ظل الإنسان ماهراً في الكذب مهارةً أعلى بكثير من مهاراته في الصدق، لأن الصدق بريءٌ وفطري بينما الكذب يحتاج لتقويته بالمهارات والحيل، وكلما تكشفت حيلة مهر الإنسان في صناعة حيلةٍ أمضى وأمهر، وفي المقابل كان الصوت وكانت الصورة أدوات لتوثيق الصدق، وجاءت المقولة بأن الصورة أبلغ من ألف كلمة، ولكن جاءنا زمن أصبحت الصورة فيه أكذب من ألف كلمة بل من كل الكلمات، وتم أيضاً تزوير الكلمة من حيث هي صوت عبر تقليد الصوت ومحاكاته بما يماثل الأصل، وكذلك تزوير الكلمة المنقوشة والمكتوبة لتصبح تدويناً يفتري حسب غاياته.

 
وهنا يصح أن نتساءل هل سيأتي يوم نتحدث فيه عن زمن مر كانت الصورة فيه دليلاً موثوقاً وكان الصوت دليلاً موثوقاً، أقول هذا حين أرى كغيري أن الصورة تكذب وأن الصوت يكذب، وهذا ما يفعله (الذكاء الاصطناعي)، حيث يجري تزوير الصور وتزوير الأصوات، فقد تسمع مثلاً أغنية لطلال مداح بصوت وصورة لا يختلفان عن صوته وصورته ولكنه ليس هو من غنى حقيقةً ولا هي صورته الحقيقية، والأخطر أن يتضمن النص المغني عبارات لا تصدر عن طلال، رحمه الله، مما يعني تزوير تاريخه وتزوير تاريخ الثقافة والذاكرة، وهذه صيغة مستحدثة لما كان يسمى بالانتحال قديماً، وقد كان الانتحال ممارسةً ثقافية تصنع قصصاً وأشعاراً وتصنع أحداثاً لم تقع، بل بلغ الأمر رواية أحاديث تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي كذب محض ولم يتورع فاعلوها عن فعلها، كما مورس الانتحال في زمن التدوين المبكر في العصر العباسي، حيث وضعت قصائد وقصص عن زمن الجاهلية من باب تأمين مادة للمدونين والتربح بالروايات، وهي ممارسة بشرية قديمة وفي كل الثقافات، وتمكن الإنسان الحديث من تطوير مهارة الانتحال عبر الذكاء الاصطناعي، وهي لهذا ليست بدعةً ابتدعها الذكاء الاصطناعي إنما هي رغبةٌ ثقافية إنسانية طرب لها الإنسان من قبل وكسب منها مالاً وشهرة، وحقق فيها مكاسبَ شريرة في تزوير شخصيات وثقافات وتزوير التاريخ، وبها تمت مهارات اللغة والذكاء لتحقيق مختلف مبتغيات الإنسان الحسن منها والقبيح، ولكن أدوات الشر تتطور تماماً مثلما تتطور أدوات الخير سواءً بسواء، فالإنسان يخترع الأدوية مثلما يخترع السموم، وبيده نشر الشر كما ينشر الخير، والضحية دوماً هو إنسان آخر يقع في شراك إنسان مزور، وهذا هو الذي يفسد في الأرض كما يصلحها ويقتل بمثل ما ينقذ حياة مريض أو ينقذ غريقاً، وليس الذكاء الاصطناعي ببدعة جديدة ولا هو خطر جديد، لأنه مجرد تطوير بشري لأدوات الخير وأدوات الشر، تلك الأدوات التي تترجم تاريخ البشرية كله مذ زمن قابيل وهابيل وإلى اليوم وغداً، وإن شاع اليوم التخويف من الذكاء الاصطناعي فالأولى أن يكون التخويف من الإنسان مبتكر الحيل ومبتكر فكرة الانتحال والتزوير، وهو وحده من علم الذكاء الاصطناعي كيف يكذب وكيف يزور، وهذا تلميذ ذاك الذي علمه السحر وعلمه الحيل وصممه لكي ينوب عن الذكاء البشري ويفعل ما كان يفعله البشر ولكن بطريقة أمهر وأشد فتكاً.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: منع النساء من الكتابة د. عبدالله الغذامي يكتب: نزف الكلمات

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يكشف سر الحفاظ على شباب الدماغ

في دراسة حديثة تربط بين الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب، اكتشف باحثون في معهد كارولينسكا بالسويد، رؤى مهمة حول شيخوخة الدماغ، وتوصلوا إلى نتائج يمكنها التصدي لتحديات الأمراض المرتبطة بالخرف.

