د. عبدالله الغذامي يكتب: والصورة أكذب من ألف كلمة
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
ظل الإنسان ماهراً في الكذب مهارةً أعلى بكثير من مهاراته في الصدق، لأن الصدق بريءٌ وفطري بينما الكذب يحتاج لتقويته بالمهارات والحيل، وكلما تكشفت حيلة مهر الإنسان في صناعة حيلةٍ أمضى وأمهر، وفي المقابل كان الصوت وكانت الصورة أدوات لتوثيق الصدق، وجاءت المقولة بأن الصورة أبلغ من ألف كلمة، ولكن جاءنا زمن أصبحت الصورة فيه أكذب من ألف كلمة بل من كل الكلمات، وتم أيضاً تزوير الكلمة من حيث هي صوت عبر تقليد الصوت ومحاكاته بما يماثل الأصل، وكذلك تزوير الكلمة المنقوشة والمكتوبة لتصبح تدويناً يفتري حسب غاياته.
وهنا يصح أن نتساءل هل سيأتي يوم نتحدث فيه عن زمن مر كانت الصورة فيه دليلاً موثوقاً وكان الصوت دليلاً موثوقاً، أقول هذا حين أرى كغيري أن الصورة تكذب وأن الصوت يكذب، وهذا ما يفعله (الذكاء الاصطناعي)، حيث يجري تزوير الصور وتزوير الأصوات، فقد تسمع مثلاً أغنية لطلال مداح بصوت وصورة لا يختلفان عن صوته وصورته ولكنه ليس هو من غنى حقيقةً ولا هي صورته الحقيقية، والأخطر أن يتضمن النص المغني عبارات لا تصدر عن طلال، رحمه الله، مما يعني تزوير تاريخه وتزوير تاريخ الثقافة والذاكرة، وهذه صيغة مستحدثة لما كان يسمى بالانتحال قديماً، وقد كان الانتحال ممارسةً ثقافية تصنع قصصاً وأشعاراً وتصنع أحداثاً لم تقع، بل بلغ الأمر رواية أحاديث تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي كذب محض ولم يتورع فاعلوها عن فعلها، كما مورس الانتحال في زمن التدوين المبكر في العصر العباسي، حيث وضعت قصائد وقصص عن زمن الجاهلية من باب تأمين مادة للمدونين والتربح بالروايات، وهي ممارسة بشرية قديمة وفي كل الثقافات، وتمكن الإنسان الحديث من تطوير مهارة الانتحال عبر الذكاء الاصطناعي، وهي لهذا ليست بدعةً ابتدعها الذكاء الاصطناعي إنما هي رغبةٌ ثقافية إنسانية طرب لها الإنسان من قبل وكسب منها مالاً وشهرة، وحقق فيها مكاسبَ شريرة في تزوير شخصيات وثقافات وتزوير التاريخ، وبها تمت مهارات اللغة والذكاء لتحقيق مختلف مبتغيات الإنسان الحسن منها والقبيح، ولكن أدوات الشر تتطور تماماً مثلما تتطور أدوات الخير سواءً بسواء، فالإنسان يخترع الأدوية مثلما يخترع السموم، وبيده نشر الشر كما ينشر الخير، والضحية دوماً هو إنسان آخر يقع في شراك إنسان مزور، وهذا هو الذي يفسد في الأرض كما يصلحها ويقتل بمثل ما ينقذ حياة مريض أو ينقذ غريقاً، وليس الذكاء الاصطناعي ببدعة جديدة ولا هو خطر جديد، لأنه مجرد تطوير بشري لأدوات الخير وأدوات الشر، تلك الأدوات التي تترجم تاريخ البشرية كله مذ زمن قابيل وهابيل وإلى اليوم وغداً، وإن شاع اليوم التخويف من الذكاء الاصطناعي فالأولى أن يكون التخويف من الإنسان مبتكر الحيل ومبتكر فكرة الانتحال والتزوير، وهو وحده من علم الذكاء الاصطناعي كيف يكذب وكيف يزور، وهذا تلميذ ذاك الذي علمه السحر وعلمه الحيل وصممه لكي ينوب عن الذكاء البشري ويفعل ما كان يفعله البشر ولكن بطريقة أمهر وأشد فتكاً.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
حزب «المصريين»: كلمة الرئيس السيسي في حفل تخرج أئمة الأوقاف كشفت حجم الدور الثقافي للمؤسسات الدينية
ثمن المستشار حسين أبو العطا، رئيس حزب «المصريين»، عضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية، كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.
وقال «أبو العطا»، في بيان اليوم الثلاثاء، إن كلمة الرئيس السيسي شملت العديد من الرسائل، ولعل أبرزها تأكيده على أن تجديد الخطاب الديني يحتاج دعاة أمناء على الدين والوطن، موضحًا أن المؤسسات الدينية في مصر تلعب دورًا ثقافيًا كبيرًا، نظرًا لعراقتها وتاريخها الطويل، وقدرتها على بث القيم الإيجابية وروح التسامح ونبذ روح الكراهية والتمييز، ما يجعلها قادرة على تنفيذ تكليفات الرئيس السيسي.
وأضاف رئيس حزب «المصريين»، أن تجديد الخطاب الديني هو واحد من أهم محاور إعادة بناء الإنسان المصري، وهذا الهدف الذي اعتبرته الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أول بند على أجندة اهتماماتها، مؤكدًا أن تجديد الخطاب الديني يُحقق بدوره الوحدة والتماسك المرجو بين فئات الشعب المختلفة، منوهًا بأن الفترة المقبلة تستوجب وتتطلب العمل في الشارع من خلال تفعيل برامج التوعية في كل قرى ومدن مصر، والعمل على محاربة الفكر المتطرف بتوصيل الصورة الصحيحة للمواطنين ومفاهيم الدين الإسلامي الصحيح.
ولفت إلى تصريح الرئيس السيسي بأن مصر تمضي بثبات وعزم في مشروعها الوطني لبناء الإنسان، مؤكدًا أن القيادة السياسية تستهدف في المقام الأول الاستثمار في رأس المال البشري، وذلك من خلال برامج تستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية، موضحًا أن توجيهات القيادة السياسية تأتي في إطار الاهتمام ببناء الإنسان المصري، والاهتمام بالأسرة المصرية عبر برنامج متكامل، وترتكز أيضًا على بناء الوعي، بهدف إعداد أجيال جديدة لديها من الوعي ما يؤهلها لحفظ وحماية الهوية الوطنية للدولة المصرية، وترسيخ قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية في عملية التنمية الشاملة التي شرعت الدولة المصرية في تنفيذها على مدار السنوات الأخيرة.
وأشاد بتوجيهات رئاسية بالحفاظ على اللغة العربية ودور الدعاة كحماة للحرية، مؤكدًا أنه يجب علينا العمل سويا من أجل المحافظة على لغتنا العربية ضد أي محاولات لطمسها من أجل الحفاظ على الأمن الثقافي العربي ككل وإعداد جيل عربي منتمي لهويته العربية، لأن اللغة العربية ركن أساسي من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم.
ولفت إلى أن تاريخ اللغة العربية يزخر بالشواهد التي تبين الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، حيث كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها.
اقرأ أيضاًالرئيس السيسي: يجب الحفاظ على اللغة العربية والدعاة حماة الحرية
مصر منارة الإسلام الوسطي المستنير.. نص كلمة الرئيس السيسي بحفل تخريج أئمة الأوقاف
الرئيس السيسي يؤكد أهمية الاقتداء بالإمام السيوطي كنموذج يحتذى به