دعم الشباب الغربي لفلسطين .. دلالات وأبعاد
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
قد لا نستغرب عندما يكون هناك حراك طلابي في الجامعات العربية والإسلامية مع مظلومية الشعب الفلسطيني، لرابط الدين واللغة والجغرافيا، ولكن ما نستغربه ألا يكون هناك أي حراك مع اخوتهم في غزة !!.
ولكن أن يأتي الحراك من عواصم الدول الداعمة للكيان الغاصب، وعلى رأسها أمريكا، فهنا وجه الغرابة.
أن يثور طلاب الجامعات الأمريكية والغربية، متصدرين مشهد الانتفاضة في بلدانهم، فلهذا أبعاد مهمة، البعد الأول قانوني ويتمثل في أن الإجرام الصهيوني قد تجاوز كل الحدود، مما جعل شباب وشابات الجامعات الأمريكية والغربية، يقولون : وإن تأخرنا لسبعة أشهر، ولكننا نقول الآن: يكفي قتلا للفلسطينيين ودمارا لأراضيهم.
البعد الثاني اقتصادي ويتمثل في أن الحراك ليس انتفاضة عابرة، ولكنه مبني على رؤية واضحة بوقف الدعم الذي يتحصل عليه الكيان الغاصب، من خلال استثمارات الجامعات الأمريكية، عبر ما يدفعه الطلاب من رسوم… وكأن الطلاب يقولون : لا تواصلوا قتل الفلسطينيين بأموالنا.
البعد الثالث اجتماعي ويتمثل في لحمة المنتفضين، فلو كانوا من الجاليات العربية والإسلامية، لتم إثبات ما تنعتها بها السلطات الأمريكية بالعنصرية ومعادات السامية، فوجود يهود ومسيحيين ومسلمين، قوى من انتفاضة الطلاب، وجعلها اجتماعية، كونهم يمثلون فئات من النسيج المجتمعي الأمريكي.
البعد الرابع سياسي، فالضغط الطلابي دون شك سيلقي بظلاله على السياسة الأمريكية، فعلى المستوى الخارجي يظهر الرفض المجتمعي للسياسات التي تتبعها أمريكا في دعم آلة الحرب الصهيونية، ويجعلها غير مستندة على دعم شعبي داخلي، وعلى المستوى الداخلي تربك الانتفاضة حسابات بايدن الانتخابية وهو ما سيستثمره خصمه تراب، مع أن كليهما في عداء مع الشعب الفلسطيني.
الشباب هم دوما المحرك الرئيسي لأي تغيير في العالم، ولهذا فإن انتفاضة الشباب الأمريكي والأوروبي، ستكون لها انعكاسات مهمة في رفع معنويات نظرائهم في فلسطين، وعلى العكس من ذلك على نظرائهم الصهاينة الداعمين لإبادة الفلسطينيين.
يبقى التساؤل : ما هو انعكاس هذه الانتفاضة على شباب الجامعات العربية والإسلامية؟ وهل سيحفزهم ما يحدث، على إظهار المساندة لإخوانهم في قطاع غزة والضفة وكل فلسطين؟
مع دخولنا اليوم الـ ١١٠ للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، نسأل الله تعالى أن ينصر الفلسطينيين بما نصر به المرسلين ويحفظهم بما حفظ به الذكر المبين إنه قوي متين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أربعون عاما على الانتفاضة: كيف اضعنا قيام نقابات حقيقية؟
مضت أربعة عقود من الزمن، على انتصار شعبنا في انتفاضته، على الدكتاتورية العسكرية الثانية. تشكل انتفاضة ابريل 1995 معلم هام في تاريخ بلادنا، وتستحق الاهتمام بالدراسة والتحليل، واستيعاب الدروس. للقيمة الهائلة لتجربة انتصار الشعب، سلميا على نظام عسكري، والطريقة التي انجز بها ذلك. هذه المقالات تحاول وتجتهد ان تقدم قراءة للتجربة وربطها ببعض التحديات التي تواجهنا الان، حتى لا يصبح تعاملنا معها نشاطا أكاديميا معزولا على الصراعات والمشاكل الراهنة.
تعرضت في المقال الأول، لنقد المحاولات الحثيثة، التي تبرر لاستمرار الحكم العسكري. الحكم الذي نتج عن انقلاب 25 أكتوبر ضد السلطة المدنية الانتقالية. وأوضحت ان كل الحجج، التي تقدم لتسويغ لذلك النمط من الدكتاتورية، هي حجج لا تستقيم امام المنطق العقلي، ولا التجربة التاريخية لشعبنا. وعرضت لبعض، فقط بعض، الالام والخسائر التي سببها العسكر لبلادنا. وختمت بأن الجيش مؤسسة مهمة وضرورية، مثيل غيرها من مؤسسات الدولة الحديثة، ولكن ليس فوقها. وركز المقال الثاني على ضرورة وحدة القوي السياسية والمدنية لتحقيق آمال شعبنا في نظام ديمقراطي، مبني على المواطنة والمساواة في الحقوق.
لعبت النقابات دورا أساسيا في هزيمة نظام جعفر نميري. فإضرابات المعلمين وعمال السكة الحديد والأطباء والقضاة زعزعت قبضة النام، حتى جندلته بالإضراب السياسي العام.، في انتفاضة ابريل وكان ذلك امتدادا للإرث الثوري المجيد منذ أيام النضال ضد الاستعمار، مرورا بثورة أكتوبر الخالدة. ونبعت ثقة الجماهير في تجمع المهنيين، من ذلك التاريخ المجيد.
