فرضية تحقيق السلام عبر الحوار مع الكيزان
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
رشا عوض
هناك فرضية مفادها ان الطريق الى وقف الحرب يجب ان يبدأ بإشراك الكيزان في اي حوار يهدف الى توافق وطني حول كيفية ايقافها، بحكم كونهم عنصرا أساسيا في إشعالها واستمرارها وبالتالي لن تتوقف الحرب إلا بالحوار معهم حتى يقتنعوا بالسلام، هذه الفرضية مختلة للأسباب التالية: أولا: هذه الفرضية تتعامل مع الكيزان كتيار سياسي طبيعي يرغب في حياة سياسية طبيعية في السودان على قدم المساواة مع بقية القوى السياسية في البلاد في اطار حكم مدني ديمقراطي، كما تستبطن الأكذوبة المضللة التي تروجها بمثابرة الآلة الإعلامية الكيزانية وهي أن مشكلة الكيزان مع خصومهم هي الاقصاء الذي تعرضوا له في الفترة الانتقالية وبالتالي يجب جبر خاطرهم المجروح بالحوار!! معضلة الكيزان قبل وبعد الثورة، وقبل وبعد الحرب هي رهانهم على ذلك التنظيم الأمني العسكري الاخطبوطي المرتبط بشبكة ضخمة من المصالح الاقتصادية التي بطبيعتها تحتاج لنظام سياسي قابض وقامع يضمن استدامتها، لانها من النوع الذي لا يعيش الا في الظلام والقمع ، فضلا عن ارتباطات ايدولوجية ومصلحية عابرة للحدود، وقبل هذا وذاك قناعة راسخة بأن احتكارهم للسلطة هو احد نواميس الطبيعة السياسية! هو حق طبيعي وبديهي لا مجال لمجرد مساءلته! ووسيلتهم لتأبيد احتكار السلطة هي ذلك التنظيم الامني العسكري الاخطبوطي الذي أصبح مرجعية ذاته ويمارس الاضطهاد حتى على مخالفيه حتى داخل الحركة الاسلامية، وهو منتفش بالقوة العسكرية والاجهزة الامنية والموارد المالية الضخمة، ولا يرى في السودان الا ضيعة مملوكة له سلبتها الثورة بدون وجه حق! وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر من الكيزان كتنظيم أي خطاب سياسي جديد فيه مؤشرات للتراجع عن نهج الاحتكار والاستقواء على الشعب بالقوة العسكرية، حتى أثناء استنفارهم المواطنين للقتال في حربهم الحالية مع قوات الدعم السريع لا يقدمون لهذا الشعب وعدا بتغيير منهجهم السياسي الذي اورد البلاد موارد الهلاك، بل يقدمون وعيدا بالاستئصال لكل من اختلف معهم سياسيا ويستبقون نتائج المعركة العسكرية باعلان نتائجها السياسية حال انتصارهم وهي الويل والثبور وعظائم الامور لكل من لم يصطف خلفهم في حربهم القذرة هذه بوصفه خائنا وعميلا ومرتزقا وظهيرا “للمليشيا المتمردة” التي صنعوها هم لحمايتهم!! وبالفعل بدأت الاعتقالات والتعذيب والاغتيالات السياسية بايدي الاجهزة الامنية الكيزانية، ومنذ الآن أطلقوا العنان لابواقهم الاعلامية لتحقير وتسفيه الثورة وتجريم رموزها والعدوان الممنهج على كل صاحب رأي او رؤية مختلفة لطبيعة هذه الحرب، باختصار قبل ان تضع الحرب اوزارها شرع الكيزان في تجريف الملعب السياسي من خصومهم بفجور اعلامي وبلطجة سياسية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، فلسان حالهم ومقالهم يقول بوضوح لا لبس فيه، يجب طي صفحة الثورة نهائيا وحذف مفرداتها من القاموس السياسي وعلى رأسها الحكم المدني الديمقراطي، والاصلاح الامني والعسكري وتفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، بل يجب على الشعب السوداني ان يبصم على تعويض الكيزان عن ما تم من تفكيك جزئي لتمكينهم نتيجة هذه الحرب! ومكافأتهم بالإبقاء على مليشياتهم المتناسلة! ومباركة عودتهم الى السلطة عبر الجيش الذي يفرضون الآن فكرة تقديسه لا لسبب سوى انهم يرغبون في استخدامه كحصان طروادة الذي يحملهم الى السلطة مجددا، وبالتالي فإن الكيزان لا يطلبون حوارا بل يطلبون الإذعان والتسليم لسلطتهم المطلقة ، وما اسطوانة الحوار الا حيلة منهم لإغراق المشهد بما صنعته اجهزتهم الامنية من دمى سياسية يمسكون هم بخيوط تحريكها.باختصار هم أشعلوا الحرب لاخراس أي حوار والاستيلاء على السلطة بالقوة، وعندما فشلوا في ذلك يرغبون الان في ان يحققوا ما فشلوا فيه بالحرب عبر الاحتيال السياسي تحت لافتات الحوار السوداني السوداني(القاب مملكة في غير موضعها)
