لم يخسر الكيان الصهيوني خلال كل حروبه مع العرب التي تفجرت عام 1948م وعام 1956م وعام 1967م وعام 1973م وعام 1982م وما بينهما وما بعدهما من مواجهات حدثت بين الكيان والعرب أو بينه وبين الشعب العربي في فلسطين، كما خسر في معركة (طوفان الأقصى).. نعم وبغض النظر عن حجم المذابح التي ارتكبها منذ السابع من اكتوبر الماضي وحتى اليوم، وما قد يرتكب من مجازر بعد هذا اليوم، ورغم الدمار الذي حل بقطاع غزة وبنيته التحتية، والذي تجاوز الدمار الذي حل بالعاصمة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، فإن هذا الكيان تعرض لهزيمة غير مسبوقة في كل تاريخية، هزيمة تؤكد تداعياتها أن الكيان يعيش مرحلة الانحدار الحضاري، بغض النظر عن كل ما يقال وما قد يقال عن تفوقه وعن قدراته وقدرات حلفائه الداعمين له.
لقد هزم هذا الكيان هزيمة أمنية، واستخبارية، وعسكرية، وحضارية، وإعلامية، وإنسانية، وأخلاقية، وهزم ذاتيا في مواجهة مجتمعه، وهزم موضوعيا أمام الرأي العام الدولي، وطالت هزيمته الهوية الوجودية، وهزمت الصورة المنمقة التي ظل يسوقها على مدى مائة عام من الزمن..!
إن يوم السابع من أكتوبر هو فعلا يوم استثنائي في تاريخ الصراع الوجودي مع هذا الكيان الاستيطاني الاستعماري، وهو يوم هزيمته بغض النظر عن تداعيات ما بعدها، ولن يكون هذا الكيان مغاليا حين يصف هذا اليوم- أي يوم السابع من أكتوبر 2023م- أو يشبهه بيوم (المحرقة) وهو الوصف الوحيد الذي يمكن تصديقه والصادر عن هذا الكيان الذي تأتي جرائمه ومذابحه البشعة التي ارتكبها في القطاع ويرتكبها في طول وعرض الجغرافية العربية الفلسطينية والتي امتدت إلى لبنان وسوريا والبحر الأحمر، جرائم جاءت مجتمعة أو منفردة تعبيرا عن حالة شعور جاد وحقيقي بالهزيمة والتي عبر عنها كبار قادة العدو حين وصفوا هذه الحرب بأنها أول حرب يخوضها جيشهم منذ أن تأسس الكيان على أرض فلسطين، الأمر الآخر ما يمكن استنتاجه من هذا السعار الوحشي للآلة العسكرية الصهيونية، والتصريحات التي يطلقها قادة العدو منذ اللحظة الأولى لمعركة طوفان الأقصى وما تضمنت من ألفاظ تعكس حقيقة الهزيمة الذاتية التي تستوطن وجدان وذاكرة قادة العدو، ناهيكم عن طريقة خوض الحرب وإدارتها وفارق القدرات بين أطرافها، أضف إلى ذلك الدعم الدولي الأمريكي والغربي والتواطؤ العربي الإسلامي، كل هذه القدرات إلى جانب الحصار المضروب حول القطاع ليس منذ معركة الطوفان، بل منذ قرابة عشرين عاما، ومع ذلك استوطنت الهزيمة وجدان قادة وأفراد هذا الكيان الذي يعيش حالة ارتباك عسكرية وأمنية وإعلامية وحضارية وأزمة هوية وجودية يمكن قراءتها في حكاية الرهائن لدى المقاومة الذين أحدثوا إنشقاقا رأسيا وأفقيا داخل المجتمع الصهيوني وهم لا يتعدون أكثر من 200 رهينة يقلون أو يزيدون بضع عشرات، غير أن حالة الاغتراب عن الجغرافية جعلت هذا الكيان يعيش حالة اغتراب حقيقية، فيما هناك أكثر من 15000ألف أسير عربي فلسطيني داخل سجون الاحتلال وهناك أكثر من مائة وثلاثين ألفاً ما بين شهيد وجريح وآلاف المفقودين غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العزل، ورغم ذلك هناك فرق واضح بين قناعة أصحاب الأرض وبين المحتلين القادمين من كل اصقاع العالم..
لقد فشل مخطط العدو بكل وحشيته في إجبار أبناء فلسطين على الهجرة من قطاع غزة، فيما أنه منذ أندلعت معركة الطوفان هناك أكثر من نصف مليون صهيوني غادروا فلسطين المحتلة كافرين بما أطلقوا عليها أرض الميعاد ووطن شعب الله المختار، بل إن المتدينين الصهاينة راحوا يتساءلون -أين الله -؟!
إن خسارة الكيان في معركة طوفان الأقصى تجاوزت خسارته في كل حروبه مع العرب والشعب الفلسطيني منذ عام 1937م وحتى يوم السابع من أكتوبر 2023م،
لكن أعظم وأهم خسائر العدو هي فقدانه لثقة الرأي العام الدولي وخاصة الرأي العام داخل المجتمعات الحليفة له في أمريكا والدول الغربية.. حيث اكتشف جيلاً جديداً من الشباب والنخب السياسية والفكرية والأكاديمية الذين اصطفوا في مواجهة انظمتهم بكل تحد وكبرياء وثقة رافضين كل المفاهيم التي زرعت في ذاكرتهم لعقود عن هذا الكيان الذين اعتبروه كياناً محتلاً، مطالبين بمقاطعته اقتصاديا واكاديميا ويخوضون معارك يومية في مواجهة حكوماتهم وهذا لم يكن معهودا منذ تأسس هذا الكيان..!
يقول (دافيد بن جوريون) -أول رئيس وزراء لهذا الكيان في مذكراته (إن نهاية هذا الكيان ستبدأ عند أول هزيمة يتعرض لها جيش الدفاع الصهيوني)، فيما يؤكد رموز (الصهيونية _المسيحية: أن من الأهمية دعم بني صهيون ليزيد طغيانهم على الأرض، وهذا سيعجل بنزول المسيح المخلص)..!
هذه المعتقدات التي رسختها المعتقدات -المسيحية -الصهيونية، في ذاكرة الأجيال أخذت تتلاشى، لأن هناك أحباراً من اليهود، وقساوسة ورهباناً من المسيحيين يعارضون بالمطلق هذه الأفكار الصهيونية التي تسوق لخدمة المصالح الاستعمارية وليس لها جذور دينية في أي دين، إذ وكما ترفض العقيدة الإسلامية فكرة التطرف ترفض الفكرة أيضا المسيحية واليهودية، غير أنه -أي التطرف والتوظيف الديني له- فكرة استعمارية ترعاها شركات وأجهزة ودول ومنظمات.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً: