ماهية الزمن في الرواية… رؤية في ضوء قضايا الإنسان
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
يمن مونيتور/القدس العربي
ما علاقة الزمن بالإبداع الروائي، وبقضايا الإنسان وهمومه؟ نطرح هذا السؤال، لأنه قد يتبادر إلى الذهن أن الزمن ليس ذي صلة مع الإبداع الروائي، ومع مشكلات الإنسان وأزماته، التي تنحصر في المشاعر والأحاسيس، وكدّه في الحياة من أجل لقمة العيش، ومن ثم تنعكس على واقع الإنسان شقيا كان أو سعيدا، إلى جانب الأبعاد الفكرية التي تغلف كل ما هو إنساني.
لكن إذا تأملنا أكثر، سنكتشف أن الوشائج عظيمة بين الزمن والإبداع، فهناك تلازم بين الرواية والطبيعة الزمنية للتجربة الإنسانية، الذي يمثل صورة من صور الضرورة العابرة للثقافات، أي بعبارة أخرى: يصير الزمن إنسانيا بقدر ما يتمّ التعبير عنه، من خلال طريقة سردية، ويتوفر الزمن على حين يصير شرطا للوجود الزمني. ولكي تتضح الصورة أكثر، نضرب مثالا، من خلال الثلاثية الروائية الشهيرة لنجيب محفوظ: «بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية» فهذه الروايات ما هي إلا رحلة زمنية لعائلة مصرية، تبدأ من الجد السيد أحمد عبد الجواد، وتنتهي بالأحفاد. فالزمن هنا زمن خاص بالعائلة، وبالأحياء التي سكنوا فيها، وهو أيضا زمن الوطن مصر، من خلال الأحداث السياسية والتاريخية التي أصابت المجتمع في الأساس، وانعكست على الأسرة، فالابن «فهمي» استشهد برصاص الاحتلال الإنكليزي في ثورة 1919، وتفاعل شباب الأسرة مع ما مرّ بمصر من أحداث، وانخرطوا في جماعات وأحزاب سياسية سرية أو علنية، لتحرير الوطن. فلا يمكن قراءة الرواية في أبعادها الإنسانية، بتغافل البعد الزمني فيها.
وكما يشير عبد الملك مرتاض في كتابه «في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد» بأن الزمن مظهر وهمي، يُزَمْنن الحياة والأحياء والأشياء فتتأثر بمضيه الوهمي، غير المرئي وغير المحسوس. فالزمن كالأوكسجين يعايشنا في كل لحظة من حياتنا، وفي كل مكان من حركاتنا، غير أننا لا نحس به، ولا نستطيع أن نتلمسه، كما نرى أثر مرور الزمن وثقله وفعله ونشاطه في الإنسان حين يهرم، وفي البناء حين يبلى، وفي الحديد حين يصدأ، وفي الأرض حين تتخدد، فالزمن مظهر نفسي لا مادي، ومجرد لا محسوس، ويتجسد الوعي به من خلال ما يتسلط عليه بتأثيره.
إن الزمن ليس محسوسا على مستوى كينونته، لكن يمكن تلمّس آثاره، ومعرفة تطوراته، مقارنة بين أيام الطفولة والشباب والشيخوخة؛ عندما نطالع صورا مختلفة لمراحل عمرنا، ونتأمل تجاعيد الوجوه، وتغيّر ألوان الشعر حسب مراحل عمرنا. وللزمن بعد آخر في الرواية، عندما يتعلق بمصير الإنسان، وتقلبات الحياة به، والتغيرات الطارئة على المجتمعات، ما بين اليسر والعسر. فلا بد من الوعي بالزمن، لدى الروائي، والقارئ، والناقد، من خلال قراءة دوائر الزمن في محيطها الإنساني، أو انعكاس الزمن على الإنسان، أو زمن إبداع النص والقضايا الساخنة فيه.
فثمة أزمنة عديدة تحيط بالرواية، منها زمن الحكاية أو الزمن المحكي، وهي زمنية تتمخض للعالم الروائي المُنشَأ. وهناك زمن الكتابة؛ ويتصل به زمن السرد، مثل سرد حكاية شعبية ما، وأيضا زمن إفراغ النص السردي على القرطاس، وهو يشابه زمن الحكي الشفاهي على الآذان المتلقية. وهناك زمن القراءة الذي يصاحب القارئ وقت قراءة النص الروائي. ويضاف كذلك زمن المخاض الإبداعي وهو تلك اللحظة العصيبة التي تحاكي المخاض الفكري، حيث لا يكون السارد هو نفسه متمكنا من هذا المولود الخيالي الجديد. وإنما تراه هو أيضا يبحث عنه في المخيلة الخلفية.
فعلى قارئ الرواية أن يضع في حسبانه هذه الأزمنة، وهو يقرأ النص الروائي، فالرواية المكتوبة عن الحرب العالمية الثانية، تقدم زمنا مغايرا لزمن القارئ المعاصر، الذي يتوجب عليه إعمال مخيّلته؛ ليفهم الزمن المصاحب للرواية، وظروف إبداع الرواية نفسها، في زمن كتابتها، وزمن مخاضها، لكي يكون واعيا بالقضايا الإنسانية المطروحة في الرواية، على صعيد الصراعات الدموية والضحايا وأنانية الزعماء.
وتستلزم القراءة لأزمنة الرواية – الداخلية والخارجية – منهج الهرمنيوطيقا (التأويل) الذي يساهم في إعادة بناء شبكة العمليات التي يرتفع بها العمل الأدبي فوق الأعماق المعتمة للحياة، والتصرف والمعاناة. فنحن نتابع مصير زمن مصور سابقا، يتحول إلى زمن يعاد تصويره من خلال وساطة زمن متصوَّر.
فقارئ ثلاثية نجيب محفوظ، في عصرنا الآني؛ عليه معايشة الأزمنة الخارجية الثلاثة لكل رواية من الثلاثية، لأنها تنتقل من جيل إلى جيل، وفي كل جيل هناك قضايا وطنية تؤرقه، وهموم شخصية تلازمه. فشخصيات الرواية لها أزمنتها الخاصة، التي تتدرج فيها من الطفولة إلى الشباب إلى الشيخوخة، وفيها جوانب من معاناتها مثل إصابتها بمرض أو فقدان الابن، ونظرتها للأحداث التي يمر بها الوطن، والأفكار التي تشغل الناس، ويجب تأويل كل هذا في رؤية فكرية ونفسية. كما يلزم أيضا عدم الاكتفاء برصد الزمن، وتحليله، والوقوف على تبدلاته وأجوائه، وإنما لا بد من السعي إلى فهم دلالة ذلك، وربطه مع الأفكار التي يطرحها الروائي في نصه. وعلينا الانتباه إلى أن دور القارئ الفاعل هو إعادة تصور- خياليا- السرد في الرواية، وإكماله في ذهنه، أي أنه يبني خيالا على خيال الرواية، ويتبع ذلك تصور الزمن الخارجي لكتابة الرواية، والأزمنة الداخلية التي تكتنف أحداثها، فلن يفهم الطروحات الإنسانية وقضاياها إلا بفهم الزمن؛ ديناميته أو سكونه.
كاتب وأكاديمي مصري
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الرواية اليمن قضايا الانسان فی الروایة من خلال
إقرأ أيضاً:
رئيس الهلال حضوراً..!
تأمُلات
كمال الهِدَي
. تابعت الفيديو الذي صوره رئيس نادي الهلال السوباط من (حديقة) البيت الأبيض فزادت حسرتي على نادي الحركة الوطنية، هلال الملايين.
. على المستوى الشخصي لا يجذبني اللمعان الزائف، وأرى دائماً أن كل من يحترم نفسه لابد أن يبجل أي مؤسسة ينتمي لها.
. والهلال بالنسبة لي (كان) مؤسسة محترمة وذات إرث ثري لا فريق كرة قدم والسلام.
. ولهذا ظللت أشعر بالأسى منذ أن تولى أمره رويبضات هذا الزمن ورجال مال يدرك غالبية الأهلة من أين يجنون أموالهم، وكيف صاروا أرقاماً في هذا الزمن الأشتر، لكنهم، أي الأهلة يصمون آذانهم عن كل ذلك طالما أن هناك من يجلب لهم المحترفين الأجانب (متوهمين) أن هذا هو المُنتهى، وأن الهلال سوف يتسيد القارة الأفريقية كروياً.
. والمحزن في الأمر حد الفجيعة أن الأموال تأتي من أنشطة تساهم في قتل أهلنا ودمار بلدنا، فكيف يثيرنا البريق الزائف لهذه الشخصيات لمجرد أنهم ينفقون على نادٍ أسسه الرعيل الأول من الأهلة لكي يكون منارة ومنصة لمناهضة المستعمر ونحن من يتكلمون عن ثورة الوعي!
. كيف أكون واعياً وثورياً. مناهضاً لحكم العسكر وفي ذات الوقت أقبل بأن يتولى شأن واحد من أعظم أندية البلد جوكية وخُدام هؤلاء العسكر، هذه حالة تستوجب الدراسة إن لم تتطلب معالجات نفسية، فهو تناقض لا يُفهم إطلاقاً.
. ويمضي بعض المضللين لأبعد من مجرد الصمت تجاه هذا الوضع غير السليم بإنخراطهم في مبادرات الغرض منها إضفاء المزيد من الزخم علي ما يجري في الهلال وتخدير وإلهاء المزيد من جماهيره.
. فمبادرة (دولار الهلال) التي أطلقها البعض في الزمن الخطأ لم يكن هدفها إطلاقاً جني المال، فالمال متوفر بكثرة من الأنشطة التي تساهم في قتل السودانيين ودمار الوطن كما أسلفت.
. وكثيراً ما سألت: كيف ولماذا تضاعف الصرف علي الهلال عشرات المرات في زمن الحرب، فالطبيعي أن يعاني أي رجل أعمال في مثل هذه الظروف إن لم يكن متكسباً من الحرب!
طرحت هذا السؤال عشرات المرات لكنه يقع على آذان صماء لأن الكثيرين يبحثون عن الفرح الزائف ولو كلفهم ذلك التخلي عن المباديء وهو ما يتعارض تماماً مع فكرة أن تكون ثورياً.
ما دعاني اليوم لخط هذه السطور هو أن الفيديو الذي صوره السوباط من حدائق البيت الأبيض إستفز عقلي ففيه إستخفاف بعقول الناس وإعتراف ضمني بأن الرجل يتكسب من خدماته للجيش ونفاقه وكذبه على قادة هذه المؤسسة وعلى البسطاء من شعبنا.
. فقد ذكر السوباط أنه شارك في تنصيب ترمب كشخصية (مستقلة) مضيفاً أنه إلتقى بوزراء أمريكيين لكي يوضح لهم أن الحرب تجري في السودان بين قوات مسلحة تمثل رمز الدولة وقوات متمردة.
. قبل أن أكمل الفيديو ترحمت كثيراً على الطيب عبد الله وعبد المجيد منصور، وسألت الله طول العمر والعافية لطه البشير والسماني وآخرين من الرجال القامات الذين أداروا الهلال في وقت مضى.
. ولعنت هذا الزمن الأغبر الذي صار فيه من اليسير على كل من هب ودب أن يصبح إدارياً كبيراً في هذا النادي العريق، طالما توفر له المال (الساهل) ووظف عدداً من أرزقية الإعلام و (المطبلاتية).
. فقد كشف السوباط دون دراية منه عن أهداف تمثيليته (البايخة).
. إذ كيف وصلتك دعوة كشخص (مستقل) لحضور تنصيب ترمب! ومن تكون حتى تصلك الدعوة أصلاً! هل لأن ترمب (هلالابي) أسعدته إنتصارات الأزرق الأخيرة، أم ماذا!