ثانيا: الأولوية القصوى لقوى السلام والتحول الديمقراطي يجب ان تكون توسيع وتنظيم وتقوية الكتلة المدنية الرافضة للحرب والملتزمة بالسلام والتحول الديمقراطي، وبعد ان تبرز هذه الكتلة المدنية كطرف قوى ومؤثر في معادلة توازن القوى فإنها حتما ستكون قادرة على خلق واقع جديد يتسبب في عزل المركز الامني العسكري المتمسك بخيار الحرب لاستعادة الاستبداد والهيمنة المطلقة على البلاد او تقسيمها للظفر بسلطة مطلقة في جزء منها، سيعزل هذا المركز حتى في دوائر الاسلامويين لانهم سيدركون انه عبء عليهم خصوصا بعد ان ذهبت وعوده بالنصر العسكري الحاسم ادراج الرياح، هذا المركز الامني العسكري لو لم يعزل وتنزع مشروعيته تماما سوف يمضي في تدمير البلاد وتقسيمها بالحرب، واسطوانات الحوار التي يرددها البعض غفلة او تآمرا او بحسن نية وسوء تقدير سياسي هي مجرد حيلة من حيل هذا المركز للمناورة السياسية وتقسيم القوى المدنية الديمقراطية والهائها بمعركة في غير معترك حول جدوى الحوار مع تنظيم اصم يجب ان تعود اليه حاسة السمع اولا حتى يكون للحوار معه جدوى ، ولن تعود حاسة السمع اليه إلا بتجريده من قوته الأمنية والعسكرية التي تشكل حتى هذه اللحظة محورا تلتف حوله تيارات الكيزان المختلفة، القوى المدنية الديمقراطية لا تملك أدوات المواجهة العسكرية ولذلك لم تراهن على الحرب، بل كانت ترغب في تفاديها وتفكيك الالغام العسكرية المزروعة في ميدان السياسة السودانية سلما وعبر مشروع سياسي لبناء جيش قومي مهني واحد لا يسيطر عليه الكيزان ويندمج فيه الدعم السريع إذ ان وضعية الجيشين المتوازيين وضعية خطيرة تنذر بالحرب ، المركز الامني العسكري الأصم لم يفقه ما كان يقوله المدنيون وراهن على الحرب لإزاحة الدعم السريع في سويعات واستعادة استبداده الارعن، أما الدعم السريع فان نموه العسكري الكبير يدل بلا ادنى شك على أطماعه في حيازة السلطة بقوة السلاح لحماية امبراطورية اقتصادية ومصالح عابرة للحدود، اشتبك الفريقان في صراع عسكري عسكري على السلطة، نأمل ان تكون من تداعياته تبديد حلم المركز الامني العسكري في العودة الى السلطة وبذات القدر تبديد احلام الامبراطورية المليشياوية للدعم السريع، ومنذ الايام الاولى للحرب كتبت ان هذه حرب قذرة وشريرة واي نتيجة خيرة ستترتب عليها سوف تكون من تداعياتها وليس من مقاصد طرفيها لان مقاصدهما هي السلطة المطلقة. القوى المدنية الديمقراطية لا تملك التحكم في داينميات الحرب ولا ينبغي لها الرهان على اي بندقية لا تملك التحكم فيها، بل واجبها الرهان على رأسمالها السياسي، وفي هذا الاطار فان دورها في هزيمة المركز الامني العسكري هو بناء تيار مدني ديمقراطي منظم وفاعل ومسنود شعبيا ولا يساوم في قضايا الديمقراطية وتفكيك نظام التمكين، هذا التيار بما يشكله من تحدي سياسي سوف يلقي حجرا كبيرا في بِركة الكيزان الآسنة الساكنة على اجندة الحرب والاستبداد والتوحش ويهزم هذا المركز الأمني العسكري في عقر داره، وهذا ما يفسر الهجمات الشرسة والمسعورة والممنهجة على اي محاولة لتوحيد القوى المدنية الديمقراطية .
