شرق سوريا.. أيادي إيران تحرك عباءة العشائر على ضفتي الفرات
تاريخ النشر: 10th, May 2024 GMT
ما إن أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شرق سوريا عن لقاء جمع قائدها مظلوم عبدي مع شيوخ ووجهاء عشائر في محافظة دير الزور قبل أسبوع حتى خرجت صورة متشابهة ومتناقضة في آن واحد من الضفة الأخرى لنهر الفرات (الغربية).
والوجهاء الذين التقاهم قائد "قسد" من قبيلتي "العكيدات" و"البكارة"، وأكد عبدي بحسب بيان رسمي خلال الاجتماع على عدة نقاط أبرزها أن "العشائر هم الضمانة الأساسية لحماية المنطقة من كل التهديدات التي تتعرض لها".
أيامٌ قليلة مضت على الحدث، الذي لم ينفصل عن المواجهات التي شهدتها دير الزور في سبتمبر 2023، حتى أعلنت إحدى القبائل في المحافظة ذاتها لكن ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد عن تشكيلٍ حمل اسم "سرايا البوشعبان".
ومن المقرر حسبما ذكر صحفيون لموقع "الحرة"، وبيان نشرته وسائل إعلام محلية، أن تكون مهمة "السرايا الجديدة" محاربة "قسد"، التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة الأميركية.
ويوضح الصحفي، زين العابدين العكيدي لموقع "الحرة" أن الإعلان عن تشكيلها جاء في أعقاب اجتماع في دير الزور أشرف عليه النقيب أحمد عبد الكريم المحيميد، الذي يشغل مسؤول غرفة العمليات في مكتب العشائر التابع للنظام السوري.
وضم كلا من إبراهيم الهفل شيخ قبيلة "العكيدات" الذي قاد مواجهات ضد "قسد" مؤخرا وانتقل إلى مناطق سيطرة النظام، والشيخ علاء اللباد أحد شيوخ قبيلة "البوشعبان" وصبحي الحنان أحد وجهاء قبيلة "البكارة".
ورغم أن الصحفي العكيدي اعتبر أن السرايا "لم تبصر النور على الأرض" حتى الآن وقرار الإعلان عنها بمثابة "ضغط إعلامي" سادت تكهنات لدى البعض من المراقبين، حيث رأوا أن تشكيلها يرتبط "بأيادٍ إيرانية".
ومع تضارب الصورة المتعلقة بما حصل أصبحت "العباءة العشائرية" أكثر ما يحكم مشهد مناطق الشرق السوري، وخاصة محافظة دير الزور، وفق قول وقراءة مراقبين تحدثوا لموقع "الحرة".
ما هو موقف الولايات المتحدة؟منذ سنوات تنتشر الكثير من التقارير التي تفيد بمساعي تقودها إيران للعب الورقة العشائرية ضد الولايات المتحدة الأميركية، في سبيل الضغط عليها، ودفعها للخروج من المناطق التي تنتشر فيها في شمال وشرق سوريا.
ومع أن تلك المساعي أكدتها تحركات ومؤشرات بقيت الكثير من تفاصيلها غامضة، نظرا لصعوبة التغطية الإعلامية في دير الزور، والقيود التي تفرضها ميليشيات إيران هناك، وكذلك "قسد"، التي تسيطر على مناطق الضفة الشرقية للفرات.
وردا على سؤال يتعلق بموقف الولايات المتحدة من التحركات الإيرانية المتعلقة بـ"استغلال العشائر" قال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بات رايدر إن ذلك "ليس سلوكا جديدا على إيران".
وأضاف يوم الخميس أن الطريقة التي تدير فيها إيران أعمالها هي تدريب المجموعات الوكيلة والتأثير عليها، في إطار سياستها الخارجية الهادفة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
رايدر أشار إلى أن هدف طهران من إزاحة واشنطن من المنطقة هو إتاحة المجال لتنفيذ ما ترغب به إيران في المنطقة "دون رادع"، وأكد أن تلك المساعي هي مسار تواصل الولايات المتحدة مراقبته.
كما تابع أنه من المهم، من وجهة نظر الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، أن تحترم سيادة البلدان التي تعمل معها، على عكس بعض هذه المجموعات الوكيلة (الميليشيات الموالية لإيران)، التي دمجت نفسها في هذه الدول.
"محطة سبتمبر وما بعدها"ولا ينفصل اللقاء الذي جمع مظلوم عبدي مع شيوخ ووجهاء العشائر، قبل أسبوع، عما عاشته دير الزور قبل ثمانية أشهر من مواجهات، حيث كان أحد طرفيها "قسد" والثاني قوات عشائرية قادها شيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل.
واستمرت المواجهات لعدة أيام، وانتهت بإعلان "قسد" دخول معقل الهفل في بلدة ذبيان، وعبور شيخ قبيلة "العكيدات" باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، على الضفة الأخرى من نهر الفرات.
كما لا ينفصل التشكيل الجديد (سرايا البوشعبان) عن مواجهات سبتمبر أيضا، ويأتي ضمن إطار استكمال المواجهات ضد "قسد"، والتي أخذت خلال الأشهر الماضية طبيعة الاستهدافات الليلة في الريف الشرقي لدير الزور.
وكانت الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري" في دير الزور وأخرى منخرطة ضمن ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" قد صعّدت من هجماتها ضد القوات الأميركية في شمال وشرق سوريا، في أعقاب الحرب بغزة.
لكنها توقفت بعد الرد الأميركي الأخير على حادثة قصف قاعدة "البرج 22"، الواقعة داخل الأراضي الأردنية.
ويشير تحليل نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" الجمعة أن "إيران حولت تركيزها بعد الضربات الانتقامية إلى تخفيف القبضة الهشة بالفعل لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد شرق نهر الفرات".
واستندت بذلك على "الميليشيات القبلية العربية"، وعلى الطابع العشائري الذي تعرف به المنطقة هناك.
وتوصل التحليل أن "استهداف قسد له منطق استراتيجي واضح"، وهو "إبقاء الصراع محليا، وبالتالي فرض خطر محدود من الانتقام الأميركي". ويصل كل ذلك إلى نقطة دفع واشنطن لتقليص وجودها هناك.
ماذا يقول المراقبون؟تختلف قراءات المراقبين الذين تحدثوا لموقع "الحرة" ببعض الجزئيات فيما يتعلق بالمحاولات التي تقودها إيران مع العشائر العربية.
ورغم أنهم لا يستبعدون نوايا طهران وحرسها الثوري وأهدافها في شرق سوريا يرفضون فكرة وسم "الانتفاضة العشائرية" التي خرجت ضد "قسد" مؤخرا بطابع إيران، وخدمة لمصالحها.
وكانت المواجهات الأخيرة قد اندلعت شرارتها بسبب "ممارسات قسد" ضد العشائر ولأسباب كامنة تتعلق بحقوق أبناء المنطقة في دير الزور.
وتطورت المجريات شيئا فشيئا ووصلت إلى حد إجبار إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات للخروج إلى مناطق سيطرة النظام، بعد محاصرته من كل الجهات.
لكن في المقابل ألمحت "قسد" في بيانات سابقة إلى وجود "خلايا تتبع للنظام السوري وإيران كانت وراء المواجهات التي اندلعت ضدها في سبتمبر الماضي".
وتحدث قائدها عبدي في اللقاء الأخير عن "أخطاء فردية" وقعت في دير الزور أثناء "ملاحقة خلايا داعش"، في إشارة منه إلى الاعتقالات التي استهدفت أبناء من العشائر العربية.
ويقول الصحفي العكيدي إن "علاقة الشيخ إبراهيم الهفل بإيران والحرس الثوري غير صحيحة"، لكنه يضيف أنه يتلقى دعما من مكتب العشائر التابع للنظام، ومن اللواء 104 التابع لـ"الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة".
ويستبعد أن يُحدث التشكيل الأخير في مناطق النظام (سرايا البوشعبان) أثرا فعليا، لاسيما أن أبناء هذه القبيلة يتواجدون في المناطق الخاضعة لـ"قسد" في ريف حلب، وفي الريف الجنوبي الشرقي للرقة.
لكن في المقابل يقول الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، سامر الأحمد إن "إيران استفادت من انتفاضة العشائر والحركة الأخيرة للشيخ إبراهيم الهفل، واستطاعت كسبه إلى طرفها".
كما كسبت عددا من التشكيلات العشائرية التي هربت من ضفة الفرات الشرقية إلى الغربية، وحاولت العمل على بعض الهجمات بعبوات ناسفة ضد "قسد".
وتندرج قصة "سرايا البوشعبان" تحت السياق الذي ذكره الأحمد.
ويرى في حديثه لموقع "الحرة" أن إيران تحاول عبر استغلال وجهاء عشائر موالين للنظام الإعلان عن تشكيلات عسكرية، بهدف استهداف مناطق قسد والقوات الأميركية".
