يمانيون../

كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” حول آخر التطورات والمستجدات الخميس 1 ذو القعدة 1445هـ 9 مايو 2024م

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المائدة: الآية62]، صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيم.

يدخل الشهر الثامن، وفي الأسبوع الحادي والثلاثين، ولمائتين وستة عشر يوماً، والعدو الإسرائيلي يواصل عدوانه الهمجي على قطاع غزة، ويستمر يومياً في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية، يستهدف بها الشعب الفلسطيني الأعزل، ويقتل بها الأطفال والنساء والأهالي، حيث بلغ عدد المجازر: أكثر من (ثلاثة آلاف ومائة وأربعين مجزرة)، وتظهر يوماً بعد يوم المقابر الجماعية، التي تشهد أيضاً على المستوى الفظيع من الإجرام والتوحش الذي يتصف به العدو الإسرائيلي، وبلغ عدد الشهداء والجرحى والمفقودين والأسرى في القطاع والضفة: حسب الإحصائيات غير المكتملة (حوالي مائة وسبعة وثلاثين ألفاً وخمسمائة فلسطيني)، والنسبة الأغلب، والنسبة الأكثر من الشهداء والمفقودين هي: من الأطفال والنساء.

واستجد في هذا الأسبوع العدوان الإسرائيلي البري على شرق رفح، حيث الكثير من النازحين في رفح، واحتلاله لمنشأةٍ مدنية، هي: معبر رفح الحدود مع مصر، وهو آخر شريان يدخل عبره القليل جداً من الغذاء والاحتياجات الإنسانية إلى قطاع غزة، فعندما قام العدو باحتلال معبر رفح قام بالاستعراض العسكري، أدخل عدداً كبيراً من الدبابات، لاقتحام تلك المنشأة المدنية، وقام بعدها باستعراضٍ يُعبِّر عن غطرسته وتكبره، وهذا الاستعراض ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، وإنما هو استعراضٌ أيضاً ضد الشعب المصري، وضد الجيش المصري، والعملية بنفسها هي تحدٍ لجمهورية مصر العربية، وتشكل تهديداً على أمنها واستقرارها، كما أنها انتهاك وتجاوز للاتفاقيات، التي عقدها الكيان سابقاً مع النظام المصري، ذلك الاستعراض الذي هو بغطرسة وتكبر، هو استعراض أيضاً لاستفزاز العرب والمسلمين والاستخفاف بهم.

استهداف العدو وعدوانه على رفح، استهدافه لرفح، عدوانه على شرق رفح وعلى المعبر، والتهديد المستمر لبقية رفح، هو عدوانٌ على النازحين، البالغ عددهم في رفح بما يقارب (مليون ومئاتي ألف نازح)، عدد كبير جداً يتكدسون هناك، ولا يجدون أي مأوىً آخر للذهاب إليه، فهو عدوانٌ على النازحين، الذين يستهدفهم باستمرار بالغارات الجوية، وأصبح التهديد لهم في هذه المرحلة أكثر من أي مرحلةٍ مضت، والمسألة في غاية الخطورة، حيث يمكن أن يقدم العدو على ارتكاب الكثير من المجازر ضد النازحين في رفح.

العدو الإسرائيلي هو مستمرٌ في جرائمه في كل قطاع غزة، من شمال القطاع إلى جنوبه، وفي كل أنحاء قطاع غزة هناك عدوان واستهداف مستمر لمجتمع غزة، استهداف للشعب الفلسطيني بكل أشكال الاستهداف، العدو الإسرائيلي يسعى إلى استكمال تلك الدوامة الدموية، بالاستهداف الشامل لرفح، كما عمل في بقية القطاع، وإلَّا فجرائمه في الغارات الجوية والاستهداف لرفح لم تتوقف أيضاً، لكنه بهذه العملية البرية يهدف إلى ارتكاب المزيد من المجازر.

الموقف الأمريكي يحاول أن يخادع الرأي العام، وأن يقدم صورة مخادعة وزائفة أمام أنظار الرأي العام العالمي، تجاه موقفه مما يفعله العدو الإسرائيلي في رفح، ومن تقدمه إلى المعبر، وأيضاً إلى شرق رفح، الأمريكي يظهر نفسه وأنه يوافق موافقة مشروطة بتقديم خطة- حسب ما يقول- بإجلاء المدنيين والنازحين من رفح، وإلى أين؟ يعني: بإعادتهم إلى نفس المربعات الأخرى، والأماكن الأخرى التي استهدفوا فيها أساساً، التي هي مدمرة، والتي يستهدفها العدو باستمرار كل يوم، هل إعادتهم إلى خان يونس، إلى شمال القطاع، إلى كل تلك المناطق التي هي مستهدفة باستمرار، ويقتلون فيها باستمرار، ومدمرة بشكلٍ كامل، الأمريكي يُقدِّم هذا العنوان: أن موافقته مبنيةٌ على انتظار خطة لإجلاء المدنيين؛ بينما هو- وبكل تأكيد- هو الذي قدَّم للإسرائيلي الإشارة باحتلال معبر رفح، وصدرت تصريحات من بعض الأمريكيين، تفيد أن عروضاً وخيارات قُدِّمت من الجانب الأمريكي للإسرائيلي، بتنفيذ عمليات معينة في رفح، تشمل أجزاء معينة ومواقع معينة ومنشآت معينة في البداية، كخطوة أولى في هذه المرحلة، وحتى في الليلة التي سبقت عملية الاجتياح، صدرت تصريحات من بعض الأمريكيين تفيد هذا: أنهم قدَّموا خيارات للإسرائيلي، لتنفيذ عمليات يصفونها بالمحدودة، التي تشمل مناطق معينة، ومواقع معينة، ومنشآت معينة، فالأمريكي- بكل وضوح- هو الذي شجَّع الإسرائيلي لاحتلال معبر رفح، وهو يعلم أنه آخر شريان للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويدخل منه القليل جداً من المواد الغذائية والإنسانية للشعب الفلسطيني، ومع هذا هو أقدم على هذه الخطوة، وشجَّع الإسرائيلي، وهيأ له الظروف، وهو شريك له في كل جرائمه، ولا تزال الخطورة أيضاً حالياً على ما تبقى من رفح، بما يمكن أن يترتب على ذلك من مجازر كبيرة، ومآسٍ كبيرة، ومعاناة كبيرة جداً للشعب الفلسطيني، في قطاع غزة بشكلٍ عام، وفي رفح بنفسها بدايةً؛ ولذلك الموقف الأمريكي هو لمجرد الخداع وذر الرماد في العيون كما يقولون، هو يسعى إلى الخداع للرأي العام، والهدف أيضاً هو رفع معاناة الشعب الفلسطيني، المزيد من التجويع، المزيد من الحصار، المزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني، وإلَّا فهذه الخطوة أتت بعد أن أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن موافقتها على الصيغة المقترحة، التي قدَّمها الوسطاء، من أجل العمل على وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار، بعد ذلك أقدم العدو الإسرائيلي على هذه الخطوة.

الأمريكي يحاول أيضاً في سياق خداعه للرأي العام، أن يقول: أنه أوقف شحنة من شحنات الأسلحة والقنابل، التي يزوِّد بها العدو الإسرائيلي، لعملياته العدوانية، وجرائمه في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ويحاول كذلك أن يصوِّر نفسه أمام الرأي العام أنه يضغط من أجل وقف أي خطوات إسرائيلية إضافية، من المعروف عند كل المتابعين ممن لهم إلمام بالوضع العام، وبطبيعة الدور الأمريكي والنفوذ الأمريكي على الإسرائيلي، أن الأمريكي بمجرد أن يقرر وقف العدوان على غزة سيتوقف، والإسرائيلي لن يتقدم بأي خطوة إضافية، بل سيتوقف؛ ولذلك فالمسألة تتطلب فقط توجهاً جاداً، وقراراً من جانب الأمريكي بوقف العدوان على رفح، ولن يُقْدِم الإسرائيلي لن يُقْدِم على العدوان على رفح فيما لو اتجه الأمريكي إلى قرار جاد بجدية، ولكن الأمريكي يُقَدِّم هذه الحالة من التظاهر: بأنه لا يريد أن يُقْدِم الإسرائيلي على مثل هذه الخطوة، وأنه يضغط عليه؛ بينما هو زوَّده بمخزون ضخم، وأعداد كبيرة، وشحنات كثيرة من القنابل والأسلحة، وبعض الأمريكيين يقولون: أنه قد أصبح لدى العدو الإسرائيلي مخزوناً ضخماً من القنابل التي مُنِعَت عنه هذه الشحنة، قد قُدِّمت له قبلها شحنات كثيرة كافية لإبادة الأهالي في رفح، الأهالي والنازحين، فهو يتظاهر بهدف مخادعة الرأي العام؛ ولذلك لا ينبغي لأحد أبداً أن ينخدع بالموقف الأمريكي الذي يهدف إلى تقديم صورة زائفة، الأمريكي له دورٌ أساسيٌ، وهو شريكٌ فعليٌ في كل جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة ضد الشعب الفلسطيني، وله الدور الأساسي في احتلال العدو من جديد لمعبر رفح، وقد طرد منه سابقاً، وسيطرد منه لاحقاً إن شاء الله.

