موقع النيلين:
2025-03-24@06:22:53 GMT

الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة

تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT


لا خلاف بأن أجهزة المخابرات، بوجه عام، هي الأكثر ارتباطاً بالأنظمة السياسية الحاكمة، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، ديمقراطياً تعددياً كان أو شمولياً، ومن باب أولى إن كان وراثياً، وذلك بخلاف الجيوش وأجهزة الشرطة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية – التي يعتبر الكثيرون نظامها نموذجاً للقياس – ما إن يتولى الرئيس المنتخب السلطة إلاّ ويعمد إلى اختيار قادة جدد لوكالة المخابرات المركزية وللأمن الوطني، قبل أن يختار وزراء الداخلية والدفاع.

وفي السودان، ونظراً لحالة عدم الاستقرار السياسي، والصراع على السلطة، اللذين لازما أنظمة الحكم – منذ الاستقلال – نجد أن جهاز الأمن، بمختلف مسمياته، كان أكثر ارتباطاً بالنظام القائم ، وقد ظهر ذلك بشكل أكثر وضوحاً في عهدي مايو والإنقاذ، حتى أن القوى السياسية التي كانت تعارض ذينك النظامين كانت تستثمر في تشويه صورة جهاز الأمن و تتعمد أن تصفه بأنه جهاز لأمن السلطة السياسية وليس أمن البلد والدولة، تجتهد في أن تلصق به أبشع التهم، وتضخم من أخطائه، وكانت تلك القوى تصر – عقب سقوط النظامين – أن يتم حل جهاز الأمن وتقليم أظافره، وتحويله إلى ما يشبه مركز للبحوث والدراسات.

لقد أدرك الجيل الذي تفتح وعيه على صراعات السياسة في السودان، مطلع ثمانينات القرن الماضي (جيلي أنا)، وكذلك الجيل الذي سبقه، فداحة الخطأ الذي وقعت فيه سلطة الفترة الإنتقالية التي تولت زمام الأمور عقب سقوط نظام الرئيس جعفر نميري في أبريل 1985 حين استجابت لصيحات الغوغاء المصنوعة، وقامت بحل جهاز أمن الدولة، وأودعت قادته وضباطه السجون، ولولا رجال مؤمنون بقيمة الوطن، أمثال اللواء الهادي بشرى، تولوا تصفية الجهاز بعد قرار حله، لذهبت كل أسرار الدولة إلى خصومها الخارجيين من الأنظمة التي كانت تترصد كل حركة وسكنة في البلاد، قبل أن تذهب إلى المعارضين السابقين، لكنه أمكن الإحاطة ببعض تلك الأسرار وحفظها.

ولأن نظام الإنقاذ كان أطول عمراً من نظام مايو، وكانت معارضته أكثر شراسة من تلك، فقد سعى معارضوه، بكل ما أوتوا من حِيل، أن يكرروا ذات السيناريو بحل “جهاز الأمن والمخابرات الوطني”، ورغم أنهم – حينما آلت إليهم السلطة – لم يحققوا كامل مخططهم، بفضل وعي القيادة العسكرية التي تولت الشأن العسكري والأمني عقب سقوط النظام، إلاّ أنهم نجحوا في تقليم أظافر الجهاز بفصل الكثير من ضباطه وبالحد من صلاحياته، ورغم أنهم اكتشفوا بعد وقت قصير قِصر نظرهم وفداحة خطئهم، إلا أنهم أصروا على المكابرة، وقرروا إنشاء جهاز بديل أسموه “جهاز الأمن الداخلي”، ومنحه ذات الصلاحيات التي كانت لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بيد أن هذه الخطوة لم تكتمل !!

ربما بعود الأمر لطبيعة عمل أجهزة الأمن والمخابرات نفسها، لكن الثابت أن العامة، في كل الدول، لا يعرفون من الأدوار الهامة التي تقوم بها هذه الأجهزة إلاّ النذر اليسير، ونحن في السودان لم يكن يظهر لنا من تلك الأدوار إلاّ ما يتصل بأزماتنا الملحّة، وهي أزمات سياسية واقتصادية، أما الأدوار المتصلة بدرء الأخطار الخارجية وبمكافحة التجسس، وبحرب المدن، وبمكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة ، وبالتنسيق مع النظراء في جهاز الشرطة والاستخبارات العسكرية، ومع الاجهزة النظيرة في الدول الشقيقة والصديقة، كل ذلك لا نكاد نعرف عنه شيئاً، ولو كان للمرء من مأخذ على إخفاء هذه الأدوار، في السابق، أو عدم إشهارها بما يكفي، فهو أن غيابها يتيح للخصوم المتربصين فرصة لتقوية منطقهم في التدليس والقول بأن هذه الأجهزة إنما هي أجهزة سياسية، لا تفعل شيئاً سوى ترصد الخصوم السياسيين.