. نحن لسنا رجرجة ودهماء يا سوباط لكي تنطلي علينا مثل هذه التمثيليات وهذا الحديث الأجوف.
. فات عليك أن من لم يموتوا فقد (شقوا) المقابر.
. وليس صعباً علي أي مواطن أمريكي أو زائر أن يحضر مثل هذه المناسبات من حدائق البيت الأبيض، أو أي ساحة تتوفر فيها لافتات ليقف أمام أي منها ويسجل من الفيديوهات ما يشتهي.
. قلت أنك إلتقيت عدداً من الوزراء الأمريكيين وقدمت لهم إيجازاً عن الحرب الدائرة في السودان، دون أن تسمي لنا من هم هؤلاء الوزراء الذين إلتقيتهم!
. ولأن السوباط رجل كثير المال وبسيط الفهم توهم أن الأمريكيين لا يعرفون أن من صنع هذه القوات المتمردة ومكنها من ثروات وموارد السودان هي القوات المسلحة التي تمثل (رمز البلد) حسب وصفه.
. وكشف بسذاجته عن ميوله السياسية ورغبته في إستمرار الحرب التي يتكسبون منها جميعاً، فليس هناك (مستقلاً) غيرك أجهد نفسه بتمثيل مثل هذا التمثيلية (البايخة).
. وفات عليه أيضاً أن هؤلاء الأمريكيين يدركون أن مجلس الأمن عندما أراد في وقت مضى تصنيف (الجنجويد) كمليشيا متمردة فإن أول من وقف أمام مشروع القرار ذاك هو مندوب حكومة الكيزان الذين ينتمي لهم السوباط (المُستقل) - الذي يبدو لي أنه كان يريد االقولأنه شخص (مُستغِل) - لكنه خلط بين الحرفين ولم يميز بين (القاف) و (الغين).
. فهو ونائبه وعدد من مجلس إدارته يستغلون إسم الهلال وجماهيره العريضة لجني المزيد من المال والشعبية لتنظيم دمر هذا البلد وأذل أهله وجرف عقول الملايين منهم.
. ولأن هناك دائماً أرزقية وإعلاميين لا يهمهم سوى المال فقد سارعت حائطية ( الكرامة) لإصدار مانشيت ساخناً حول حضور السوباط المفترض لحفل تنصيب ترمب.
. وبالطبع ستحذو حذو الكرامة التي يقبض إعلاميوها رواتبهم من السوباط كل من صحيفة وقناة الزرقاء وستتابعون تطبيلهم وخداعهم للناس بهذه التمثيلية البايخة، فأغلبهم يقبضون من الرجل ولذلك سيهمهم كثيراً إرضاء ولي النعمة مثلما سعى هو لإرضاء ولي نعمته (البرهان) وبقية الكيزان المؤثرين.
. هو ياخي إنت لولا عصر الانحطاط الذي نعيشه ما كان من الساهل أن تمر من أمام نادي الهلال دع عنك أن تترأسه داير كمان تدخل البيت الأبيض كمدعو رسمياً لحضور حفل تنصيب رئيس أمريكي!!
. ولعبة إلتقاط الصور مع بعض الشخصيات التي رتبها لك طارق حمزة (الشفت) فيما يبدو لن تنطلي علينا هي الأخرى.
. فأمريكا أيضاً بها أرزقية وشخصيات (خفيفة) من شاكلة تلك المرأة التي تجوب القنوات كمسئولة سابقة مفترضة لتلميع جيشكم وجماعتكم الفاسدة.
. فأحترم عقولنا يا سوباط ويكفي أنك جلبت شريكك العليقي لكي تتراسا الهلال معاً بقولك له أنك لا تفهم في الكرة شيئاً ولابد أن يكون بجوارك في المجلس كمشجع نشط ووجدتما من الأقلام الرخيصة من يطبلون لكما.. يكفي ذلك فلا (تقرفنا) أكثر.
kamalalhidai@hotmail.com