العدوان على شرق رفح أثَّر– ومنذ اللحظة الأولى- على ثلاثمائة ألف نازح في تلك المناطق بنفسها، في شرق رفح، هذا العدد الكبير، فكيف بالبقية؟ ولذلك فهو عدوان على النازحين والمدنيين، والأهالي والسكان في رفح، ولن يحقق للعدو أي إنجاز عسكري، احتلال المعبر بنفسه (معبر رفح) ليس إنجازاً عسكرياً؛ لأنه ليس للمجاهدين هناك جبهة، ليس لكتائب القسام جبهة في المعبر نفسه، هم يتفادون إثارة العقد والحساسيات لدى الجانب المصري، وأيضاً حتى لا يكون هناك أي ذريعة أو مبرر للعدو الإسرائيلي، ولذلك لم يكن لهم فيه جبهة عسكرية للقتال فيه، ومنع أي تقدمٍ عسكريٍ إليه، هو منشأة مدنية، والإخوة الفلسطينيين في بقية محاور القتال هم مستمرون وثابتون، في شمال القطاع وفي وسط القطاع هم يقاتلون بشكل مستمر، وصامدون، وثابتون، وبنكاية كبيرة بالعدو في كل محاور القتال، كتائب القسام، وسرايا القدس، وكذلك كتائب شهداء الأقصى، والبقية من الفصائل الذين يرابطون هناك ويقاتلون، هم مستمرون في صمود وثبات، فالعدو الإسرائيلي عندما يتقدم بالعدوان على أجزاء من رفح، أو يستهدف رفح بشكلٍ عام، هو لن يحقق إنجازاً عسكرياً، فلا زال الصمود حتى في شمال القطاع، لا زال ثبات المجاهدين في كل أنحاء القطاع، ولكنه- كما قلنا- يهدف إلى نكبة الشعب الفلسطيني هناك، إلحاق أبلغ الضرر والمعاناة بالأهالي في رفح، وبالنازحين عندهم في رفح، وكذلك التضييق أكثر على بقية القطاع.

الاستنكار من كثير من دول العالم، في بيانات ومواقف السياسية، لم يعد الأمريكي يصغي له، بل والأمريكي لا يصغي حتى للمظاهرات والاحتجاجات الطلابية، التي في الجامعات الأمريكية والتي يقمعها، ويتعامل معها بعنف، ويتجاوز القانون، ويضرب بعرض الحائط بكل القوانين والأنظمة والأعراف التي لديه؛ ولذلك فعلى المسلمين بشكلٍ عام والعرب في المقدِّمة مسؤولية، في اتخاذ خطوات عملية إضافية ضد العدو الإسرائيلي، عندما يُقْدِم على مثل هذه الخطوة الإجرامية العدوانية، التي يستهدف بها الأهالي في رفح، والنازحين عندهم، ويحتل بها معبر رفح، منشأة مدنية، وشريان يصل من خلاله القليل فقط يعني من الأغذية، والأدوية، والاحتجاجات الأساسية للشعب الفلسطيني، لا ينبغي أن يكون موقف المسلمين بشكلٍ عام والعرب في المقدِّمة موقف المتفرج، ليس هناك خطوات إضافية، مواقف إضافية ضد العدو الإسرائيلي، لابدَّ من مساندة الشعب الفلسطيني، واتخاذ خطوات عملية إضافية ضد العدو الإسرائيلي.

ما حصل هو يعتبر تهديداً لجمهورية مصر العربية، وخطراً عليها، وتجاوز للاتفاقيات معها؛ ولذلك يفترض أيضاً بجمهورية مصر العربية أن تكون في مقدِّمة هذا التحرك العربي، وأن تقود هذا التحرك العربي لموقفٍ حازمٍ وقوي للضغط على العدو الإسرائيلي؛ لإخلاء المعبر، والانسحاب منه، وإنهاء احتلاله؛ لأنه منشأة مدنية، ولأنه أيضاً من أرض فلسطين المحتلة، ويفترض أن يتحركوا بخطوات ولديهم خيارات كثيرة: خيارات في الجانب السياسي والدبلوماسي، خيارات في الجانب الاقتصادي… وخيارات متعددة، أو- في الحد الأدنى- أن يحركوا شعوبهم، إذا كانت الأنظمة لم تعد تجرؤ على أن تتبنى أي موقف، فَلْتُتِح المجال لشعوبها، وليجربوا، وسيجدون كيف ستتحرك الشعوب بشكل كبير حتى في تلك البلدان التي هي مكبوتة فيها، ومضغوطة، ومغلوبة على أمرها، ستتحرك بشكلٍ كبير ونشاطٍ كبير، فليفسحوا المجال للشعوب لتتحرك.

مذكرة الاحتجاج المصرية ليست كافية، ولن يعيرها العدو الإسرائيلي أي اهتمام، ولن يعطيها أي اهتمام، كلما تعاظمت المأساة على الشعب الفلسطيني، يتعاظم معها وزر التخاذل والتفريط والتفرج على المأساة من المتخاذلين، من الأنظمة والشعوب؛ ولذلك المسؤولية كبيرة.

ويظهر للجميع مع الإقدام على مثل هذه الخطوات العدوانية، التي تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، وتزيد أيضاً من مستوى الإجرام الإسرائيلي، تلك العدوانية، وذلك الإجرام والخلفية التي وراءها؛ لأن هناك خلفية لهذا المستوى من الإجرام والتوحش، الذي نرى عليه العدو الإسرائيلي، هناك خلفية، حقد، وعداء شديد للعرب والمسلمين بشكلٍ عام، احتقار للإنسانية، استباحة كاملة، هم الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: من الآية75]، يستبيحون غيرهم، يستبيحون الدماء، والأعراض، والأموال… وكل شيء، وفي نفس الوقت حقد، يعيشون حالة الحقد التي يتربون عليها منذ الطفولة، يتربى عليها الطفل منهم وينشأ عليها، وتترسخ عنده كحالة نفسية، وعقدة نفسية، وعقيدة، وثقافة، وفكر، يتحرَّك على أساسها، فهو يحمل العداء للمسلمين، والعرب في المقدِّمة، يحمله لهم كعقيدة وثقافة وفكر، ويحمله أيضاً كعقدة نفسية شديدة جداً، {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، كما قال الله عنهم في القرآن الكريم، واحتقار، هم يوصِّفون غيرهم بأنهم ليسوا من البشر، ويقدِّمون لأنفسهم صورة مختلفة عن بقية البشر.

ومضافٌ إلى ذلك الدعم الذي يحظى به العدو الإسرائيلي من صهاينة الغرب، صهاينة الغرب أيضاً مع حقدهم وأطماعهم، مثلما نرى عليه الموقف الأمريكي في المقدِّمة، والموقف البريطاني كذلك، وهكذا دول أخرى وأنظمة من الأنظمة الأوروبية، اجتمع عندهم أيضاً حقد، وطمع كبير جداً، وكذلك عقيدة الصهيونية، المعتقد الصهيوني القائم على أساس اعتقاد أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنه يجب دعمهم وتمكينهم من احتلال فلسطين، وأكثر من فلسطين، يعني: ما يأملونه أيضاً من الحدود التي كانوا قد رسموها لأنفسهم في المقدِّمة، وأن دعمهم سببٌ لنزول البركات، وأنه يجب تعظيمهم، وتقديسهم، ودعمهم، ومساندتهم؛ من أجل المجيء الثاني للمسيح، ولخلاص العالم كما في معتقدهم، فهم يحملون هذا المعتقد، يعني: لديهم منطلق مبني على خلفية وعاطفة دينية ومعتقد ديني، باسم أنه من الدين يعني يدينون به، وفي نفس الوقت لديهم طمع كبير جداً كان ولا يزال، وعلى مدى قرون من الزمن، ومستمر، في المنطقة العربية، في الاحتلال لها، لموقعها الجغرافي، ونهب ثرواتها الطبيعية، وإبادة شعوبها، واستغلال من يمكن استغلاله منهم، ولديهم حقد على المسلمين كمسلمين، حقدٌ واضح ومؤكد، يُعبِّرون عنه في كتبهم، في ثقافاتهم، ويرسمون بناءً عليه ما يرسمونه من مؤامرات ضد هذه الأمة في مخططاتهم، ومؤامراتهم، وغير ذلك، فكل هذا، ما عليه العدو الإسرائيلي من عدوانية، وإجرام، وحقد، وأطماع، وما يحظى به من دعم غربي كذلك، بتلك الخلفية من الأحقاد، والأطماع، والمعتقدات الصهيونية، وموقف بقية العالم، الذي قد يصل في الحد الأعلى إلى إصدار بيانات، أو قرارات، أو التعبير عن الانتقاد أو الاحتجاج، لكن ما يتعلق بما يجدينا كعرب وكمسلمين، ما يمكن أن يدفع الخطر عنَّا، لا يفيدنا ما يصدر من هنا أو من هناك من مجرد بيان استنكار، أو بيان إدانة شيئاً، لن يجدي عنا شيئاً، لن يدفع عننا الخطر، الأمريكي في النهاية تجاهل تصريحات من هنا أو هناك، أو بيانات استنكار من هنا أو هناك، ما يتطلبه واقعنا هو أمرٌ آخر، كل هذه الأحداث، كل هذه الحالة، هذه الوقائع والشواهد، تدل بشكلٍ قاطع على أهمية إحياء الروحية الإيمانية الجهادية الواعية في أوساط الأمة.