أما بالنسبة للحرب التي تدور رحاها في بلادنا منذ أكثر من عام، فقد ظهرت الثغرة التي خلّفها تغييب جهاز المخابرات العامة بشكل جلي، أقول تغييب لأن الفعل كان مقصوداً في حد ذاته، إما بدوافع سياسية، كما ألمحنا، أو بدفع تآمري خارجي، أو نتيجة الاستجابة غير المدروسة لضغوط الناشطين، أو بعدم الأخذ بالتوصيات التي كانت تتضمنها تقارير الجهاز عندما التزم بدور كاتب التقارير، والتي – التوصيات – كانت تقدم قراءة استشرافية لما قد ينتهي إليه الأمر إن تركت الأمور تسير على النحو الذي سارت عليه، وقد حدث ما حدث !!
وفي الحرب التي تدور منذ عام، تجلت مقدرات عناصر الجهاز في دعم وإسناد المجهود القتالي للقوات المسلحة، خاصة وأن للجهاز خبرة طويلة في حرب المدن وفي مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بل أكثر من ذلك، تجلت وطنية عناصر الجهاز ممن أحيلوا للتقاعد وجرى التشهير بهم، فانخرطوا في صفوف القوات المقاتلة حتى قبل أن تتم إعادتهم للخدمة، وقدموا الشهداء والجرحى والمعاقين، حتى قبل أن تنصفهم قيادة الدولة، وتغطى ظهرهم المكشوف بعدم وجود الحماية القانونية.

الآن وقد أعادت الدولة بعض الحق لأهله، تنتظر جهاز المخابرات العامة، المهمة الأكثر تعقيداً، والتي أضحت مطلباً شعبياً، وهي مهمة توسيع نطاق العمليات القائمة في مجال مكافحة المليشيا وأعوانها، ولا شك أن أول متطلبات عناصر النجاح في هذه المهمة هي حسن التنسيق مع الاستخبارات العسكرية وجهاز الشرطة، ويجب التنويه هنا، بضرورة الانتباه لتجنب الغيرة المهنية، والتقليل من آثارها إلى الحد الأقصى، وهذه بالأساس مهمة قيادة الدولة ومدراء الأجهزة الثلاثة.

إن الأمن، بمفهومه الشامل، لا يقتصر على الأدوار التي يقوم بها جهاز المخابرات العامة، والمضمنة في قانونه الذي جرى تعديله، مهما اتسع نطاقها، وإنما هو شأن تشترك فيه الأجهزة النظامية الأخرى، ويمتد ليشمل أجهزة مدنية وثيقة الصلة بموضوع الأمن القومي، ويقوم الجهاز بعبء تنسيقه، ولهذا ينبغي أن تعمل منظومة الأمن القومي كلها بتناسق وثيق حتى يعبر شعبنا هذه المرحلة الأكثر دقة من تجاربه السياسية.

العبيد أحمد مروح

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جهاز المخابرات العامة جهاز الأمن التی کانت قبل أن

إقرأ أيضاً:

جهاز المخابرات الوطني العراقي والمهمة الصعبة

بقلم : الخبير عباس الزيدي ..

