مختلف الشركات من مختلف البلدان وانتشرت بشكل كبير على مدى العقود الأخيرة، حتى بات العديد من الشركات الغربية تمتلك سلسلة كبيرة من الفروع وتحتكر بعض الصناعات لا سيما مجال المطاعم والمقاهي.

ولكن الحملات الشعبية التي شهدتها البلدان العربية والإسلامية وكذلك فئة المناصرين لفلسطين من مختلف دول العالم، خلال الشهور السبعة الماضية، أدت إلى نوع من ثورة في المفاهيم بما يخدم المبادئ الإنسانية حتى لو كانت على حساب المصالح الشخصية.

وساعد في ذلك كثيرا العولمة وكون العالم صار قرية بسبب سهولة التواصل مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل. فصارت حملات المقاطعة تطارد الشركات والمنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. ويراها الناس سلاحا فعالا مؤثرا، وتتسع رقعة الاستجابة الشعبية بشكل مطرد وغير مسبوق يكاد يصل إلى مستوى الإجماع في رد عملي على استمرار المجازر بحق الشعب الفلسطيني المستمرة في قطاع غزة للشهر السابع.

صفعة بوجه الشركات الغربية؟

الشركات الغربية -وخاصة تلك التي تحتكر المعلومات وتعتبر منتجاتها متميزة وذات فرادة- تلقت صفعة شديدة من خلال حملات المقاطعة التي ترفعت عن مصالحها المحدودة لمصلحة العام الإنساني وتحقيق العدالة. وصار الاعتبار أكبر لكرامة الإنسان وتحقيق العدالة ورفض الظلم أو دعمه.

ومع تزايد دعوات المقاطعة، غدت محلات وفروع تابعة لشركات كبرى خالية من الزبائن بسبب المقاطعة.

كما لوحظ بشكل كبير حدوث تغيير في سلوك المشترين، إذ أصبح تفقُّد بلد الصنع ضروريا، ويعمد كثير من الزبائن إلى الاستعانة بهواتفهم للتأكد إن كانت سلعة ما موجودة ضمن قوائم السلع المقاطعة.

وشمل السلوك الجديد هذا بشكل خاص جيل الشباب بل والأطفال أيضا، الذين صاروا ينبهون آباءهم إلى ضرورة التأكد قبل الشراء.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة لحجم الأضرار التي تلحق بالشركات الكبرى العابرة للحدود جراء المقاطعة، فإن التأثير الاقتصادي موجود وواضح.

المقاطعة تعتبر نوعا من أنواع الضغط الذي تملكه القاعدة الاستهلاكية، فالعديد من المطاعم والمقاهي والشركات تراجعت أسهمها، كما تأثر حجم مبيعاتها.

جانب من أحد الحملات الشبابية والطلابية دعما للمقاطعة (الجزيرة) دعم المنتج المحلي

حملات المقاطعة كان لها الأثر الإيجابي على عدد من الشركات المحلية، والتوجه نحو المنتج المحلي، واستطاعت التعويض عن المنتجات الأجنبية التي تستوردها البلدان من شركات عالمية داعمة للاحتلال.

وبالتوازي مع حملات المقاطعة، انتشرت حملات تدعو إلى اعتماد بدائل لتلك السلع، وفي هذا السياق انتشرت على وجه التحديد دعوات لاعتماد البديل من "صنع محلي".

ومع انتشار المقاطعة بادرت أسواق ومتاجر كبيرة إلى وضع إشارات مكتوبة ومتكررة بشكل بارز للتدليل على السلع المحلية.

كما أعادت المحال ترتيب أولويات خزائن العرض بحيث أعطت موقعا متقدما لبعض السلع المحلية، وسلع من منتجات الدول التي اعتبرت صديقة. وعمد بعض المستثمرين المحلين لاستغلال الفرصة لإنتاج سلع بديلة عن تلك السلع المقاطعة، أو إنشاء المطاعم أو المقاهي التي تقدم بدائل عن تلك المقاطعة، فنشط السوق المحلي ووفر فرص عمل جديدة.

وهنا يجدر بنا القول إنه على الشركات المحلية أن تستغل الفرصة لتقديم سلع ذات جودة أكبر، وحتى تكون بديلا دائما للسلع الأجنبية.