الأمة بحاجة إلى أن تكون في مستوى الردع لأعدائها، أن تكون فيما هي عليه من قوة، من جهوزية، من فاعلية، في التحرك لمواجهة الأعداء، وفي دفع الخطر عن نفسها، أن تكون بالشكل المطلوب، هذا هو الذي يفيد؛ أمَّا حالة الجمود والتخاذل، في مقابل ما لدى العدو من دافع حقد، من أطماع، من معتقدات خطيرة، معتقدات شيطانية، باطلة، يبنى عليها مواقف ظالمة، وطغيان، وإجرام، واحتلال، فلا يفيد الأمة إلَّا أن يكون لديها تحرُّكٌ جاد، عندما يصبح واقع العدو أنه لا يصغي لا إلى نداءات الشعوب، ولا يبالي بحجم ما يحصل من جرائم وإبادة جماعية وغير ذلك، نجد أهمية أن تمتلك الأمة قوة الردع، ولابدَّ من إحياء روح الجهاد والعزة في الأمة.

ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، مخاطباً لنبيه “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذي هو الأسوة والقدوة للأمة: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء: الآية84]، فنجد هنا في قوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، أن الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتحرُّك في سبيله وفق توجيهاته، وفق تعليماته، هو الذي سيثمر هذه النتيجة، برعاية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بمعونته، بنصره وتأييده: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}، ونجد كيف يخاطب الله عباده المؤمنين قائلاً: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}[التوبة: الآية14].

فالأمة بحاجة إلى أن تتحرَّر من حالة الجمود والقعود، التي أثَّرت على الكثير من شعوبها، وعلى الكثير من أبنائها، وأن تتحرك هذا التحرُّك الواعي، عندما نقول الروحية الجهادية الواعية، هي التي تُشَخِّص العدو تشخيصاً صحيحاً وفق القرآن الكريم، ووفق الواقع الواضح، الله شَخَّص لنا في القرآن الكريم من هو العدو الأشد عداءً وحقداً لنا كمسلمين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، اليهود ومن يدور في فلكهم، {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، هم أعداء لأمتنا، يتآمرون عليها، يستهدفونها، يتجهون بكل ما يتَّجه له العدو، ولاسيما إذا كان عدواً مجرماً، مفلساً على المستوى الأخلاقي والإنساني، حاقداً، طامعاً، مستكبراً، ظالماً، مفسداً، مرتبطاً بالشيطان، فهو يُشكِّل خطورة بالغة على الأمة؛ فلذلك فالتجاهل لا يمثل حلاً لأبناء الأمة، لابدَّ من التحرك الواعي، التحرك بشكلٍ صحيح، والتربية الإيمانية الجهادية الواعية هي التي ترتقي بالأمة لتكون في حالة جهوزية، لمواجهة الأخطار، وترتقي بالأمة إلى مستوى مواجهة التحديات، وعندما تكون استراتيجية ثابتة، ورؤية صحيحة تتحرك على أساسها الأمة، ستغير واقع الأمة؛ لأن اتجاه البعض وتوقعهم أن بالإمكان أن يحصلوا على المساندة والحماية من هنا أو هناك هو وهمٌ، وهمٌ وسراب، ولن يفيدهم شيئاً.

ومن العجيب أن بعض الأنظمة والبعض من الحكام حتى في هذه المرحلة، وحتى مع ما يحصل الآن في غزة، لا يزالون يفاوضون أمريكا في الحصول على اتفاقيات معها، على أساس أن يحصلوا على حمايتها، أن يدخلوا في اتفاقيات حماية، وكذلك اهتمام من الجانب الأمريكي، والتزام بحمايتهم، اتفاقيات أمنية وعسكرية لحمايتهم، لو أراد الإسرائيلي أن يفعل بهم أي شيء لن يكون الأمريكي في مشكلة مع الإسرائيلي، بل على العكس، سيهيئ له ما يريد، وسيستفيد من مدى نفوذه وتأثيره، وتغلغله في أوساط مؤسسات أي دولة هنا أو هناك، أو أي أنظمة هنا أو هناك، بما يخدم الإسرائيلي، وهو عادةً يفتح له المجال ليحصل على ما يريد من معلومات، ليمارس ما يريد من أنشطة تجسسية، من اختراق، من إيجاد نفوذ وتأثير يخدمه فالأمريكي دائماً يحسب حساب مصلحة الإسرائيلي ليس للعرب عنده أي قيمة على الإطلاق، لأي عربي ولا لأي مسلم أي اعتبار عند الأمريكيين، عند الصهاينة الذين يحكمون أمريكا، ويسيطرون على أمريكا، ويتخذون القرارات في أمريكا، فالأمة بحاجة إلى أن تتحرك، وأن تحيي الجانب الإيماني والجهادي الواقعي، فالأحداث ليست مجرد أحداث طارئة، تظهر وتنتهي، العدو يتحرك ضمن رؤية، ضمن استراتيجية، ضمن مشروع عمل طويل، ولديه أهداف كثيرة، ويسعى إلى تحقيقها؛ فلذلك فالأمة في المقابل لابدَّ أن تتحرك وفق رؤية ثابتة، استراتيجية صحيحة تفيدها وتنفعها.

التربية الإيمانية الجهادية أيضاً تحافظ على إنسانية الإنسان، وتحيي ضميره، وتحيي فيه الشعور بالمسؤولية، وتعالج الروح المتدنية، الحالة المتدنية الهابطة، التي يعاني منها الكثير من الناسعندما يشاهدون مثل هذه المآسي التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، عندما يشاهدون مظلومية الشعب الفلسطيني التي لا مثيل لها، عندما يشاهدون الجرائم الإسرائيلية الفظيعة جداً، ثم لا يتأثرون بذلك، ولا يتفاعلون، ولا يتحرَّكون، ولا يستشعرون أي مسؤولية بفعل أي شيء، هذه الحالة حالة خطيرة جداً، الإنسان فيها يخسر إنسانيته، قيمته الإنسانية، ضميره الإنساني، قيمه الإنسانية، أخلاقه، مشاعره الإنسانية؛ ولذلك أتى التحذير في القرآن الكريم من الطبع على القلوب، الطبع على القلوب حالة خطيرة جداً؛ لأن الإنسان يخسر خسارتين رهيبتين:

الأولى: مشاعره الإنسانية. والثانية: وعيه الإنساني، يصبح إنساناً متبلد الإحساس، وإنساناً لا يفقه، ولا يفهم، ولا يعي.

التربية الإيمانية الجهادية تضبط المواقف بالمعيار الحق؛ لأن البعض من الناس يتحدثون بحديث، أو بلغة المصالح، يعني: أنَّ المهم أن يتوفر لهم مصالحهم المادية، وليحدث ما يحدث، وينسون أنه في الأخير حتى المصالح المادية يمكن أن يخسروها، يمكن أن يخسروا كل شيء، يمكن أن يصل إليهم الدور في يومٍ من الأيام، يصل إليهم الدور وهم في وضعية سيئة جداً، ليسوا مهيئين لا نفسياً، ولا ذهنياً، ولا في الواقع، ولا على مستوى العمل، ليكونوا في مستوى الموقف الفاعل، الذي يقيهم الخطر، ويدفع عنهم الشر.

بينما التربية الإيمانية هي التي ترتقي بالناس، إلى أن يواجهوا الأحداث وهم في جهوزية ذهنية، ونفسية، وعملية، وواقعية، بما يفيدهم ويقيهم الخطر.

ومن الواضح كيف يسعى الصهاينة على مستوى العالم، وفي المجتمع الغربي بنفسه، يسعون إلى تدمير القيم الإنسانية، وتفريغ الإنسان منها، يحاولون أن يحوِّلوا الإنسان إلى حيوان مثل سائر الحيوانات تماماً، لا يستشعر أنَّ له ميزة كإنسان بين بقية الحيوانات، بل وصل الحال ببعضهم إلى أن يتحول في حياته، ونمط حياته في أوروبا، إلى حياة الكلب، ينبح كالكلب، يحاول أن يتلبَّس بملابس معينة، تقدِّم له شخصيته وكأنه كلب… إلى غير ذلك، والبعض بحيوانات أخرى: كالقرود أو غيرها، هناك عمل مقصود، هناك خطة من جانب الصهاينة لتدمير القيم الإنسانية، وتفريغ الإنسان من المحتوى الإنساني، والأخلاقي، والقيمي؛ حتى يتحوَّل إلى مجرد حيوان يستغلونه كما يشاءون ويريدون؛ ولذلك على الجميع أن يتحرك للتحرر من ذلك النفوذ الصهيوني، المهدد للإنسانية في إنسانيتها، وحياتها، وقيمها، وسلامها، وأمنها.

وفي هذا السياق نحن نشيد بالحراك الطلابي المطالب بوقف العدوان على غزة؛ لأنه صوتٌ إنساني، يعبِّر عن القيم الإنسانية الفطرية، كما أنه فضح صهاينة الغرب، صهاينة أمريكا، وصهاينة أوروبا، الذين كانوا يتحدثون عن القيم الليبرالية، يتحدثون عن الحُريَّة، عن الحقوق… عن غير ذلك، وضاعت كل تلك العناوين في تعاملهم وقمعهم للاحتجاجات الطلابية.