النجاح النسبي لثورة في إزاحة رأس النظام السابق، والزخم الجماهيري القوي والواسع، الذي أعقب ذلك، خلق الأرضية المناسبة لاستعادة النقابات. وكان من المهم ان يكون، ذلك الزخم الثوري، بداية حقيقية لإعادة تأسيس الحركة النقابية، على أسس ديمقراطية. فمؤتمر المهنيين، رغم الدور الخالد الذي قام به، ليس نقابات منتخبة ديمقراطيا، من قواعدها. وكان من الهم ان يشرع في التهيئة لعقد الجمعيات العمومية، والضغط لإلغاء القانون، الذي فرضه الاسلامويين بليل. ولكن القادة النقابيين استهلكوا أنفسهم، ودمروا وحدة تجمع المهنيين، في صراع سياسي، ولم يتعلموا كيف كانت الحركة النقابية تعالج صراعاتها، مهما احتدت.
لعبت اللجنة الأمنية للنظام السابق، التي أسمت نفسها المجلس العسكري الانتقالي، دورا ذكيا تجاه المسألة النقابية، فقاموا بحل النقابات السابقة، في خطوة للانحناء امام عاصفة الجماهير. ثم اعادوا نفس النقابات، قبل أسبوعين، من جريمة فض الاعتصام. مما اعطى الفلول فرصة كبيرة للتحرك الداخلي والخارجي، بحرية تامة. فقد خاطب رئيس الاتحاد عدة مؤتمرات نقابية عالمية. وأصدر بيانات تحدثت، كذبا، عن مطالب العاملين، والغلاء، وهي القضايا التي لم يتعرضوا لها خلال ثلاثين عاما.
قام مركز الأيام للدراسات، مع عدد من الكوادر النقابية، بإعداد مسودة لقانون للنقابات، يحل محل القانون الذي فرضه النظام البائد. ولكن بطء الحركة، والدور السلبي الذي قام به بيروقراطيو وزارة العمل. كما ان اتحاد الفلول قدم مذكرة الى منظمة العمل الدولية شاكيا من انعدام الحريات النقابية في السودان. أدي ذلك لتحرك المنظمة العالمية، فازدادت ثقة من هم في قمة وزارة العمل للعمل من اجل استمرار قانون النظام القديم.
أهملت قوي الحرية والتغيير، والحكومة الانتقالية، قضية النقابات ولم تتعامل معها بالجدية الكاملة، التي تستحقها. ولم تتعلم من تجربة حكومة ثورة أكتوبر، وحكومة الانتفاضة، في تعاملهما مع قضية قانون النقابات. وأستمرأ القادة الذين تم تعينهم فيما سمي بلجان التسيير، ذلك الوضع، ولم يهتموا بالغرض الأساسي لهم في الاعداد للجمعيات العمومية والانتخابات. فضاعت سنوات مهمة، كانت من الممكن ان تساهم في تغيير الواقع السياسي، الذي مهد الأرض لانقلاب 25أكتوبر المشئوم.
رغم هذه الصورة السالبة، الا أن هناك ومضات إيجابية تمت في بعض النقابات. أتفق قادة تيارات الأطباء الأربع، ونسقوا من اجل قيام نقابة ديمقراطية. وبذلت اللجنة المكلفة جهودا كبيرة، خلال ثلاث أعوام، عقدت خلالها مئات الاجتماعات، في كل مستشفيات السودان، حتى تم انتخابات اللجنة التمهيدية الحالية. كما نجح الصحفيون في اجراء انتخابات نقابتهم، فأصبحت نقابة شرعية ديمقراطية منتخبة من قواعدها. وتبعهم الدراميون. وكذلك التحركات القاعدية الشجاعة، التي تمت، في عشرات المصانع والمكاتب والبنوك. وكنا، حينها ندعو ونكرر النداء، بضرورة ان يتوسع ذلك الحراك، ليصبح حركة جماهيرية قوية ومدعومة من قوى الثورة، من اجل عقد الجمعيات العمومية لانتخاب قيادات حقيقية. ولكن، يا للأسف، لم يتم ذلك، فقد كانت القوي السياسية منشغلة بصراعاتها.
الآن، في ظل هذه الحرب الكارثية، والدمار الشامل الذي تم لكل مؤسسات العمل، يصبح، الدور التاريخي المعروف للنقابات في حكم المعدوم. لكن ذلك يجب الا يصمت الصوت النقابي، في رفضه للحرب، وتمسكه بالسلام، وبعودة الحياة الطبيعية لشعبنا.
وفي ختام، هذه المقال القصير والمركز، اقترح على النقابيين، ان يتدارسوا تجربتهم بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وان يخرجوا بخلاصات تفيد عملهم المستقبلي. اعتقد في مقدمة وأهم القضايا، التي يجب التدارس حولها، هي قضية الانقسامات التي حدثت، وكيف عالجت النقابات، تاريخيا، الانقسامات بالديمقراطية النقابية الحقيقية. وكذلك قضية السياسة والعمل النقابي، وتحديد فهم واضح لرفض تسيس العمل السياسي وتبييعه لحزب سياسي، والتفريق بينه وبين حق النقابات في ممارسة السياسة بمفهومها الوطني العام، كما مارستها تاريخيا. بالإضافة للضرورة التاريخية بالتدريب النقابي، للأجيال الجديدة، التي تصدت للعمل النقابي في أصعب الظروف
siddigelzailaee@gmail.com