لو برز من الكيزان تيار مستعد فعلا لعزل المركز الامني العسكري واجندته الحربية والاستبدادية حينها يكون الحديث عن الحوار واجبا لان تحقيق السلام والاستقرار يقتضي الاتفاق على معادلة للعيش المشترك بين التيارات المختلفة دون وصاية طرف او احتكاره للسلطة بقوة السلاح. في هذا السياق لا اجد تفسيرا لأن تكون دعوات التسامح مع الكيزان والحوار معهم مصحوبة بهجوم مكثف على القوى المدنية وتحامل عليها ، فلو كان الهدف هو التوصل الى حل سلمي لكارثة الحرب، فان التفاوض المنتج مع الكيزان والعسكر هو التفاوض المسنود بكروت ضغط تجعلهم مضطرين لقبول شروط السلام العادل وقبول قواعد اللعبة الديمقراطية، والتخلي عن احتكار السلطة بالقوة ، ولن يتم ذلك بان يكون هناك تكتلا سياسيا وشعبيا منظما يتحدى أطماعهم ويجعلها غير ممكنة من الناحية العملية. ولذلك لا معنى ولا جدوى من إضاعة الزمن والجهد في صراعات بين قوى السلام والتحول الديمقراطي محورها إشراك الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني في الجهود الساعية للسلام، لأن الاسلامويين كما أثبتت تجربتهم الممتدة من 30 يونيو 1989 حتى الان ان حل معضلتهم ليس الحوار المجاني الاستهبالي الذي تكرر في عهدهم المشؤوم منذ مؤتمر الحوار الوطني بداية التسعينات وصولا الى حوار الوثبة في 2014 وكانت المحصلة صفرية! بل حل معضلتهم هو الحصار السياسي المدروس الذي يجبرهم على حوار حقيقي بين انداد متكافئين، وتأسيسا على ذلك يجب ان تكون الاولوية في اجندة القوى الديمقراطية هي وحدتها و تقوية اصطفافها وتأهيل نفسها لتكون طرفا قويا في معادلة توازن القوى، لان هذه هي الضمانة الوحيدة لنجاح أي حوار مع الإسلامويين، وبدونها يصبح الحوار مجرد إذعان لإملاءاتهم، ولكن من الغرابة بمكان ان تختلف وتتصارع وتنقسم قوى السلام والتحول الديمقراطي فيما بينها وتضعف تحالفاتها بسبب تأييد او معارضة الحوار مع الاسلامويين او إشراكهم في العملية السياسية التي ستعقب الحرب! ثالثا: الكيزان لهم وجود مؤثر في الجيش وفي الدعم السريع وفي الواجهات الامنية المصنوعة مثل الكتلة الديمقراطية واخواتها، فضلا عن اختراقاتهم المرئية وغير المرئية لكل الاحزاب والتحالفات في الساحة، ولذلك فإن المتوقع من دعاة السلام والتحول الديمقراطي هو السعي لتقليص مساحات تمدد الكيزان لا المطالبة بتوسيعها عبر حصة اضافية لمشاركة الحركة الاسلامية و المؤتمر الوطني المحلول بأمر الثورة رغم انحيازه السافر للأجندة الحربية والاستبدادية وعملهم بصورة منهجية لعرقلة أي توجه للسلام ورهانهم الاستراتيجي على تنظيمهم الامني والعسكري في السيطرة المطلقة على البلاد! الوسومرشا عوضالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: رشا عوض القوى المدنیة الدیمقراطیة هذا المرکز مع الکیزان الحوار مع حوار مع یجب ان
إقرأ أيضاً:
حكومة البرهان والانقلاب-ما بين خوف القصاص واستثمار الحرب لتحقيق مكاسب سياسية
في مشهد يجسد التناقض الصارخ والازدواجية السياسية، أعلنت حكومة البرهان-الكيزان الانقلابية ابتهاجها بفشل مشروع وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وهو قرار أيده 14 عضواً من أصل 15 في مجلس الأمن، بينما عارضته روسيا فقط. هذا الموقف يسلط الضوء على عقلية سلطة ترى في استمرار الحرب وسيلة للبقاء، وتخشى نهاية الحرب لأنها تعني بداية الحساب.
فرحة بالحرب وخوف من النهاية
قيادات حكومة الأمر الواقع تعيش حالة من الرعب من نهاية الحرب، ليس لأنها تخشى على الوطن أو المواطنين، بل لأنها تعلم أن أي نهاية للصراع ستفتح الباب أمام القصاص والمحاسبة. استمرار الحرب يعني بقاء السلطة والانفلات من العدالة، بينما توقفها يهدد بانهيار غطاء الشرعية الزائف الذي يتدثرون به.
الاستقواء بروسيا ومعاداة العالم
في موقف يشكك في التزام حكومة البرهان بسيادة السودان وكرامته، قدمت شكرها لروسيا على استخدام "الفيتو" ضد قرار حماية المدنيين. هذا الدعم الروسي يمثل تأييداً ضمنياً لمزيد من المذابح، الجوع، والتشريد. أما بقية العالم، بما في ذلك ممثلو القارة الإفريقية الثلاثة في مجلس الأمن، فقد أيدوا القرار، مما يجعل حكومة السودان في عزلة سياسية وأخلاقية حتى أمام أقرب جيرانها.
روسيا، التي تزعم دعم دول الجنوب وإفريقيا، تجاهلت صوت القارة الإفريقية في هذا القرار، واختارت أن تدعم استمرار الصراع. هذا يثير تساؤلات حول مصداقية روسيا كحليف لدول العالم الثالث ونياتها الحقيقية في المنطقة.
الترويج للأكاذيب واستثمار الحرب
تحاول حكومة البرهان تصوير معارضة القرار الدولي على أنها "حفاظ على سيادة السودان"، ولكن الواقع يقول عكس ذلك. إن تذرعها بحجج كالوطنية واحترام القانون الدولي هو تضليل يهدف إلى تغطية سياساتها القمعية وتجاهلها للأرواح التي تُزهق يومياً.
الحرب بالنسبة لهذه الحكومة ليست مأساة بل فرصة، إذ توفر لها الذريعة للاستمرار في السلطة تحت غطاء "حالة الطوارئ"، بينما تستغل دعم حلفائها الدوليين مثل روسيا لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الشعب السوداني.
مناصرة الإسلاميين: خداع للوصول إلى السلطة
دعم حكومة البرهان للإسلاميين ليس إلا وسيلة لتأمين بقائها. هذا الدعم ليس دليلاً على التزام أيديولوجي، بل هو تحالف مؤقت لتحقيق مآرب السلطة، واستغلال لشعارات الإسلاميين لحشد تأييد داخلي. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لن تكون مستدامة؛ لأن كل تحالف يقوم على المصالح الذاتية لا على المبادئ، سينهار مع أول اختبار حقيقي.
من يدفع الثمن؟
بينما تنشغل حكومة البرهان بحساباتها السياسية وتحالفاتها المشبوهة، يدفع المواطن السوداني الثمن الباهظ من دمائه ومعاناته. استمرار الحرب ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لسياسات قيادة لا ترى في الشعب إلا وسيلة لتحقيق أهدافها.
المستقبل لن يكون رحيمًا بمن يصر على معاداة إرادة الشعب والعالم. الحرب ستنتهي، وحينها لن تنفع الأكاذيب، ولن يكون هناك مهرب من المحاسبة.
zuhair.osman@aol.com