توسعت دائرة الاحتجاجات الطلابية، وشملت جامعات في بلدان كثيرة، في: أمريكا، وكندا، والمكسيك، وألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلجيكا، وهولندا، وإيرلندا، واسكتلندا، وأستراليا، واليابان، والبرازيل، دولاً كثيرة، كنا نتمنى أن يكون لدينا قائمة أيضاً عن البلدان، العربية التي خرجت فيها أيضاً احتجاجات طلابية مناصرة للشعب الفلسطيني، بحيث نستطيع أن نتحدث بقائمة كهذه، فنقول ونحكي دولاً عربية كثيرة، لكن للأسف الطلاب والشعوب مكبَّلون في كثيرٍ من البلدان العربية حتى عن مستوى هذا الموقف.

المظاهرات الشعبية أيضاً كانت في عددٍ من البلدان، ومنها: بريطانيا، وفرنسا، والنمسا، وألمانيا، والسويد، والدنمارك، وأمريكا، وفي ماليزيا، وأستراليا، واليابان، يعني: هناك صحوة شعبية تتنامى، وتظهر هذه الأصوات والاحتجاجات في كثيرٍ من البلدان؛ ولذلك لا يليق بالمسلمين في العالم الإسلامي أن يكونوا صامتين، وساكتين، وجامدين، وكلما أقدم العدو الإسرائيلي على خطوة إضافية؛ جمدوا أكثر، وصمتوا أكثر، وسكتوا أكثر، كلما مضى الوقت والمأساة تزداد في واقع الشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي مستمرٌ في جرائم الإبادة الجماعية، وهم يسكتون، لا يليق بهم هذا أبداً.

التظاهرات الطلابية أقلقت الصهاينة، وهم عبَّروا عن قلقهم في كثيرٍ من تصريحاتهم، ولاسيما أنها في الوسط النخبوي الطلابي، هذا كان مقلقاً لهم، يعني: له مدلول مهم، نظراً للدور الذي عادةً ما يكون لمخرجات الجامعات في المجتمعات الغربية.

اتجهت الأنظمة القمعية، الموالية للصهيونية في الغرب، إلى استهداف الاحتجاجات الطلابية بعنف وقسوة، واعتقالات بإهانة وإذلال، وضرب مبرح، وإطلاق حملات إعلامية مسيئة، وتصريحات من المسؤولين في تلك البلدان مسيئة إلى الطلاب، وبلغ عدد المعتقلين من طلاب ومدرِّسي الجامعات الأمريكية إلى الآن: أكثر من (ألفين وستمائة شخص) طالب وطالبة ومدرِّس، وهم مستمرون يومياً في محاولات فض أي احتجاج، أي تجمع طلابي للاحتجاج.

واستخدموا عنوان (معادات السامية)، بهدف تكميم الأفواه، ومصادرة الحريات، يعني: يكفي أن يقول شخص ما من الطلاب، أو أي تجمع يحصل هناك، ينادي بوقف قتل الأطفال في غزة، فتعتبر هذه- كما يقولون- معاداة للسامية، ويتخذون على أساس ذلك إجراءات متنوعة:

منها: فض الاعتصامات، والاعتقالات، والفصل للبعض من الطلاب، وطردهم من الجامعات. ومنها: الضرب المبرِّح. وكذلك التشويه، والحملات الدعائية، والتحريض ضد أولئك الطلاب.

هكذا يحصل، فهم يستخدمون هذا العنوان في المجتمعات الغربية بهذا الهدف: لتكميم الأفواه، وفي محاولة أن يخضعوا المجتمع في البلدان الغربية بشكلٍ كامل، أن يخضعوه خضوعاً تاماً للصهيونية والصهاينة، إفراط رهيب جداً، يسمحون حتى بالإساءة إلى الله، يسمحون بالسب والشتم لرسله وأنبيائه، وحتى السب للمسيح “عَلَيْهِ السَّلَام”، هم يسمحون في أمريكا وفي أوروبا بالإساءة إلى المسيح “عَلَيْهِ السَّلَام”، ولكن ممنوع أن تنتقد- مجرد انتقاد- أن تنتقد اليهود، أو أن تنتقد إسرائيل، أو- وليس فقط إلى مستوى الانتقاد- أن تطالب بوقف قتل الأطفال في غزة، فهذا عندهم يصنِّفونه ضمن معادات السامية، فالهتاف بوقف جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني معاداة للسامية، هكذا أصبح عندهم.

أملنا أن تستمر وتتوسع تلك الاحتجاجات، ومن المهم أن تحظى بالمساندة، وفي المقدِّمة المساندة السياسية والإعلامية والتشجيع، يعني: من جهتنا في العالم الإسلامي، الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، الجهات التي لديها موقف، وتشعر بالمسؤولية، وتتحرك لمساندة الشعب الفلسطيني، عليها أن تساند الاحتجاجات الطلابية في أمريكا وأوروبا، وأيضاً في كندا، وفي استراليا… وفي مختلف البلدان، أن يكون هناك مساندة في مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك الجاليات- مع أنها تعاني- أن يكون لها نشاط مساهم على المستوى الإعلامي نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوسائل الإعلامية المتاحة والمتنوعة، وكذلك على المستوى السياسي، أن يكون هناك بيانات، مواقف، تصريحات مساندة، هذا شيءٌ مهم، وأيضاً أن يكون هناك هجوم إعلامي ضد الأسلوب القمعي المصادر للحقوق من قبل الأنظمة القمعية الموالية للصهيونية في أمريكا والغرب، هذا شيءٌ مهمٌ جداً.

كلما استمر العدو الإسرائيلي في عدوانه الهمجي، أو أضاف خطوةً جديدة، فعلينا مسؤولية كمسلمين، على المجتمع البشري؛ بالاعتبار الإنساني، وعلى المسلمين كمسؤولية أيضاً إنسانية، وأخلاقية، ودينية، أن يتحركوا في المقابل أكثر، وأن تتسع دائرة التحرك، يجب أن يكون هناك شيءٌ يستجد من جانب الأمة الإسلامية، على الأنظمة أن تخجل من سكوتها، من تخاذلها، كلما أقدم العدو الإسرائيلي على جرائم إضافية، وطال أمد العدوان، واتَّخذ خطوات جديدة، عليها أن تخجل مما هي فيه من حالة التخاذل، والسكوت، والتفرج، وأن تتخذ مواقف إضافية؛ ولهذا نشيد بما أعلنت عنه تركيا فيما يتعلق بإجراءاتها في الحد من تصدير، أو من علاقاتها التجارية مع العدو الإسرائيلي، هذه خطوة نأمل- إن شاء الله- أن تصل إلى مستوى كامل في قطع العلاقات التجارية من جانب تركيا مع العدو الإسرائيلي، وأن تقتدي بها أيضاً بعض الدول العربية الأخرى، التي تصدِّر بضائع إلى العدو الإسرائيلي، أو تستقبل كذلك بضائع، ولها علاقات اقتصادية وتجارية مع العدو الإسرائيلي.

كما نأمل- أيضاً- أن يكون هناك نشاط واسع، وحملات تثقيفية وتوعوية وإعلامية بالدفع لتوسيع دائرة المقاطعة: المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، والشركات الداعمة لإسرائيل، هذه مسألة مهمة، عادةً ما نرى في وسائل الإعلام مستوى لا بأس به من التأثير على بعض كبريات الشركات المعروفة بأنها تدعم العدو الإسرائيلي، أصبحت تشكو من الخسائر، مع أنَّ مستوى المقاطعة لا يزال محدوداً، فهذا المجال مجال مهم، ومؤثرٌ على الأعداء، ومتاح حتى في البلدان التي تعاني فيها الشعوب من الكبت، من المنع لها عن التحرك على مستوى مظاهرات أو مسيرات، تستطيع أن تعوِّض ذلك بتفعيل ما يتعلق بالمقاطعة بشكل أكبر وأقوى، وهذا جانبٌ أساس؛ لأن هناك مسؤولية أمام الله، وهناك ما يمكن للكثير من الناس أن يساهموا به في نصرة الشعب الفلسطيني، فعندما لا يساهم الإنسان بأي شيء، حتى بما هو متاحٌ وممكن؛ فهو مذنب، يتحمل وزراً عظيماً، ومقصر تجاه ما عليه فيه مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

فيما يتعلق بجبهات المساندة:

حزب الله مكثِّفٌ لعملياته، وعندما صرَّح ما يسمى بوزير الدفاع الإسرائيلي، بإطلاق تهديدات معينة ضد حزب الله، وتحذيرات، كانت العمليات في نفس ذلك اليوم عمليات قوية، وبعد ذلك، وستستمر، حزب الله يتَّجه إلى التصعيد كلما صعَّد العدو الإسرائيلي.

في جبهة اليمن، يمن الجهاد، يمن الفاتحين، العمليات مستمرة في الاستهداف للسفن الأمريكية، والإسرائيلية، والبريطانية، والمرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وقد بلغت السفن المستهدفة إلى: (مائة واثني عشر سفينة)، وكانت العمليات خلال هذا الأسبوع بـ(عشرة صواريخ بَالِسْتِيَّة، ومجنحة، وطائرة مسيَّرة)، وعدد العمليات خلال شهر شوال: (خمسٌ وعشرون عملية)، نُفِّذت بـ(واحدٍ وسبعين صاروخاً بَالِسْتِيًّا، ومجنحاً، وطائرة مسيَّرة).

في هذا الأسبوع– في بدايته- تم الإعلان عن المرحلة الرابعة من التصعيد، تحدثنا عنها في الكلمة الماضية، في يوم الخميس، وفي يوم الجمعة أصدرت القوات المسلحة بيانها أيضاً، والمرحلة الرابعة؛ لأن قبلها ثلاث مراحل:

في المرحلة الأولى: كانت عمليات القصف التي تستهدف العدو الإسرائيلي بالصواريخ المجنَّحة والبَالِسْتِيَّة إلى جنوب فلسطين المحتلة، ولسفنه المبحرة في البحر الأحمر. لحق بها كذلك استهداف في المرحلة الثانية: الاستهداف لأي سفينة تتجه إلى موانئ العدو عبر البحر الأحمر، ولو كانت لدول أخرى، هذه كانت المرحلة الثانية، طالما أن حمولتها للعدو الإسرائيلي، وتتجه إلى الموانئ عبر البحر الأحمر، لحق بها كذلك استهداف السفن الأمريكية والبريطانية، بعد العدوان الأمريكي والبريطاني على بلدنا، إسناداً منهم للعدو الإسرائيلي، وإصراراً على مواصلة الحصار والإجرام والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. المرحلة الثالثة: كانت توسيع دائرة الاستهداف ومسرح العمليات إلى المحيط الهندي. المرحلة الرابعة: تحدث عنها بيان القوات المسلحة بوضوح، وتشمل السفن المخترقة لقرار حظر الملاحة الإسرائيلية في أي مكانٍ تطاله أيدينا، ومع العدوان الإسرائيلي على رفح، تشمل أي سفن لأي شركة لها علاقة بالإمداد، أو نقل بضائع للعدو الإسرائيلي، وإلى أي جهة ستتجه، يعني: ليست المسألة مشروطة بأنه إذا كانت ستتجه إلى ميناء من موانئ فلسطين المحتلة، محملة ببضائع للعدو الإسرائيلي، طالما وتلك الشركة ترسل سفناً للموانئ في فلسطين المحتلة، لصالح العدو الإسرائيلي، فستتخذ ضدها هذه الإجراءات في أي مكان- كذلك- تطاله أيدينا، وسواءً عند الاستهداف لها كانت تنقل بضائع في تلك اللحظة للعدو الإسرائيلي، أو لا، إذا كانت من بعد صدور قرار الحظر، قد نقلت في أي حمولة، فإنها ستكون هدفاً في أي مكان تطاله أيدينا، وإلى أي ميناء من الموانئ في فلسطين المحتلة، إذا كانت تلك السفينة نقلت إلى موانئ عبر البحر الأبيض المتوسط، فهي ستكون هدفاً، في أي مكان تطاله أيدينا، المهم عندما تكون أثناء الظفر بها في حالة تطالها إمكاناتنا وقدراتنا، لن نتردد أبداً في الاستهداف لها.

نحن نسعى باستمرار إلى تطوير قدراتنا العسكرية، وعندما نتخذ القرار بمرحلة معينة، معناه: أنها توفرت لنا الإمكانيات التي يمكن أن نستفيد منها لتنفيذ ذلك القرار، إلى ذلك المستوى، وهكذا نحضِّر فيما بعد ذلك لتوسيع دائرة العمل، وتوفير الزخم اللازم بذلك المستوى، ونحضِّر ما بعد ذلك لما هو في إطار مدى أوسع، ومدى أكبر، يعني: من الآن نحن نفكِّر أيضاً في المرحلة الخامسة، ونفكِّر أيضاً في المرحلة السادسة، ولدينا خيارات مهمة جداً وحسَّاسة ومؤثرة على الأعداء، وليس هناك بالنسبة لنا أي خطوط حمراء يمكن أن تعيقنا أبداً، يهمنا فقط أمرين:

الأول: هو الضوابط الشرعية الأخلاقية، نحن نلتزم بها في أعمالنا وعملياتنا. والثاني: هو مستوى الإمكانات والقدرات.

ولذلك نحن نسعى فيما يتعلق بتطوير القدرات، وتوفير الإمكانات، إلى أن نحقق- إن شاء الله- أهدافاً كبيرة.

مظلومية الشعب الفلسطيني مظلومية كبيرة جداً، ومعاناة الشعب الفلسطيني معاناة عظيمة، وهناك مسؤولية إنسانية، وأخلاقية، ودينية، والعدو الإسرائيلي هو عدوٌ للأمة بكلها، ويشكل خطورةً وتهديداً للأمن والسلم على المستوى العالمي، والدور الأمريكي معه هو دورٌ عدواني، وحشيٌ وإجرامي، ومتغطرس، ومتكبر، ولا يعطي لأي قيم، أو قوانين، أو مواثيق، أي اعتبار أبداً؛ ولذلك العدو لا يعرف إلَّا لغة التخاطب بالقوة، التعامل بالقوة، الردع، الأمة بحاجة إلى أن تهتم بقوة الردع؛ ولذلك نحن نسعى إلى تطوير قدراتنا، منذ الآن نحن نفكر أيضاً في تطوير القدرات، ونسعى، نفكر ونسعى عملياً للمرحلة الخامسة، سقفنا في المرحلة الرابعة سيقوى إن شاء الله، وسيحظى- إن شاء الله- بالزخم تدريجياً، وننتقل ما بعد ذلك إلى المرحلة الخامسة، ولدينا- كما قلت- خيارات استراتيجية حسَّاسة مهمة ومؤثرة على العدو، وإن شاء الله- بمعونة الله وتأييده- نصل إليها.

ليس هناك حسابات سياسية تؤثِّر علينا في مستوى موقفنا، بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ننطلق من منطلق ديني، وإيماني، وأخلاقي، وقيمي، وقرآني؛ لذلك لسنا ممن يخضع تحت عنوان المصلحة لمؤثرات الترغيب أو الترهيب، كم عُرِضت علينا من الإغراءات، وكم وجِّهت إلينا من التهديدات، لكننا لن نكترث لها أبداً، ونحن نبني على الاستعداد لكل الاحتمالات.

ولذلك في ظل واقعنا هذا، الذي هو واقع تحرر بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تحرر ساعدنا على أن نتخذ الموقف اللائق، الذي ينبغي، لو اتَّجهت كل دولة عربية وإسلامية لتتبنى موقفاً بما يليق بها، بحجم المسؤولية، وتعاونت فيما بينها؛ لما حصل الذي يحصل أبداً، لتغيَّر الواقع بكله.

ولذلك نحن نقول في إطار هذا الواقع، وفي مقابل عدم تفعيل قدرات الدول العربية لما تمتلكه من إمكانات ضخمة، إمكانات متنوعة: إذا رغبت أي دولة عربية أن نفعِّل تلك الإمكانيات التي في مخازنها، بدلاً من أن تبقى معرَّضة للصدأ، أو تستخدم استخداماً خاطئاً، لاستهداف المسلمين هنا أو هناك، أو استهداف الشعوب، فنحن مستعدون لتفعيل تلك القدرات ضد العدو الإسرائيلي.

في هذا السياق أيضاً نحن نشيد بموقف الدول العربية التي لم توافق للأمريكي على استخدام أراضيها في الاستهداف لبلدنا، الأمريكي حاول أن يمارس الضغط على بعض البلدان العربية؛ نظراً لوضعه الصعب في البحر، ليعوِّض عن ذلك استخدام أراضي دول عربية في العدوان على بلدنا، ودول إفريقية كذلك، فالبعض من البلدان العربية رفضت ذلك، ولم توافق للأمريكي على استخدام أراضيها لاستهداف بلدنا، نحن نشيد بهذا الموقف، ونتمنى من جانب الدول العربية أن تكون أكثر تحرراً.

نحن أشرنا في الكلمة الماضية إلى التحرر الذي تشهده الكثير من البلدان الأفريقية، الدول العربية بالأولى، لماذا تبقى خاضعة وخانعة للأمريكي؟! بل لماذا تتجه بعض البلدان العربية، بعض الحكومات والأنظمة والحكام، إلى أن يكونوا أكثر خنوعاً وخضوعاً للأمريكيين، وهروباً ليحتموا بهم؟! هذه عقدة شعور بالضعف كبيرة جداً.

من يرى نفسه أنه لا يستطيع أن يحمي نفسه إلَّا بالأمريكي، وأنه لن يطمئن أمام أي تهديد إلَّا بالاحتماء بالأمريكي، هذا شعور بالعاجز، بالضعف، بعض البلدان قد تتصور نفسها أنها بلدان قوية، ومتمكِّنة، فليس عندها فكرة صحيحة، ونظرة صحيحة في كيف تكون في مستوى الحماية لنفسها:

من خلال انتهاج سياسات صحيحة في محيطها العربي والإسلامي، بدلاً من السياسات العدوانية والسلبية. ومن خلال بناء قدراتها في ظل علاقة إيجابية مع الأمة الإسلامية، على المستوى الاقتصادي وغيره، هذا الذي يفيد أبناء أمتنا، بدلاً من الارتهان أكثر والخضوع أكثر للأمريكي.

فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية هي ممتازة، ونشطة، وكثيرة بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، المسيرات والمظاهرات في الأسبوع الماضي بزخم أكبر من الأسبوع الذي قبله، وكان هذا مهماً مع إعلان المرحلة الرابعة من التصعيد، وقد بلغ الرقم الإجمالي لعدد المظاهرات والمسيرات إلى: (أربعة آلاف ومائتين وخمسين) مسيرة ومظاهرة.

أمَّا الفعاليات، والوقفات الشعبية، والوقفات الطلابية، والندوات، والأمسيات، فهي: بأكثر من (ثلاثمائة ألف) فعالية، ووقفة، وأمسية، وندوة.

في التأهيل العسكري، بلغ عدد المتدربين في التعبئة إلى: (مائتين وستة وتسعين ألفاً)، يعني: يكاد أن يصل إلى قرابة (ثلاثمائة ألف متدرب)، وهذا إنجاز جيد، وإن شاء الله يستمر الإقبال بشكل كبير حتى يصل إلى عدد كبير.

أيضاً هناك فيما يتعلق بالتعبئة في الجانب العسكري أنشطة متنوعة وكثيرة، بالمئات، من: مناورات، وعروض عسكرية، ومسير عسكري.

والاستمرار في الخروج المليوني الأسبوعي، حيث أصبح ضمن الجدول الأسبوعي للملايين من أبناء شعبنا العزيز، وهذا شيءٌ عظيم، وشيءٌ مهم، وتجربة مهمة، يعني: الإنسان عندما يُدخِل ضمن اهتماماته الأسبوعية، كم لدى الإنسان من أعمال في أسبوعه؟ هو يذهب إلى السوق، هو يذهب لممارسة أعمال لكسب معيشته، أعمال ضمن مسؤولياته، في يومٍ من هذا الأسبوع يخرج في خروج مليوني، ضمن جدوله الأسبوعي، هذا الخروج خروج مهم جداً؛ لأنه– كما قلنا- جزء من الجهاد في سبيل الله، الإنسان إذا انطلق من منطلق نيَّة الاستجابة لله، واتخاذ الموقف الذي يرضي الله، فهذا جزءٌ من جهاده.

ثم هو أيضاً له أهمية كبيرة جداً في ظل الموقف المكتمل لشعبنا، تكتمل حلقة المواقف: من عمليات عسكرية بحرية، من عمليات استهداف العدو إلى الأراضي الفلسطينية، من عمليات تبرع، ومقاطعة أيضاً للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وتبرع لصالح الشعب الفلسطيني… وهكذا بقية الأعمال والأنشطة، فالإنسان عندما يكون ضمن جدوله الأسبوعي: أن يخرج في رأس الأسبوع في يوم الجمعة، الذي له بركته، وفيه فريضة الجمعة، التي هي الصلاة الوسطى، ولها فضلها العظيم، في يومٍ مبارك، يومٍ عظيمٍ في الإسلام، يوم تضاعف فيه الأعمال، ضمن جدولك الأسبوعي تخرج في هذا اليوم خروجاً مشرِّفاً يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يغيظ الأعداء، يغيظ الكافرين، ويقهر المنافقين، هذا شيءٌ مهم جداً، أصبح ضمن جدول الأعمال والاهتمامات، هذا من التوفيق ومن الشرف، وهو أيضاً مما يسهم في الارتقاء العملي، الإنسان إذا استجاب لله في مستوى معين؛ يحظى أيضاً بتوفيق ليستجيب في ما هو أكبر… وهكذا.

هو أيضاً مما يسهم في الارتقاء العملي، وفي الموقف، هو جزءٌ من الجهاد، أجره عظيم، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة: من الآية120].

كلما اتَّجه العدو إلى التصعيد؛ ينبغي أن نتَّجه إلى التصعيد أكثر، على كل المستويات والأنشطة، لا أن يقابل ذلك بتراجع في الأنشطة، أو الاهتمامات؛ ولذلك فمع تصعيد العدو فيما يتعلق بمعبر رفح، وشرق رفح، والتهديد المتوقع على بقية رفح، يجب أن يكون التحرك على كل المستويات أكثر.

وفي هذا السياق أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد- إن شاء الله- خروجاً مليونياً في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، في الساحات المعتمدة، ليقولوا للشعب الفلسطيني في غزة، وفي كل فلسطين، ولأهالي رفح، وللنازحين في رفح: (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر).

نَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِي وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَاء بِالفَرَجِ وَالنَّصر، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِهِ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

# الشعب الفلسطيني# كلمة#آخر التطورات والمستجدات#السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي#العدوان الصهيوني على غزة#طوفان الأقصى

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الاحتجاجات الطلابیة ضد العدو الإسرائیلی د العدو الإسرائیلی ضد الشعب الفلسطینی للعدو الإسرائیلی الإبادة الجماعیة فی القرآن الکریم المرحلة الرابعة للشعب الفلسطینی البلدان العربیة الموقف الأمریکی فلسطین المحتلة الإسرائیلی على الدول العربیة م الإسرائیلی ع الإسرائیلی أن یکون هناک على المستوى هذا الأسبوع العدوان على شمال القطاع الرأی العام فی قطاع غزة إن شاء الله هذه الخطوة فی المرحلة فیما یتعلق تصریحات من الأمریکی ی من البلدان فی أی مکان الکثیر من فی أمریکا المزید من کبیرة جدا عدوان على س ب ح ان ه من هنا أو ت ع ال ى ع ل ى آل فی المقد إذا کانت مع العدو فی مستوى على أساس ما یتعلق معبر رفح بعد ذلک من جانب التی هی تکون فی هو الذی أکثر من یمکن أن على رفح کثیر من أن تکون شرق رفح مثل هذه عندما ی هذا شیء حتى فی فی یوم فی رفح فی تلک جه إلى ر نفسه التی ت فی هذا فی غزة

إقرأ أيضاً:

نص المحاضرة الرمضانية الـ 11 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ

الثورة نت/..

نص المحاضرة الرمضانية الـ 11 لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 11 رمضان 1446هـ:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

استكملنا العرض القرآني لمقامٍ من أهم المقامات، التي وردت في القرآن الكريم، لنبي الله وخليله ورسوله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في الدعوة لقومه إلى عبادة الله، والتوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي السعي إلى نسف الشرك، وكان هناك الكثير من الدروس والعبر، التي راعينا فيها- أيضاً- الاختصار؛ لنصل إلى الاستفادة- أيضاً- من المقامات الأخرى.

في ذلك المقام المهم والمفيد، نلحظ أن نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” حقق نتائج مهمة:

– في مقدمتها: كسر الحاجز الكبير، الذي كان ما بينه وبين أن يبدأ معهم مشوار الدعوة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإبلاغ لرسالة الله، والدعوة إلى التوحيد لله.

– ولفت أنظارهم إلى مبدأ التوحيد.

– وكذلك سعى لنسف الشرك من أذهانهم كمعتقد، من خلال ترسيخ مبدأ الكمال المطلق لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنه المبدأ الأساس في الاستحقاق للألوهية.

– وقام بعملية استعراض تَأَمُّلي، في قصة التَّأمُّل للكوكب، وللقمر، وللشمس، ووصل بهم إلى أن بهتوا؛ لأنهم لا يمتلكون الحُجَّة لرد ما عرضه عليهم من البراهين النَيِّرة، والحجج الواضحة، التي آتاه الله إياها.

لكنَّ تَشَبُّثَهم الشديد، واعتيادهم على حالة الشرك، يحتاج إلى المزيد من المقامات، والتَّرقِّي في الاستدلال، وفي قوة الموقف.

يعرض لنا القرآن الكريم في (سورة الشعراء) مقاماً آخر، يتميز بالصراحة أكثر من المقام السابق، وهذا في سياق التَّرقِّي، وفي توسيع نطاق الاستدلال ومضامينه، وفي قوة الموقف أكثر؛ لِمَا لذلك من أهمية في زجرهم عمَّا هم عليه من الشرك، وكذلك باستخدام أسلوب المساءلة، التي تستنطق الحقيقة، وتلجئهم إلى الاعتراف بها، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في (سورة الشعراء):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:69-104].

هذا هو التعقيب للقصة، كما فيما قبلها وبعدها من القصص في (سورة الشعراء): {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

في هذا المقام نجد أشياء كثيرة، عظيمة، ومهمة، ومفيدة، في الاستدلال والسعي لهدايتهم. في جوهر هذا الاستدلال في هذه القصة يُركِّز على افتقار الإنسان إلى الله تعالى، وارتباطه به في كل أساسيات وجوده وحياته.

الإنسان في خلقه، ووجوده، وحياته، وهدايته، وغذائه، ورزقه، وأجله، مفتقرٌ في ذلك كله إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومحتاجٌ إليه، ولا مصدر له في ذلك إلَّا الله، وفي جلب النفع، وفي دفع الضر، وفي النعم كلها، إضافةً إلى مستقبل الإنسان الأبدي والكبير والمهم في الآخرة، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله تعالى، ويتولاه بديلاً عن التولي لله تعالى، والله هو الذي يملك من الإنسان، ويملك للإنسان، ما لا يملكه إلَّا هو، وأنعم على الإنسان بما لم ينعم به عليه غيره؟!

وهذه مسألة مهمة؛ لأن الدافع الكبير في مسألة العبادة، والتَّوجُّه بالعبادة، هي: هذه الحالة من الافتقار، والشعور بالعجز والحاجة، والارتباط من خلال احتياجات الإنسان ومتطلبات حياته بناءً على ذلك؛ فهو يتَّجه بالعبادة بناءً على ذلك.

نبدأ بالحديث على ضوء هذه القصة المهمة والمفيدة.