ووفق الدراسة، التي نشرتها مجلة "Alzheimer's & Dementia: The Journal of the Alzheimer's Association"، فقد اُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الدماغ من 739 شخصاً يتمتعون بصحة جيدة معرفياً بمدينة غوتنبرج، ويبلغون من العمر 70 عاماً، وشكلت النساء ما يزيد قليلاً على نصف مجموعة المشاركين.
وتسلط الدراسة الضوء على المصابين بالخرف، لافتةً إلى أن أكثر من 20 ألف شخص في السويد يصابون بأنواع مُختلفة منه سنوياً، حيث يمثل مرض الزهايمر نحو ثُلثي هذه الحالات.

"الخرف الرقمي".. نتائج تقلب الموازين حول قدرات الذكاء الاصطناعي - موقع 24في الوقت الذي يتحدث فيه خبراء التكنولوجيا وصناعها عن القدرات الهائلة لنماذج الذكاء الاصطناعي، لا سيما برامج الدردشة الآلية وإمكانية إحلالها محل الأطباء البشريين في القريب العاجل، أظهرت دراسة حديثة اتجاهاً مُخالفاً كلياً حولها، وضعفاً إدراكياً مشابهاً لأعراض "الخرف المُبكر/ الشيخوخة" لدى ...

 ولاحظ الفريق البحثي أن من بين التغيرات التي تحدث: تقلص حجم الدماغ، وضعف كفاءة الاتصال بين الخلايا العصبية، مما يؤدي إلى تدهور القدرات المعرفية مثل الذاكرة والتركيز.
وكشفت النتائج أن عوامل مثل الالتهابات، وارتفاع مستويات السكر في الدم، وأمراض الأوعية الدموية، يمكنها أن تساهم في تسارع شيخوخة الدماغ، في المقابل فإن اتباع عادات صحية كالحفاظ على مستويات مستقرة للسكر في الدم وممارسة الرياضة بانتظام، يمكنها أن تساعد في الحفاظ على شباب الدماغ لأطول فترة ممكنة.

أسلوب التحليل

عمل الباحثون على تحليل نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة المشاركين باستخدام خوارزمية ذكاء اصطناعي متطورة طوروها لتقدير العمر البيولوجي للدماغ، مع أُخذ عينات دم لقياس مستويات الدهون، والسكر، ومؤشرات الالتهابات، بجانب القيام باختبارات معرفية لقياس الأداء العقلي لهؤلاء الأشخاص.

ولادة أول طفل في العالم بتقنية "Fertilo" خارج جسد الأم - موقع 24أدت تقنية خصوبة جديدة طورتها شركة "Gameto" للتكنولجيا البيولوجية، ومقرها نيويورك، باستخدام الخلايا الجذعية لمساعدة الأجنة على الاكتمال خارج الجسم، إلى أول ولادة بشرية حية في العالم.

وأظهرت النتائج أن المصابين بالسكري، والسكتات الدماغية، وأمراض الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، كان لديهم أدمغة تبدو أكبر سناً من أعمارهم الحقيقية، بينما أظهرت أدمغة الأشخاص الذين يتبعون نمط حياة صحياً مظاهر أكثر شباباً مقارنة بأعمارهم.

أهمية الأداة المُطورة

وشدد الباحثون، على أن الأداة التي طوروها تُقدم نتائج دقيقة إلى حد كبير، ويمكن استخدامها كوسيلة بحثية مهمة، مع إمكانية توسيع تطبيقاتها لتشمل الدراسات السريرية المستقبلية، مثل أبحاث الخرف.
وأشارت النتائج أيضاً إلى وجود اختلافات بين الرجال والنساء في العوامل التي تؤثر على شيخوخة الدماغ، مما يعني أن الجنس قد يلعب دوراً في كيفية بناء المرونة الدماغية، وهو ما دفعهم للتأكيد على أهمية دراسة هذه الفروقات بين الجنسين بشكل كخطوة تالية وأعمق، عبر التركيز عوامل بيولوجية مثل الهرمونات، والتأثيرات الاجتماعية والثقافية، مع التركيز بشكل خاص على صحة الدماغ لدى المرأة.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يختار الملاعب الأكثر رعبا في العالم
  • د.حماد عبدالله يكتب: تحديث البنية الثقافية
  • هل يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل أطفالنا؟
  • الذكاء الاصطناعي يكشف سر الحفاظ على شباب الدماغ
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر شعبية في العام 2024 (إنفوغراف)
  • سلوك نبوي ومفتاح النجاة من المعاصي.. يكشفه علي جمعة
  • عبدالله علي ابراهيم ، لمن يكتب هذا الرجل ؟
  • جوجل تدخل وضع الذكاء الاصطناعي الجديد إلى محرك البحث
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: أوروبا المنكسرة (سلطة الأم أم سلطة الأب)