القنصلية العامة العراقية  في  منطقة شيشلي في اسطنبول  تعرضت لهجوم باسلحة نارية
تزامن  ذلك الاعتداء مع المظاهرات  التي تشهدها المدن التركية ضد اوردغان •
ومن المتعارف عليه ان مهمة امن وسلامة البعثات الدبلوماسية من قنصليات وسفارات (مقرات وافراد وممتلكات بل حتى الجاليات  ) تقع  مسؤولية امنها وحمايتها على  الدولة  المضيفة صاحبة  العلاقة وفق الاعراف والتقاليد والقوانين الدولية ومع  ذلك هناك مهام اخرى  يجب ان تنهض بها الاجهزة العراقية  في مثل هكذا حوادث واعتداءات منها وزارة  الخارجية  ومديرياتها وفروعها وممثلياتها في المحافل الدوليةمثل الامم المتحدة •
اليوم جهاز المخابرات  الوطني العراقي  يتحمل جزء من  المسؤولية في كشف  اسباب الاعتداء والعناصر  المتورطة فيه
سيما وان قيادته  الجديدة المتمثلة  بمعالي رئيس الجهاز  السيد ابو حسين الشطري وهو شخصية وطنية  ومنهية  كفوءة تدرج وتسنم مناصب  عديدة  مهمة وحساسة في ظروف صعبة وتهديدات وتحديات خطيرة  تكللت  بالنجاح  ناهيك عن سيرته الجهادية الحافلة بالعمل النوعي الذي حصل من خلاله على خبرات عملية ترتقي بجدارة  الى ادارة  وقيادة مثل هكذا جهاز تكون  ساحة عمله خارج الحدود •
اسئلة  عديدة منطقية نطرحها وهي بحاجة  الى أجوبة  بعد معرفة واقع العلاقات  التركية مع العراق
1_ تركيا تحتل جزء غير قليل من الاراضي  العراقية و تقوم بعدوان وقتل مستمر للعراقين عبر جيشها الغازي والمحتل وتحتفظ لها بقواعد عسكرية غير شرعية على الاراضي العراقية
2_ تركيا  تتدخل بالشؤون العراقية  بشكل صارخ وسافر وعنيف دون وجه حق وهي من اكبر  الداعمين  للارهاب والتنظيمات  المسلحة الانفصالية والطائفية وتغذي التمرد والانقسام السياسي وتعمل على اضعاف العراق
3_تبتز العراق بكل وقاحة في ملفات  المياه خلاف لكل المواثيق والقوانين الدولية •
4_تشارك وتساعد على عمليات نهب وسرقة وتهريب الموارد الطبيعية والنفط  العراقي بكميات مهولة وكبيرةو تساهم في زعزة الانتاج المحلي العراقي
5_ جهاز مخابراتها MT يعتبر العراق مسرحا  مفتوحا لنشاطة على مستويات مختلفة منها السياسية والاقتصادية  والأمنية  … الخ  وهو متورط  في العديد  من عمليات القتل العلني  او التصفيات  والاغتيالات  ويشرف على عمليات تهريب المواد المحظورة والممنوعة للعراق بما فيها  المخدرات عبر مافيات يديرها بنفسه ويعتبر ذلك من اهم موارده لتمويل عملياته
6_ تركيا تنشر قنصلياتها وممثلياتها في شمال و وسط  وجنوب  العراق
7_ تاوي تركيا  الكثير  من القتلة  وعناصر النظام  الصدامي وعناصر الاجرام  الطائفي من اصحاب الايادي القذرة الملطخة بدماء الغراقيين وتوفر لهم جميع مايحتاجون نكاية بالعراق  واهلة
8_ تركيا تتجاوز  استثماراتها عشرات المليارات  ومصالحها الاقتصادية وتبادلها التجاري  غير  المحدود مع العراق  بالاضافة الى مدخولاتها السياحية من العراق حصرا
يحصل ذلك مع كل تلك التجاوزات وهذا مرفوض طبقا للعقل والمنطق  او ماتفرضه أبجديات التعامل  بالمثل •
اليوم ياتي هذا العدوان المرفوض على القنصلية العراقية  في قلب اسطنبول
والاسئلة التي تطرح  هنا
1_ هل لهذا العدوان علاقة بما يحصل  من احتلال وعدوان  تركي  في سوريا
2_ ام انها عملية خلط  اوراق  يحاول اردوغان منها تشتيت الانظار عما يحصل  في تركيا و استياء مواطنيه  وبالتالي التهمة الجاهزة للمعارضة  التركية
3_ هل ماحصل من عدوان بمثابة رسالة تحذيرية لتكرار السيناريو التركي  الجولاني في العراق  عما قريب
4_ ام ان هذا العدوان ياتي ضمن العمليات العابرة  التي تقوم بها  احهزة دول اخرى في ساحات مغايرة 
ثالثا_ المهمة الصعبة وليست العسيرة •
1_نحن على يقين ان جهاز المخابرات  الوطني  العراقي  لديه  القدرة الكبيرة  على كشف ملابسات الاعتداء ومعرفة المتورطين  فيه
فيما اذا كان مفبركا من قبل الجهات الرسمية التركية للحد من نشاط  السفارة والضغط  عليها او ان الحادث تقف ورائه جهات  دولية اخرى عبر مايسمى بالعمليات العابرة جاء  بتعاون عناصر  عراقية محدودة من داخل  السفارة او القنصلية نفسها  او عملاء سواء أجانب  او اتراك  وكل تلك  الاحتمالات  والفرضيات مطروحة
2_  ايضا من المهام  الجليلة  التي نأمل من جهاز المخابرات الوطني العراقي ان ينهض بها هي عملية تطهير  اغلب القنصليات والسفارات العراقية  من عناصر البعث والاجهزة  القمعية  الصدامية التي عشعشت هناك  بل الاخطر  من ذلك وجود  تلك العناصر الخطرة  في اغلب المحطات  الخارجية للجهاز
رابعا_نسال الله ان يحمي العراق شعبا ومقدرات وجميع اجهزتنا الامنية  وحشدنا المقدس ومنهم جهاز المخابرات  الوطني  العراقي.

عباس الزيدي

مقالات مشابهة

  • جهاز المخابرات العامة يكشف تفاصيل غنائم الدعم السريع بمقره في شارع المطار
  • مصطفى بكري: جهاز المخابرات العامة نجح عبر مسيرته في الحفاظ على أمن مصر القومي
  • جهاز المخابرات الوطني العراقي والمهمة الصعبة
  • أول خطوة لقوات هيئة العمليات بعد استعادة السيطرة على مقرهَم بـ”شارع المطار” 
  • الجيش السوداني يعلن السيطرة على رئاسة جهاز المخابرات العامة في الخرطوم
  • لتعزيز الأمن الغذائي.. استصلاح 200 ألف فدان من مشروع مستقبل مصر
  • الجيش السوداني يسيطر على جهاز المخابرات العامة في الخرطوم
  • النيابة العامة تحقق في تسريب وثائق سرية من جهاز المخابرات الليبية
  • إسرائيل تعلن اغتيال رئيس المخابرات العسكرية في حماس
  • المخابرات العامة: السودان لا يُهزم وسيادته غير قابلة للمساومة