تبدأ القصة في هذا المقام بقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ}[الشعراء:69]، نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، الذي يلتقي الجميع على تعظيمه، وعلى رمزيته، بما في ذلك المشركون من العرب، وفي مقدمتهم: قريش، الذين هم من نسل نبي الله إسماعيل بن إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، فتلاوة نبأه عليهم (هذا الخبر المهم والمفيد) له أهميته، يعني:

– من حيث رمزية وتعظيم إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” لديهم، إلى درجة أنهم يدَّعون الانتماء إلى نهجه.

– ومن حيث الإيضاح لحقيقة ما كان عليه نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.

– ومن حيث ما تضمنه هذا الخبر في تفاصيله، من براهين عظيمة، مقنعة، وحجج دامغة، ودلائل واضحة على بطلان الشرك.

ولـذلك يأتي الأمر للنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” وهو في أداء مهمته، في إبلاغ الرسالة الإلهية، وإنقاذ الناس من الشرك، ودعوتهم إلى الإيمان بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبوحدانيته، وبالعبادة له، يأتي الأمر له: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ}؛ لِمَا لهذا من أهمية وتأثير، وإقامةٍ للحُجَّة عليهم.

نجد في هذه الآيات المباركة، أن نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” استخدم أسلوب الاستنطاق للحقيقة، والمساءلة، التي تلجئهم إلى الاعتراف بها، فاتَّجه إليهم، ويتَّضح أنه اتَّجه إليهم في حال اجتماعٍ لهم، إمَّا أن يكون ذلك في المعبد الذي فيه أصنامهم ويجتمعون فيه، أو في مقام هم مجتمعون فيه؛ فلـذلك كان يخاطبهم، ويتحاور معهم، ويبيِّن لهم، ويسائلهم في جوٍ جماعي.

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:70]، ابتدأ معهم بهذا السؤال: (مَا تَعْبُدُونَ؟).

العبـــادة: هي المفهوم الذي يحكم حياة الإنسان ومصيره، وهو المفهوم الذي يحدد طبيعة ونوع علاقتنا مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والعبادة هي في الأساس: الخضوع المعبِّر عن العبودية، وهذا الخضوع المُعَبِّر عن العبودية يأتي له أشكال، يعني: هو ينطلق من حالة نفسية لدى الإنسان، في حالة الخوف، والرجاء، والخضوع، والتذلل، والشعور بالحاجة والافتقار، من واقع الاعتراف بالعبودية، من واقع الشعور بأنه عبد، وهذا الشعور لدى الإنسان بأنه عبد هو شعورٌ فطريٌ راسخ، لا يمكن أن يزول من الإنسان.

الإنسان في تكوينه- كما شرحنا في الدروس الماضية- وفي فطرته، وفي واقعه وواقع حياته، يشعر بحاجته إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبأنه عبدٌ، استمدَّ وجوده في هذه الحياة، ويستمدُّ كل النعم عليه في هذه الحياة، ومتطلبات حياته الأساسية، من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فالعبادة هي هذا الشعور، هذا الخضوع المُعبِّر عن العبودية، والذي يترجمه الإنسان في أشكال عملية، يُعبِّر بها عن هذا الخضوع، ويتَّوجه بما هو عبادة، بما يُعبِّر به عن كونه عبداً.

فالإنسان هو- في الأساس وفي واقع الحال- هو عبدٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مهما فعل، لا يخرجه ذلك عن كونه عبداً لله، يعني: ليس باستطاعتك أن تنتزع ملكية الله لك وتتخلص منها، لا يمكنك ذلك، مهما يكن فأنت- في واقع الحال- عبدٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو المالك لك، هو الذي خلقك، هو الذي ربَّاك، هو المنعم عليك، وهو المالك لك، والمالك لكل ما في السماوات والأرض، وهو ربُّ العالمين، فهو ربُّك “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

لكن الإنسان عندما يتَّجه بالعبادة لغير الله هو في حالة ضلال، ضلال رهيب، وفي حالة تَنَكُرٍ تامٍ لأكبر الحقائق، وللحقِّ العظيم، وتعدٍ تجاه حدٍ مهم في الحقِّ الذي هو حقٌّ لله تعالى؛ لأن العبادة هي حقٌّ لله تعالى، فعندما ينحرف الإنسان بالعبادة لغير الله هو يتعدى على هذا الحق؛ فلـذلك هو يظلم نفسه، وهو يتنكر للحق، وهو يسيء إلى نفسه، لكنه لا يشطب بذلك الحقيقة، التي هي حقيقة راسخة لا يمكن شطبها.

العبادة ترتبط بحالة الخوف، بحالة الرجاء، بحالة المحبة، بحالة التعظيم، في أرقى وأعلى مستوياتها، يعني: الإنسان في أخوف ما ينبغي أن يكون عليه من الخوف، أرجى ما ينبغي أن يكون عليه من الرجاء، حالة الطاعة المطلقة التي هي فوق كل طاعة، المحبة في أعلى مستوى من المحبة، في هذا كله يجب أن يكون متوجهاً بذلك في إطار العبادة- في من يعبده- إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الإله الحق، فإذا اتَّجه بهذه الحالات: في أعلى مستوى من الخوف، أعلى مستوى من الرجاء، أعلى مستوى من المحبة، الطاعة المطلقة التي هي فوق كل طاعة، إلى غير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فهو يتَّجه لتعبيد نفسه لغير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم تأتي الحالة العملية بالنسبة للإنسان في مواقفه، في اتِّجاهه في مسيرة حياته، بناءً على ذلك.

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:70]، كما قلنا: لأن العنوان الأهم هو هذا العنوان: العبادة، هو الذي يحكم حياة الإنسان، مصيره، يحدد نوع علاقته بالله، طبيعة علاقته بالله، ينبغي أن تكون هكذا: أن نتوجَّه بالعبادة إليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وحده؛ لأننا عبيده.

لماذا يسألهم؟ هو يعرف أنهم يعبدون الأصنام، لا إشكال عنده في ذلك، لكنه يتوجَّه إليهم بهذا السؤال؛ لأن الجواب- بنفسه- إذا أجابوا بالجواب المطابق للسؤال، فجوابهم- بنفسه- يتضمن الاعتراف بالحقيقة المهمة، وهي: أنهم يتوجَّهون بالعبادة إلى من ليس جديراً بها، ولا يستحقها، وليست له، فحالة الشرك حالة باطلة.

{مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:70]، السؤال- بنفسه- يتضمن معنى الاستنكار والتحقير، لما يعبدونه من دون الله.

إجابتهم، سيتضح لنا من خلالها أنهم حاولوا التَّهّرُّب من الجواب المطابق للسؤال، وهي: أن يفصحوا عن مَاهِيَّة تلك الأصنام، أن يقولوا مثلاً: يعبدون أصناماً، إن كانت من الحجر، يقولون: [من الحجارة، منحوتة، نحتناها، أو اشتريناها]؛ أو من النحاس، أن يتحدثوا عن مَاهِيَّتِها، ومما هي مصنوعةٌ منه؛ لكنهم تَهَرَّبوا من الإجابة عن السؤال بمقتضاه، واتَّجهوا إلى الحديث عن عبادتهم لتلك الأصنام: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:71]، يؤكِّدون ما هم عليه من التعظيم لها.

وفي جوابهم يواجهون ما تضمنه معنى سؤاله من معنى التحقير، وكذلك ما تضمنه من الاستنكار، فهم يعبِّرون عن اعتزازهم وتعظيمهم لها، واعتزازهم بعبادتها: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:71]، (الظُلُول): البقاء في النهار لديها، في أوقات مُعَيَّنة من النهار، (عَاكِفِينَ): العكوف عليها هو الملازمة، والإقبال عليها بالتعظيم، والطقوس العبادية التي كانت معتادةً لديهم، يعني: كان لديهم مثل ما لدينا- مثلاً- في الإسلام في عبادتنا لله: (صلاة، دعاء…)، لديهم طقوس أخرى يُعبِّرون بها عن ذلك، ويتضرَّعون إليها، يُقدِّمون لها القرابين… إلى غير ذلك.

مسألة العبادة بطقوس مُعَيَّنة، يعني: إقبال على أذكار مُعَيَّنة، إقبال على دعاء، على تَضَرُّع، هي جانبٌ مهم من مجالات العبادة، وهي جزءٌ أساسيٌ مما هو معتادٌ وما هو قائمٌ أصلاً في مسألة العبادة.

الإنسان لديه الاحتياج الروحي كحاجة فطرية فيه، يعني: يحتاج إلى أن يتوجَّه بخضوعه، بخشوعه، بدعائه، بِتَضرُّعِه، بطلبه، إلى من يعتقد أنه جديرٌ بذلك، في الأساس هي فطرة توجِّهنا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لكنَّ الإنسان هو ينحرف عن فطرته، ينحرف عن فطرته.

هذه الحاجة الروحية، في شرع الله، وفي نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ما يُوجِّهها في الاتِّجاه الصحيح إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي مصدر مهم جدًّا للشعور بالسكينة، والشعور بالاطمئنان؛ لأنها- كما قلنا- حاجة فطرية. الإنسان في مقام العبادة هو يتضرع إلى الله، ويقبل على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويتوجَّه إليه بالذكر، بالمناجاة… بأشكال العبادة، كحالة الصلاة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبذلك هو يُحِسّ بالطمأنينة، يُحِسّ أنه قريبٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنه يحظى أيضاً من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” برعايته، أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عليمٌ بحاله ذلك، وأن ذلك يُقَرِّبه إلى رعاية الله أكثر، ويحظى من خلاله بالقرب من الله أكثر.