ويرى البعض أن حملات المقاطعة تسبب خسائر للوكلاء المحليين وتنعكس سلبًا على الاقتصاد عبر زيادة البطالة، وقد يكون شيء من ذلك صحيحا وخاصة بالنظرة السريعة وعلى المدى القصير، ولكنه يؤسس لصناعة محلية أوسع وأقوى وأثر تنافسا.

ولكن تأسيس أو توسيع الشركات والمصانع المحلية ستزيد من الإنتاج المحلي وستتوفر فرص عمل جديدة، وقد تكون العمالة التي خرجت من وكلاء الشركات العالمية هم الأوفر حظا بالحصول على العمل لخبراتهم السابقة.

 تأثير المقاطعات الشعبية

المتابعون للشأن الاقتصادي وأداء الشركات العالمية يقرون بتأثير المقاطعة، وإن لم تظهر نتائجها القوية حتى الآن. كما أن الكثيرين متفاجئون بهذا التوجه الشعبي ومدى تأثيره، لأن تأثير المقاطعة عادة يكون واضحا في حال تبنته دول أو منظومات دولية فيكون تأثيرها كبيرا وسريعا وخلال شهور معدودة، بينما الحملات الشعبية تحتاج وقتا أكبر.

ويحذر المتخصصون من تأثيرات للحملات المقاطعة على الشركات الكبرى وسياستها وطريقة تعاطيها.

حملات المقاطعة تضغط على العلامات التجارية

تشكل حملات المقاطعة عامل ضغط على العديد من العلامات التجارية الغربية، وأصبحت كل جهة منها تحسب حساب أي موقف تتخذه وتراعي توجهات الشعوب حتى لا تواجه هذه الشركات بسلاح المقاطعة.

وصار الكثير من هذه الشركات كردة فعل لحملات المقاطعة الأخيرة تساند القضية الفلسطينية بطريقة أو أخرى أو تعلن عن تقديمها مساعدات للمتضررين من العدوان في غزة.

يأتي ذلك في ظل معطيات تشير إلى تعرض العديد من العلامات التجارية إلى خسائر معتبرة، أو على الأقل عدم تحقيقها للمستوى المخطط له من الإيرادات والمبيعات.

أبرز بيانات الشركات المُقاطعة تراجع سهم ستاربكس للمقاهي المدرج في بورصة نيويورك بأكثر من 31% منذ التصاعد العالمي لمقاطعة العلامة التجارية المتهمة بدعم إسرائيل التي تخوض عدونا مدمرا على غزة. فبلغ سعر سهم الشركة في إغلاق جلسة يوم الجمعة 3 مايو/أيار 73.11 دولارا، نزولا من 107.1 دولارات في ختام تعاملات 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وفي 30 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت ستاربكس عن أرباح وإيرادات ربع سنوية أقل من المتوقع للربع الأول 2024، إذ بلغ ربح سهم الشركة 68 سنتا مقابل 79 سنتا متوقعا. كشف تقرير حديث عن تراجع كبير في الأداء المالي لمطاعم "أمريكانا إنترناشونال" -عملاق مطاعم الخدمة السريعة- في الربع الأول من عام 2024. فقد انخفض صافي الدخل العائد إلى مساهمي الشركة الأم بنسبة 51.8%. أقر رئيس ماكدونالدز التنفيذي كريس كيمبكزينسكي في يناير/كانون الثاني الماضي بأن الشركة شهدت "ضررا ملموسا" في عدد من الأسواق بالشرق الأوسط وخارجها بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة. خلال الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 4 يناير/كانون الثاني الجاري، خسر سهم ماكدونالدز في 21 جلسة تداول، وسجل أدنى مستوى له خلال هذه الفترة بجلسة 11 أكتوبر/تشرين الأول عندما بلغ 250.92 دولارا. خسرت شركة ماكدونالدز نحو 7 مليارات دولار من قيمتها خلال ساعات بعد إعلان مديرها المالي إيان بوردن في 13 مارس/آذار الماضي عن استمرار تأثير المقاطعة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي على المبيعات خلال العام الحالي. واجهت شركة دومينوز بيتزا، وهي شركة أميركية عملاقة أخرى، المقاطعة بشكل مباشر، خاصة في آسيا، حيث انخفضت مبيعات المتاجر بنسبة 8.9% في النصف الثاني من العام الماضي. وتسببت صور -تم تداولها على وسائل التواصل وتظهر الشركة وهي توزع وجبات مجانية على الجنود الإسرائيليين- بردود فعل كبيرة غاضبة. شهدت "يام" Yum، الشركة الأم لـ كنتاكي وبيتزا هت وتاكو بيل، إيرادات أقل من المتوقع في الربع الرابع من عام 2023. شهدت مبيعات كنتاكي وبيتزا هت في الشرق الأوسط تراجعا خلال الربع الأخير من عام 2023، حيث انخفضت مبيعاتهما بنسبة 5 و3% على التوالي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات حملات المقاطعة

إقرأ أيضاً:

شركة التكنولوجيا الحيوية التابعة لغوغل تنسحب من إسرائيل

أغلقت شركة فيرلي (Verily) للصحة والبيانات، التابعة لشركة غوغل، عملياتها في إسرائيل بعد 3 سنوات من افتتاح مركز للبحث والتطوير في البلاد، ومن المتوقع أن يغادر موظفو فيرلي إسرائيل بحلول الربع الثالث من عام 2024.

وذكرت الشركة أن السبب وراء الإغلاق هو محاولة إعادة تركيز إستراتيجيتها على المنتجات والمشاريع الأساسية، بحسب ما ورد في صحيفة ذي غارديان.

وقال متحدث باسم شركة فيريلي "في إطار مراجعتنا المستمرة لاحتياجات العمل، اتخذت فيريلي القرار الصعب ببدء عملية إغلاق مركز البحث والتطوير التابع لها في إسرائيل، الواقع في حيفا وتل أبيب، ويتوافق هذا القرار مع إستراتيجيتنا في تبسيط عمليات شركتنا بشكل عام".

وأضاف المتحدث أن "حرب إسرائيل على غزة لم تلعب أي دور في قرارنا".

لقد أصبحت شركة فيرلي، التي نشأت عام 2015، لاعبا مؤثرا في مجال تكنولوجيا الصحة، وجمعت ما لا يقل عن 3.5 مليارات دولار في إجمالي التمويل اعتبارا من العام الماضي. وكانت تعمل على وضع خطة في السنوات الأخيرة لفك ارتباطها بشركة ألفابت، وربما تسعى إلى طرح عام أولي كشركة مستقلة.

وافتتحت الشركة مركز البحث والتطوير الخاص بها في إسرائيل عام 2021، معلنة أنها ستتعاون مع المستشفيات ومنظمات الرعاية الصحية في البلاد، وعندما سُئل عما إذا كان الموظفون في المركز سيفقدون وظائفهم، ذكر متحدث باسم الشركة أن الفريق الحالي في إسرائيل "من المتوقع أن يغادر الشركة بحلول نهاية الربع الثالث من عام 2024".

وقال المتحدث باسم الشركة "لقد قاد فريق فيرلي إسرائيل ابتكارات وتطورات مهمة في السنوات العديدة الماضية، مع التركيز بشكل خاص على تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على المشاكل الطبية الحيوية، ونحن نخطط لاستمرار هذا العمل الحاسم في مواقعنا بالولايات المتحدة".

وكانت شركة فيرلي تتبع خطة لخفض التكاليف لأكثر من عام تضمنت جولات من تسريح العمال بعد أن فشلت في تحقيق توقعات الإيرادات عام 2023، وقامت شركة ألفابت بتخفيضات أوسع، حيث قامت بإنهاء خدمات 12000 موظف عام 2023، و1000 آخرين في يناير/كانون الثاني الماضي.

مقالات مشابهة

  • لتوفير فرص العمل.. استمرار فعاليات مهرجان دعم المنتج المحلي في السليمانية (صور)
  • وزير الإسكان يتسلم درع الهيئة العربية للتصنيع لجهوده في تشجيع المنتج المحلي
  • بيومي فؤاد ومحمد سلام أبرزهم.. نجوم تعرضوا لدعوات المقاطعة الفنية
  • تعذيب الأطفال لأجل العلم.. التاريخ المظلم لعلم النفس وتجاربه غير الأخلاقية
  • رفع 391 طن قمامة خلال حملات مكبرة في الإسماعيلية
  • البلديات.. وحيادية الخدمة المدنية…أساس الحكم الرشيد للفترة الانتقالية
  • رغم العدوان المستمر على غزة ودعوات المقاطعة
  • شركة التكنولوجيا الحيوية التابعة لغوغل تنسحب من إسرائيل
  • وظائف خالية في بنك الإسكندرية لخريجي تجارة وما يعادلها.. اعرف الشروط
  • حملات تفتيشية على الوحدات المحلية والأحياء وإحالة 1332 موظفا للنيابات المختصة