وكان من بين تلك التشكيلات سابقا "حركة أبناء الجزيرة والفرات" والقوات التابعة لشيخ قبيلة "البكارة"، نواف البشير.
ويضيف الباحث السوري أن ذلك يصب في إطار "إطلاق ما يسمى بالمقاومة الشعبية العشائرية"، في محاولة منها للإيحاء بأنها قادرة على ما اتبعته في السابق بالعراق.
"تحت عنوان العشائر"ويتحدث عمر أبو ليلى، وهو مدير شبكة "دير الزور 24"، عن وجود "ميليشيات في شرق سوريا تتلقى تمويلا علنيا من النظام السوري والحرس الثوري الإيراني، وتعمل تحت مسمى وعنوان (المقاتلين العشائريين)".
ويقول لموقع "الحرة" إن الاستقطاب الذي تسير به إيران وصل مؤخرا إلى حد دخول "حزب الله" اللبناني على الخط".
وبين فترة وأخرى يتسلل قياديون من "حزب الله" إلى شرق سوريا وبالتحديد إلى دير الزور، ويعلمون على مسار "تمكين المقاتلين العشائريين وإغرائهم وتحفيزهم على تنفيذ هجمات" على ضفة الفرات الشرقية.
ويضيف أبو ليلى: "الهجمات بهدف الضغط على الأميركيين"، وأن إيران و"الحرس الثوري" تطلق يد عناصر وقادة الميليشيات لقاء ذلك للقيام بعمليات تهريب سلاح وبشر ومخدرات وما إلى ذلك.
ويغلب على مناطق شمال وشرق سوريا الطابع العشائري، وتوجد الكثير من العشائر الكبيرة، وعلى هذا الوتر تلعب إيران ومليشياتها، وفق مدير الشبكة الإخبارية.
ويورد تحليل لمعهد واشنطن، في أبريل 2021 أن ما يساعد إيران لتوسيع نفوذها في شرق سوريا هو "تكرار التوتر بين قسد وبعض أفراد العشائر العربية".
وذلك بسبب الخلافات على التمثيل في المحافظة المحلية وتوزيع المنافع المكتسبة من بيع النفط والغاز"، وفق التحليل.
وجاء فيه أن "أي جهود للتخلص شرعيا من النفوذ الإيراني في شرق سوريا تستوجب عمليات تكافح النفوذ الإيراني على الأصعدة الاجتماعية والعسكرية والمالية بين العشائر المحلية هناك، الأمر الذي قد يكون صعبا للغاية".
هل تنجح إيران بمساعيها؟وكان النظام السوري و"الحرس الثوري" الإيراني قد فعّل مؤخرا تشكيل مسلح قديم جديد يطلق عليه اسم "قوات الكربلاء"، كما يشرح الصحفي العكيدي لموقع "الحرة".
يقود هذه القوات شخص من بلدة كفريا (الشيعية) في ريف إدلب ويدعى أبو علي الكربلائي، وبدأت قواته بالفعل وعددها يصل إلى 80 عنصرا بشن هجمات ضد "قسد" في الريف الشرقي لدير الزور.
الصحفي يعود بالذاكرة إلى الوراء، ويشير إلى أن محاولات إيران لاستقطاب العشائر ليست بالأمر السهل، ويلقى رفضا اتضح في أكثر من مناسبة.
وفي وقت سابق طرح عبد الله الشلاش الذي ينتمي لقبيلة "البوسرايا" فكرة على شيخ العشيرة مهند الفياض، أساسها تشكيل فصيل عسكري خاص بهم وبتمويل من إيران.
لكن المقترح قوبل بالرفض، وتعرض صاحبه الشلاش لتهديدات وصلت إلى حد القتل، حسب العكيدي، ما دفعه لنفي ما أشيع على لسانه.
وتمتد قبيلة البوسرايا من منطقة العياش إلى التبني، وتهيمن على الريف الغربي لدير الزور بالكامل.
ورغم أن "الدفاع الوطني" التابع للنظام والمعروف بـ"القطاع الغربي" تأسس بانخراط أبنائها، إلا أن العشيرة ككل بقيت بعيدة عن إيران وعادتها.
ولعبت خلال السنوات الماضية دورا إيجابيا على صعيد إبعاد أي تهديد يطال أبناءها، وخاصة الذين كانوا منخرطين في السابق بالقتال ضد النظام السوري ضمن تشكيلات إسلامية ومعارضة، حسب العكيدي.
ويشير الباحث السوري الأحمد إلى أن إيران بدأت منذ عام ونصف العمل على مشروع استقطاب مقاتلين من أبناء العشائر.
وروجت لأكثر من مرة مع وسائل إعلام النظام السوري على "فكرة المقاومة العشائرية للاحتلال الأميركي في شمال وشرق سوريا"، حسب حديثه.
ولا يعرف ما إذا كانت التشكيلات المعلنة حاليا سيترسخ نشاطها على الأرض، وما إذا كانت إيران ستنجح بشن هجمات ضد القوات الأميركية "بأيدي عشائرية".
ويقول الأحمد: "إيران تحاول القول: (كما فعلنا في العراق سنشكل مقاومة عشائرية في سوريا)"، ويضيف أن الأمر مرتبط بمدى قدرة شيوخ العشائر على استقطاب شبانهم.
ماذا عن "قوات سوريا الديمقراطية"؟في اجتماعه الأخير مع الوجهاء غازل قائد "قسد" عبدي شيوخ العشائر بعد توتر دام لأشهر، وبينما أكد على دورهم الآن وسابقا في محاربة تنظيم داعش وحماية مكتسبات المنطقة، أشار إلى "فضلهم الكبير في تحرير المنطقة من الإرهاب".
وتطرق البيان الرسمي الذي نشرته "قسد" إلى "الدور التخريبي الذي تلعبه الأجهزة الأمنية للنظام السوري، وحلفاؤه في دير الزور".
وترتبط "قسد" بالنظام السوري بعلاقة ملتبسة منذ سنوات.
ورغم أنها تتهمه بالقيام بعمليات "تخريب" في دير الزور كانت قد فتحت الباب أمامه في 2019، حيث أدخل قوات وتعزيزات إلى طول المناطق الحدودية مع تركيا وإلى الرقة وريف حلب.
ويوضح الباحث السوري الأحمد أن "قسد" عملت على أكثر من اتجاه لاستمالة العشائر، وأدخلت شخصيات عشائرية إلى مجلسها السياسي الجديد (مسد).
كما رعت تأسيس "مجلس قبيلة طي" لمنافسة مجلس آخر بذات الاسم والعشيرة في مناطق سيطرة النظام السوري.
ورغم هذه التحركات يرى الأحمد أن "قسد لم تقدم الأدوات المناسبة لاستمالة العشائر حتى الآن"، والتي تذهب باتجاه تمكينهم اقتصاديا وتخفيف الضغط الأمني على أبنائها مع توزيع ثروات المنطقة بشكل عادل.
ويضيف في سياق متصل أن "التحالف الدولي أيضا غير مهتم بالموضوع، وليس لديه أي تحركات على الأرض لكسب العشائر، وهي نقطة الضعف التي تستغلها إيران".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مناطق سیطرة النظام الولایات المتحدة النظام السوری الباحث السوری الحرس الثوری فی دیر الزور فی شرق سوریا شیخ قبیلة ورغم أن
إقرأ أيضاً:
شاهد.. مأساة صحية في دير الزور وحملة شفاء للإسعاف
دير الزور- يعاني المواطن عمر حسين الخيري من ألم أسفل ظهره "الديسك" منذ أشهر، جاء لطلب الجراحة من فريق طبي يزور دير الزور، ويقول للجزيرة نت إن الوضع في محافظته لا يسمح بإجراء عمليات كهذه بسبب غياب المعدات.
أما المواطن مصطفى الحمد والد الطفلة رهام، فقال للجزيرة نت إن ابنته تعاني من كسر منذ 3 أسابيع، وكان عليه الانتظار لحين قدوم الحملة الطبية، بسبب حالته المادية التي تمنعه من السفر للعلاج خارج المحافظة.
وتعيش محافظة دير الزور، شرقي سوريا، واقعا صحيا متدهورا بعد سنوات من الحرب والحصار، وسط نقص حاد في الكوادر والتجهيزات والمعدات، ما جعلها من أكثر المناطق السورية احتياجا للدعم الصحي النوعي.
وفي خطوة تعد الأولى من نوعها كانت انطلاقة حملة طبية "شفاء"، التي يقودها وفد من نخبة الأطباء السوريين المقيمين في أوروبا والمملكة المتحدة، بهدف تقديم خدمات طبية وجراحية متخصصة في عدد من المحافظات السورية، من بينها دير الزور.
يوصف الواقع الصحي في دير الزور بأنه "الأسوأ على مستوى البلاد"، بحسب ما أفاد به مدير الصحة في المحافظة الدكتور يوسف السطام للجزيرة نت، مشيرا إلى أن القطاع الصحي في المحافظة يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية والتجهيزات، حيث لا يعمل من أصل 10 مستشفيات إلا اثنان فقط، في حين يعمل أقل من ثلث مراكز الرعاية الصحية البالغ عددها 106 مراكز.
إعلانوأضاف السطام أن دير الزور بعيدة جغرافيا عن مركز القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، وهذا ساهم في تهميشها، كما أن نسبة الدمار التي لحقت بالمنشآت الصحية كبيرة، والكوادر الطبية نزحت أو غادرت منذ سنوات.
بدوره، وصف الدكتور وائل الديري، مختصة جراحة الأوعية ضمن "حملة شفاء"، الوضع بأنه "مأساوي"، موضحا للجزيرة نت أن الفريق يعمل على تقييم الحالات بأبسط الوسائل المتاحة، فلا توجد تجهيزات كافية حتى لتصنيف الحالات الإسعافية، ويتم الاعتماد حاليا على الخبرة السريرية والحد الأدنى من المعدات.
أما الدكتور فراس المشلب، استشاري أمراض القلب، فقال للجزيرة نت إن الوضع الصحي في دير الزور لا يقل سوءا عن باقي المناطق السورية، لكن نسبة الدمار والإهمال المتعمد جعلت منها حالة خاصة، فلا يوجد مركز قسطرة قلبية ولا معدات لإجراء عمليات فتح الصدر، ما يضطرنا لتحويل الحالات إلى محافظات أخرى.
حملة "شفاء"
ضمن تحرك إنساني نوعي، وصل وفد طبي مكون من 80 إلى 100 طبيب سوري من أوروبا والمملكة المتحدة إلى عدة مناطق سورية، أبرزها دير الزور، ضمن "حملة شفاء"، بإشراف مباشر من وزارة الصحة ومديرياتها.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الدكتور أسامة الصالح، مختص الجراحة العصبية، إن الوفد بدأ عمله في المستشفى الوطني بدير الزور، حيث استقبلنا أعدادا كبيرة من المرضى، وفعّلنا 4 عيادات بالتوازي لتقييم الحالات، وسيُجرى للمرضى المحتاجين تدخلات جراحية مباشرة ضمن برنامج الحملة الممتد حتى 3 أسابيع.
وأضاف الصالح أن الوضع الصحي الخاص في دير الزور نتيجة الحصار السابق وبعدها عن المركز جعلنا نشهد تراكما كبيرا في الحالات المرضية، وتم بالتعاون مع مديرية الصحة تجهيز غرفتي عمليات وأسرّة للعناية.
إعلانوأوضح الصالح أن الفريق يشمل تخصصات الجراحة العصبية والعمود الفقري والجراحة العامة وجراحة الأوعية والداخلية القلبية وسيُستكمل البرنامج لاحقا بفرق إضافية في الجراحة العصبية والعامة.
وأكد الدكتور فراس المشلب أن جزءا من الخطة يشمل تنسيقا مع محافظات أخرى لتحويل الحالات التي تحتاج قسطرة قلبية أو عمليات قلب مفتوح إلى دمشق أو حمص، بسبب غياب التجهيزات اللازمة في دير الزور.
تُعد "حملة شفاء" خطوة إسعافية عاجلة لمواجهة التدهور الصحي الكبير، لكنها أيضا تفتح الباب لنقاش أوسع حول ضرورة تفعيل القطاع الصحي في شرق سوريا، وفق ما أكده الدكتور يوسف السطام للجزيرة نت. وقال إنهم يسعون لتحويل دير الزور إلى مركز خدمات طبية متكاملة يخدم المنطقة الشرقية برمتها من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير الكوادر عبر التدريب المستمر وتأمين التجهيزات النوعية.
وأشار السطام إلى أن المحافظة بحاجة ماسة لأجهزة حديثة مثل الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري والتصوير الظليل ومعدات جراحية متقدمة ومركز قسطرة قلبية.
كما ناشد الدكتور أسامة الصالح جميع المنظمات الدولية والدول المانحة برفع العقوبات عن سوريا، والسماح بتقديم الدعم للقطاع الصحي، معتبرا أن الكوادر السورية في الخارج قادرة على إحداث فرق إذا تم تهيئة الظروف المناسبة لهم للعمل داخل البلاد.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية، تُشكّل "حملة شفاء" نقطة ضوء في نفقٍ طويل من التحديات الصحية والإنسانية التي تعيشها محافظة دير الزور.
وبين أمل الأهالي وتفاني الأطباء العائدين، يبقى الواقع الطبي مرهونا بدعم دولي حقيقي وإرادة فعلية في إعادة الحياة إلى مؤسسات الرعاية الصحية.
إعلان