هذه الحالة الفطرية ذات أهمية كبيرة في حياة الإنسان؛ ولـذلك من نعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن فتح لعباده فيها آفاقاً واسعة، يأتي دور الصلاة بشكلٍ أساسيٍ في هذا الجانب، دور الدعاء بشكلٍ أساسيٍ في ذلك، والإنسان إذا ابتعد عن هذا الجانب؛ يشعر بقسوة القلب، يشعر بحالة الجفاف الروحي، الجفاف الروحي له سلبيات كبيرة تنعكس على نفسية الإنسان، في سلوكه، في قلقه، في اضطرابه، في توتره الشديد الدائم… في أشكال كثيرة، تُبعد الإنسان حتى عن مشاعره الإنسانية.

ولـذلك فهذا يلفت نظرنا إلى أهمية هذه المسألة، وإنما هم كانوا ينحرفون في اتِّجاه خاطئ، واتِّجاه باطل، عندما يتوجَّهون بتلك الطقوس الباطلة إلى أصنامهم.

الأصنــام، من الواضح أنَّها لا تملك لهم ما يطلبونه منها ويعبدونها لأجله، في عبادتهم لها، في تضرعهم، في دعائهم، يعني: لا تملك لهم لا نفعاً، ولا دفع ضر… ولا أي شيء مما يطلبونه، هي لا تملك حتى الحياة في نفسها، أو القدرة على سماعهم؛ لأنها تماثيل حجرية، أو نحاسية… أو بحسب المادة التي صنعوها منها، هي جمادات لا أكثر.

تَوَجَّه ليسألهم سؤالاً آخر، وهو سؤال مُحرجٌ لهم بشكلٍ كبير: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّون}[الشعراء:72-73]، وهذا سؤال كبير ومحرج بالنسبة لهم، وهم لم يستطيعوا أن يدَّعوا لها أياً من ذلك، يعني: لم يستطيعوا أن يدَّعوا لها أنها تسمعهم، أثناء دعائهم وهم يدعونها، ويتضرَّعون إليها، ويتقرَّبون إليها، ولا أنها تنفعهم، ولا أنها تدفع عنهم الضُرّ، أو تُلحِقهم بالضرر إن لم يتَّجهوا إليها بتلك العبادة الباطلة.

فلـذلك هم لم يجدوا لهم أي حُجَّة ولا برهان، ولجأوا في جوابهم إلى الاستناد إلى مسألة أخرى، إلى اعتبار آخر، ودافع آخر لعبادتهم لها، وهو: العادات والتقاليد الموروثة، والاستناد إلى ما كان عليه آباؤهم في ذلك: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[الشعراء:74]، فهم حاولوا أن يستندوا إلى ذلك، وأن يُقَدِّسوا ما كان عليه آباؤهم في ذلك.

الاستناد إلى ما كان عليه الآباء والأجداد بمفرده ليس بِحُجَّة، ولا ببرهان، يعني: لا يمكن أن يَدُلّ بنفسه فقط على أن ذلك حق، بمجرد أن كان عليه الآباء والأجداد، إذاً فهو حق، لا يمكن لأحد أن يثبت ذلك؛ لأنه هكذا المسألة: إذا كان الاعتبار هذا لوحده، فهو لا يدل على الحق أبداً، المسألة: أن ما كان عليه الآباء والأجداد، إن كان هو في الأساس حق، فلا بأس أن يُتَّبع؛ وإن لم يكن هو بنفسه حق، فمجرد أنهم كانوا عليه لا يحوِّله إلى حق، ولا يجعل منه حقاً وهو في أساسه باطل؛ ولـذلك نجد الفارق:

– بين الاعتزاز بما كان عليه الآباء والأجداد، والاعتزاز بالانتماء إليه إن كان حقاً فعلاً.

– وبين الحالة المختلفة: الاعتزاز والتَّشبُّث به إن كان باطلاً.

فالمسألة ليست مطلقة، يعني: لا ينبغي الاعتزاز مطلقاً، والاستناد إلى ذلك حتى لو لم يكن حقاً، ولا يعني ذلك أنه حينما يكون حقاً ألَّا يكون هناك اعتزاز بالانتماء إليه، واستمرارية، وتأكيد على الثبات في ذلك النهج، فالمسألة تعود في أصلها- كما قلنا- إلى ما عليه ذلك: إن كان حقاً، فهو الأساس؛ إن كان باطلاً، فلا ينبغي، وهذه مسألة مهمة؛ لأننا نجد الفارق مثلاً:

– فيما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم عن نبيه يوسف “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، حينما قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38]، له أن يعتزّ بهذا الانتماء، وبهذا الاتِّباع، وأن يؤكِّد استمراره على ذلك النهج؛ لأنه نهج حق، عليه أنبياء الله وأولياؤه.

– ونجد- مثلاً- في القرآن الكريم حينما يخاطب الله قريشاً، يقول لهم: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج:78]، هذا هو النهج الذي كان عليه أبوكم، لماذا لا تَتَّبِعونه؟ لأن أبوهم هو نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” الذي كان على الحق، رسول من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، رمزٌ للهداية، رمزٌ للهداية، وليس رمزاً للضلال.

ولذلك نجد أهمية الوعي بهذه المسألة، بمعنى: حينما يكون الآباء والأجداد على نهج الحق، ورموزهم التي اتَّجهوا معها في طريق الحق من الهداة، الذين يهدون بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فمن حقنا أن نعتزَّ بانتمائنا إلى نهجهم، وأن نؤكِّد ثباتنا على ذلك النهج، واستمرارنا عليه.

مثلاً: في واقعنا، عندما نقول في اليمن: رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” قال: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، الآباء والأجداد لهم تاريخٌ عظيم في انتمائهم الإيماني، في اتِّجاههم في طريق الإيمان، لهم أصالة في انتمائهم الإيماني، على مدى الأجيال، وصولاً إلى عصر رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، وإلى الأنصار، وهناك في هذا الامتداد التاريخي رموزٌ عظماء، اتَّجهوا بشعبنا العزيز في طريق الهداية ونهج الهداية، فهذا الاعتزاز، هذا الانتماء، في مَحَلِّه؛ لأن أصل المسيرة والطريق التي ساروا فيها هي طريق الإيمان؛ إنما نسعى إلى تنقية ما يكون قد أُدْخِل على هذا المسار التاريخي والامتداد، مما يُخالف أصالته، مما يخالف نقاءه، أي شوائب تكون أُدْخِلت من هنا أو هناك لأي فرق الضلال نسعى إلى تنقيتها، هذا الانتماء انتماء أصيل وعظيم، لا إشكال فيه.

لأن البعض- مثلاً- في الهجمة والغزو التكفيري الذي استهدف بلدنا، ويحاول أن يسيء إلى كل هذا الامتداد الأصيل على النهج الإيماني لشعبنا العزيز، إلى عهد رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، والإيمان به، ويحاول أن يصوِّر للشعب اليمني أن ما كان عليه الآباء والأجداد هو ضلال، يأتي بعض مطاوعة التكفيريين ليستدلوا بمثل هذه الآيات، عمَّا كان عليه الآباء والأجداد، لكنه استدلال في غير مَحَلِّه، كما وضَّحنا بهذا التفصيل.

الواقع الصحيح لمن يتَّجهون على أساس هدى الله، ومنهج الله الحق، وامتدادهم عبر الأجيال هو امتداد إيماني أصيل، هو: أن يعتزُّوا بهذا الامتداد الإيماني الأصيل، كما قال نبي الله يوسف “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو في مقام محمود، يعني: لم يكن القرآن منتقداً عليه لماذا قال هكذا: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38].

بينما الحالة التي هي حالة خاطئة هي: الاعتزاز إلى نهج من ليسوا على الحق، من ماضيهم مظلمٌ وباطلٌ وضلال، هذا هو الذي- فعلاً- لا ينبغي الاعتزاز به، ولا التَّشبُّث به، ولا التَّمسُّك به، ولا السير عليه.

ولهذا نجد أيضاً في القرآن الكريم- مثلاً- في هذه المسألة: حينما كان البعض من المشركين يحاولون أن يتشبَّثوا بما هم عليه من شرك برموزهم من المضلين، ومن آبائهم، يقول القرآن: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[البقرة:170]، يعني: هذه هي المشكلة: أن آباؤهم لم يكونوا (يَعْقِلُونَ شَيْئًا)، (وَلَا يَهْتَدُونَ): ولم يكونوا على هدىً، لو كانوا على هدىً كان لا بأس باتِّباعهم.

هذا يعطينا درساً أيضاً في الموروث الفكري والثقافي للأُمَّة، والمعيار لما هو صحيحٌ في ذلك، لكن- حتى لا نطيل- نكتفي بهذا المقدار.

وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • السيد القائد: الحقائق تفضح تواطؤ كبار الأنظمة العربية بتعاونها الفعلي مع العدو الإسرائيلي
  • السيد القائد: قرار حظر ملاحة العدو الإسرائيلي دخل حيز التنفيذ
  • السيد القائد: استئناف استهداف السفن الإسرائيلية هي الخطوة الأولى وسقفنا عالٍ جدا وكل الخيارات مطروحة
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 11 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • مجلس الوزراء يبارك قرار السيد القائد ببدء الإجراءات العسكرية ضد العدو
  • مجلس الوزراء يبارك قرار السيد القائد ببدء الإجراءات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي فور انتهاء المهلة
  • مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل